مر مر 7 0 ال ال تي سه 0ك دع 00 )ات سسحت و سمه )الت ل سمس ظ 9 6 0# لاد السشسشيتسسية ا سم ل لل و الملبّحَة الآوزت 1 .كم ل 4 َيه ومو فهد بن دين نايف الْدنوس للشّراتالْأَدِي للمراسلة: الكويت - حولي - ص.ب: ٠٠١6‏ حولي 013310 18530_3108205؟ :نع مشرائ وا راليش لا السلا لقلباح: والف,م لجر بازيم نش , عر ع سسا ليخ رصزي مسْمَية مه ا درّه نمال نه .1١م‏ “1541م بيروتت - عتانك عريب :وه4همر»١‏ هافك :اوه .24711 تاكس :11ر1 41.. ذاعم ةط زع 62 وانو6 ١‏ درم .نعقطقو6[ه-:8ل 151069 :اأتقصرء 08-71 .انناب ١ع]‏ زوع بر رك © “١ ) 0 و ضرع سلا ب ور 2 سجر يها وكيا تقديم يضم هذا الكتاب عدداً من تراجم الرواد والمعاصرينء الذين يمثّلونَ صحافةٌ وثقافةً أزمنتهم» ومنهم من أشار على محرّرو الصحف بالكتابة عنهمء ومنهم من عرفته بالألفة أو المطالعة» وطابت لي أعمالهم المختلفة فعبّرت عنهاء وهم جميعاً يستحقون أن نستعيد قراءة نتاجهم» ونفيد منهء وتوجيه أبناء الجيل الحاضر إليهم . وقد كتب لبعضهم الذيوع والشهرة في الحياة وبعدهاء في حين عاش غيرهم في عزلة وانطواء» وتركوا الدنيا بسلام» ولم يشعر بهم الناس مع أنهم روّاد طليعيون شقُّوا طرقاً لم تكن موجودة قبلهم» مثل إدورد فانديك الذي أسبسن علم تاريخ آداب اللغة العربية (قبل جرجي زيدان)» ولم يكن هذا العِلْمْ معروفاً من قبلهء والسيدة لبيبة هاشم التي افتتح بها عصر الخطابة النسائية» وأول من كتب القصة الصغيرة في مصر عام 4م . وأول داعية لاجتماع نسائي عام لوضع خطة لتنهض المرأة الشرقية بموجبها عام ا14881م... وغيرهما. وهذا اللون من الرؤاد المجهولين أؤلى بالكتابة والإشادة من المعروفين. ومن الشخصيات التي لم يكتب عنها من قبل» أو كتبت عنها نتف قليلة؛ الشيخ أحمد ماضي الذي أصدر مع الشيخ علي يوسف صحيفة «المؤيد» الشهيرة» وهي أقوى جريدة مصرية ناهضت الاحتلال البريطاني لمصرء وقاومت الاستعمار الأوروبي للدول الإسلامية. ولا أقول إن ما كتبئه عن الشخوص المجهولين جلاهم. ولكن ما جاء عنهم في هذا الكتاب ؛ وسع من دائرة معارف القراء بهم . والتراجم عمل علمي. ولها مناهج مختلفة. وربما لا يصلح منهج واحد لكل الشخوص. فهناك شخصية استوفت حظها من الشهرة. وأخرى ما زالت خفية» لذلك يجب أن تختلف الطريقة فى الترجمة لكل جر جي زيدان» الذي لم يعرف عنه أنه أول ناقد للفن التشكيلي في عالم العرب . ولقد قلّبت كتباً كثيرة لأقف على أخبار واثار هؤلاء. وأعرض آراءهم ونظراتهم. واتصلت بذوي بعضهم لاستيفاء تراجمهم» وانتهى التطواف الناشط إلى الدوريات القديمة لأتعرف على بداياتهم وأطوارهم. وريما وضعتٌ هذه الكتابات المتواضعة عدداً منهم في دائرة الاهتمام الذي فقدوه عندما رحلواء وذكرت بهم بعد نسيان طويل» وقد أكون وُفْقتء والله ولي التوفيق. > سيا ويا القاهرة في 7١11/4/15‏ مع احمد شوقي ونقّاده يحتل اسم شوقي. مكانة بارزة في قائمة الطبقة الأولى من شعراء العربية الأماثل؛ مثل أبي نواسء وأبي تمام» والبحتري» والمتنبي» وأبي العلاء؛ بيد أن هؤلاء على سمو مكانتهم لم يَسْلّموا من التقد والهجوء وها هو المتنبي يتعصب له قوم. ويتعصب عليه آخرونء وفي كل هذا يبقى خالداًء وكذلك أحمد شوقي 147٠0(‏ -19137) لم يتلق النقاد نتاجه الأدبي من شعر ونثرء بالثناء والتقريظ؛ وإنما انتقده بعضهمء. وهذا من الظواهر الصحية في الأدب. فالأديب الكبير هو الذي يحرك الآخرين. ويترك صدى في النفوس . وكان شوقي يمقت النقدء ويضيق بهء شأنه شأن أي إنسان» وكان يحتال بكل الوسائل لإيقاف الحملات النقدية عليه. ومهما يكن من أمر هذا النقدء فقد كان شوقي كبيراً؛ إذ لم يتهاوّء أو يغير وجهته الأدبية» وإنما مضى في أداء رسالته ورعاية الأدب حتى آخر عمره. وكان شوقي معروفاً منل نشأته. بأنه شاعر الأمير «عباس حلمي الثاني؟ .)١944 ١417/4(‏ وكان ينشر قصائِده في مديحجه في الجريدة الرسمية والأهرام. ومنل عام ١897‏ أخل اسمه يظهر على كتبه» وكان أول كتاب وضع اسمه عليه هو مسر حية : «علي بك . أو فيما هي دولة المماليك». وهي غير مسرحيته : «علي بك الكبير أو : دولة المماليك» المنشورة عام .١877‏ |: / وفي عام ١8954‏ ألقى قصيدته الشهيرة: «كبار الحوادث في وادي النيل» في المؤتمر الشرقفي الذي عقد في جنيف؛. ويقول إدورد فانديك في كتابه «اكتفاء القنوع بما هو مطبوع»: إن «مجلة مصر» التي كان يصدرها «شارل كنياردوت» نشرتها في الجزء الأول مع ترجمة فرنسية لفيلييس بقطي. ويقول أيضاً: «وله رحلة إلى المؤتمر العلمي الذي انعقد في لندنء وكلها أشعارء وطبعت في مصرا. وهذا يبين أن اسم شوقي أخذ في الذيوع. ويدا للناس أنه يقف على أرض براح» مما استلفت الأنظار إليه. ومن لوازم الشهرة أن يكون المشهور موضع نقد وتقدير الآخرين؛ وهذا ما تعرض له شوقي في سني عمرهء وفي هذا المقال نتناول نقاد شوقي الذين انتقدوه في زمنهء والمعارك الشعرية التي خاضها . وكان الأستاذ العقاد ١48486(‏ 1955) قد أشار إلى الانتقادات الأولى التي وججهت إلى شوقي في مقدمة كتاب «الديوان» قائلاً: «وأنت إذا قلّبت الصحف القديمة رأيت فيها مئات في نقد الأدباء المشهورين؛ كتّاباً كانوا أو شعراء» ولا ترى اسم شوقي عرضة لمثل ذلك من حملاتهاء واستئْن مقالتين أو ثلاثاً بدأ بها المويلحي نقده في صحيفة «مصباح الشرق؟ ثُمّ قطع سلسلتهاء وهذا أدعى إلى الريبة». 5 أم المعارك : قال الأستاذ أنور الجندي )7٠٠١" 1١9119(‏ في مجلة الهلال انوفمبر/ تشرين الثاني 2١958‏ عن المعارك الأدبية بين شوقي ونقاده: «ويمكن القول بأن أولى المعارك وكبراها هي معركة الديوان». وإننا نتفق مع الأستاذ الجندي على أن معركة الديوان هي كبرى مم المعارك التي تعرّض لها شوقيء ولكننا نختلف في أنها أولى المعارك التي واجهته؛. وأثارت الشكوك حول شعره. أما تعليقنا على ما قاله الأستاذ العقاد ‏ من أن أحداً لم ينتقد أحمد شوقي إلا محمد المويلحي (18048 - )197٠‏ في البداية -؛ فإننا قلبنا الصحف القديمة وبعض الكتب؛ ووجدنا فيها عدداً من النقاد وضعوا شعر شوقي ونثره في ميزان النقد. 5 داود عمون : قد يتأثر النقد الأدبي بالأمور العارضة.ء والتيارات السياسية القائمة؛ فينحرف عن رسالتهء وتشيع فيه الآراء الباطلة» والأفكار العاطلة» فيصير النقد هجاءً». والنقد من العلم». وهو ميزان الأدب؛ إذ يقوم الناقد بتقديم الموضوعات» وإصدار الحكم عليها في ضوء المعارف الصحيحة والذوق الصقيل المدرّب. أما الهجاءء فتختلط فيه الأمور. ووسيلته اللفظ النابي والسبٌ القاسي . وكثيراً ما يوجد هذا اللون من النقد الجارح؛ أو الهجاء بين بعض الكُتَاب المعاصرين لبعضهمء والذي ينتمي كل منهم إلى مذهب أدبي أو حزب سياسيء أو اتجاه أيديولوجيء فينبري أديب لأديب» ويتصدذى شاعر لشاعر؛ ويدور بينهما عراك شديد؛ وسجال طويل» تحت راية النقد. ولكن الحقيقة أن كلا منهما يذود بصلابة عن موقعه الحزبي» أو موقفه العقائدي. ويهجم على الطرف الآخر للنيل منه. ومن هذا ما دار بين أحمد شوقي شاعر القصرء وداود عمون كاتب «المقطم» وشاعرها. وربما يكون داود عمون هو أول من دخل في معركة نقدية مع شوقي» وذلك إثر نشر قصيدة لشوقي في المؤيد (؟1/١١/1847١)‏ يهنىء فيها الخديو عباس ويمتدحهء ومما جاء فيها: . أهلاً بربٌ النبل ربٌ القرى رب البطاح الكثر ممايلي الجامع العرشين في واحد واللابس التاجين في المحفل المُمتطي متن السهاعرّة فلو أشارالدهرلمينزل الجاعل الأمة من عدله والفضل بين الظل والمنهل وقد تصدّى «عمون» لهذه القصيدة وراح ينتقصها في مقال نشرته المقطم 845/1١/90‏ 1) أورده د. السربوني في «الشوقيات المجهولة». وقال فيه: «نظم حضرة أحمد بك شوقي قصيدة لامية من اليحر السريع فقرأتها متشوقاًء فإذا هي من الشعر العادي؛ إذ لا أظن أحداً يعتبر من المتانة قوله: (الجامع العرشين في واحد. . .) البيت. فتخصيص الشاعر ليسه التاجين في المحفل لا معنى له ولاا صحة؛ لا في الحقيقة ولاا في المجازء ولكنها القافية قضت فأطاع الشاعر. ومن محال الضعف قوله في وصف المليك: (الممتطي متن السها عزة...) البيت: مبالغة» ومن ضعف التعبير: (الجاعل الأمة من عدله...) البيت: فإن عطفه الفضل على عدله ضعيفء. وإن كان جائزاً . وقد حاول «عمون» إضفاء الذوق الأدبيى على انتقاده لهذه القصيدة. وذكر أبياتها السائغة؛ إلا أن اختياره للأبيات التي خصٌّ بها شوفي مديح الخديوء وانتقادها؛ له دلالة كبيرةء وكأنه يريد أن يقول لشوقي: إنك هوّلت وطوّلتء وإن مليكك غير جدير بهذا التفخيم والتعظيم . وقد يكون في حديث شوقي مبالغة ومغالاة مثل كثير من الشعراء المادحين؛ إلا أنه وكاب «المؤيد» كانوا ينظرون إلى الخديو نظرة كلها إجلال وإكبارء وبخاصة أن الخديو كان غير راض عن وجود الإنكليز في مصر بعد توليه سدَّة الحكم. وعلى أية حال؛ فطن شوقي إلى قصد الناقد ١١‏ وهو: إبراز معايب شعره. وإهانة مليكه -» ومن الطبيعي أن يثير هذا حفيظته» فنظم قصيدة في هجاء «اعمون؛ وعرّض به قائلاً : ويمنعنيى من حاسدي ابن محمد فلا حكمتي دعوى ولا منطقي هوى جعلت مديحي آية الود في الورى قواف لرب الشعر لا النظم طائلي ولا مبدئي لؤم ولا قلمي وغد فجات نه الننيا .ونا اتتقل الود إذا هي سارت في البلاد ولا النقد * وهكذاء تحول النقاش إلى بغضاءء وتطور النقد وصار هجاءً؛ عندئذ حمل عمون على شوقي بقصيدة جاء فيها : وأشرع قوم للبذاء وشيجهم جموع لأشتات العلوم مفوّه على أنه لو كان خصمي منصفي فقد بدت البغضاء واتكشف الحقد سراعاً إلى العوراء تعدو بهم جرد «فلا مبدئي لؤم ولا قلمي وغد» لكان جزائي عنده الشكر والحمد ولولاي كان الداء ينمو ويشتد فإني فد داويته من غروره وقول عمون: «داويته من غروره؛» رد على قول شوقي في الأبيات السالفة: «أنا رب القوافي والشعر». وقد كان شوقي كثير الثناء على نفسهء والإشادة بشعره. ومما يجدر ذكره أن الحركة الأدبية في هذه الأونة لم تكن معزولة المعروف أن «المقطم» كانت تؤيد الاحتلال وتسانده؛ وكانت تردد قول المعتمد البريطاني كرومر (توفي /١/‏ 27 «دوام الاحتلال البريطاني إلى أجل غير مسمى»» وكان كرومر يعِين المقطم. وعلى صعيد آخر أنشِئّت «المؤيد» لمقاومة الاحتلال و#صحيفة المقطم'ء وكان يساندها الخديو وشاعره شوقي» فشوقي يعبر بشعره عن أفكار أميره؛ و«المقطم» تردد كلام كرومرء وهذا هو الجو الذي دارت فيه المعركة بين شوفي وعمونء وهكذا تأثر الأدب بالسياسة. ١١‏ عن التيارات السياسية. ومن 2 سياسة لا أدب : ونضرب مثلاً آخر لإيضاح المناخ الفكري بين تياري المقطم والمؤيدء بقصيدة شوقي التي نشرها في المؤيد (54/ 1898/4) يمدح فيها الخديو قائلاً : ما كنت أوثر أن تطول سلامتي فأرى المعالي حلية الأوغاد وأرى الأعادي في البلاد موالياً وأرى المُوالي في البلاد أعادي عباس إنك للبلاد وإنه ‏ لميبق غيرك من يقول بلادي وواضح في أبيات القصيدة تعريض شوقي بالمحتلين. وقد ردت «المقطم» على شوقي بمقال عنيف /7١(‏ 5/ 14948) جاء فيه: «إذا ارتكب الشاعر الخطأ عمداً فذم أهل القطر كله لكي يمدح أميرهم. وتشاءم بالخراب والدمار إلى الأبدء وهو يرى النجح والسعادة قد أنطقت البُكمء وأسمعت الجماد؛ فلا ندري كيف نلتمس له عذراًء فقد قرأنا له أمس تهنئة للحضرة الخديوية بعيد الأضحى: عباس إنك. . 2١‏ البيت» تالله إنني لم أتمّ تلاوة هذا البيت حتى قلت في نفسي : هل هو متملق أخلا البلاد من الوطنيينء والحكومة من المخلصين؟!...' إلى أن قالت المقطم وهو المهم: «هكذا تنظم السياسة في سلك القريض؛ وهكذا يعرب شاعر المعية عن آراء رجالها». ومقال المقطم هذا أقرب إلى السياسة منه إلى الأدب والنقد؛ لأنه تناول محاسن البلاد في عهد المحتلين»: لا محاسن القصيدة أو نقدها من حيث هي فن» أو بعبارة أخرى أبانت المقطم عن موقفها السياسي حيث لها موقف. ولم تبين موقفها الأدبي؛ إذ لم يكن لها موقف مميز في النقد. والملاحظ أن شوقي لم يكن يبدأ الهجوم على «المقطم»»؛ وإنما ١المقطم»‏ هي التي تبادر إلى الهجوم عليه؛» وتدافع عن الإنجليز نيابة عنهم. وهكذا صار شوفي هدفاً لانتقادات المقطم التي عملت على كيده ١‏ أكثر مما عملت على نقده؛ وذلك لأنه رمز لموقف سياسي . ولم تكتف المقطم بهذا المقالء وإنما دفعت بقصيدة الشاعر عبد العزيز عزت. التي نقض فيها دالية شوقي وجاراه في الوزن والقافية. وقال: نور الحقيقة للبرية يادي والحق لا يخفى على الرواد إلى أن يقول عن مصر قبل الاحتلال وبعده: والأرض كانت قبل قاعاً صفصفاً ١‏ وجميعها ليست بذات حصاد والناس تتركها مخافة جائر لا تستطيع ترد عنها العادي وترد أوجرة الذئاب لعلها 2 تجد الحنان بمرتع الأساد . .. إلى آخره. ولسنا في حاجة إلى تبيين ما في هذه القصيدة من خيانة» فليذهمب الاستعمار جميعه بخيره وشرهء ولكن القصيدة تمثل حلقة من حلقات المقطم في هجومها على القصر وشاعره. 5 مدح الانجليز !! يمكننا القول إن شوقي هو شاعر الوطنية لو أنه نظم شعره في هجاء الإنجليز بمعزل عن الخديو الذي كان يعادي الإنجليز في ذلك الوقت ‏ وعندما تغير موقف الخديو من المحتلين بعد زيارته لإنجلترا عام ١9٠1‏ تغيّر موقف المؤيد. وتحول شوقي عن موقفه السابق» فهادن الإنجليز ثم صار بعد ذلك يمدحهم! ويذهب الأستاذ محمد سيد كيلاني (19377 - )١1184‏ في كتابه فل «السلطان حسين كامل» إلى أن شوقي كان نصيراً للإنجليزء يقول: «كان أحمد حوفي ب امبر الشعراء وكبيرهم» وصاحب الصوت المسموع فيهم - معروفا بعدائه للاحتلال البريطاني» وكان حين قيام الحرب (الحرب العالمية الأولى) متغيباً في الآستانة مع الخديو عباس» ولكنه لم يتفق مع مولاه في اتجاهاته السياسية؛ فانفصل عنه وعاد إلى مصرء فدل بذلك على أنه من أنصار الإنكليز؟ . ومن مدائح شوقي للإنجليز قصيدة أوردها كيلاني في كتايه السالف الذكرء يشبّه شوقي فيها جنود الاحتلال بجنود عمرو بن العاص!؛ تقول القصيدة : أوَّما ترون الأرض خرب نصفها وديار مصر لا تزال جنانا يرعى كرامتها ويمنع حوضها جيشش يعاف البغي والعدوانا كود عمرو أنما ركزوا القنا:. محفواينا ومهكدا وسحاتا وللإنصاف نقول: إن معظم الشعراء والكتّاب. في هذه الفترة. امتدحوا الإنجليزء وقد يكون هذا ضريبة الشاعر وهو في ظل الاحتلال» ولكن العجيب أن شوقي بعد نفيه إلى الأندلس» وغياب تأثير المحتل عليه؛ راح يمدح الإونجليز وذلك في قصيدته اشكسبير»» وعندما غرق «كتشنر رثاه!! وكان عليه أن يصبٌ غضبه الرهيب عليهم وهو في مأمن منهمء حتى نشعر بأن ما قاله في مدحهم كان تحت تأثير ضغطهم, إلا أنه لم يفعل ذلك؛ وقال ما يرضيهم ليعيدوه إلى مصر . وهكذا كان بعض الشعر في هله الفترة لا يصور حسائس النفسء؛ كما أن بعض الئقد لم يكن تقديراً لأعمال الأدباء وتقويماً لإنتاجهم؛ فنعرف من خخلاله الراجح والمرجوح استناداً إلى سئن النقد ومناهجه . ١‏ د قصائد في هجو عرابي : وقبل أن نترك هذا الأدب السياسي» نشير إلى قصائد شوقي التي نشرها في ذم عرابي (1841 - )١191١‏ بعد عودته من المنفىء وقصائد شوقي الثلاث أعاد الدكتور السربوني 1١890(‏ -197/8) نشرها في «الشوقيات المجهولة1»؛ وكان شوقي نشرها في الصحف بدون توقيع. ونقف عند قصيدة شوقي التي يقول فيها: عرابي كيف أوفيك المّلاما ‏ جمعت على ملامتك الأناما فقف بالتل واستمع العظاما ‏ فإن لها كما لهمو كلاما ولا تأمل من الأموات عفواً وإن كان الحسين أباك دعوى أرقت دماءهم لعباً ولهواً ولم تعرف لغاليها مقاما يخاطب شوقي عرابي على لسان عظام موتى معركة «التل الكبير؟»؛ وهو موضوع سياسيء ومن أهم أحداث الثورة العرابية» وكان على شوقى أن تكون نظراته فيه سياسيةء فيفلسف الحدث. أو يفلسف السياسة ولكن ما نراه هجاءً أدبياً لا ترتفع فيه نظرات شوقي إلى أعلى من الذم والطعن». والفن ليس طرائف وفكاهات فحسبء وإنما هو إلى جانب ذلك وسيلة لإظهار الحقائق وترجمتها بالخيال الفني» وهذا ما لا تجده في هجاء شوقي... وقصيد شوقي هذا يقع في نحو تسعين بيتاأًء ولم يعدم عرابي من يدافم عنهء فألفينا شاعرا. لم يذكر اسمهء ينشر قصيدة بجريدة «المرصاد' في عددي ١١(‏ و8١‏ شباط/ فبراير )١1907‏ تقع في أكثر من ثمانين بيتأء ينقض فيها قصيدة شوقي على هذا النحو: دع الجهال تختلق الملاما ‏ فهجوك سيدي هاج الأناما وإن تقذف إلى كلب عظاماً يزف إليك بالمدح الكلاما ١ ه‎ عفا عنك الإله اليوم عفواً وما كان الحسين أباك دعوى فاهوا بذا إفكاً ولغوا وما حفظوا لسيدهم مقاما فإذا قال شوقي: إن الناس جميعاً يلومون عرابي؛ قال شاعر «المرصاد» المجهول: إن هجاء شوقي لعرابي أثار حفيظة الناس . وإذا قال شوقي: إن القتلى لا يعفون عن عرابي؛ قال شاعر المرصاد: إن الله عفا عنه؛ إلى آخره. وهكذا ينقض شاعر المرصاد كل أقوال شوقي. ويقارعه» ويرد عليه من نفس الوزن والقافية؛ وجميع هذا من خصائص فن النقائض . 5 الشيخ إبرأهيم اليازجي فى عام ١8817‏ أصدر شوقي رواية «عذراء الهنده وهي أولى رواياته النثرية المطعمة بمقطعات شعرية» وقد تناولها العلامة الشيخ إبراهيم اليازجي )١19075 - ١4841(‏ بالنقد في مجلة «البيان» التي كان يصدرها في القاهرة مع بشارة زلزل. واليازجي من كبار علماء اللغة في عصره؛ ولما قرأ رواية «عذراء الهند» استخف بموضوعها وبما جاء فيها من خرافات وترّهات» وذكر للجن والعفاريت والسحرة» واهتم بلغتها وصياغتهاء ووقف عند أخطاء شوقي اللغوية. ومن هذه الأخطاء التي وقع شوقي فيها: كلمة «عائلة» بمعنى أسرة أو عشيرة؛ وقال اليازجي: «إن الصواب هو (عيال الرجل)» وعيّلةء بالتشديدء بمعنى: الذين يتكفل بهم ويعولهم». ومثل لفظ: «صدفة؛. ورأى أن هذه الكلمة الم ترد في كلام العرب ولا المولدين» وهي من الكلمات العامية. وكلمة: «هوادس»4؛ وصوابها: «الهواجس». ولفظ: «#برهة». التي استخدمها شوفي بمعنى : «هنيهة من الزمن»؛ ويرى اليازجي 5 أن البرهة هي: الزمن الطويل» والحق معهء وقد رجعنا إلى #لسان العرتة ماقة انودة رالقنا الدرهة نس الحين الظويل من التغروفيل : الزمان» ويقول ابن السكيت : 556 برهة» وبرهة؛ أي: مدة طويلة من الزمان». وقد أفاد شوقي من هذا النقدء واستخدم فيما بعد برهة بمعنى الزمن الطويل» يقول في قصيدته «مشروع ملنر»ة: من يخلع النير يعش برهة في أثر النير وفي ندبه وما أكثر الأخطاء اللغوية والألفاظ العامية؛ والعيارات الركيكة والغريبة التي أخذها اليازجي على شوقي. ولم يكتف بذلك بل أوقعه في عدة أخطاء عروضية»: فحين قال شوقي: فلا تكن يا أمير ناسينا ‏ فنحنماننسى وما نسلو قال له اليازجي: إن الوزن لا يستقيم في الشطر الثاني إلا بعد تغيبر كثيرء كأن يقال: «فنحن لم ننسكم ولم نسل». وذكر الناقد أبيات شوقي التي استحسنهاء وفضل شعره على نثره. وقد أحدث نقد اليازجي لرواية «عذراء الهند»؛ ردود فعل» وصدى في الوسط الأدبي والصحفي» فقد انبرى الأمير شكيب أرسلان لليازجي ودافع عن شوقي وأغلاطه في جريدة «الأهرام»؛ واعترف بوقوع شوقي في عدد من الأخطاءء وعندئذ ردٌّ نقولا بدران (من أشياع اليازجي) رداً قوياً على الأمير شكيب في مجلة «البيان» (يناير/ كانون الثاني 1894): حتى خيّل للأمير شكيب أن اليازجي هو الذي يرد وليس نقولا بدران» وكان من بين أقوال الأمير شكيب: إن من غلبه اليازجي فلم يغلب». والملاحظ أن الحوار الأدبي الذي جرى بين اليازجي وشكيب وبدران انصرف إلى اللغة» ولم يلتفت إلى الفن القصصي في الروايةء 1 وتصوير الشخصيات وسائر العناصر الأخرى التي تجري في مجرى هذا الجنس الأدبي . وقد كانت هذه الرواية مفقودة» وأخيراً حصل الدكتور أحمد إيراهيم الهواري على نسخة مصورة منها من مركز الماجد بدبي» وكتب مقدمة لها ونشرها عام 23٠0١8‏ وله كلام يقبل المناقشة2. وقد أخطأ عندما نسب نقد مجلة «البيان» لرواية «عذراء الهند' للشيخ ناصيف اليازجي. المتوفى عام 21417٠‏ والصواب أنه لابنه الشيخ إبراهيم الذي نشره بمجلة «البيان» في عدد 5١/7١//891١؛‏ أي: بعد موت الشيخ ناصيف بنحو ثلاثين عاما. يد جرجي زيدان ولما كان التقد يرتبط بثقافة الناقدء فقد انتقد الشيخ اليازجي رواية «عذراء الهند؛ من الناحية اللغوية؛ لأنه عالم فيها. أما جرجي زيدان (74851 - 15١9١)ء‏ فقد انتقد الرواية عينها فى الهلال (شباط/ فيراير 44) من الناحية التاريخية لأنه مؤرخ. وأخذ على شوقي أن حوادث الرواية وقعت منذ خمسين قرنأء مع أن رعمسيس الثاني الذي وقعت في عهده حوادث الرواية من أهل القرن الرابع عشر قبل الميلاد» فلا تتجاوز حوادث الرواية القرن الثالث والثلاثين» ونفى جهل شوقي بذلك. وانتقده عندما ذكر التنويم المغناطيسي» وتساءل: هل كان معروفاً في تلك الأزمان؟ وما دليل شوقي على ذلك؟ . ويلاحقه بالنقد في «استضاءة الشيخ الهندي بسلك معدني يشعله؛». وتساءل: هل يراد به المغنسيوم؟ وهل دل التاريخ على استخدامه في عهد الرعامسة؟ ويبدو أن جرجي زيدان قد أفاد في نقد رواية «عذراء الهند» من 14 فلسفة ابن خلدون الذي نبّه على أهمية قياس الأشياء بأشباههاء وضرورة الوقوف على طبائع الكائنات» وتحذيره من نزوع المرء إلى المبالغة» والنظر في الشيء أو الخبر ومدى إمكان وقوعه أو امتناع حدوثه. فقد استنكر زيدان ورود مخلوقات عجيبة غريبة ذكرها شوقي بلسان الحقيقة. منها الثعبان الهائل الذي يصدر عنه نور باهرء والأفيال التي في حجم الجبال» والبشر في صورة القردة»ء وغير هذا من الكلام الغريب. أو المنافي للتاريخ؛ وأحوال الاجتماع والعمران. وتّناول زيدان لهذه النقطة تبيّن أن بعض الأعمال الروائية الأولى عندنا لم تتخلص من الخيال الأسطوري الذي يورده المؤلفون على أنه حقائق؛ للاستيلاء على أفئدة القراء» وإثارة شوقهم. ودفعهم إلى متابعة أحداث الرواية. يذكر مؤرخو الأدب أن «الشوقيات» نشرت عام »)١184944(‏ ولكن الدكتور السربوني ذهب إلى أنها ظهرت عام .)١90٠0(‏ وهو على حق؛ لأن الدوريات المختلفة تناولت «الديوان» بالنقد والتقريظ في ربيع عام .)١14٠٠(‏ ومن هذا نقذ محمد المويلحي للشوقيات». الذي نشره ينيدا في جريدته #مصباح الشرق؟ في شهر (إبريل/ نيسان »)١14٠٠‏ وهو عبارة عن خمس مقالاات» وفي المقال الأخير وعد القراء بتتابع النقد. ولكن المقالات توقفت مما يدعو إلى الريبة» كما قال العقاد. انتقد المويلحي مقدمة «الديوان؛ في ثلاث مقالاتء أما المقالتان الأخيرتان فقد تناول فيهما الديوان دون أن يوغل فيه. وبعد أن أجال النظر في المقدمةء قال: «إنها تدل على أنه شاعر لا نائره» وعندما قال 1 شوفي عن الشتعر : (قاله امرؤ القيس واعنفا واكا: ١‏ وتابس] وشا لاه انتقده المويلحي قائلاً : «الغازل هنا من قولك: غزلت المرأة القطن والكتان وغيرهما غزلاً» من باب ضرب مدَّته وفتلته خيطاناً. ولا يكون امرؤ القيس غازلاًء أما إذا كان غرضه الغرّل محركاً فلا يأتي اسم الفاعل منه غازلاًء وإنما يقال : «رجل متغزل» . وفي لسان العرب». مادة غزل بفتح الغين وكسر الزين؛ كعلم وفرح يأتي أسم الماعل غازل وفارح وعالم. وعليه فنقد المويلحي غير صحيح. وأخذ المويلحي على المقدمة ما جاء فيها من حشو وزهو وسهو في التعبير» مثل قول شوقي عن الخديو توفيق: «تحلى بصورة الغضب؟؛ ورأى الناقد أن الغضب ليس حلية يتحلى بها. وعندما بشر الخديو والد شوقي بتعبينه فى الخاصة الخديوية» مدّ يده؛ فقبّلها أبو شوقي «واجماأ»! الرجل وجوما: سكت على غيظ. . . والواجم: العّبوس المطرق لشدة الحزن» وعليهء فلا يصح أن يقول شوقي: إن أباه كان عابساً حزيئاً مغتاظاً عندما عينه الخديو توفيق في وظيفة كبيرة». وأوقع المويلحي شوقي في أخطاء لغوية عديدة» منها: استخدامه كلمة «خدامة» في هذا البيت: وكل ذي همّة شريففا) يقوم للخلق باليخدامة وقال: إن كلمة خدامة ليست من العربية في شيء. وانتقده في استعمال لفظ "ألة؛ لأنه لا يقال في اللغة آنة» بل أونة . كذلك أخطأ شوقي في جمع غصن على «أغصن؛. وقال * ٠ المويلحي: «الغصن لا يجمع إلا على غصونء وأغصنة. وأغصان). وعاب عليه قوله في وصف ليلة راقصة في السراي: أ 2 قلت شموس ضصحى ما نهدن يية م٠‏ تكله االظلام واس جهمسيا وهيىي جيشه اللتجب والبيتان من قصيدة ١حف‏ كأسها الحبب؟. قال المويلحي: «تشبيه الظلام بالراية لهذا الجيش اللطيف جيش شموس الضحى لا مناسبة لهء إلا إذا أراد أن يشبهه بجيش خراساني يقوده أبو مسلم تحت الراية السوداءء والعجب لهذه الشموس المسفرة التي ليس لها منتقب كيف أنها لم تمزق هذه الراية؛. وهو نقد بلاغي جاء فى موضعه. وقال شوقي في وصف العزيز من نفس القصيدة (العزيز هو الحديو) : فهو بينهم عمر والوفود تنتدب فحمل المويلحي على هذا البيت قائلاً: «تشبيه العزيز بعمر وله في هذا المجلس ‏ مجلس الطرب والعزف والرقص والقصف والقدود والخدود والصدور والنهود والنحور والعقود ‏ غير لاثق بالمقام. إلا إذا أراد الشاعر بعمر: ابن أبي ربيعة». وهذا أقوى ما جاء في انتقادات المويلحي لشوقي. وكان له أثره؛ فقد أسقط الشاعر هذا البيت من ديوانه في الطبعة الثانية» وكان لا بد أن يحذف هذا البيت؛ لأن شوقي لم يخطىء في التشبيه والتعبير فحسب» وإنما وقع في خطأ تاريخي؛ فلم يُرْرَ عن سيدنا عمر 445 أنه حضر مجلساً تنلالاأ فيه النحورء وتتمايل فيه القدود على أنغام الموسيقى. ومن ناحية أخرى. لا يليق أن يشبه الشاعر الخديو بشاعر الغزل عمر ابن أبي ربيعة. "١ وقد قال العقاد في كتابه: «رجال عرفتهم» عن نقد المويلحي لبيت شوقي «فهو بينهم عمر»: إنه أقرب إلى نقد لياقة النديم منه إلى نقد بلاغة الشاعر»ة. وعلق د. شوقي ضيف في كتابه ١«شوقي‏ شاعر العصر الحديث» على انتقادات المويلحي قائلاً : «وهبٌ محمد المويلحي في صحيفة مصباح الشرق يكتب مقالات متفرقة ينقد بها هذا الاتجاه إلى التجديد عند شوقي» وتجنى عليه من غير وجه حق. . .» وهو قول غريب! إذ إن اللغة الصحيحة لا تعوّق الشاعر عن التجديد؛ بل تعينه على ما يريد؛ لأنها أداة من أهم أدواته» ولم يتجنّ المويلحي على شوقيء فبيننا وبينه معجمات اللغة. قث من النقد إلى الطعن إلى المدح شن أحمد فؤاد حملة على شوقي في جريدة «الصاعقة» وحاول أن يغض من شأنه. ولكن حاراته ضيقة لا تتصل بشوقي من أوسع الأبواب» لذلك كان يطلق العنان للسانه فيسخر ويتهكم. وانتقاداته في جملتها يختلط فيها الحق بالباطل . وكان يستهدف من حملته أن يتحاور معه شوقي ويرضيه.ء إلا أن شوقي أهمله؛ فاشتد في حملته؛ وتجاوز النقد إلى الطعن» ثم توقفت الحملة. وتحول القدح إلى مدح؛ وسبب هذا التحول مفهوم. وفي هذه الحملة أخل على شوقي خطأ نحوياً في بيته : رشأيعابالساحرو ن وسحرهم إلا جفونه فقد جاءت لفظة جفون في الشعر مضمومة اتباعاً لسير القافية؛ والصواب أن تكون مفتوحة لوقوعها بعد إلاء والمستثنى بعد إلا يجب نصبه . . . لأنه لم يسبق بنفي . ومن شعر شوفي قصيدته التي مطلعها : ف مال وا : : . وادعهى الغضب وهذا الوزن ليس من البحور العربية» وقد حاولت وزنه وانتهيت إلى أنه يوافق «فاعلن فعل»: وربما أكون فد وُفقت. وقد تولى أحمد فؤاد تعريف الناس بأن القصيدة من بحر فارسي. وذهب إلى أن شوقي أوهم الناس بأنه سباق إلى النظم من هذا البحر الفارسي . وكبر عليه أن يقول إني أخزته عن محمود سامي البارودي. . . لأننا نعلم أنه هو الذي أخرج هذا البحر من دواوين شعراء الفرس. وأخاه الذي نظم فيه شوقي في العام الماضي قصيدته التي بدأها بقوله : [الصاعقة ؟7/ ؟7/ :]١9٠5‏ طال عليها القدم قفهي وجود علم وقد نظم البارودي من هذا البحر قصيدته التى مطلعها : بن لعقعى لع تتم بين تيبروات: الأائيع أي: أن أحمد فؤاد حرص على إسناد الفضل في هذا إلى البارودي. وأن شوقي لم يبتدع شيئاً جديداً . | ثم واصل انتقاده لقصيدة «مال واحتجب» وذهب إلى أن «ألفاظها تتبرأ من بعضها؛ لأنه لا معنى لقوله: «مال واحتجب»؛ لأن الميل لا يستدعي الاحتجابء ولو قال صدّ واحتجب» لحسن تلاؤم اللفظ واتصال المعنى».اه. و«الصاعقة» على صواب؛ لأن الميل يحتاج إلى تحديدء وإنه يمكننا القول: مال إليه؛ وفي هله الحالة يتدابر المعنى» وإلى هنا هو أديب ينتقد . ولكنه بعد ذلك خرج عن الصواب؛ فقد نشر زجلاً لإمام العبد (ت :.)١91١١‏ وذكر أنه خير من شعر شوقي! وهذا غير مقبول. ثم نشر وق قصيدة على وزن همال واحتجب» تتناول صفة في شوقي يمنعني الحياء من ذكرهاء ويمكن للقارىء أن يطالعها في عدد )١1404/15/١4(‏ في «الصاعقة». وتواصلت الحملة؛ وانتقد رواية «عذراء الهند»؛ ونشر نقد اليازجي لهاء وانتهى إلى القول: إن شعر شوقي بجانب نثره كالدر بجانب البعر!! وهو رأي قاله غير الصاعقة عديدون؛ وواضح أنه يضغط على شوقي. ويبدو أن التفاهم تم بينهما؛ فقد أخذت الصاعقة تشيد بشوقي». وفي عدد (57/؟7١4906/1١)‏ نشرت تهنئة شعرية ونثرية من حافظ إلى شوقي بمناسبة حصوله على رتبة الميرميران الملكية واللواء العسكرية #ياشا»: وفي التهنئة دعاء يطول البقاء. وفى عدد )١1901//7/54(‏ وازن أحمد قواه جد حافظ وشوقي وقال: «... فأما شوقي فأطول باعاً وأكثر اطلاعاًء وأغزر مادةء فلا تغيب عليه خافية في قافية» فهو إمام الشعراء والأشعارء وأعلم بما في جوف البحار...». وعلى هذا النحو أفاد الصاعقة وأساءء وهو يتقلب على الوجهين وفقاً لمنافعه. في ٠١‏ اكتوبر/تشرين الأول 7٠١‏ ؟ حافظ إبراهيم : كانت بين حافظ إبراهيم (14177 - ”:197) وشوقي منافسة ملحوظة يعرفها القريبون منهماء وكان حافظ يذم شوقياً في مجالسهء وقد تردد في مجالس الأدب شعراً قاله حافظ في زميلهء هو على وجه التقريب: «يقولون إن الشوق حر وحرقة فما بالي اليوم أرى شوقي بارداً» وقد سمعت هذا وقرأته على النحو الصحيح. ولشوقي في رصيفه مثل هذاء وكانت شهرة شوقي الواسعة تسبب ضيقاً له» ويشعر أنه مغموط الحقء. وأرجو من القارىء أو الناقد عدم ترديد مدائح حافظ في شوقي لأني أعرفها . وقد ظل حافظ يكظم غيظه ويكتم في نفسه إلى أن جاهر برأيه في كتابه #ليالي سطيح؟ الصادر عام 2194١5‏ ومما قاله: «ألم تر إليها ‏ أي: إلى الصحف ‏ كيف كانت تقول يوم كانت تقرظ الشوقيات» وقد أسئدت إلى صاحبها من الألقاب ما تعجز صحف الآستانة عن إسئاد بعضه إلى جلالة المتبرع الأعظم ‏ يعني : السلطان العثماني عبد الحميد وهذًا القول يريك ما في نفسه؛ وحافظ صادق فيما قال» فقد هللت الصحف عند ظهور الشوقيات وكأن الخبر عم جميع البلاد؛ ودوئك ما قالته مجلة الموسوعات: «بشرى١‏ فقد ظهرت الشوقيات» يحق للشعراء والكتاب 290و ولسائر العجم والأعراب أن يهتفوا الآن بعظيم البشرى» على هذه المنة الكبرى» ويحق لبني مصر أن يغفروا للدهر كل سيئاته» ويقيلوه من سالف عثراتهء حيث أتاح لهم أكبر الحسنات» وجاء اليوم بالجزء الأول من الشوقيات» (الموسوعات. مارس/آذار .)١1406٠‏ والكلام من هذا ككس كثمر :.: كثير ١‏ وقد اكتفيت بهذه السطور. ولا يقال مثل هذا عن ديوان شعر من أي نوع؛ وإنما يقال عن حدث كبير» مثل تحقيق التصر في حرب كبرى غيّرت وجه العالم» أم أن خلاص البشرية من الآلام موقوف على ظهور هذا الديوان؟!. ومضى حافظ في نقد شوقي قائلاً: 9إنه لم يغادر معنى من معاني العرب والفرنجة إلا سلخه ثم مسخه». ثم يقول: «لا يزال مهزول اللفظ غامض المعنى» يحتاج الناظر في كلا'مه إلى 50 الرمل. وطوالع التنجيم . وقد قصر همه على اصطحاب طائقة من الألفاظ لا يعدوها إلى غيرها حتى أصبح بعضها علامة تدل على شعره... ولقد نظرت في طريقة شعره فألفيتها في الغارة على صحائف الأولين»: فهو لم يغادر معنى في خدره إلا سباهء ولا لفظاً في وكره إلا أزعجه». ثم يأخذ في النقد التطبيقي» ويذهب إلى أنه أخذ مطلع قصيدة المتنبي : «بود من الأيام ما لا توده») ومسححخه بقوله : لايود من الأرواح ما لا توده»» ثم جعل هذا من مطالع التهاني: «أنزل فيه ممدوحه منزلة عزرائيل من النفوس. فإني له أعرف أحداً يود من الأرواح ما يا نوذه» اللهم إلا ملك الموت». وأظهر حانفظط أن سيئات شعره أكثر من حسناته. وعررض بقصيدة امال واحتجس! وقال: «إنه مكثار؛ وقل أن يسلم من العثارا . ولا يخلو انتقاد حافظ في «ليالي سطيح» من الصواب والوجاهة. 325 ولا يعوزه إلا التدليل والتمثيل لمشعو القارىء بالاطمئئنان إليه. وقد أثنى على بعض شعر شوقيء ولكنه لم يفرط في الثناءء فالمقامة موضوعة في الأساس لتنال من شعر أمير الشعراءء أما مدائح حافظ لشوقي فهي من أدب اللياقة. مطران ليس منافساً كان خليل مطران (1817 - )١4548‏ صديقاً لشوقي يلاعب أولاده وينشر شعره في مجلته «المجلة المصرية»» ولا يعتبره شوقي منافساً له بالرغم من فحولته؛ وهو إنسان وديع هادىء مجامل لا يصدر منه العيب ولا يكتب قلمه النقد القارص. وقد كتب في «المجلة المصرية» عام )١19:9(‏ عدة مقالاات تحت عنوان «كيف ينظم شعراؤنا"'': وكان في طليعتهم أحمد شوقيء. وتناول شعره من ناحيتى المعنى والمبنى» وقال: (أما المعنى» فيجيئه على مرامه. امك انفد من فران ولا ينضب عنده؛ لأنه يستخلصه من عقل فوّار الذكاءء ومعارف جامعة إلى أفانين الآداب في لغات الإفرنج والأعراب؛. فلسفة الحقوق وحقائق التاريخ وغرائب السير... أما المبنى» فله فيه أذواق متعددة بتعدد مقامات القول» ترى فيه من نسح البحتري ومن صياغة أبي تمام ومن ثبات المتنبي. . . وفي المجموع تجد صفة عامةء وهي أنه نظم شوقي6. اه. وأحكام مطران عامة وكأنها تنطبق على ما سمّاه «نظم شوقي»»2 ولم يأت بنقد تطبيقي واحد أو يضرب مثلاً لما يقول؛ ولا استفاض في الشرح والتحليل» والمتأمل في شعر شوقي يجد أن كلام مطران ينطبق )010( جمع صبري السربرني هله المقالاات في كتابه «خليل مطران: أروع ما كتب». وف على بعض شعر شوقيء. ولا ينطبق على بعضه الآخرء فلا تأتي المعاني على مرامه أو على أبعد من مرامهء فبعضها مأخوذ من معاني غيره» مثل قوله عن الحب: «نظرة فابتسامة فكلام... إلى آخر البيت»» مأخوذ من العياس بن الأحنف: فما هي إلا نظرة فتبسم فتصطك رجلاه ويسقط للجنب وقوله في مسرحية مصرع كليوباترا : أنا أنطونيو وأتطونيو أنا ما لروحينا عن الحب غنى يجاري صياغة الحلّاج في قوله: أنا من أهوى ومن أهوى أنا ‏ نحن روحان حللنايدنا موضوع الحلاج وشوقي «الحب». الأول في الحب الإلهي. والثاني في الحب الإنساني؛ أنطونيو يهوى. والحلاج يهوى حتى القافية واحدة في القولين» وهي النون. وقول شوقي : يا لائمي في هواه والهوى قدر2 لو شقك الوجد لم تعذل ولم تلم قريب من قول الحلاج معنى ومبنى : يا لائمي في هواه كم تلوم فلو عرفت منه الذي عنيت لم تلم ثم إن شوقياً يعجز أحياناً عن الإتيان في الشطر الثاني من بيت بمعنى فيكرر معنى الشطر الأول. ومن هذا قوله: سلوا كؤوس الطلاهل لامست فاها2 واستخبروا الراح هل مست ثناياها فالشطر الأول هو هو بعينهء» وحاجبه الشطر الثاني» «سلوا» في مقابل «استخبروا»؛ و١كؤّوس‏ الطلا» في مقابل «الراح». و«هل؟ هي «هل» و«لامست» مثل «مسّت»: و«الفم» و«الثنايا؛ شيء واحد... وهذا يعني أن الشطر الثاني لم يضف شيئاً للشطر الأول» والمفروض أن يضيف. 4" ومن هذا أيضاً: قوله على لسان الجلاب وحسئىء الماشطة فى مسرحية «علي بك أو فيما هي دولة المماليك»: | فإن نحن بعنا فيا للغنى وإن نحن بعنا فيا لليسار فالشطر الثاني لم يكمل معنى في الشطر الأول ولا فيه جديد؛ لأن «الغنى» و(اليسار» بمعنى واحد. وأحياناً يضطرب منه المعنى أو يقصر عن أداء مهمته» مثل قوله في قصمدة النيل : ْ والمجد عند الغانيات رغيبة20 يبغول كما يبغ الجمال ويعشق فالمجد عند الغانيات رغيبة» وهل عند غير الغانيات مرفوض؟ أو ترى أن المجد لا تطلبه إلا الغانية! أكتفي بهذا؛ لأن المقال ليس مقالي» وإنما هو مقال النقادء هم يسيرون في موكبهم الحافل يحف بهم الجلال» وأنا أسير على جانب الطريق في ظلهم . 2 نقد العقاد نفي شوقي عام ١418‏ إلى الأندلس» وعاد من المنفى في أواخر عام 1914 أو أوائل سنة .١197١‏ فاستقبله العقاد في آخر سنة ١945١‏ بكتاب «الديوان في الأدب والنقد؛ الذي شاركه في تأليفه المازني . وأهم ما يخص العقاد في هذا الكتاب ما جاء فيه عن شوقي من نقد صارم. وإذا كانت الانتقادات السابقة التي وبججهت إلى شوقي جزئية تتناول أخطاء في اللغة أو الصياغة أو النحو أو الوزن الشعري أو الاقتباس من الآخرين وما إلى ذلك» فإن انتقاد العقاد لشوقي شمل كل هذاء علاوة على أخطاء أخرى . "4 وإنه من خطل القول ما تردد من أن نقد العقاد لشوقي كان يستهدف الشهرة» والصحيح أن ما وقع بين الرجلين هو صراع أجيال وأفكار؛ فشوقي وحافظ والكاشف وأحمد محرم وأضرابهم يمثلون جيلاً من الأدباء التقليديين»؛ وعبد الرحمن شكري (1885 - 908١).؛‏ والعقاد ,.)١955 - 1484869(‏ والمازني .4)١11594 ١89٠*(‏ ومن سار على طريقتهم مثل محمود عماد وعبد الرحمن صدقي. يمثلون جيلاً جديداً ثورياً من الأدباء» وينزعون إلى تجديد الشعرء ونقله من أدب المناسبات والمديح البارد إلى أدب النفسء» وكانت طريقتهم أو مدرستهم تسمّى «المدرسة الحديثة الابتداعية» قبل أن يطلق عليها الاسم الخاطىء #مدرسة الديوان». فالمعركة بين جيلين مختلفين؛ والصراع بين فكرتين: إحداهما ترسخ التقاليد الأدبية والأخرى تنزع إلى التجديد» والعراك بين هؤلاء وهؤلاء أشبه بالعراك الذي دار بين الرومانسيين والكلاسيكيين في أوروبا. والجديد دائماً يؤخذ بسخرية واستخفاف» ولم يكن من السهولة تحويل وجهة الشعر من التقليد إلى التجديد؛ فالتقليديون أرسخ قدماء وأكثر إنتاجاء وأبعد شهرة. ولكي يغيّروا - أي المجددون ‏ من الأفكار السائدة المستقرة» لم يكن أمامهم إلا شرح مبادىء ملرستهم في مقدمات دواوينهم ومقالاتهم» إضافة إلى نظم قصائدهم على طريقتهم» وكانوا يطبعون دواوينهم من فوتهمء وكلهم فقراء. ثم وجدوا أنه لا بد من العراك والنطاح؛ فهاجم المازني حافظ إبراهيم بمقاللات». ثم جمعها عام ١9١6‏ في كتابه #شعر حافظ» . وهاجم العقاد حافظط إبراهيم في جريدة «الدستور» سئة م١٠9١‏ بثلاث مقالاات» لم هاجم في جريدة «عكاظ)؛ة سنئة ١98١5‏ «الشعراء الندابون» بثلاث مقالات؛ وفي عام ١47١‏ اقتحم عرين شوقي بكتاب 1 «الديوان». أما عبد الرحمن شكري - هذا الرائد الكبير في هذه المدرسة -؛ فقد اكتفى بشرح ميادىء المدرسة الحديثة في مقدمات دواوينه . وأغرق الساحة الشعرية بدواويئه المتلا حقة . وبذلك اكتسبوا أنصاراً وحوّلوا مسيرة الشعر ‏ ليس في مصر فحسبء وإنما في العالم العربي ؛ فقد توارى أو كاد شعر المناسبات والمديح الزائف» والرثاء البارد» وحلت التجارب الإنسانية والشخصية في الحب محل الغزل التقليدي» ولولا جهاد العقاد ومعركته مع شوقي وكتابته لمقدمتي ديواني شكري والمازني لخمل ذكر هذه المدرسة. يي انحلال وتفكك وأهم ما أخذه العقاد على شوقي انحلال قصائده وتفكّكهاء وقد أعاد ترتيب قصيدة مصطفى كامل ليظهر أنها تفتقد الوحدة العضوية والفنية. ثم رماه «بالإحالة» وهي: «فساد المعنى». وهي ضروبء فمتها: الاعتساف والشطط. ومنها: المبالغة ومخالفة الحقائق» ومنها: الخروج بالفكر عن المعقول». وضرب أمثلة على ما يقول من شعر شوقيء. وأظهر سرقات كثيرة» مثل قول شوقي: «لما نعين إلى الحجاز مشى الأسى»... مأخوذ من الشريف الرضي القائل: «لما نعاك الناعيان مشى الجوى». أو قوله: (إِن المنية غاية الإنسان» مأخوذ من الشريف الرضي: (إن المنية غاية الأبعاد». ومضى العقاد على هذا النحو ليظهر ما في شعره من عوارء وندّد بما في شعره من كلام مبتذل وتشبيهات خاطئة وتكلّف وتعمُّل وتقليد للقدماء» واقتباسات من معانيهم وألفاظهم» كذلك انتقد شوقي لانشغاله ام بالتشبيهات الحسية عن لباب الحقائق وأحاسيس النفوس» وهاجم شعر المناسبات الذي يغيب عنه الشعور الصادق» وقد صحبت أقواله الأمثلة الوافرة. فاجتمع عنده التنظير والتطبيق . وقد أحدث هذا الكتاب دويّاً في الوسط الأدبيء وانقسم الأدباء بطبيعة الحال إلى مفئْد ومؤيدء ونشرت جريدة «السفور؛ مقالات متعارضة فيها مناقشات حامية» ولكنها التزمت بالحوار الأدبى والتقد النظيف النزيه. أما جريدة «عكاظ»». فقد حملت على العقاد والجارتي حملات شديدةء فيها من قلة الادب أكثر مما فيها من الأدب» وسمّت المؤلقّين «البريري والقزم»» ولم يكن العقاد بربرياً وإنما كان طويلاً وجيهاً له هيبة: وشتمت العقاد قائلة: «المعلول. المسلولء الفقير في الإخلاص والأخلاق». وكان صاحب عكاظ فهيم قنديل من المتفاهمين مع شوقي. كي قمبيز في الميزان وفي سنة (1871) أصدر شوقي مسرحيته «قمبيز»» وقد انتقدها العقاد انتقاداً مُرَأْ في كتاب صغير سمّاه «رواية قمبيز في الميزان»؛ وتناول فيها الصياغة الشعرية والتاريخ والخيالء وقلت التقاتاته إلى الناحية المسرحية؛ وبيّن بالدليل والمثال ما تخلل النص الشعري من تناقضء وما وقع فيه من أخطاء نحوية وصرفية وبيِّن مخالفات شوقي للتاريخ المدوّن وأثر ذلك في إظهار الشخوص على غير حقيقتهم» وشرح ملابسات خطأ شوقي في اسم أخت قمبيزهء وأبرز شجاعة المصريين زمن غزو فمبيز لمصرء ودافع عنهمء وأنكر افتراءات شوقي عليهم... وغير هذا كثير مما جاء في نقده عن مخالفات شوقي للتاريخ حتى سماه اعدو التأريخ؟. وفي فصل الخيال أوضح كيف قصر شوقي في تمثيل شخصيات مؤثرة في تلك الفترة» مثل صولون وقارون في روايته لإظهار حكمهما في بف العصر القديمء. وذكر أشياء أخرى» وبين مدى فائدتها في المشرخ: واتهم شوقي لعدم كسائه أحداث التاريخ الحمأ ويجري فيه دمأء ويبعث في أوصاله روح الحياة»» وختم العقاد كتيبه عن مسرحية قمبيز بمسرحية شعرية نظمها تحت عنوان «شوفي بين يدي قمبيز»» هي مسرحية صغيرة نال فيها من شوقي . وقد دافع بعضص النقاد عن شوقيء مثل د. مندورء ود. شوقي ضيف. وقالوا: إنه استند إلى أسطورة تؤدي غرضه. وابتعد عن التاريخ. وهذا دفاع ضعيف؛ لأن الروائي أو الشاعر المسرحي يلجأ إلى الأسطورة إذا غابت حقائق التاريخ. أما وحقائق التاريخ مدونة» فما مبرر اللجوء إلى خيالات الأساطير؟ وبإيجازء انهال العقاد على شوقي في «الديوان» و«قمبيز» بالنقد والسخرية والتهكم وسرد الأخطاءء وعرض السرقاتء والموازنة بينه وبين غيره في الأغراض المتشابهة» وكل هذا يأتي بالدليل والتمثيل» حتى داخلتي ‏ شعور بالشفقة على شوقي . وفي عام ١970‏ نشر أربع مقالات عن شوقي في روز اليوسف جمعها فيما بعد في كتابه ؛شعراء مصر وبيئاتهم في الجيل الماضي'»ء الصادر عام 21977 وفي هذه المقاللات تخف حدّة العقاد؛ لأن شوقي كان في ذمة الله» ولكن النقد تواصلء» وأهم ما جاء في هذه المقاللات حديئه عن شخصية الشاعرهء وينتهي فيها إلى أن أحمد شوقي لا تتضح شخصيته في شعره. وله مقالات أخرى ضكّتها بعض كتبهء وغيرها ما زال في الصحف. والحديث عن شوقي والعقاد يحتاج إلى جهد أكبر وصحائف كثيرة» وقد تناول هذا الموضوع أكثر من كاتب» ونستطيع القول بعد هذا العرض: إن درس العقاد هذا شكل انحناءة في الحركتين الشعرية رفن والنقديةء فصرنا نردد بعد العقاد كلاماً عن الوحدة العضوية» وتفكك العمل الأدبي؛ سواء أكان قصيدة أم قصةء وما زلنا نتحدث عن شخصية الشاعر الني يعرف من شعره») وغير هذا مما طرحه العقاد. والمازني )١154 - ١895(‏ هو زميل العقاد في المدرسة الحديثة الابتداعية وأحد كبار دعاتهاء وقد مر ينا أنه هاجم حافظ إبراهيم» ثم عاد وانتقد شوقي وعرض به على الرغم من استضافة شوقي له في كرمة ابن هانىء بالمطريةء وإطعامه بعد سنة »)١47١(‏ وكان قد أشيع وقتها أن المازني هو كاتب النقد الذي وجه إلى شوقي في كتاب «الديوان»» وليس العقاد» فرأى أن يستميله إليه «بأكلة». ولما خرج من بيت شوفي بعل الغداء» قال له الشيخ «شاويش» وكان ضيفاً معه: «أظنك الآن غيرت رأيك في شوقي؟! فقال ببساطة: «بأكلة!!» بتصرف (من مقال للمازني» أقول: بالرغم من هذاء فإن المازني لم يتورع عن مهاجمة شوقي»؛ ومتى؟! أثناء الاحتفال الكبير شتصيية أميراً للشعراء» فقد طلب الدكتور بحزم : اليس شوقي عندي بالشاعر ولا شبههء وإنه لقطعة قديمة متلكئة صديدآء وشاع فيها الفناء علواً وسفلاً... إن مقياسنا كان وما زال أن الجيد في لغة جيد في سواهاء والأدب شيء لا يختص بلغة ولا زمن ولا مكان؛ لأن مرذه إلى أصول الحياة العامة» لا إلى المظاهر والأحوال الخاصة العارضة» وكذلك الغث غث في كل لغة... فمن كان يكابر أن بالخلاف في أن شعر شوقي كما نصف. فما عليه إلا أن يتناول خير ما يذكر له وأبرعه في رأي أنصاره» ثم فلينقله إلى لغة أخرىء ولينظر بعد ذلك مبلغه من الفساد والاضطراب والاعتساف والشطط والسفه والغلو والخلرّ من الصدقء. والعجز عن صحة النظر. . . المرء إما أن يكون شاغرا أو لا يكونء. ولا وسط هناكء. فإن كان شوقي مندكم شاعراً فقيسوه إلى شعراء الدنيا من مثل شكسبير وجوتيه وملتون. . . والمتنبي وابن الرومي... فإن لم ينب به مكانه بيتهم. وو ازعم ٠‏ وإلا فاعلموا أن الشعر ليس الوزن والقافية». ثم يبيّن أن من خصائصه النقل والتقليدء ويذهب إلى أن تناوله للأشياء لا يوقظ في النفس إحساساء ثم أخذ يوازن بينه وبين البحتري حيناً : وبينه وبين ابن الرومي حيناً آخر في وصف الطبيعة» ثم يأتي بأبيات لشوقي» منها تلك الطبيعة قف بنايا ساري حتى أريك بديع صنع الياري الأرض حولك والسماء اهتزتا ‏ لروائعالآيات والآثار ويعلق قائلاً : «أؤْلى بهذه الأبيات أن تكون مما يُنشد في حلقات الذكر أو تطبع مع الأوراد؟ (السياسات الأسبوعية» /”٠‏ 1811//5). ولا يختلف حديث المازني كثيراً عن رأي العقاد. أو قل: عن معتقدات شعراء المدرسة الحديثة؛ فقد كانت آراؤهم متشابهة في الشعراء التقليديين» وعلى الخصوص في شوقي»؛ وكان من وسائلهم: الموازنة بين القدماء وشوفي في موضوع معين ليبيّنوا أنه لا يستطيع حتى تقليد القدماء. وفي عام 191١‏ ملت فرقة فاطمة رشدي مسرحية شوقي «مجنون ليلى»؛ وقد قرأها المازني وشهد تمثيلهاء وانتقدها في سخرية لاذعة؛ وم وقال: «إن رجال الرواية ضعاف مهازيل» ونساؤها قويات؛ فقيس مجنون يقضى نحبه على قبر ليلى؛ وزياد ملتاث كالمجنون» والمهدي أبو ليلى من أشباه الرجال؛ وابن عون عامل بني أمية منافق جبان» وورد زوج ليلى مخرّف عشقها خيالاً من شعر المجنون ولم يمسسها حتى ماتت؛ وليلى حصيفة» وهند مفندة ساخرة. وتساءل: لماذا يسخُر شوقي قدرته في إنشاء الخور وإشاعة الضعف؟! ثم رماه بتقليد مسرحيات أجنبية ذكر عناوينهاء ولم يكن هناك ما يدعو إلى ذلك» (الجديد 1971/7/9). وقول المازني ‏ إن رجال المسرحية كالنساء ونساؤها كالرجال ‏ ؛ ريما يعني أن المسرحية لم تترك أثراً في القارىء أو المتفرج؛ لأن الجمهور يعرف أن الرجل رجلء والأنثى أنثى. أما خور الرجال وقوة النساء؛ فإن هذا غير مثير للانفعال. ولم يخرج شوقي من نقد المازني إلا بأن المسرحية «متينة الأسلوب جزلة». وعندما ظهرت مسرحية «قمبيز» تناولها المازني بالنقدء» وكتب عنها سيع مقالات نشرتها «جريدة السياسة» 6 م6 ف وعرض لها من ناحية الأداء الشعري والتمثيلي» وطبيعة الموضوع. ووقف وقفات قليلة عند التاريخ . وقد أقام شوقي مسرحيته على أسطورة فحواها أن «قمبيز؛ شاه الفرس رغب في الزواج من بنت فرعونء فأرسل وفداً لذلك؛ ولكن نفريت بنت أمازيس فرعون مصر أبت ذلك» مع إحاطتها بما يبر رفضها من ويلات قمبيز على مصرء وهنا تقدمت نتيتاس بنت فرعون مصر السابق الذي قتله أمازيس واستولى على ملكه؛ وقبلت الزواج من قمبيز فداء لوطنهاء وسافرت إلى فارسء» واقترنت بقمبيز على أنها بنت أمازيس» ولكن سرعان ما افتضح الأمرء وعرف ملك فارس أن نتيتاس ليست بنت أمازيس وأن المصريين خدعوه. فجهز حملة عسكرية غزا بها ف مصرء واحتلها وأذل أهلها وحطم معابدها. وهذا ما تناوله شوقي في مسر ححينة . وهناك أسطورة أخرى تختلف بعض الشيء عن هذه الأسطورة لا يعنينا أمرها هناء ولكن العارفين بالتاريخ يذهبون إلى أن هناك تنافساً بين فارس واليونان وقرطاجة على احتلال مصرء وقد نأى أصحاب القرائح الفنية عن الأسباب الحقيقية: ولجأوا للأساطير لأنها مجال يسبح فيه الخيال» فضلاً عن أن الأسطورة أطوع لهم في توجيهها نحو أغراضهم» وإن كان يجب التمسك بالأصولء واستلهام التاريخ؛ وعدم الكذب عليه . وقد وجّه المازني أكثر من نقد للمسرحية» النقد الواحد منها يصيب الرواية في مقتل . نذكر منها واحداء ونمهد له بأن نتيتاس التي ضحّحت بنفسها من أجل افتداء مصر وتزوجت «قمبيز؛ كانت عاشقة لتاسو حارس أبيهاء فلما قتل أبوها واستولى أمازيس على الحكمء انتقل تاسو من حب نتيتاس إلى حب نفريت بنت أمازيس» وفي فارس تتذكر نتيتاس حبيبها الخائن تاسوء وتناجيه بما يستفاد منه أنها ما زالت تهواه» وأن ما زعمته من التضحية بقَبول الزواج من قمبيز فداء للوطن لم يكن صحيحاً» وإنما رأت في الاقتران بشاه فارس خلاصاً لهاء وفرصة لترك الوطن غيرة من نفريت التي استولت على قلب حبيبها تاسوء وفراراً من عشيقها الذي انصرف عنها . ويعلق المازني قائلاً: «كأنما عز على شوقي أن يترك الباعث الوطني الذي عزاه إليها في الفصل الأول من غير أن ينقصه بلا موجب». وفي موضع آخر يقول: «إنه من الواجب على شوقي أن لا يجعلها تحدث نفسها بمثل : اس ينا الها أعسبيسهة:. سبهيد الهدوى وإن غتر ومن هجرت وطلني لأجله حين هجرا وهذا يبين أن نتيتاس هجرت مصر ليس من أجل فدائهاء بل لأنها لم تطق خيانة حبيبها . وهذا الموقف هو جوهر الرواية الذي أفسده شوقي . وبعد سئين طويلة من نقد المازني وجه د. مندور في كتابيه «مسرحيات شوقي» و«النقد والنقاد المعاصرون» انتقاداً لمسرحية «قمبيز» دار في حدود مقولة المازني السالف ذكرهاء فيورد أن الحالة النفسية التي مرت بها نتيتاس نتيجة انتقال حبيبها تاسو إلى نفريت ونقمتها عليه تجعل القارىء «يشك في نبل نتيتاس وسيطرة روح التضحية والفداء الوطني على نفسهاء مما يذهب بروعة بطولتها ويضعف من عطفنا عليها» . فرق نون أن هذا هو التقد الأساسي للمسرحيةء وأن شوقي لم يصب الهدف,. فقول مندور لا يخرج عن انتقاد المازني؛ ولا أدري إن كان مندور قد قرأ مقالات المازني واقتبس منهاء أم أن هذا من توارد الخواطر؟ وكان على شوقي أن يخفي مشاعر نتيتاس تجاه حبيبها لكي يتسنى له وضع مسرحيته في الإطار الوطني الخالص الذي أراده لها. والحديث سيطول ويطول لو استعرضنا سبع مقالالات كشف فيها عن أخطاء فنية كثيرة» وأن نقد المازني لمسرحيتي «امجنون ليلى» و١قمبيز»6‏ يوقع في نفوسنا أنه ناقد حصيف بصير يتعمق النصٌ ويفحصه ويحسن نقده وتقديره. وقد كتب كثيرون عن شوتي والمازني؛ ولكن أحداً لم يشر إلى نقد المازني هذا؛ لأن هذه المقالات لم تُجمع في كتاب؛ وقد كتبت عنها مقالاً نشرته مجلة «المنتدى ‏ دبي» في (ديسمبر/ كانون الأول .)١1989‏ 4 وللمازني مقالات أخرى في شوفي عدّل في بعضها رأيه فيهء ولكنه ا وقد ساعدت هذه الانتقادات في شهرة شوفي» وحتى إذا كان نقاده على باطل»؛ فقد رددوا اسمه وذكروا في أوراقهم كثيراً من شعره ونثره. وموضوع شوقي ونقاده طويل» وقد يأتي أحد طلاب الدراسات العليا ويتناوله ويتعمق فيه ويذكر ما أغفلته وهو كثير. في ١‏ نوشمبر/تشرين الثاني 7٠١7‏ 74 مع أحمد شوفي ونقاده اشتباك مع دراسة أحمد حسين الطماوي عن شوفي ونقاده يقول د. مصطفى أمين الرفاعي"'': طالعتنا جريدة «القاهرة» في العددين (47”) و(595) بتاريخي صن و أكتوبر/ تشرين الأول /ا١٠١7)‏ في الصفحة ا بمقال للأستاذ أحمد حسين الطماوي عنوانه «أحمد شوفي كان يكره النقد ويهجو عرابي دفاعاً عن الخديوي توفيق». وبين سطور هذه المقالة هجوم شديد على شوقي يتهمه بأنه ربيب القصر يسير على هوى صاحب العرشء. وأنه كان بعيداً عن الوطنية. وأرى أن هذه التهم هي أبعد ما تكون عن الحقيقة» وبها اعتداء على التاريخ الأدبي والسياسي لأحمد شوقي» والتاريخ لا يكذب ولا يرحم. يقول الأستاذ الطماوي: «لو أن شوقي نظم شعره في هجاء الإنكليز بمعزل عن الخديو (عباس حلمي الثاني) لكان يمكننا القول إن شوقي شاعر الوطنية»! 8 توقع ثورة ١9‏ وأقول: إن شوقي هجا الإنجليز بعد نفي الخديو عباس حلمي )١(‏ نشرت بجريدة «القاهرة» في 7١‏ نوفمبر (تشرين الثاني) 1٠٠1م‏ وعنوانها «خدعوك ع الثاني في ديسمبر/ كانون الأول سنة )١1914‏ ونزوله عن العرش؛ أي بمعزل عن الخديوء وبذلك يكون شوقي شاعر الوطنية حقاً. فبعد عزل عباس حلمي الثاني استمرٌ شوقي في الهجوم على الإنجليزء ولم يتراجع؛ فتم نفي شوفي من مصر في عهد السلطان حسين كامل: وكان سبب نفيه هذه الأبيات التي نشرت له في جريدة «الأهرام؛ (سنة )١916‏ مهاجماً فيها السلطان حسين كامل والإنجليزء الذين وضعوا مصر تحت الحماية البريطانية. يقول شوقي (ج١‏ من الشوقيات): هل كان ذاك العهد إلا موقف ‏ للسلطتين وللبلاد وبيلا يععز كل ذليل أقوام به وعزيزكم يلقى الحياة ذليلا وانفض ملعبه وشاهده على أن الرواية لم تتم فصولا وقد تنبأ الدكتور زكي مبارك بنفي شوفي بعد قراءته لهذه الأبيات» وقد تم نفي شوقي بعد أسبوعين من نشر هذه القصيدة. فقي البيت الثالث يرفض شوقي الوضع القائم ويقول: إن النهاية لم تأت بعد الم تتم فصولاً». وفي هذا البيت كان شوفي بثورة سنه 8 التي رفضت الحماية البريطانية» كما هاجم شوقي الإنجليز سنة 5» حتى بعد رفعهم الحماية البريطانية عن مصر وحرص على الثورة ضلهم ٠‏ قالوا الحماية زالت قلت لا عجب ‏ بل كان باطلها فيكم هو العجبا رأس الحماية مقطوع فلا عدمت كنانة الله حزماً يقطع الذنبا ويحرض شوفي على الثورة ضد الإنجليز ويهجوهم في مؤتمر لوزان سنة ١94775‏ : أتعلم أنهم صلفوا وتاهوا وصدوا الباب عنا موضدينا ولو كنا نجر هناك سيفاً | وجدنا عندهم عطفاً ولينا ا وفي قصيدته لتكريم الطلبة الثوار الذين أفرج عنهم سعد زغلول سنة 4.؛ يحرّض شوقي على الثورة ضد الإنكليز: وجد السجين يدأ تحظم قيده من ذا يحظم للبلاد قيودا يا فتية النيل السعيد خذوا المدىي واستأنفوا نفس الجهاد مديدا الهدم أصلح من بناية مصلح2 يبني على الأسس العتاق جديدا ويقول شوقي في عيد الجهاد : خطونا في الجهاد خط فساحاً وهاتنًا ولم ثُلْت السلاحا رضينا فى هوى الوطن المفدّى دم الشهداء والمال المطاحا وحتى وهو في المنفى سنة ١919‏ يهاجم الإنكليز ويؤيد الثورة والموسيقى الشعرية بهذه القصيدة كدقات طبول الحرب: في مهرجان الحق أو يوم الدم مهج من الشهداء لم تتكلم يوم النضال كستك يوم جمالها حرية صبغت أديمك بالدم هل اقتنع الأستاذ الطماوي الآن بأن شوقي هاجم الإنجليز بمعزل عن الخديوي عباس حلمي الثاني» وبذلك يمكننا القول بأن شوقي «شاعر الوطنية»؟ حرّض الخديو ضد الانكليز يصف الأستاذ الطماوي شوقيّاً بأنه تافه» يسير في ركاب الخديو عباس الثاني ويهاجم الإنجليز إرضاءً لسيده. وسأقدم قصيدة وجّهها أحمد شوفي إلى الخديوي عباس الثاني» ونُشرت في جريدة «الأهرام؛ في (18 مارس/آذار )١947‏ تبين شخصية شوقي الحقيقية التي شرّهها بعض النقاد» وهي مدوّنة في الشوقيات المجهولة للدكتور محمد صبري السربوني في الجزء الأول (ص67١‏ - »)١**‏ ويقول الدكتور محمد صبري تعليقا على هذه القصيدة: كان شوقي 437 يعتز بشخصيته ومكانته في مخاطبة الملوك. وقد لا يكتفي بذلك» فيسدي النصح إلى ممدوحه تحت ستار المديح» ولا يتردد في تقريعه على إعلاء شأن الملك الذي يستمدٌ عظمته من عظمة البلادء وتختلط أبهته بأبهتها. ومن هنا جاءت صيحات شوقي للنهوض بالبلاد وحرياتها وطرد المحتل. يقول شوقي للخديو عباس أثناء حكمه : هذه مصر جاءها الذهر يسعى ليس للدهر من وفاءٍ ولكن صاحب النيل في البرية إيه إنما الملك أن تكون يلا ومر العلم أن يرور بلاداً وادع سودانها إليك يلبّي حسيه حسيهةه كقاأه كقاه قل لراج أن يسترق يَراعي نومة السيف قد نكون حياة وهويا طالما جفاها وصدًا هاب فيه العباس أن يستبدًا جذدد النيل للبرية وردَا لن يرى من سماع صوتك بذ وتصيب البلاد بالملك مجدذا عهدتها له الخلائقٌ مهدا إنه كان للاأعرّة عبّدا ما يراه العزيز عظماً وجِلّدا أنا لا أشتري بذا التاج قيدا وزائيء اليراع إن نام أردى ويعلّق الدكتور صبري: «ليست هذه هي لغة رجل البلاط: (هاب البيتين الأخيرين غير هيّاب: «إن القلم وحرية القلم أغلى وأثمن من التاج والصولجان؟». من هذا نرى أن شوقي هو الذي كان يحرض الخديوي عباس على محاربة وطرد الإنكليز؛ وليس العكس . 8 شوقي وعرابي : يقول الأستاذ الطماوي: إن شوقي نشر ثلاث قصائد فيها هجوم 4 على عرابي بعد عودته من المنفى سنة ١401١؛‏ الأولى «عاد لها عرابي) نُشرت في المجلة المصرية سئة 190١‏ بتوقيع «نديم»» والثانية في جريدة «اللواء» يدون توفيع سنة »١9٠7”‏ والثالثة «صوت العظام» فى جريدة «اللواء» بدون توقيع سلة ؟7٠8١.‏ ويقول الأستاذ أحمد زكي عبد الحليم في كتابه لأحمد شوفي شاعر الوطنية» (ص844. المكتبة الناصرية ‏ بيروت): إن الأستاذ الحوفي يقول: «إن شوقي أنشأ ثلاث قصائد حول عرابي 1١9401١(‏ -1907): ولكن وأعلق وأقول : إنه له يوجد تو قيع لشوفي على هله القصائد. فكيف تنسب لأحمد شوقي؛ ومما يشكك في أن شوقي نظمها؛ أن شوقي مد عرابي والثورة العرابية فى قصيدته «البرلمان»» ودعا الشعب المصري أن يتمسّك بحقوقه مهدّداً من يعتدي على الدستورء يقول : الأمر شورى لا بعبث مسلط فيه ولا يطغى به جبار بنيان اباء مشوا بسلاحهم وبئين لم يجدوا السلاح فثاروا فيه من التل المضرّج حائط ومن المشانق والسجون جدار فقد اعتبر شوقي أن شهداء التل الكبير؛ شهداء للدستور؛ لأن عرابي كان قد طالب الخديوي توفيق في ميدان عابدين» بدستور لمصر على نسق الدساتير الأوروبية. وعبارة: لا يطغى به جبار» فيها هجوم واضح على الملك فؤاد وعند عودة عرابي سنئة ١19١١‏ من المئفى. كان له أعداء أقوياء من المصريين الوطنيين» وعلى رأسهم الزعيم مصطفى كامل؟؛ فقد أخطأ عرابي بتصريحاته التي خرج بها عن القيم الوطنية! فأشاد بالحكم 4 الإنجليزي لمصر!! فى وقتٍ كان مصطفى كامل يطالب بجلاء الإنجليز! فهاجمه مصطفى كامل فحرنا قاسياً في جريدة «اللواء» في 57 سبتمب ر/ أيلول »5١‏ العدد (048): يقول: «لقَد هرب عرابي من هيدان القتال (التل الكبير) وتوسل إلى عدوه المحارب. ..‏ وكما تقدم ‏ أشاد عرابي بالحكم الإنجليزي في حديث أدلى به لجريدة «النَيِمسظ أو في سيلان في '١/‏ سبتمبر/ أيلول ١40١‏ عند مغادرته سيلان» وفي 4 سبتمبر/ أيلرل ١‏ أدلى لمراسل «التايمز» اللندنية بتصريح نشر في عدد ١١(‏ أكتوبر/ تشرين الأول )١90١‏ بإعجابه بحكم الإنجليز في مصر! كما صرح للمقطم (جريدة الاحتلال) في ١١‏ أكتوبر/ تشرين الأول ١9١0١‏ بإعجابه بطريقة حكم الإنجليز لمصر”''. فلماذا لا تكون هذه القصائد التى هاجمت عرابي من جهة الحزب الوطني وشاعره الغاياتي؟! نقد مقبول: ويقدم الأستاذ الطماوي النقاد الذين هاجموا أحمد شوقي... قدم نقاداً لغويين صحححوا بعض الأخطاء اللغوية» وهذا نقد مقبول - وكثير من كيار الشعراء والكتاب لهم أخطاء لغوية -. كما قدم جرجي زيدان ناقداً من الناحية التاريخية فى مسرحية «عذراء الهند؛ وهذا مقبول؛ لأنه قدّم أدلة على ذلك» ولكنه انتقد شوقي أنه أطلق خياله في وصف مخلوقات غريبة وحيوانات في حجم الجبال. .. وإني أرى أن للشاعر الحق في أن ينطلق بالخيال إلى أبعد الحدود... وأرى أن نقد زيدان في هله الناحية غير مقبول. . . )3غ( الشوقيات المجهولة لمحمد صبري السوربوني» الهيثة العامة لقصور الثقافة» ا,. 2 ويقول الأستاذ الطماوي: إن بعض النقاد هاجموا شعر شوقي وبعضهم تلقى إنتاجه الأدبيى من شعر ونثر بالثناء والتقريظ. وهذا شيء مقبول» فالناقد حر فيما يراه. ولكن؛ هناك مجموعة ثالثة: هاجموا شعر شوقي هجوماً حاداء ولكنهم رجعوا أخيراً إلى الصواب. الأستاذ عباس العقادء هاجم شوقي وقال عنه: شوقي تولاه عباس فأظهره وليوم يُخمله في الناس عباس و#عباس» الأول يُقصد به الخديو عباس حلميء, وهعياس» الثاني يقصل بها نفسه ؛ أي : عباس العقاد. ولا يلبث أن يعود العقاد إلى الحق» والرجوع إلى الحق فضيلة. يقول العقاد فى كتابه «الديوان فى الأدب والنقد» 5٠٠ 26٠ /١(‏ و7/ ١١6‏ 119): «كان أحمد قوفي عُلها في جيلهء كان عَلَّم للمدرسة التى انتقلت بالشعر من دور الجمود والمحاكاة الآلية إلى دور التصرف والابتكار فاجتمعت له جملة المزايا والخصائص التي تفرقت في شعراء عصره؛ ولا توجد مزية ولا خاصة قط في شاعر من شعراء ذلك العصر إلا إذا كان لها نظير في شعر شوقي» من بواكيره إلى خواتيمه. ومكان شوقي في مدرسته أنه كان صورة كبيرة لتلك المدرسة تشبه الصورة الصغيرة في ملامحهاء ولكنها تكشف للناظر ما ليست تكشف في الصورة الصغيرة؟. المازني هاجم شوقي وحافظ ويعود المازني إلى الحق؛ فيُعلن في حفلة تأبين حافظ إبراهيم بأنه هو وغيره؛ دأبوا على مهاجمة حافظ وشوقي بدون وجه حق لكي يهدموهماء وهو يعلن ندمه على ذلك . 15 ويرنئي شوقي حافظ : من كل هدام ويبني مجده بكرائم الأنقاض والأشلاء ما حطموك ولكن بك حطموا 2 من ذا يحطم رفرف الجوزاء انظر فأنت كأمس شأنك بازخع2 في الشرق وإسمك أرفع الأسماء وربما كان شوقي يقصد نفسه في هله الأبيات؛ كما قصد حافظ إبراهيم . يقول الدكتور زكي ميارك في كتابه «أحمد شوقي» (دار الجيل. بيروت» ص160١5‏ - 6 : إن أناساً كانوا يودون لو خهدا شوفي وسلكوا في هدمه شتى الشعابء وكان الرجل عظيم الشاعرية حقاء وكان أصلب من أن تنال منه معارك الهدذّامين». وكان لهم في ذلك جولات رسم خطوطها الشيطان». ويقول طه حسين - وكان يردد أنه من خصوم شوقي -: «شوفي في رأني أعظم شعراء العربية بعد المتنبي». فيقول زكي مبارك: «إني أرى أنه أشعر من المتنبي». لقد استطاع هذا الرجل الصامت أن يكون أشهر الناس في زمانه؛ لأن العبقرية سر مكنون. ويقول الأستاذ الطماوي: 9إن شوقي كان كثير الثناء على نفسه والإشادة بشعره؟. وأقول: إن شوقي افتخر بشعره في مواقف محدودة. ولم يكن كثير الثناء» كما قال الأستاذ الطماويء» ولم يكن شوقي منفرداً بذلك» فقد افتخر المتنبي والمعري بشعرهماء وكانا يشعران بعبقريتهما ونبوغهما. يقول شوفي في رثاء مصطفى كامل» وكان الزعيم مصطفى كامل قد طلب من شوقي أن يرئيه؛ وهو في سرير المرضص... فيقول شوقي في رثائه : 4 وجعلت تسألني الرثاء فهاكه من أدمعي وسرائري وججناني وأنا الذي يرئي الشموس إذا هوت فتعود سيرتها إلى الدوران فكأنه يطمئن روح مصطفى كامل بأنه استجاب لهء وأن رثاءه سيخلد مصطفى كامل . وفي رثائه لوالدته وكان في حزن عميق» لم يرها لسنوات» حيث كان بالمنفى في إسبانيا ولم يشيعها إلى قبرها. . . يقول: لعن فات ما أمليه من مواكب فدونكهذاالحشدوالموكبالضخما ويقصد بالموكب الضخم: قصيدته التي رثئاها بهاء ويرى أنها ستخلدها . كما يكرمها لأنها أنجبته : أتيت به لم ينظم الشعر مثله وجئت لأخلاق الكرام به نظما ويفخر بشعره في مناسبة تنصيبه أميراً لشعراء العربية : كان شعري الغناء في فرح الشر ق وكان العزاء في أحزانه ويقول وكأنه يقرأ مستقبل العراق المؤلم : كلما أنَ بالعراق جريح6 لمس الشرق جنبه في عمانه ويفخر شوقي بنفسه عندما يرئي جدته» ولم تكن جدته أصلاً مصرية ولا مسلمة؛ ولكنها تمصّرت وأسلمت وحسن إسلامها: ولو لم تظهري في العرب إلا بأحمد كنت خير الوالدات وربما يكون هذا البيت تقليداً للمتنبي الذي كرّم جدَّته وافتخر بنفسه في قصيدته التي رثاها فيهاء يقول المتنبي : وإن لم تكوني بنت أكرم والد فإن أباك الضخم كونك لي أما ويفتخر المتنبي بنفسهء فيقول : وما الدهر إلا من رواة قصائدي إذا قلت شعراً أصبح الدهر منشدا 4م14 ولا أعتقد أن المتنبي كان مبالغاً في فخره بنفسه في هذا البيت؛ فقد مرّ ألف عام ولا يزال الدهر له منشداً! ويقول المتنبي : أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي وأسمعتثٌ كلماتي مَنْ به صمم الخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم كما افتخر أبو العلاء المعري بنفسه. فيقول: وإني وإن كنت الأخير زمانه2 لآتٍِ بما لم تستطعه الأوائل وأغدو ولو أن الصباح صوارم وأسري ولو أن الظلام جحافل وقد سار ذكري في البلاد فمن لهم بإخفاء شمس ضوؤها متكامل ويتعالى على غيره من الناس ويتّهمهم بالجهل : ولما رأيت الجهل في الناس فاشياًٌ ‏ تجاهلت حتى ظنٌّ بأنىي جاهل هذا هو التاريخ الأدبي والسياسي لأحمد شوقي. وهو الذي قال وهو في المنقى : وطني لو شُغلت بالخلد عنه2 نازعتني إليه في الخلد نفسي وقال بعد عودته من المنفى : فيا وطني لقيتك بعد يأس كأني قد لقيت بك الشبابا أدير إليك قِبَل البيت وجهي إذا فهت الشهادة والمشابا إني أحب وإن شقيت به وطني وأوثره على الخلد ألا يستحق شوقي بعد كل ذلك التاريخ المشرّف أن نطلق عليه لاشاعر الوطنية»؟ لقد دأب الأستاذ الطماوي على مهاجمة أمير الشعراء أحمد شوقي هجوماً حادّاً»ء ويصعْر من شأنه ويحقّر من مكانته الأدبية والسياسية»ء متخفياً تحت أقلام وآراء بعض الكتاب». يقول: كان حافظ إبراهيم يذم 2 شوقي في مجالسه.. فأين الدليل الذي قدّمه؟!... كل ما قدمه بيت مكسور من الشعرء وهل كان حافظ يكسر الشعر والوزن» ويقول مثل هذا الشعر الركيك : إن الشوق حر ولحرقة فمابالي اليوم أرى شوقي باردا؟! ثم يسترد قائلاً: إنه لا يريد أن يسمع ترديد مدائح حافظ لشوقي؛ لأنه يعرفهاء فكيف يطلب ذلك هو أو غيره. . وسأقدم ما قاله حافظ تقديراً وتكريماً لشوقي. . . قال حافظ تكريماً لشوقي في مبايعته أميراً لشعراء العربية سنة 1871 : أمير القوافي قد أتيتٌ مبايعاً وهذي وفودالشرق قد بايعت معي أما المناسبة الأخرىء فهي تعليق حافظ على بيتين من الشعر لشوقي كان قد نظمهما ف السيدة لزناء اللورد «كارنيفون» مكتشف مقبرة توت عنخ آمونء يقول شوقي : أفضى إلى ختم الزمان ففضّه وحبا إلى التاريخ في محرابه وطوى القرون القهقرى حتى أتى فرعون بين طعامه وشرابه قال حافظ: «لقد قتلني شوقي بهذين البيتين»؟ يقصد: بره وانتصر عليه . هزا جزء ضئيل من تكريم حافظ لشوقي . ألم يدرك الأستاذ الطماوي أن أقواله تصف حافظ إبراهيم بالنفاق عند ظهور الشوقيات» ثم يقول الأستاذ الطماوي على لسان حافظ إبراهيم: #إن الصحف هِلَّلت عند ظهور الجزء الأول من الشوقيات سنة ٠‏ » وكأن الخير عم البلاد». وهو يستنكر هذا التهليل ويقول: إن التهليل يكون عند حدث كبير لانتصار في الحرب مثلاً». ويبين الأستاذ الطماوي أن أقرال حافظ كتبها في كتابه «ليالى سطيح» سئة .١1955‏ 6 وأعلّقَ وأقول: إن ظهور الشوقيات هو حدث كبير يستحق هذا التكريم وأكثر من هذا التكريم... فهل قصائد شوقي في تكريم الرسول يليد وتكريم الدعوة الإسلامية لا تستحق التكريم. إن هذه القصائد: «المولد النبوي»؛ (سلوا قلبى غداة سلا وتابا). و«الهمزية النبوية»: (وُلد الهدى فالكائنات ضياء)» والتى جاء فيها هذا البيت من الشعر الذي لخص فيه شوقي الشريعة الإسلامية : الدّين يسرٌ والخلافة بيعة والأمر شورى والحقوق قضاء في بيتٍ واحد من الشعر. و«نهج البردة». . . : (ريم على القاع بين البان والعلم). وهذه القصائد رددها العرب والمسلمون ولا يزالون يردّدونها في أنحاء الوطن العربي» وغَنّتها سيدة الغناء العربي أم كلثوم. و«قصيدة النيل» : من أيّ عهدٍ في القرى تتدفق وبأي كفٌ في المدائن تغدق التي كرم فيها نهر النيل» كما كرم حضارة مصر القديمة. وقصيدة «كبار الحوادث في وادي الئيل»» وهي قصيدة تاريخية من عهد مينا إلى عهد عباس الثاني» وقد بلغت أبياتها حوالي "٠١‏ بيت من الشعر. يقول الأستاذ الطماوي: إن هذا النقد الذي رفض هذا التهليل قدمه حافظ إبراهيم» في مسرحيته اليالي سطيح؛»؛ أين هي هذه المسرحية الآن؟ من الذي يقرأها أو يعلم عنها شيئاً؟ وأين مكانها مقارنة بمسرحيات شوقي «مجنون ليلى» و١كليوباترا»‏ وغيرها التي يعيش معها الناطقرن بالضاد ويحفظون أبياتها ويرددون حِكمها؟ وعلى سبيل المثال لا الحصر: في مسرحية ١كليوباترا»"»‏ يصف أحد المثقفين جموع العامة المضللين «من الشعب»: أه اكير ايفان نعية. واتطلبين الرون عباتية وصارت مثلا . وفي مسرحية «مجنون ليلى» تأتي هذه الحكمة التي يرددها الناس إلى الآن: «اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية». كما عرضت مسرحيات شوقي على المسرح في مناسبات عديدة . وينتقد الأستاذ الطماوي أبياتاً من قصائد شوقيء ويقول إنها مأخوذة من معاني غيره. . . وما العيب في ذلك؟ فربما يكون اقتبسها لإعجابه بهاء وريما تكون توارداً للخواطرء وهذا شيء لا يخلو منه إنتاج أي شاعرء ومجموع أبيات الشعر التى نظمها أحمد شوقى تزيد على )775:٠٠(‏ ثلاثة وعشرين آلف بيت من الشعر! - وما ذكره الأستاذ الطلماوي لا يزيد عن بضعة أبيات . ويقول الأستاذ الطماوي: إن شوقي يعجز أحياناً عن الإتيان في الشطر الثاني من بيت بمعنى» فيكرر معنى الشطر الأول» ومن هذا قوله: سلوا كؤوس الطلى هل لامست فاها واستخبروا الراح هل مسّت ثناياها وأقول: إن الشطر الثاني مختلف تمام الاختلاف عن الشطر الأول» بل فيه بلاغة مميزة! فهذا البيت نظمه شوقي لأم كلثوم في مطلع قصيدة: وقد غنّتها أم كلثوم بعد ذلك؛: وقصة هله القصيدة أن شوقي كان قد قدَّم كأساً فيه خمر لأم كلثوم. وأم كلثوم لا تشرب الخمر؛ فمجاملة منها له رفعت الكأس حتى قارب فمهاء ثم وضعته على المنضدة ولم تشرب شيئا منه؛ فشوقي يتساءل ويقول في الشطر الأول: 0 هل لامس زجاج الكأس فم أم كلثوم؟ وفي الشطر الثاني يقول: هل مسّت «الراح؟ (الخمر) شفتاها؟ وكما هو واضحء هناك فرق بين لمس الزجاج ومس الخمرء التي لا تمسها أم كلثوم لتديّنهاء فالزجاج والخمر ليسا شيئاً واحداً. كما قال الأستاذ الطماوي. وكان الأؤلى به أن يعرف تاريخ وظروف هذه القصيدة قبل أن ينقدها! عقدة نقص الغانية : كما ينقد الأستاذ الطماوي بيت من الشعر في قصيدة النيل : والمجد عند الغانيات رغيبة2 يبغئ كما يبغ الجمال ويعشق يقول الأستاذ الطماوي: «فالمجد عند الغانيات رغيبة! وهل عند غير الغانيات مرفوض؟ أو ترى أن المجد لا تطليه إلا الغانية؟». وأغخلق وآقول: إن الشاتية ععدهنا عقدة النقص من وشبعهنا الاجتماعي». فهي تبغي المجد والشهرة لكي تغطي وتعوض عقدة النقص» كما تبغي الجمال لأن الجمال هو رأس مالها في الحياة. أما المرأة الحرة ‏ غير الغانية ‏ فلا تهتم كثيراً بهذه الأشياءء فلها اهتمامات أهم: وضعها الاجتماعي» ووضعها الأسريء وتربية أينائها . . . أما الجمال. فيأتي في المرتبة الثانية. . . وهذا ما قصده أمير الشعراء. وأرى أن نقد الأستاذ الطماوي لهذا البيت لا مكان ولا معنى له. وهو يبين منتهى التجئي والتحامل على شوقيء أو كما يقول الإنجليز: إنه يقسم الشعرة طولياً إلى شعرتين!! 0 5 أين شعرهم الآن؟ ثم يقدّم الأستاذ الطماوي نقد العقاد والمازني لأحمد شوقي. ويسمي شوقي وحافظ والكاشف وأحمد محرم بالشعراء التقليديين» ويرى الأستاذ الطماوي أن عبد الرحمن صدقي والعقاد والمازني أصحاب «المدرسة الحديثة الابتداعية»» ويُطلق عليهم الفقراء لأنهم يطبعون دواوينهم من قُوتهم! ويؤيد تهجم العقاد والمازني على حافظ وشوقي ومدرستهم ويسميهم ب«الشعراء الندّابون»! ويقول الأستاذ الطماوي عن الجيل الجديد (العقاد والمازني وعبد الرحمن شكري): إنهم حوّلوا مسيرة الشعر ليس في مصر وحسبء وإنما في العالم العربي. فقد توارى ‏ أو كاد شعر المناسبات والرثاء البارد والمديح الزائف. وحلت التجارب الشخصية في الحب محل الغزل التقليدي! ! أقول: وإني أرى أن هذا النقد هو سرد إنشائي مبهم: ومن الصعب أو المستحيل أن يرّد عليه. وأقول: إن البعد الرابع في أي إبداع أدبي هو الزمن... فأين شعر العقاد والمازني وعبد الرحمن شكري الآن؟ هل يمكن مقارنته بالشوفيات» أو ديوات حافظ إبرأهيم؛ أو شعو أحمد محرم؟! لقد أخرج الشعر التقليدي العريق هذه البدعة الحديثة من الساحة الأدبية وقلّل من حجمها وانتصر عليها . إن #الشوقيات» و«ديوان حافظ إبراهيم» تباع في جميع مكتبات الوطن العربي؛: ويطبع منها عشرات الطبعات» ويحفظها الكبار والصغار ويستشهدون بأبياتها؛ أين شعر العقاد وعبد الرحمن شكري الآن؟. . . 65 رحم الله حافظ وشوقي ورحم العقاد كاتب الشرق العظيم. 1 00" مسرح شوقي : ويهاجم الأستاذ الطماوي مسرحيات شوقي على لسان العقاد والمازني؟ فيهاجم مسرحية «قمبيزةء ويقول: إن شوقي رجع إلى وأقول: إن للشاعر الحق في أن يلجأ للأساطير والخيال بلا حدودء فليست المسرحية كتاباً يدرس التاريخ للطلبة» ولكنه عمل فني. ولكن على الشاعر أن يلتزم بالحقائق التاريخية الثابتة. ويهاجم الأستاذ الطماوي بلسان المازني مسرحية «مجنون ليلى؟؛ ويقول: إن رجال الرواية ضعاف مهازيل» ونساؤها قويات؛ فقيس مجنون يقضي نحبه على قبر ليلى؛ وزياد ملتاث كالمجئون. والمهدي أبو ليلى من أشباه الرجال!! وابن عوف عامل «بني أمية) منافق جبان. وورد زوج ليلى مخرف عشقها خبالاً من شعر المجنون»: وليلى حصيفة. وهند مفيدة! ! . وأقول: صوّر شوقي قيساً بأنه جُنَّ عندما حرموه من ليلى. وحرّموها عليه طبقاً لتقاليد القبيلة» وقد جاء هذا الحدث في التاريخ الأدبي: فديوان مجنون ليلى الحقيقي بِيّن ذلك بدقة”''» فشوقي وصف شخصية قيس كما جاءت في المراجع». فما الغرابة في ذلك؟! كما لم تكن شخصية زياد في مسرحية شوقي شخصية مجئون» ولا كان المهدي من أشباه الرجال وهي صفة بريئة . أما عامل بني أمية» فلم )١(‏ تحقيق عبد الستار أحمد فراج» مكتبة مصر الفجالة؛ القاهرة. نظام الحكم. وليلى كانت قوية الشخصية تحب قيساً؛ ولكنها رفضت أن تتزوجه لأنه شبّب بهاء وخرج على تقاليد القبيلة وأحرج والدها. وأرى أن نقد المازني بعيد كل البعد عن الحقيقة والمنطق لهذه المسرحية الخالدة؛ ولا يكتفي الأستاذ الطماوي بما قاله ولكن ينقل نقد على لسان المازني يُعتبر سب علنياً. وكان من الأوفق ألا يُذكر لأنه لا يضيف شيئأ له قيمة نقدية» يقول: «ليس شوقي عندي بالشاعر ولا شبهه. وأنه لقطعة قديمة متلكئة من زمن غابر لا خير فيه يغني عنه كل قديمء ولا يضيف هو إلى قديم أو حديثء وما أعرفني قرأت له شيئاً إلا إحيسشة ان أقلب ....إلخ. 5م د. مصطفى آمين الرفاعي نشرت بجريدة القاهرة في ٠١‏ نوفمبر/تشرين الثاني 5٠١7‏ 65 مزالق الرفاعي «رذ» يخشى على الرفاعي من مأزق عبادة الأبطال. أليس من العار أن يرثي أحمد شوقي «كتشنر» ولا يرثي البارودي وعرابي؟؟! طالعت مقالاً طويلاً في جريدة «القاهرة» بتاريخ 2)1١١1//1١ /7١(‏ مذيّلاً يتوقيع د. مصطفى أمين الرفاعي» وهو طبيب أديب أمضى سنوات عمره في قراءة آثار أحمد شوقي الشعرية والنثرية» ومن مآثره وأفضاله أنه أعاد طبع «الشوقيات» وردٌ إليها القصائد والأبيات التي خذفت منهاء وزودها بمقدمة شوقي التي وردت في طبعة «الشوقيات» القديمة» وسقطت من الطبعات التالية. وليس هذا فحسب. وإنما وضع كتاباً عن شوقي» وآخر عن المتنبي وشوقي ووازن بينهما؛ لذلك وجبت عليئا تحيّته. ومقاله المنشور في «القاهرة» حلقة من حلقات إعجابه بشوقي ودفاعه عنه» وهذا مما نغبطه عليه . والإعجاب الشديد بالأبطال أو ما دعاه توماس كارليل بعبادة البطولة» مما يوقم في الأخطاء؛ ويجعل المعجب بالبطل ضيق الصدرء لا يحتمل عيباً يلحق ببطله؛ مع أن المفكر يجب أن يتسع صدره لتقبل أخطاء الكبارء وقد قلت في مقالي عن شوقي, المنشور في «القاهرة»: /اه إن شوقي لو كان نظم شعره في هجاء الإنجليز بمعزل عن الخديوي لعد من شعر الوطنية؛ فردٌ الدكتور مصطفى قائلاً : «إنه هجا الإنجليز بعد نفي الخديوء واستشهد بثلاثة أبيات من لامية شوقي في السلطان د كامل. هي : هل كان ذاك العهد إلا موقفاً ‏ للسلطتين وللبلاد وبيلا يعترّ كل ذليل أقوام به وعزيزكم يلقى القياد ذليلا وانفض ملعبه وشاهده على أن الرواية لم تتم فصولا هذ أبيات غامضة: وقد كتب الشطر الأول من هذه الأبيات خطأ وقد أصلحتهء ما علينا.ء وهي أبيات غامضة تتحدث عن عهد عباس الذي عانت فيه البلادء ثم انتهى هذا العهد وجاء عهد جديدء ولكن فصول الرواية لم تتمء ولا تظهر في هذه الأبيات وطنية شوقي بوضوحء ولكن تظهر في أبيات أخرى فى نفس القصيدة إشادته بالإنكليز ومدحه المباشر المفهوم. وذلك في قوله عن إنجلترا : أم الحضارة أنتمو آباؤنا منكم أخذنا العلم والعرفانا رقت لكم منا القلوب كأنما جرحاكم يوم الوغى جرحانا ومن المروءة وهي حائط ديننا ‏ أن نذكر الإصلاح والإحسانا وهذه الأبيات صريحة لا تحتاج إلى شرح أو إبانةء ويبدو فيها شوقي وقد استسلم للإنجليز ورفع لهم يديه» فلم تعد مصر أم الحضارة؛ وإنما أم الحضارة إنجلتراء ثم صارت عواطفنا وعواطفهم واحدة وجرحاهم جرحاناء وعلينا أن نلهج بذكر إصلاحاتهم وإحساناتهم عليناء هذا في عرف الدكتور مصطفى هجاء شوقي لإنجلترا بعد نفي عباسء» ولا أدري كيف لم يلتفت د. مصطفى إلى هذه الأبيات الواردة في القصيدة 04 التي ينقل منهاء وورد في هذه القصيدة أن جيش الاحتلال كجنود عمرو. وأن العالم خرب نصفه ومصر عامرة... إلى آخره. وقد ظن شوقي أن عدم هدم عدة بيوت يعني عمار مصرء فليت هدمت عدة بيوت» وسلمت نقونن المصرين لقد عدت الفرقى» وانشرت الرها» واسفحل ضر الرقيق الأبيض؛ وعاث جنود الاحتلال ومن جليهم الإنجليز من المستعمرات فساداً: وتفشى السلب والنهب أثناء الحرب. من نفى شوقي؟ نعود إلى قول شوقي: «إن الرواية لم تتم فصولأاً»» وقصده أن الفصل الأول من الرواية فو هرل عباس الثاني» والفصل الثاني تولية حسين كامل. أما قوله: «لم تتم فصولاً»: فتعني أن الإنجليز سيعزلون حسين كامل كما عزلوا الخديو عباس وهلم جرّأء هذا هو قصد شوقي. فانظر ما قاله د. مصطفىء من أن شوقي عندما قال عبارته تلك كان يتنبأ بثورة 219414 هذا تفسير غريب وبعيد مهما يكن قائلهء وقول شوقي هو من قبيل الدعاء على حسين كامل» بمعنى: (إن شاء الله سيعزلك الإنجليزة. وقد فهم حسين كامل المغزى وتم التحقيق مع شوقي في هذه العبارة؛ وراوغ» ولكن السلطان حملها في نفسه. وعندما أتت الفرصة نفاه. وأرَجح أن الإنجليز ليس لهم يد في هذا النفي» فكيف ينفو رجلاً يشيد بهم ويمدحهم؟ وفي قصيدة أخرى نشرتها المؤيد في نوفمبر/ تشرين الثاني :»191١5‏ دعا شوقي المصريين إلى التزام الهدوء أثناء الحرب العالمية الأولى؛ والاستماع إلى صوت العقل» وطرح الأهواء جانباً؛ يقول: واسمع لقول العقل لا قول الهوى إن الهوى لضلالة لا تتبع وصّنٍ اليدين عن الدماء فإنها روض بأفياء السكينة ممرع 4ه مرحى» مرحى يا شاعر الوطنية! إن هذه الأقوال على حدّ رأي سيد كيلاني تحمل في طياتها «الاستسلام للمحتلين» في الوقت الذي اعتقلوا فيه رجال الحزب الوطني؛ وإذا كنت مقتنعاً بأن شوقي شاعر الوطنية؛ فما قولكم ‏ دام فضلكم - في رثائه لكتشئر عندما غرق و«ذهب طعاما للسمك»؟! فأمضى شيخاً في هوى المجدقضى رحمة المجد ورفقاً بالكبر لجحيم الدأماء أوطان لكم ومن الأوطان دور وحفر أيها الساكن في ظل المنى2 ثَمْ طويلاً قد توسّدت الزهر أليس من العار والصغار يا دكتور أن يرثي شوقي كتشنرء ولا يرثي محمود سامي البارودي أحد زعماء الثورة» ورائد الشعر؟! ثم ما قولكم ‏ دام فضلكم ‏ في مدحه للانجليز قائلة : ملك يطاول ملك الشمس عرّته في الغرب باذخة في الشرق قعساء تأوي الحقيقة منه والحقوق إلى ركن بناه من الأخلاق بناء يستصرخون ويرجى فضل نجدتهم كأنهم عرب في الدهر عرياء وكأن وهم الصافي ونصرتهم للمسلمين وراعيهم كما شاءوا فمن مملكتهم يأتي الحق والحقوق» وإذا طلبنا نجدتهم ليوا النداء؛ وهم نصراء المسلمين» هذه هي أهاجي شوقي للإنجليز التي يشيد بها الدكتور. يا دكتور! إنه كلام يخجل» ولشوقي شعر وطني ولكنه لا يمثل الوطنية؛ فليس له موقف ثابت» وهو يتصرف حسب الموقف الذي يجد نفسه فيهء فقد هجا الإنجليز في وجود عباس لأن هذا ينفعه؛ ومدح الإنجليز بعد رحيل عباس لأن هذا ينفعه» وفي ديوانه هذا وذاكء والخطأ هو إصرارك على أنه شاعر الوطنية؛ ووطنية شوفي لا تستقيم مع وجود مدائح لاونكليز. و كي عرابي وشوقي : وينكر الدكتور مصطفى أن شوقي هجا عرابي بثلاث قصائد. ويتخذ من عدم توقيع شوقي عليها حجة لإبطال نسبها إليه؛ وقد نشر شوقي كثيراً من قصائده بدون توقيع أو بتوقيع مستعار لأسباب» في الغالب سياسية. وقد قال بصحة نسب قصائد شوقي في عرابي د. السربوني» ود. أحمد الحوفي»؛ ومحمد سيد كيلاني» ومحمود الخفيف وغيرهمء بل إن اللاكتورين التدريوني والتخرني امدركا على سين اتحيهنا لاخر افن استكشافها ونسبها لشوقي. على أنه ليس بالضرورة أن يوفع شوقي على شعره؛ فقد كانت الصحف تقدم للقصائد بما يفيد أنها من نظم شوقيء ومن هذا ما قدّمته جريدة (اللواء» لقصيدة «صغار في الذهاب وفي الإياب» بقولها: ١قصيدة‏ غراء لشاعر من أكبر الشعراءء بل أكبرهم بلا نزاعء فأحببنا نقلها إظهاراً لشعور أمير القريض والبيان في عودة عرابي إلى مصر؛»ء فمن هو أكبر الشعراء وأمير القريض غير شوقي؟ وقس على ذلك . فهل خدعني د. السربوني» وهو أستاذي» بأن شوقي هجا عرابي؟ نعمء هجاه بإيعاز من القصر وخدمة لهء وقد ثار في وجهه الوطنيون ونقضوا قصائده؛ وهم يعرفون جيداً أن شوقي هو قائلهاء وقد أورد د. السربوني في الشوقيات المجهولة» أشعاراً لشوقي بتوقيعه الصريح يهجو فيها عرابي ويغمزهء وفي واحدة منها شبهه بالعجل» فهل تنكر ذلك أيضاً؟ هل كتب الكاتبون كل هذا في هذه القضية ليخدعوني؟ وتقول يا دكتور إن شوقي كان يمجد عرابي والعرابيين» وتذكر أبياتاً قالها شوقي في قصيدة «البرلمان؟ فيها إشارة سريعة إلى «التل»؛ وتعني معركة التل الكبيرء وهله القصيدة فيلت عام 1474١؟‏ أي بعد أن تغيرت النظرة إلى عرابي وثورته» فهل هذه الإشارة العابرة تعني ما تقوله؟ ١ ألا تشاركني القول أنه من الصغار والعار أن يرئي شوقي كتشنر ولا يرئي عرابي والبارودي؛ وهما من أكبر زعماء الثورة؟ ولكنه لا يستطيع أن يرئيهما وعباس الثاني في الحكمء ثم إن أحمد زكي عبد الحليم الذي تحتج به وبكلامه» يقول في كتابه «أحمد شوقي شاعر الوطنية» عن قصائد شوقي في هجاء عرابي: تلك هي القصائد الثلاث التي حمل فيها شوقي على عرابي زعيم الثورة العرابية حملة لا رحمة فيها ولا هوادة»؛ ويقول أيضاً: «وهكذا استلّ شوقي قلمهء وراح يقذف عرابي بالتهم ويلقي عليه تبعة الاحتلال» . 35د ورة العقاد وزميليه : ويقول د. مصطفى: إن العقاد هاجم شوقي ثم عاد إلى الحق!! أو كان العقاد على باطل حين هاجم شوقي ثم عاد إلى الحق؟ إن ثورة العقاد وزميليه هي التي أنقذت الشعر من الهاوية التي كان يتساقط فيها. وقد تغيّر مضمون القصيدة من شعر المناسبات والخطابة إلى الشعر الإنساني والوجداني» واختفت المدائح والمناسبات والأغراض القديمة أو كادت من الشعر الحديثء» ومن يقرأ الآن شعر التعزية والتهنثئة والمديح إلا ما كان منه صادقاً وصادراً عن وجدان. أما قول العقاد: «إن شوقي انتقل بالشعر من الجمود إلى الابتكار»» فإنه يعني أنه كان يبتكر في إطار المدرسة التي كان ينتمي إليهاء والعقاد منصف ولا يعني ذلك أنه عاد إلى الحق» وهناك فارق بين شعر علي الدرويش وأبي النصرء وعلي الليثي وشعر شوقي الراقي» وقد ظل العقاد على رأيه في شوقي حتى وفاته. 55 أكثر الشعراء زهوا: قلت في مقالي: «إن شوقي كثير الثناء على نفسه»»ء ويأخخل د. 59 مصطفى هذا على ويقول: إن شوقي افتخر بشعره في مواقف محدودة. ولم يكن كثير الثناء». وأكرّر قولي: «إن شوقي كثير الثناء على نفسهاء بل هو أكثر شعراء العربية زهواً على الإطلاق؛ والمتنبي شاعر العربية الأكبر؛ دونه بكثير في الثناء على نفسهء وزهو شوقي كان ملحوظاً من الأدباء؛ وقد أخذ عليه هذا محمد المويلحي عندما انتقد مقدمة الشوقيات في «مصباح الشرق»» ولن أسرد الأبيات الكثيرة التي تظهر نرجسيته؛ لأنها كثيرة ولا تتحملها هذه المقالة الصغيرة التي تناقش قضايا عديدة. ولكن أحيل د. مصطفى والقراء إلى كتاب «في صحبة الشعراء؟ للاستاذ محمد عبد الغنى حسنء الذي تحدّث عن افتخار شوقي بشعره في إحدى عشرة صفحة من القطع الكبير”"» وبالطبع لم يذكر عبد الغني حسن كل شيء . ومما قاله كاتبنا عبد الغنى حسن عن شوقي: «... نجد عند بعض شعراء العرب القدامى نزعات إلى التعبير عن زهوهمء. وافتانهم بشعرهم. وهي نزعات قد لا تتكرر في ديوان الشاعر أكثر من مرة... أما أن يلح الشاعر في مدار شعره على الافتخار بشعره» وقفريضهء وشاعريته» وكثرة رواة شعرهء وقلمهء وأن بعض شعره لم يأت بمثله شاعر من الذاهبين» وأن قلمه يداوي الجراح؛ فذلك شيء لم نجده عند القدامى» ولم نجده عند المحدثين إلا عند شاعر واحد هو المرحوم أحمد شوقي». وبعد أن يتحدث د. مصطفى عن زهو شوقي المحدودء يعود إلى شعر الوطنية ويذكر قوله : فيا وطني لقيتك بَمْد يأس كأني قد لقيت بك الشّبابا والبيت تشتم فيه رائحة المنفى» وقوله هذا صحيح؛ ولكن لا يدل )0( من ص ٠١9‏ إلى ص .١١5‏ برف على الوطنئية العظيمة التي نتخيلهاء فهو في منفاه بإسبانيا لا أهمية له ولا أحد يعرفهء لا ينصاع له شخص. أما في مصرهء فإن الناس تعرف قدره» فهذا يحتفي به وإذا لقي شخصاً احتفل بهء وإذا نظم قصيدة أو أكثر نشرتها كبريات الصحف»ء. وبإيجاز هو موضوع اهتمام ورعاية في مصرء وهذا ما كان يفتقده في منفاهء وبالطيع تكون مصر أنفع له من إسبانيا . وينّهمني د. مصطفى - سامحه الله أني نسبت بيتاً مكسوراً إلى حافظ؛ والبيت الذي ذكرته قلت عنه إنه «على وجه التقريب». ثم قلت وقد «قرأته على النحو الصحيح» (ارجع إلى مقالي)» وهذا يعني أنني جعت بمعناه» فلماذا يقول: «هل كان حافظ يكسر الشعر والوزن». البسين هذا من الادعاء؟! على أن د. مصطفى إذ لم يجد ما يقوله تقوّل علي وادّعى ما لم أقله.ء ومن ذلك قوله: «يقول الطماوي: إن هذا النقد الذي رفض هذا التهليل قدمه حافظ إبراهيم في مسرحية ليالي سطيح . أين هي هذه المسرحية الآن؟». وكاتب هذه السطور لم يقل هذا الكلام إطلاقاًء ولا ذكرت كلمة مسرحية في هذا الموضعء والمقال موجود عند الدكتور وعند غيره من القراء» وعند جريدة «القاهرة»» والظاهر يا دكتور أنك لا تركز أثناء القراءة» كما أنَّ كتاب «ليالي سطيح» من أدب المقامات وليس مسرحية كما تخيلتهاء أليس من العيب أن تدّعي على الناس الأقوال؟ وهل هذه هي الأمانة العلمية؟ ود. مصطفى لا يرى عيبا في أن يأخذ شاعر معاني غيره» فلما قلت إن شوقي أخد هذا المعنى من فلان» وغيره من فلان؛ رد علي 5 قائلاً: «وما العيب في ذلك» ربما يكون اقتبسها لإعجابه بها... وريما تكون توارداً للخواطر» إلى آخر ما قاله» وكأن الأدب غابة يسطو فيها من يشاء على من يشاءء ويأخذ منه ما يريد لإعجابه بما يأخذه. لا يا دكتور أنا أخالفك» وكيف يسطو أمير الشعر على غير الأمراء؟ عقدة الغواني وقد انتقدت شوقفي في قوله: والمجد عند الغانيات رغيبة2 يبغى كما يُبغْى الجمال ويعشق وقلت: «هل المجد عند غير الغانيات مرفوض؟»» فعلق د. مصطفى قائلاً : «إن الغانية عندها عقدة النقص من وضعها الاجتماعي ». فهي تبغي المجد والشهرة لكي تغطي وتعوض عقدة النقصء» كما تبغي الجمال لأن الجمال هو رأس مالها في الحياة. أما المرأة الحرة» غير الغانية» فلا تهتم كثيراً بهذه الأشياءء فلها اهتمامات أهم؛ وضعها الاجتماعيء ووضعها الأسري وتربية أبنائهاء أما الجمال فيأتي في المرتبة الثانية»؛ وهذا ما قصده أمير الشعراءء وأرى أن نقد الطماوي لهذا البيت لا مكان له لصتيام وهو يبين منتهى التجني والتحامل على شوقي أو كما يقول الإنجليز: يقسم الشعرة طولياً إلى شعرتين». عسويو بوي اي خودي وترك أشياءء ويؤسفني أن أقول: إن كل هذا الكلام < خطأ وليس علمياًء فلقد فسر حضرة الدكتور مصطفى الغانية بأنها المرأة الساقطة الداعرة» والغائية يا دكتور هي المرأة الجميلة التي تستغني بجمالها الطبيعي عن التجميل الصناعي. وقد تكون الغانية هي المرأة التي استغنت بزوجهاء ولقد رجعنا إلى لسان العرب مادة «غنا» ووجدنا أن الغانية «التى غنيت بحسنها وجمالها عن الحلي. وقيل: هي التي تطلب ولا تطلب. وقيل: هي 56 الشابة العفيفة كان لها زوج أو لم يكن» وغير الغانية الجارية الحسناء ذات زوج كانت أو غير ذات زوجء سمت غانية لأنها غنيت بحسنها عن الزينة» وجمعها الغواني». وهناك كلام كثير في هذا الاتجاه. فلترجع إليه إذا كفت وعلى هذاء فالغانيات لسن العاهراتء وإنما هن الجميلات الحُرّات العفيفات» وهذا هو المعنى الذي قصده شوقي لأنه يتحدث عن عروس النيل» والدليل على أنهن الجميلات قول شوقي في الأبيات السابقة على بيت «والمجد عند الغانيات»: ونجيبة بين الطفولة والصّبا عذراء تشربها القلوب وتعلق فهي صبية عذراء تتعلق بها القلوب. وليست ساقطة تبغي المجد لتداري نقصهاء وفي البيتين السابقين على بيت «والمجد عند الغانيات» يقول شوقي: في كل عام درة تلقى بلا ثمن إليك وحرة لا تُضدَّق وهذه الغانية درة غالية الثمن» وحرة ليست جارية ولا فاجرة» ونجيبة. أما المجد الذي ترغب فيه الغواني» فهو زفافهن إلى النيل» يقول شوقي: كان الزفاف إليك غاية حظها». والسؤال هو: هل الغانية فقط التي ترغب في هذا المجدء أم أن المجد مطلوب للغواني وغيرهن؟ وهل تجنيت على شوقي وتحاملت؟ إلى آخر ما قلت... ولا أريد أن أقرل لك أكثر من هذاء وعليك أن تعيد قراءة شوقي لتلمٌّ بما فيه» ودع عنك توجيه الاتهام للناس . أما قول الدكتور مصطفى: إن شطري بيت شوقي : سلوا كؤوس الطلا هل لامست فاها واستخبروا الراح هل مسّت ثناياها فيهما اختلاف. فهو من باب اللغط؛ لأن شوقي لم يقدم لأم كلثوم 55 كأساً فارغة» وإنما ممتلئة بالخمر فرفضتهاء ونفس المعنى في الشطر الثاني؛ وجوهر الكلام واحد وهو أنها في الحالتين لم تذق طعم الخمر. وقلتُ في مقالي عن مسرحية «قمبيز»: «إن أصحاب القرائح الفنية ابتعدوا عن الأسباب الحقيقية لغزو قمبيز لمصرء ولجأوا للأساطير لأنها مجال يسبح فيه الخيال» وإن كان يجب التمسك بالأصول واستلهام التاريخ وعدم الكذب عليه»؟؛ أي أنني أفضل التعامل مع الحقائق» ولم أرفض الأسطورة» وقلتَ أنت: «إن للشاعر الحق أن يلجأ للأساطير والخيال بلا حدود... ولكن على الشاعر أن يلتزم بالحقائق التاريخية الثابتة». وأظن أن قولي شبيه بقولك. بيد أنك وقعت في تناقض وذلك عندما قلت: (على الشاعر أن يلجأ للأساطير والخيال بلا حدود؛. فإن هذا يتناقفض مع قولك: «ولكن على الشاعر أن يلترم بالحقائق التاريخية». فما دام لجأ إلى الأساطيرء فكيف يلتزم بحقائق التاريخ؟ إما هذا وإما ذاك» وقصة شوقي التي رواها في مسرحيته أسطورة؛ ويجب أن أنبهك إلى قولك: «إن من حق الشاعر أن يلجأ إلى الخيال بدون حدود؛ لأن هذا من خطل الرأي» ويجب أن تحذف «بلا حدود» وتكتفي ب«أن يلجأ الشاعر إلى الخيال»؛ أما «بلا حدود»ء فهذا أمر خطير قد يصل بئنا إلى الخرافات» وقد رددت «بلا حدود» في مقالك مرتين» لذا وجب التنبيه . 55 رأي المازني : وفيما يتعلق برأي المازني في شوقي». ذهبتٌ إلى أنني نقلت نقداً على لسان المازني يعتبر سباً علنياً: وقول المازني هو: «ليس شوقي عندي بالشاعر ولا شبهه' إلى آخخره؛ وهذا رأي المازني» وقد أجاز الدكتور هيكل نشره في صحيفته؛ وهو رجل قانون في المقام الأول. وبطبيعة الحال قرأه شوقي وهو رجل قانون في المقام الأول» وقد فاتهما 7 أن قول المازني يعدّ سباً علنياً» واستدركت أنت يا دكتور ما فاتهماء ورحلوا جميعاً إلى عالم البقاء» فماذا نفعل الآن؟ وإذا كان شوفي صاحب الشأن لم يقل هذاء أفتقوله أنت بعد ثمانين عاماً من نشره؟ 5 ولماذا أتخفى ...؟ وتقول يا دكتور: إنني دأبت على مهاجمة شوقي امتخفياً تحت أقلام وآراء بعض الكتاب». ولماذا أتخفى؟ هل البحث ممنوع؟ ألا يستحق شوقي أن يدرس وهو أمير الشعراء؟ إن ما صنعته هو بحث موثق؛ والبحث لا يعرف التواطؤ والمجاملة» والنقطة المركزية في حوارنا هي مدائح شوقي للإنكليز وهجاؤه لعرابيى. وهذا مما لا يغفله الياحث؛ لأنه موجود في ديوانه وفى الصحف القديمة. وقولك: «خدعوك فقالوا: إن شوقي هاجم عرابي ومدح الاحتلال»! خطأ جسيم» وهو قول يظهر كما يقول المتنبي. . . كيف يغالط الإنسان نفسه في الحقائق الثابتة الماثلة للعيان أن مدح شوقي للإنجليز حقيقة راسخة مستقرة لا يمكن زعزعتها . والبحث الذي نشرته «القاهرة» ليس لي من ورائه أي مأرب مادي أو معنوي» ثم إنه ليس بيني وبين شوقي أي شيء, فلقد مات ككُْلَنْةُ قبل أن أولد بأحد عشر عاماً» فماذا أنت قائل؟ إنني استعرضت بعض ما قيل عنه في حياته. ولقد قرأ شوقي ما كتب عنه بتمامه وكمالهء أما ما أتيت به فهو نبذ ونتف قليلة» وأمسكتٌ عن ذكر نقاد آخرين انتقدوا شوقي مثل طه حسين وميخائيل نعيمة ولطفي جمعة وغيرهم من صيارفة الكلام الذين يعرفون جيد القول من زائفه, ولقد دافعت عن شوقي على قدر استطاعتي؛ فوقفت إلى جانبه ضد المقطم. وخطأت المويلحي في كلمة «غازل» وانتصرت لشوقي؛ وعندما وازن الصاعقة بين إمام العبد وشوقي وانتصر للأول» قلت: «هذا غير مقبول. . .» إلى آخره» فهل يعد هذا من 4 قبيل التحامل». ثم إن ما قيل عنه منسوب لأصحابه وهم أعلام كبار مثل اليازجي والمويلحي وجرجي زيدان وحافظ إبراهيم والعقاد والمازني» ويمكن للدكتور مصطفى أن يرد عليهم إذا شاء وقد ذكرت له المصادر والتواريخ . ولكي تكون الفائدة أكثرهء أصرب لك خطأ وقعت فيه وهو قولك عن «عذراء الهند» إنها مسرحية. وهي رواية قصصية تتخللها بعض الأشعارء وهذا يدل على أنك غير ملم بتراث شوقيء بالرغم من أنك ظللت طيلة حياتك تقرأه وتتابعه على حد قولك في كتابك عنه. وإننا نحتفل هذه الأيام بمرور خمسة وسبعين عاماً على وفاة شوقيء ولسنا فى حفلة تأبين نذكر فيها محاسن موتاناء لقد ولد شوقي في القرن التاسع عشر الذي انقضى؛ ثم مضى القرن العشرون. ونحن الآن في القرن الحادي والعشرينء أي أن شوقي صار تراثا يُدرس. وتتنوع فيه البحوثء» وتتباين فيه وجهات النظرء شأنه مثل شأن أي أديب من الأدباء القدامى» ولا مصلحة لمن يذمّه أو يمدحهء كما أن شوقي» وهو بين يدي أرحم الراحمينء لن ينفعه إطراء ولن يضيره ذمّء وكل ما يكتب عنه فيه إفادة للقراءء وللأدباء الناشئين. كه نشرت ف القاهرة في ١١‏ ديسمبر/كانون الأول/١٠؟‏ 564 الح نح نح م نع المح اتح ان عات عات م نوات م لوح ات اليم نيح الشيخ أحمد ماضي ومجد الإسلام... المفقود ماري عرف الشيخ أحمد ماضي بيننا بأعماله الصحفية الضخمة ذات الاتجاه الوطني الإسلامي . وذلك بإنشائه مع الشيخ علي يوسف جريدني «الآداب» عام /ا184ء و«المؤيد؛ عام 1884. ولكنه لم يعرف بأنه كاتب ديئي وشاعر مادح للرسول لي . وبالرغم من أنه فارق الحياة وهو في أنضر سنوات العمرء فإنه كان مثقفاً ثقافة عصرية وأجنبية ساعدته على الإحاطة بما في الكتابات الغربية. . . علاوة على ثقافة دينية وافرة مكنته من معرفة أصول الدين والدفاع عنه ضد غارات الأوروبيين وأعداء الإسلام» وبخاصة في وقت كادت تحل فيه النظريات العلمية» مثل نظرية النشوء والارتقاء. محل المقولات الدينية الراسخة. فقد كانت مجلة «المقتطف» تنشر آراء داروين وبوخثر وتعليقات شبلي شميل الإلحادية التي تزلزل العقائد وتروج لنظرية مفادها: إن الإّنسان ليس من طين ء وإنما تطور من فصيلة معيئة من القرود. كان الشيخ ماضي متعدّد المواهب؛ فإلى جانب توافر ملكاته الصحفية؛ كان شاعراً. لك الشيخ أحمد ماضي عند وفاته عدة مخطوطات, أهمها ديوان شعر» وسوائح أدبية : وكتاب ديني أطلق عليه #وسائل إظهار الحقق. 0# وكانت غايته من الأخير أن يتمّم به كتاب العالم المسلم الهندي #رحمة الله الكيرانوي». الذي نشره في القرن التاسع عشر تحت عنوان تإظهار الحق». وقد تضافرت جهود ذويه حتى ظهر كتاب «وسائل إظهار الحق» مطبوعاً وصادراً عن المطبعة الجمالية بحارة الروم عام (1777ه/ 6مم)). و«وسائل إظهار الحق؟ كتاب جدلي النهج» ينهض في أقسام كثيرة منه على حوار واسع مع أصحاب الديانات السابقة على الإسلام؛ ويعتمد فيه مؤلفه على حجج عقلية منظمة» وبراهين يشرف عليها المنطق» ويسترفد من تاريخ الأديان الكتابية وغير الكتابية في الهند والصين وفارس ومصر الفرعونية ما يوضح مقولاته ويظهر الإسلام على الملل والنحل الأخرى. وقد استلهم فؤاده روح الإسلام الوثاب» واستنهاضه للعلم والفكرء وحثه على التأمل والبحث» فذهب إلى أن القرآن الكريم نبّه العقل الإنساني ودفع به إلى البحث في الكائنات والسعي وراء خصائصها وإدراك أسرارها. صحيح أن التطلع إلى العوالم المجهولة غريزة إنسانية» ولكن الشيخ ماضي أوضح أن ذلك لم يكن بأمر ديئي حتى جاء الإسلام»ء فحث عليه «وصار عمل الفكر شرعاً وواجباً من واجبات الدين». وقد عمق الأستاذ العقاد هذا الاتجاه في كتاب كامل دعاه «التفكير فريضة إسلامية»؛ والإسلام وحده هو الذي جعل التفكير فريضة. أو الفكر شرعاً دينياً. وقد كانت السلطات الديئية غير الإسلامية تطارد العلماء وترميهم بالكفره وتعقد لهم المحاكم» وتقضي عليهم بالموت. وظل ذلك حتى نهاية القرون الوسطلى . وقد دافع شيخنا عن فرية افتراها أعداء الإسلام» قوامها أن الدين 7/١ الحنيف اقترن بالسيف. وقد ردّ بعض علماء الإسلام على هذه الفرية بأن الإسلام واجه بالسيف من واجهوه بالسيف . وهناك من قال إن التسامح الإسلامي أثْر في قلوب أبناء البلاد المفتوحة فاعتنقوه؛ وهو كلام وجيه ينطبق على الماضي وما جرى فيه. أما أحمد ماضيء فإنه يذهب إلى أبعد من هذا فيقول: إن الجمال الإسلامي تجلّى للعقول الكاملة والقلوب السليمة تجلياً جذبها إليه». وهذه العبارة البهية أوجه من سابقتهاء لأنها تنطبق على الماضي والحاضر والمستقبل بإذن الله» وتفسر لماذا يدخل أبناء أورويا وأمريكا وغيرهم في الإسلام الآنء وليس هناك حكم إسلامي يتسامح مع أبناء هذه الأقطار. حقاً إن الشرع الإسلامي غالبٌ على العقول» وجماله آسر للنفوس . وللشيخ ماضي رؤيته المستقلة في فهم الدين وقضاياهء وتفهم أحوال المسلمين وحاجاتهم. ففي أحد فصول الكتاب يتحدث عن المجد الإسلامي الذي فقده المسلمون» وقد ظئنت أنه سيتكلم عن الممالك الإسلامية التي سقط عنها الهلال الإسلامي» أو الحضارة الإسلامية التي صارت أثراً يُحكىء أو القوة الإسلامية التي ذهبت بدداً. إن أحمد ماضي لا يحدثنا عن شيء من هذاء وإنما المجد الإسلامي كما يفهمه هو: «الروح الحقيقية الإسلامية التي تسري في القلوب فتجملها باليقين» وفي الأجسام فتنشطها للقيام بعظائم الأعمال». وعلى هذاء فمجد الإسلام المفقود هو الوحدة الإسلامية الغائبة لضعف الإيمان. وهو رأي صحيح عند تعمق الأمر؛ فكل بناء مادي يمكن إقامته إذا تهدم ما دامت الحماسة الروحية متّقدة» واللسان الإسلامي واحداً . وعلى هذا النمط يناقش الشيخ أحمد ماضي كثيراً من القضايا 7 الإسلامية بمنطق رشيدء وذهن مستنيرء وبأسلوب يجمع بين البلاغة والبساطة. ينحدر الشيخ أحمد عبد الله المحجوب أبو العزائم من مدينة عين ماضيء إحدى مدن المغرب العربي» فانتسبت عائلته إليها وبخاصة بعد هجرتها إلى مصرء وفي قرية محلة أبي علي القريبة من دسوق ولد أحمد ماضي عام 14877»: وتعلم على بعض المدرسين في بيته» ثم التحق بالأزهر وحاز شهادة العالمية» وتعلم اللغة الإنجليزية على يد إدوارد براون مستشار دار المعتمد البريطاني» كما تعلم هذا المستشار العربية على يد أحمد ماضي» وعمل بالتدريس في مدرسة الأقباط» وشارك علي يوسف في إصلار «الآداب» و«المؤيداء ثم دب بينهما خلاف انتهى باستقلال علي يوسف ب«المؤيد»؛ مقابل عشرين جنيهاً ذهباً. وكان ماضي مصاباً بداء في الرئة» فنصحه محمد دري باشا بالإقامة فى جوّ جاف» فسافر إلى المنيا في أواخر عام 1887 ليقيم عند شقيقه المدرس محمد ماضي»ء ولكن العلة اشتدّت عليه فلقي وجه ربه في ١‏ من يناير/ كانون الثاني »١4945‏ وذفن بحوش «حظو باشا» أحد وجهاء المنيا» وما زال قبره هناك. وقالت مجلة «الفرائد؛ في رثائه (عدد يناير/ كانون الثاني :)١895‏ "كان عالماً فاضلاًء كثير الاطلاع طويل الباع» ليس فقط في العلوم العربية» بل في غيرها من الطبيعيات والرياضيات. ولطالما قام بالمباحث المهمة وألقى الخطابات الجمّة في جمعية الاعتدال... ولقد أسف على فقد هذا الفاضل كل من عرف شريف خصاله ومكارم أخلاقه». 5 نُشرت في ججريدة الأخبار, بتاريخ 1444/1/5 نف اح اح م رع م2 المجنون وشعره اليازجي وطه حسين في الأدب العربي صفحات, داخلتها الريب والشكوك؛. وحامت حولها الشبهات والظنون». لأسياب كامنة فيهاء منها: التنافي بين كلام وكلام. والتدابر بين رواية ورواية» والتفكك الظاهر في مضمونهاء والتلفيق الواضح عليهاء فقدح فيها النقد» حتى تخلخل بنيانها» وتداعت أركانها . ومن هذه الصفحات». صفحة المجتون والأشعار المنسوبة إليه؛ وتضارب الأقوال فيه وفيهاء واحتدام النقاش حوله وحولهاء مما حدا بالنقاد إلى الشك في وجوده؛ والطعن في صحة نسب أشعاره» وهو ما عُرف بقضية الانتحال أو مسألة تزييف النصوص الأدبية وإسنادها إلى أدباء أو شعراء لا صلة لهم بهم. ولعل أشهر فرسان هذه القضية في العصر الحديث هو الدكتور طه حسين» حيث عرض لهذا الموضوع في كتابيه «حديث الأربعاء» وافي الأدب الجاهلي»؛ وقد ظهر الكتابان في العقد الثالث من القرن العشرين. ولسنا بصدد مناقشة وافية لهذه القضية التي احتدم فيها العراك. وكانت مثار جدال وخلاف؛. ولكن سنقف عند جذورها الحديثة من خلال أقوال اليازجي فيهاء عندما بسطها على مائدة النقدء وأعمل فيها الفكر من خلال درسه للمجئون وديوانه. 84 وابتداءة نقول: إن اليازجي كان أسبق من طه حسين في إثارته لهذه القضية (مع الأخذ في الاعتبار ما قاله بعض المستشرقين)» بل إن ما قاله طه حسين في شعر مجئون ليلى وشخصيته لا يتجاوز كثيراً ما ردّده اليازجي قبله بنحوه عقدين ونصف من الزمان. فقد ذهب اليازجي في بحثه المنشور بمجلة «البيان»؛ عدد ١5(‏ أغسطس/ اب )١1848‏ إلى التشكيك في حقيقة المجنون» واتخذ من اختلاف الرواة والروايات في اسمه وفي نسبه دليلاً إلى ذلك». فقد تعددت أسماؤهء فقيل: هو عامرء وقيل: مهدي. وقيل: الأقرعء وقيل : معاذء وقيل: قيس بن معاذء وقيل: قيس بن الملوح؛ وقيل: البحتري ابن الجعد. أما نسبهء فقيل: هو عامري. وقيل: كلابي» وقيل: جعدي» وقيل: قشيريء وقيل: عقيلي» وقيل غير ذلك . وفى هذا الصدد قال الدكتور طه حسين في كتابه «حديث الأريعاء؛ الجزء الثاني : اثم اختلف الرواة الذين أآمنوا بوجود المجنون في تسميته» فهو قيس عند بعضهمء ومهدي عند بعضهم الآخرء وهو الأقرع عند فريق» والبحتري عند فريق آخرء ثم اختلفوا في نسبه واسم أبيه». ومما لا شك فيه أن اليازجي وطه حسين قد أفادا مما رواه صاحب «الأغاني» نقلاً عن الرواة في هذا الشأن. ويقول اليازجي عن المجئون: «أما وجوده إن صح أن يكون له أصل» فهو كوجود عنترة والمهلهل وأبي نواس وغيرهم ممن أولعت العامة بأخبارهم؛ وتئاولهم القصّاصون فزادوا في أحاديثهم وزيفوا ما شاءواء ووضعوا على ألسنتهم؛ ونسبوا إليهم من الشعر والأقاصيص ما لا عهد لهم به؛ حتى صاروا بمنزلة أشخاص خيالية قد تجسم في كل واحد منها معنى الخرافة التي تلسب إليه» وإذا كان اليازجي قد تحدث عن إنشاء قُصَّص تدور حول عنترة 6و9 والمهلهل وأبي نواس. فإن طه حسين يشير إلى دور القصاص في إنشاء قصص عن شخصيات أخرى غير التي ذكرها اليازجي» فيقول: «وأنا أريد أن أقيم مكان قيس بن الملوح وقيس بن ذريح» وجميل بن معمرء وعروة بن حزام أشياء لا أشخاصاًء أو بعبارة أدق!؟ أريد أن أقيم مكانهم شيئاً واحداً هو فن القصص الغرامي الذي أعتقد أنه ظهر أو على أقل تقدير قوي وعظم أمره أيام بني أمية»» ثم يقول عن هؤلاء العشاق: «أنا إذن بإزاء قصص غرامية اخترعها الخيال» لا بإزاء عشاق؟. وما أظن أن الدكتور طه قد ابتعد كثيراً عن فكرة اليازجي؛ وإن تغيرت عبارته» فكلاهما يرى أن المادة الأدبية التي بين أيدينا عن هؤلاء هي من عمل القصاصء ونسج الخيال» ثم يقول اليازجي: «وأما شعره 10 المجنون ‏ على فرض صحة وجودهء فأكثره منحول؛ لأنه لا يشبه بعضه بعضاء بل نجد في غالبه من اختلاف ديباجة اللفظ وتفاوت طبقة المعاني ما لا يجوز أن يكون من الشاعر الواحد». وفي هذا المجال يقول طه حسين عن شعر قيس: «إما أنه مصنوع... وإما أنه قد صدر عن أشخاص مختلفين» ثم خلطه الرواة عمداً أو سهواً وأضافوه إلى شاعر واحد هو المجنون»» ثم يقول في موضع آخر: «ولقد أجهدت نفسي في البحث عن شخصية ظاهرة مشتركة تظهر في هذا الشعر كله أو بعضهء فلم أوفق من ذلك إلى شيء». وقد كان لأقوال اليازجي في نحل شعر قيس أثره فيما بعدء فقد أثيرت هذه القضية مرة أخرى (سنة )١140١‏ على صفحات «مصباح الشرق» التي كان يصدرها المويلِحيّان ‏ إبراهيم المويلحي وابئه محمد _. ودارت معركة بين محمود راصف أحد أدباء تلك الفترة - ومصطفى لطفي المنفلوطي؛ وكان الأول يقول بانتحال بعض أشعار عنترة» ولا يؤيده المنفلوطي فيما ذهب إليه . 5 وليس المقصود من تتبع أفكار اليازجي وطه حسين حول المجنون. هو التهوين من قدر طه حسين؛ ووضعه في موضع المقتبس أو المتأثر فما أدري إن كان الدكتور طه قد قرأ درس اليازجي أو لم يقرأهء وإن كان التشابه بين الدرسين كير : وإنما الغرض هو البحث عن بدايات هذه القضية في العصر الحديثء وما قيل فيهاء وقد يكون اليازجي مسبوقاً. ولكني أسجل ما أعرفه. وفي مجال الموازنة بين ما دونه اليازجي وطه حسين حول المجنونء نذكر أن ما قاله الأخير عن قيس بن الملوح وشعره ينقصه التدليل والتطبيق» فلم يأت في ثنايا كلامه بنصوص لقيس ليظهر المنحول منهاء ومن ثم فحديث الدكتور طه حسين يشبه الخطابة التي تستهدف التأثير دون الإقناع . أما اليازجي. فقد كان ناقداً ومحققا في آن واحد لبعض النصوص الأدبية المنسوبة لقيس» ولم يفته أن يضرب أمثلة كثيرة من ذلك الشعر بدليل ليدلل على ما يقول» فممًا روي لقيس: يقولون ليلى بالعراق مريضة6 فأقبلت من مصر إليها أعودها فوالله ما أدري إذا أنا جثتها أأبرئها من سقمها أم أزيدها فيعلق اليازجي بقوله: «فإن ما سوى الشطر الأول مأخوذ من شعر للعوّام بن عقبةء» وكان يهوى امرأة بالغميم من بلاد غطفان يقال لها السوداءء فخرج إلى مصر في ميرةٍ فبلغه أنها مريضة فترك ميرته وكرٌ نحوهاء وأنشأ يقول: وحُْبّرت سوداء الغميم مريضة2 فأقبلت من مصر إليها أعودها فيا ليت شعري هل تغيّر بعدنا ملاحة عيني أم يحيى وجيدها وهل أخلقت أثوابها بعد جدّةة ألا حبّذا أخلاقها وجديدها نوالله ما أدري إذا أنا جئتها أأبرئها من سقمها أم أزيدها | «فنسبوا إليه البيت الأول والأخير مع تبديل اسم السوداء باسم ليلى» لكن ذهلوا أن يخترعوا له قصة ينقلونه فيها إلى مصر حتى يصح معنى البيت»؛ كذلك نسب إلى قيس شعر مشهور مثل القصيدة التي أولها : أيا حبٌٍ ليلى قد بلغت بي المدىي وزدت علي ما لم يكن بلغ الهجر فإنها لأبي صخر الهذلي. ويقول الشيخ إبراهيم: «وهي قصيدة طويلة تقرب من ثلاثين بيتاً أكثر ما روي للمجنون في هذه القصيدة منها لكن بتقديم وتأخيرء وتحريف وتغييرء وزيادة أبيات أخر من غيرها». ثم أورد اليازجي قطعتين لقيس عن ابن إسحاق بن الهيثمء وهما مراجعة بين ابن الدمينة وزوجته. ومن مآخذ اليازجي على ديوان المجنون أن جامعه «كثيراً ما يورد له قصيدةً أو قطعة ثم يفرد بعض أبياتها فيرويها في موضع آخر أو يكررها في قصيدة أخرى من بحرها ورَوِيّهاء وكثيراً ما تجد الأبيات الدخيلة قاطعة للهحة المعن فقي المرادة, على أن اليازجي لم يكتف بضرب الأمثلة التي تبين الدخيل في شعر قيسء وإنما كانت نظرته أشمل» فقد أعمل النظر في صياغة الأبيات. ونقل الكلمات» وما وقع فيها من تصحيف وتحريفء أو من غلط ناتج عن عدم الإحاطة والمعرفة. ومن هذا ينسب إلى المجنون: ولو أن ما بي بالوحوش لما رعت ولا ساغها الماء النمير ولا الزهر ويرى اليازجي «إنما يقال: سَغت الماء وأسغتهء ولا يقال: ساغني» . أو قول قيس : فما عُبِن المبتاع ليلى بماله بل البائعا ليلى هما غبنان 7 «يريد: مغبونان وهو مما لم يرد به سماعء ولا يجري في فياس». أو قول المجنون: وان التي قظعت قلبي حرارة ومرّقفت فرح القلب فهو كليم ويرى أن لفظ الحرارة هنا في غير موضعهء ولعل الأصل حزازة بِرَايين معجمتين » وهي وجع في القلب من غيظ ونحوه. أو فول فيس : ويهتز من تحت الثياب قوامها كما اهتز غصن البان والمنن | لخضم ولعل الصواب: الفئن النضرٌ؛ لأن الفنن مفرد. وعلى هذا النحو أورد اليازجي أمثلة كثيرة من الشعر المنسوب لمجنون بني عامرء وراح يبيّن فيها مواطن الفصاحة والركاكة. وتباين الأنفاس. وجملة الألفاظ والمعاني التي دسّها الرواة على المجنون وظهر فيها التأليف والتركيب». ويخلص إلى القول بأن هذا الديوان ما هو إلا حاصل خواطر شتى ١‏ وروايات مختلفة لا يربط بينها رابط. ولا يشيع المجنون وشخصيته . ومما يتصل بهذا الموضوع أن قصة المجنون مع صاحبته صارت موضوعا فنياً تتفاوت فيه الأغراض» فقد حدثنا الأستاذ عبد الحميد إبراهيم في كتابه «قصص الحب العربية» أن هناك كتاباً يحمل عنوان «قصة فيس بن الملوح العامري المعروف بمجنئون ليلى» لمؤلف مجهول؛ ينحو فيها نحو القصة الشعبية. فيضع أسماء للشخصيات المتصلة بهذا الموضوع والتي أهملتها الكتب الأدبية الكبرى مثل الأغاني» ويحرص مؤلهها على السجع. ويدبج الرسائل الغرامية التي تحمل الشوق واللوعة على لسان قيس وصاحبته؛ وللنبوءة دور في أحداث هذه القصة المجهولة 7ن النسبء هذا فضلاً عما يضفيه مؤلفها عليه من الأسلوب القصصيء فيحاول ملء الفجوات بين وقائعهاء ويتوسع في المواقف المؤثرة ويرتب مشاهدهاء ويتفرد بأشياء كثيرة أخرى . وإذا كانت قصة قيس مع ليلى صارت حكاية شعبية فيها من خيال القصّاصين أكثر مما فيها من الحقائق والوقائع الثابتة؛ فإن المتصوفة خلقوا منها أسطورة ١ليتخذوا‏ منها قالباً لآرائهم في الجمال والحب الإلهيين»: فليلى لها جمال صوفيء» وقيس له آراء فلسفية مما لم يعرف عن المجنون في البيئة العربية» فقد شرح عبد الرحمن الجامي الكاتب الفارسي في قصته «ليلى والمجنون» كيف أحب المجئون ليلى وتقرب ويتتبع اليازجي الشعر المنحولء. والقصص الموضوع في هذا المجال. فيجيب على سؤال لأحد قراء مجلته «الضياء»'''» عن قصة عنترة ومن وضعهاء فيخبره أن واضعها رجل يقال له أبو المؤيد ابن الصائغ في القرن السادس للهجرة» ويذهب اليازجي إلى رواية أخرى مفادها أن أحد حكام مصر قد حدثت في داره ريبة واهتم بها الناس» فساءه ذلك. فأوعز إلى رجل يقال له الشيخ يوسف أو الشيخ علي؛ أن يضع قصة يشاغل بها القوم عن ذلك الحديث. فوضع قصة عتترة. ومهما يكن من أمر قيس وليلى وعنترة والمهلهل وغيرهمء فلا بد لما دار حولهم من أصول وجذور. وإننا قد نصدق أن الوضاعين قد خلعوا عليهم أشعاراً. وتزيدوا في أخبارهم . وانتقصواأ أو حجبوا أشياء. وأثبتوا أشياء أخرى. ورغم تعدد رؤى الناس لهم من خلال القتصص )١(‏ انظر: ليلى والمجنون لمحمد غنيمي هلال. (؟) الضياء في /7/١6‏ 194017. «طيم الذي كتب عنهم» وشاع فيه الخيال والوضعء إلا أن هذا لا ينفي وجودهم التاريخي» حتى ولو بغير هذه الأسماءء فتواتر الأخبار عن قيس وكلها لا تخرج عن دائرة العشق حتى الجئنون» وتتابع الروايات عن عتترة وجميعها تضعه في إطار الشجاعة؛ وإحراز السبق والفتوة» يؤيد وجودهما ولا ينفيه. وقصة فتى أحب فتاة» وامتنع أهلها عن تزويجها له فتألم وذهب صوابهء أو بدرت منه تصرفات غريبة لا يتأبى على العقل تصديقها؛ إذ إنها تحدث في كل أن ومكان. وموضوعات العشق والشجاعة من الموضوعات التي يلذّ للعامة قراءتها ومتابعتهاء ولذلك تعددت القصص التي تناولت قصة المجنون وعنترة» وحاول مؤلفوها إشباع القراءء» وإثارة اهتمامهم بخيالاات ومشاهد مثيرة أو غريبة. وقد تنوّعت الحكايات والأقوال عن كليوبتراء وأبي زيد الهلالي وغيرهماء فهل ننفي وجودهما لذلك. إن قدراً رئيسياً من المعلومات يتردد ويتكرر في هذه الحكايات» وهو الذي يدل على وجود هؤلاء الأشخاصء وإن تغيرت بقية المشاهد والمواقف والأحداث. ودراسة اليازحي لمجنون بني عامر وشعره لها قيمتها؛ لأنها تبيّن ثنا بالأدلة والأسماء شعر الآخرين الذي دسّه الرواة على قيس وألصقوه زوراً به. كير نر ت بمجلة القاهرة في 0/17/1! 9 م١‎ ان فئان لبان الراك لبان نان لمان لبان لبان المان لجان لي0 الان الرن ل ادا الشيحخ علي يوسف صعيدي في بلاط صاحبة الجلالة! 0/0 الات ]لماك ان )لماك لمان لان لان يعد الشيخ علي يوسف من أبرز رجال الوطنية» ورجال القلم في ظروف بالغة الصعوبة» فقد قاد المعارضة للاحتلال البريطانى» وهو الرجل العصامي الذي تيرًآ مكانة رفيعة في الصحافة المصرية. ولد الشيخ على يوسف في «بلصفورة» التابعة لمركز اسوهاج»» من أعمال «جرجا»ء بصعيد مصر عام 21857 وسرعان ما توفي والده يعد مولده بقليل» فانتقل مع أمه إلى «بني عدي» (أسيوط) حيث نشأ بين أخواله» وتلقى قسطأً من التعليم الديني في الكتاتيب» كان أيرزه حفظ المصحف الشريفء ثم انتقل إلى القاهرة ليلتحق بالأزهر. ويصف لنا الصحافي الليناني سليم سركيس دخوله القاهرة» وهو من عارفيه ومعاونيه في تحرير المؤيدء فيقول في مجلته المسمّاة باسمه: «مشى من المحطة إلى شارع باب الحديد» فرأى عربة جميلة تقل رجلا جليلاً تحيط به مظاهر الأبهة والعظمة» فقال لأحد المارة بسذاجة القروي: - من هذا العظيم يا سيدي؟ - هو رئيس النظار. فتنسّى الشاب قليلاً: ووقف بعيداً متهيباً؛ ومرّ رئيس النظار بموكبه وهو لا يشعر بوجود الشابء» إلا أن الشاب شعر بعظمة الوزير الكبير م ولا بدّ أنه قال في نفسه: من لي بأن أعرف هذا الرجل العظيم؟. م إلى العواصم الكبرى : ولم يمض طويل وقت على هذا الكلام حتى سما به طموحه ورسخت قدمهء وأطلق قلمه ‏ في جريدتي «الآداب» و«المؤيد؛ ‏ لينطق بنجابته» فشاع صيته» ولهج القوم بقدره» وسعى إليه رئيس النظار الذي نهيب الشيخ موكبهء وصار جليس الخديو عباس الثاني ومستشاره. وسرعان ما استقبلته الآستانة ضيفاً عليها أثناء مرافقته للخديوء وهناك أنعم عليه جلالة السلطان بالرتب الكبيرة. وقد فصّل الشيخ رحلة الخديو إلى عاصمة الخلافة في مقاللات كثيرة طالعها الناس على صفحات المؤيد» ثم جمعها في كتاب أطلق عليه «أيام الجناب الخديو المعظم عباس الثاني في دار الخلافة»» وقد اتخذ من مشاهد البحر المتوسط موضوعا سياسيا تاريخيا عالجه بعقلية واقعية سياسية» ولم يتخذه موضوعاً أدبياً خيالياً خالصاً على حد قول الدكتور عبد اللطيف حمزة» في الجزء الرابع من ل المقالة الصحافية»: م عد وشأنها في مَدَ ئِيّة البحر المتوسط. وما دار من منازعات دولية في تلك المنطقة من العالم. على أن قصر الخلافة في يَلدِز لم يتوقف عن الإنعامات السلطانية على الشيخ» فقد منحه الخليفة الميدالية الذهبية لجهوده في دعم خط حديد الحجاز. وأنعم عليه بالباشوية. وبمرور الوقفت تزدهر «المؤيد» ويدوي اسم الشيخ في العالم الإسلامي والعالم الأوروبي» وتقام له الحفلات أنى توجّه. فبين ١9407(‏ و/1401١)‏ زار الشيخ لندرة (لبدن) وباريس أكثر من مرةء وقوبل هناك بما هو له أهل» والتقى به رجال السياسة والصحافة ونواب الشعب»ء من 4 أمثال مستر موزلي - وكان قاضياً بمصر _» ومستر دولونكل وتشمبرلين وروبرتسونء وقد اغتنم الشيخ هذه المناسبات ليعرض قضية مصر من وجهة نظر وطنية؛ وينتقد مسلك الإنكليز ويطالب بإلغاء المحاكم القنصلية والاكتفاء بالمحاكم المختلطة للنظر في قضايا الأجانب. وعدا العواصم الرئيسية في العالم في ذلك الوقت الآستانة ولندرة (لندن) وباريس» زار دمشق وألقى فيها خطبة سياسية بمناسبة افتتاح خط سكة حديد الحجاز؛ أثنى بها على السلطان عبد الحميد وامتدح توجهاته الإصلاحية... وعقب الانقلاب العثماني وقف بين الناس خطيبا يعد إعلان القانون الأساسي (الدستور)» وحذر الاتحاديين من الخلط بين الجيش والسياسة» ورأى أنهم يجب أن يقفوا عند حدّهمء ولا يتدخلوا في إدارة اليلاد حتى لا تنتشر الفوضى ويعم الفساد. فى بلاط صاحبة الجلالة وقد يدأ علي يوسف حياته الثقافية شاعراً أديباء وله في هذا وتهاني وبعض الغزل» من مثل قوله: طلبتٌ دنوّها مني فضئت ولكن بعد ذا مئّت بقّرب وهو يصور لعبة المرأة التي لا تغيرها أمام الرجل؛ فتصد وهي راغبة» ولا تلبث أن تستجيب طائعة بعد أن تمارس لعبتها المفضلة. ومثل هذا الشعر يناسب نزق الشباب حيث مفاتن المرأة الممثلة في القدٌ الجميل ٠.‏ والتذتي المثير: والحسن الخلاب»؛ وليس في هذا الغزل من جديد في المعنى؛ ولكن لغته رائقة» وعبارته صافية» وموسيقاه مشئفة حيث جعل عروض الشطرين الأوّلين بقافية واحدة» وضرب الشطرين م الأخيرين منهما بروي واحدء مما أحدث موسيقى تصيخ لها الآذان وتلذ الوجدان. ولكن الشيخ «علي» الطموح أبدى تطلعاً إلى إنشاء صحيفة؛ ولما كان يعوزه المال فقد اتفق مع الشيخ أحمد ماضي ليعينه بالمال ويشاركه في إصدارهاء فاستجاب الأخيرء فكانت «جريدة الآداب» التي استمرت في الصدور عدة سئنوات؛» و«الآداب» لم تعن بالأدب فقط وإنما مدت نطاقها إلى قضايا الاجتماع والعمرانء ودلفت إلى السياسة على استحياءء ومن بين ما أثارته قضية التعليم فى مصر الذي تدهور في أيام الإنجليزء فرأت ضرورة تعميمه وتوسيعهء فقد أوقفت «الآداب» أكثر من مرة بفعل السلطة؛ ولكن الشيخ كان يجاهد من أجل إظهارها . وإذا كانت مواهب الشيخ قد تفتحت في «الآداب»»؛ فإنها تفجرت فى جريدة (المؤيد؛ التى ظهرت أول ديسمبر/ كانون الأول 21889 وهي أكبر إثارة على الإطلاق»: حيث لمع اسمه في الشرق والغرب» وصار الصحافي الأول في العالم الإسلامي. حتى أن مجلة «نورث أميريكان رفيو' الأمريكية أرسلت إليه برقية ليوافيها بمقالة تتضمن رأيه فى خطبة الرئيس روزفلت عندما زار مصر عام 414٠١‏ فما كانت تلجأ إليه المجلة الأميركية إلا لشهرته الصحافية؛ ومكانته العالية في الشرق» وصواب نظراته في قضايا السياسة والاجتماع. كانت «المؤيد» تقف بالمرصاد لجريدة «المقطم» الممالثئة للونجليز. فبينما تنادي «المقطم» بإحسان الظن بالاحتلال» كانت «المؤيد» تطالب بالجلاء» وبيئما كانت «المقطم' ترى أن اكرومرة أعظم شأناً من باني الأهرام: وأعماله أكثر نفعاً من أعمال محمد علي» وأفعاله أجل أثراً من نابليرن» كانت «المؤيد؟ تهاجم عميد الإنكليز وترى أنه من التحامل خلع الصفات النبيلة عليه وتصف تقريره الأخير بأنه «أسود»؛ وظلت «المقطم» 6م على الدوام تناصر الاحتلال وتحقر المصريين وتنعتهم بنكران الجميل؛ ولكن «المؤيد» كانت تشيد بأعمال الوطنية المصرية» وتدافع عن العالم الإسلامي» وتتحدث عن الجامعة الإسلامية والوحدة العربية. وقد التف الوطنيون والشرقيون حول «المؤيد»»؛ وراح الشعراء يكيلون المديح للشيخ وصحيفته؛. وينددون «بالمقطم» وسياستهء ومما ينسب لأحمد شوفي : قل للهمام علي في مؤيّده يبقى مؤيده الباري ويبقيه دع المقطم لا تذكر مساوته من حرمةالميت أن تطوى مساويه ومما قيل شعراً في الموازنة بينهما : ففى صدر المقطم قد قرأنا سطوراً خظّها قلم الغواية وفي صدر المؤيد قد تلونا ‏ بحمدالله آيات الهذاية يصدّعنا المقطم كل يوم ويزعجنا بإعلان الحماية وهذا النظم يظهر مسار الصحيفتين المتنافستين بلغة الشعر من غير تفصيل في القول والقصدء بل أن هناك من خصٌّ «المقطم» بالهجاء الشديد. والتقريع الذميم. فقد نشرت «المؤيد» أبياتاً بدون توقيع نسبها الدكتور صبري السربوني لشوقي» منها : بين المقطم والمقطم نسبة في الثقل لا تخفى على العقلاء فصخور ذا وسطور ذا وكلاهما ‏ متألف من صخرة صماء والمقطم الأول هو جبل المقطم المعروفء. والمقطم الثاني هو صحيفة المقطم»؛ ولما كان أصحاب جريدة «المقطم» يقولون"'؟: أنهم اختاروا اسم جبل المقطم ليكون اسم لجريدتهم لأنه أعظم ما في بلاد .1848/7 /77 المقطم الأسبوعي في‎ )١( كم‎ مصر شأناً ؛ ولأنه قطعت من صخوره حجارة الأهرام. فإن الشاعر يرى صحيفة المقطم «ثقيلة» على الوجدان مثل جبل المقطم الأجرد الثقيل على الأرضء؛ وكلاهما أخرس أصم. على أن إشارة المقطميين إلى أن حجارة الأهرام من المقطم تحمل معنى آخر يتعلق بصحيفة (الأهرام؛ التي كانت تظاهر الفرنسيين في كثير من الأحيان» وهذا المعنى الخفي يكمن في أن صحيفة «المقطم» هي أصل كل شيء مفيد في المعرفة والسياسة ودونها صحيفة «الأهرام» في كل ما ترمي إليه . وقد أخذت شركة «المؤيد» تقوى يوماً بعد يوم. فهاجمت الجرائد غير الوطنية ومن بينها صحيفة «الأهرام»» وبخاصة عندما غيرت سياستها تجاه مصر والياب العالي. وراحت تهاجم الوطنية المصرية. وفي هذا المجال كتب الشيخ علي يوسف سلسلة مقاللات تحت عنوان «الألغام في هدم الأهرام». واستمر قلم الشيخ سيفاً فعا على المحتلين وأعوانهم. ولكنه أخذ في الاعتدال ثم اللين والتهاون شيئاً فشيئاً بعد الاتفاق الودّي بين عباس الثاني وغورست خليفة كرومر في مصرء دون التوقف تماماً عن إثارة قضايا مصر السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وعندما شعر أن الأوضاع الجديدة لم تعد تصلح له أو يصلح لها؛ انسحب من «المؤيدا ليتولى منصباً دينياً كبيراً. 5 عام الكف وعام الكفء: والمتتبع للظواهر الاجتماعية والأدبية والسياسية في تلك الفترة يجد عدة أحداث ترتبط بمسمّيات معيئة» وكل منها شغل فترة زمنية تقرب من العام . لذلك افترك كل حدث منها بكلمة عام فهناك «عام الكف» واعام الكفم» واعام الكفر» واعام الخف)ا. . . وسنقف عند عامي «#الكف» ىم و#الكفء؟ لارتباطهما بصاحب الترجمة» فعام «الكف» عبارة عن حادث بسيط لطم فيه أحد أبناء الذوات محمد المويلحي «بكف» على صدغه في أحد المقاهي أثناء مزاح بينهماء وعندما علم الشيخ علي يوسف بهذا الأمرء وكان خصيماً للمويلحيين (إبراهيم ومحمد)ء. فقد كتب في «المؤيد» شامتاً ساخراًء وفتح صفحات جريدته لكل من يعرّض بالمويلحيين ويصف هذا الكفء وقد حاول محمد المويلحي الدفاع عن نفسه في «مصباح الشرق» ضد هذه الحملة؛ إلا أن وطأة «المؤيد» كانت شديدة عليه» فسكت والحسرة في قلبه وأخذ يترقب صروف الأيام ليثأر من الشيخ» حتى إذا جاء ما سمي بعام «الكفم» ثأر لنفسهء وهو حادث أجل أثراً وأوسع انتشارأء وفحواه أن الشيخ علي يوسف عقد قرانه على «صفية» بنت الشيخ عبد الخالق السادات» الذي ينتمي إلى آل البيت ‏ في بيت البكري ‏ من غير علم أبيها لمودّة نشأت بينهماء فغضب الأب ورفع قضية لفسخ عقد القران ١لعدم‏ الكفاءة في النسب»» وفي نهاية المطاف قضت المحكمة الشرعية بفسخ العقدء ثم أعيد عقد القران من جديد في بيت الشيخ السادات ويموافقته» وكان هذا الحادث من أشهر حوادث تلك الفترة» فقد قادت بعض الجرائد حملة واسعة ضد علي يوسف اشتركت فيها «اللواء» و«الظاهر». وقيل: إن المويلحي كان وراء أبي شادي صاحب الجريدة الأخيرة» وفي هذه القضية الاجتماعية شرت أشعار ومقالات تسقّه الشيخ علي وتنال من قدرهء وهو ما عرف بعام «الكفء». وقد تأثر صاحبنا بهذه الحملةء ولكنه تقبلها بهدوء حتى تجاوزها . 98 حزب الإصلاح على المبادىء الدستورية: كان للاتفاق الودي بين عباس وغورست آثاره في نفس صاحب الترجمة» ولأنه معتدل بطبعه فإنه لم يجمع ويقطع صلته بالخديوي مثل 4م مصطفى كاملء وإنما احتاط لنفسه وخفف من لهجتهء بل إن له تصريحات لم يحمد عليهاء وأخذ يفكر فى أسس أخرى يبني عليها موقفهء وبعد درس وتأمل أنشأ حزب «الإصلاح على المبادىء الدستورية»» بعد تأسيس حزب الأمة» وكان من مبادىء الحزب تأييد السلطة الخديوية ومطالبة إنجلترا بتنفيذ وعودها بالجلاء» والعمل على إنشاء مجلس نيابي مصري له سلطة تامة» وأن يكون التعليم الابتدائي عاماً ومجاناء وتكون العربية لغة التعليم في جميع المدارس المصريةء وطالب بمحاكمة الأجانب أمام المحاكم المصرية المختلطة وإسناد الوظائف للأكفاء من المصريين» وتقليل عدد الأجانب في الوظائف بقدر الإمكان. وبوسعنا الآن وبيعد مضي أكثر من ثمانين عاماً على هذه المبادىء أن نتتقد بعضهاء ولكن الشيخ رأى أن هذا ما تسمح به الظروف». فلم يشتد أو يتطرف. وكان مصطفى كامل ينادي باستقلال مصر والجلاء الفوري؛ وهو كلام يقال ولكن كيف التنفيذ؟ هل يكون بالخطب الرنانة والحماسة المفرطة. وهل جلى المحتل بناءً على نداء مصطفى كامل؟ ولعل هذا هو الفارق الهام بين الحزب الوطني وحزب الإصلاح في شأن الاستقلال» فبينما كان علي يوسف يطالب إنجلترا بتنفيذ وعودها؛ لأنه - في واقع الأمر ‏ لا يملك إلا هذا؛ كان مصطفى كامل يطلب حلا سياسيا للمشكلة؛ ويعجز عن تقديم الوسيلة إلى ذلك . وقد قام شجار حاد بين الأحزاب المختلفة» فكل حزب يناقش ويجادل ولم ينفذ الونجليز شيئا من كل هذا. وقد اضمحل الحزب الوطني بعد موت مصطفى كاملء وأخخذ حزب الإصلاح في الضعف بعد ترك علي يوسف الصحافة والسياسة ليتولى مشيخة السجادة الوفائية» وسرعان ما توقفت «(الجريدة»» وخاب أمل حزب الأمة. 44 ولكن لم يذهب سدى كل ما قيل في الوطنية والجلاءء فقد تغذى عليه جيل كامل؛ وكان له دوره وأثره في النفوس وتنوير العقولء وإذكاء الشعور الوطني؛ وعندما انتهت الحرب العظمى الأولى وقبل أن تضمّد الجراح؛ أفاق الإنجليز على صوت الشعب. وغضب الجماهيرء واندلاع التظاهرات الحامية في ثورة شعبية دامية تطالب بالاستقلال في مارس/ آذار ١94514‏ تحت زعامة سعد زغلول. 5 نُشرت في مجلة الهلال» عدد تشرين الأول/أكتوبر هلها 6 4 لاك لات اماك لساك الماك لمان الماك !لمان ]لراك ! لان !لمان ا لان )ليان لمان الاك الاك ١‏ إباك مجان 1 إجانل انان !لمان )ليان المان لحان لان لمانا زينب فواز 9 الدر المنثو زر في طبقات ربّات الخدور لشترح :البح العرى نهضت بعض النسوة بعَيّد منتصف القرن التناسع عشرء واجتزن الصعاب. وتقدمن في الحياة» وفاجأن جمهرة الناس بكتب فيها المنظوم والمنثور والعلم والصحافةء ولم يكن علوهنّ اتفاقاً أو نتيجة ظروف سنحت وسمحت بالظهور فظهرن؛ وإنما كانت نتيجة علم وبحث وبذل جهد لإثبات الوجودء ولنفي صفة الركود عن المرأة» وإظهار أنها لا تختال بالأنوثئة والجمال وحسبء. وإنما عندها من الكفاية ما يجعلها تنهض بجلائل الأعمال. ومن هؤلاء النسوة «جليلة تمرهان» (ت18١)‏ التي أصدرت كتاب «محكم الدلالة في أعمال القبالة» عام 01854 وامريم نحاس»6 (ت1488) ولها كتاب «معرض الحسناء في تراجم مشاهير النساء؛ المطبرع عام 2141/4 و«عائشة تيمرر؛ (ت1907) ولها عدة كتب منها ديوان #حلية الطراز» الصادر عام 1446ء وه«هند نوفل» التي أصدرت مجلة (الفتاة» عام 28207 وازينب فواز؟ مؤلفة كتاب «الدر المنثور في طبقات ربات الخدور»؛ وهو موضوعنا. و«الدر المنثور. . .» هو أكبر عمل موسوعي ضخم عن النساء؛ حتى وفت ظهوره؛ ويعدٌ من الأعمال الكبيرة في القرن التاسع عشرء ويقع في نحو تسعمائة صفحة كبيرة - حسب طبعة الدار العلمية ببيروت عام ١4964‏ ويضم تراجم ل 105 امرأة؛ ومعظم هؤلاء النساء من أهل 4١‏ النباهة والثقافة والسياسة والعرفان» وهناك مغمورات منسيات ترجمت لهن؛ وأحيت ذكرهن؛ وهؤلاء النسوة من الشرق والغرب» ومن العصور القديمة والوسيطة والحديثة. وفى هذه الموسوعة تقرأ عن المرأة الشاعرة والساحرة» والكاتبة والكاعنة والغازية والعالمة المستكشفة للمذّباتء وتطالع فيها عن المرأة المغتية والمتصوفة» والمتفقهة فى الدين؛ وعن الملكة والقديسة والمحدثة والمحسنة فاعلة الخيرء وتصدمك فيها نسوة متآمرات قاتللات لأزواجهن. عالم كبير من النساء»ء تتألف فيه الأرواح وتتنافرء ويتغازل فيه الشعراء مع الشواعرء وتتهاجى فيه المرأة مع المرأة من شدة الحقد والغيرة» وتتواصل فيه العاشقات مع من عشقنء وتتخذ فيه أنئى رجلا ليكون وسيطها عند من تحب» وتدبر له الحيلة ليتزوجها مثل «رقاش ابنة مالك:» وتتخاصم فيه الزاهدات من متصوفات وقديسات مع بهرج الحياة؛ وينقطعن للصلاة» ومجالس الطرب حيث تسمع الآذان من نغم المغنيات ما يشنفها. مثل مجالس «جميلة وعزة الميلاء وعريب»» وتطالع فيه عن زواج الخلفاء وما جرى من ترف وبذخ ونثر للذهب» مثل زواج الخليفة المأمون من «بوران»» وزواج الخليفة المقتدي بأمر الله من بنت السلطان السلجوقي «ملكشاه»» ونقرأ عن أندية الأدب ومجالس العلم التي أعدتها النساء لتذكي العقول» وتغذي الشعورء ويحضرها لفيف من الشعراء والعلماء مثل منتديات السيدة سكينة بنت الحسين» وكريمة بنت محمد بن حاتم» ونزهون الغرناطية» وكان هذا قبل أن تقيم بعض النسوة في العصر الحديث صالونات الأدب. مثل «ناظلي فاضل» (ت1515١)؛‏ و#األكسندرة أفرينوه؛ (ت19177١))‏ و(مي زيادة» (ت941١).‏ وفي هذا العالم تحارب النساءء وتغزو الدول» وتقود الجيوش» وتحقق النصر. 5 وفي هذه الموسوعة نجد النساء الكواكب الملِكات اللاتي أفسدن الرجالء وشوّهن الحياة؛ و«الدر المنثور. . .» حافل بالنوادر والطرائف ومنها أن أسماء ابئة رويم كانت تسمي أولادها بأسماء الوحوش» وذات يوم مرّ بها شخص فرآها وحيدة فهمٌ بهاء فقالت: والله لإن هممت بي لأدعونٌ سباعيء فقال: ما أرى سواكء فصاحت بينيها: يا كلبء يا ذئب» يا قهدء يا دب. يا سرحانء يا سبعء يا ضبعء يا نمر! فجاؤوا يتعادون بالسيوف» فقال: ما هذا إلا وادي السياع. وتتفاوت التراجم التي تتضمنها الموسوعة بين الطول والقصر؛ إذ يبلغ بعضها عدة سطور»ء ويصل بعضها الآخر إلى عشرات الصفحات؛ وهذا راجع إلى المادة المتوافرة لديهاء ولكن كثيراً من التراجم جاء محققأ للغرض المنشودء وبخاصة تلك التراجم التي كتبتها المؤلفة عن معاصراتها: مثل «عائشة التيمورية» ومريم مكاريوس» ومريم نوفل. . .2 وغيرهن» فقد أتيح لها التعرف عليهن عن قرب... ومن تراجمها الطويلة اللافتة للنظر؛ ترجمتها ل«جوزفين' زوج نابليون» فإنها تقع فى حجم كيّبء والظاهر أنها لخصت كتاباً عنها. وفي هذه التراجم تسرد الأخبار بأسلوبها حسب السياق التاريخي» وتقف على الحوادث الرئيسة. والتواريخ المهمة إذا توافرت» وتتدخل في بعض الأحيان لتبسط آراءها التي تعن لهاء مما يبين أن ما بين أيدينا ليس مادة إخبارية خالصة منقولة من مظانها فحسبء؛ وفي بعض الأحيان تُلحق تراجمها بنصوص تختارها لتظهر خواطر وآراء من تترجم لهنء فنئراها تلحق بترجمتها لعائشة تيمور مقالة لها سبق نشرها مع مقتطفات من شعرهاء وتلحق بترجمتها لمريم مكاريوس (ت1888) رسالة طويلة لها في وصف مصرهء وبهله الملاحق التي تأتي عقب التراجم تكون قد خلصت تراجمها من عيب خطير كان سيعتورهاء إذا هي أدخلت هذه 0 النصوص الطويلة بين مفردات حياة من تترجم لهاء وكأنها في زماننا تترجم للشخصية ثم تأتي بالنصوص المختارة؛ ولكنها لم تفعل ذلك مع جميع الكاتبات. أما بناؤها للشخصية:. فلا يفترق كثيراً عن التراجم القديمة. ويخاصة في النسوة الشرقيات». فهي لا تلجأ إلى التحليل الدقيق» ولا تستغرق في الحياة الداخلية» ومن ثُمّ نتعرف على الشخصية من الأخبار المدوّنة عنهاء وعنايتها محدودة بأثر الزمان والمكان في تشكيل الشخصية؛ والتعرف على بواعث الفعل قليل إلا ما كان فعلاً ورد فعل, وجل اهتمامها موجه في الغالب ‏ إلى أخبار المترجمة.» وما دونته الكتب أو الصحف عنهاء ومعظم النساء عندها: فاضلات» عاقلات» جميلات إلى آخر هذا الثناء» لذلك فهي تراجم فيها من التاريخ أكثر مما فيها من الفن والتحليل. وأعرف أن هذا الكلام الذي قلته لا تحتاج إليه موسوعة «الدر المنثور. . .2 أو أية موسوعة أخرى تعنى بالشخصيات؛ لأن الشخصية في الموسوعة تختلف عنها في كتاب» في الموسوعة يجب ألا يتعدى دور الكاتب التعريف بالشخصية؛ أي يذكر المعلومات الأساسية والتواريخ المهمة». أو أي شيىء له دلالة» دون أن يتدخل برأيه الشخصى فيها وإلا تحوّلت إلى كتاب في النقد. | أما الشخصية في الكتب ذات التوجه الخاصء فإنه يلزمها ترجمة وافية» أو شبه وافيةء مع إثبات الآراء التي تُظهر تقدير كاتب الترجمة للمترجمء وتأتي وفقاً لقواعد الترجمة التي لا مجال هنا لذكرها. وقد قلت ما قلت لأن «زينب فواز' قدّمت تراجم كثيرة شبه وافية» وما دامت تكتب تراجم فعليها مراعاة ما يذكر في هذا العلم. ولما كان الناس يستصغرون مُلّكات المرأة» ويرمونها بضيق 1 التفكيرء ولا يملُون من ذكر التفاوت الكبير بينها وبين الرجل» فإن «زينب فواز» رأت أن تضع كتاباً يظهر نشاط المرأة عبر الأزمنة والأماكن» ويبرز قدراتها الذهنية» وقوة إرادتهاء وإمكاناتها في الإبداع والعطاء. ونراها في مقدمة موسوعتها تلوم الباحثين والمؤرخين؛ لأنهم اهتموا بتاريخ الرجال في مختلف المجالات» وصئفوا المصنفات الطويلة واختاروا فيها «أهم المشهورين من السالفين. . . ولم أر في كل ذلك من تطرق وأفرد لنصف العالم الإنساني باب باللغة العربية»؛ جمع فيه من اشتهرن بالفضائل وتنزّهن عن الرذائل» مع أنه نبغ منهن جملة سيدات لهن المؤلقات التي حاكين يها أعاظم العلماء» وعارضن فحول الشعراء. فلحقتني الحمية والغيرة النوعية على تأليف سِفر يُسفر عن محيّا فضائل ذوات الفضائل» وجمع شتات تراجمهن بقدر ما يصل إليه الإمكان. وإيراد أخبارهن من كل زمان ومكان»... ومن ثم وضعثٌ هذا السفر وجعلته خدمة لبنات جنسها. ولا شك في أن عملها الكبير هذا لا يعد عملاً تاريخياً أو ثقافياً فحسبء وإنما هو من لوازم العمل الاجتماعي؛ إذ يعد تضامناً منها مع الحركة الداعية لتحرير المرأة؛ قبل قاسم أمين» ويوطىء الكتاب لنهضة النساء؛ ذلك أن المؤلفة تستحثهن على التقدم؛. وتضع أمامهن نماذج من النسوة السالفات الصالحات اللاتي لا يخلو مجال من واحدة منهن أو أكثره وفي ترجمتها لاماريا مورغان» تقول: «ليس دون الرجال النساء؟. وممن أوردت تراجمهن في مجال العلم «ماريا متشكل» التي برعت في العلوم الرياضية؛ وعلم الفلك. واستكشفت نجماً جديداً من ذوات الأذناب» ولها مؤلفات في أقمار زحل والمشتري» وذاع اسمها ومُدحت وساماً ذهبياً من ملك الدانمارك»؛ وفي مجال التصوير ذكرت «ماري دوارليان؟ التي تفوقت في صناعة الحفرء ومن أعمالها تمثال ل :جان 486 دارك» ضمّه متحف في فرسالياء وأتقنت «حنة مورندي» علم التشريح: وشرّحت الأجساد البشرية بيدهاء وألقت محاضرات في فن التشريح العلمي». وتولت التدريس في التشريح بمدرسة بولونيا الطبية» واستطار صيتها في أوروباء واشتهرت بالتأليف في الآداب «أن لويز جرمان» الفرنسية: وبلغت مؤلفاتها 14 مجلداً حتى سموها «فولتير النساء»: وتقول زينب فواز إنها وسعت علم الجمال وزعزعت أركان فلسفات كثير من الكتات: الفرسمين. وأشادت بالنسوة المحُسِنات اللائي تدخلن بأموالهن لإنقاذ البائسين» وساهمن في تصحيح أوضاع المجتمعء مثل «مرغريتا دي فال) شقيقة فرنسيس الأول ملك فرنسا التي أنشأت داراً للقطاءء و«مدام نكر التي شادت مستشفى فى باريس باسمها وعملت على إصلاح السجون. وامسكة» جارية الناصر محمد بن قلاوون التي شيدت مساجد وتكايا وفك ارس وكانت ازينب فواز» شغوفة بالحرية» فبحثت عنها في حيوات النساء وسلوكهن وفكرهن» وتقول عن الأميرة (كاترينا دشكوف): كانت ميالة إلى الأفكار الحرة والاستقلال»: وتقول: (إن مؤلفات (آن لويز جرمان) بئت روح الحرية في صدور قومها إذ أبانت لهم أن الحرية أعظم شرط لسلامة الآداب والديانة الصحيحة»» وتذهب المؤلفة إلى أن الشعب الإنجليزي تمتع بالحرية الشخصية في عهد الملكة فكتوريا. وهذا الكلام الذي تسلم فيه زينب بمبدأ التقدم» ليس بعيداً عن تحرير المرأة» ولعلها تقول للرجل سيء الظن بالمرأة: إن الحرية ليس فيها مساس بالآداب أو الأديان. وإذا كانت المرأة فى حاجة إلى من يعينهاء فإن زينب تقدّم لها وكل هذا يتماشى مع حديثها عن المرأة التي اشتهرت بالفضائل 4 وتندّهت عن الرذائل» بيد أنها كانت أحياناً تتخلى عن الحيادء وتغفل من تراجم بعض النساء ما ينال منهن» وعلى سبيل المثال أغفلت من ترجمة الإمبراطورة «كاترينا الثانية» إمبراطورة روسيا ما كانت ترتكبه من فحش» فقد أنشأت في قصرها وظيفة «العشيق الأول» أسوة بملوك أسرة البربون في فرنساء والذين كان في بلاطهم وظيفة «العشيقة الأولى» مثل مدام بمبادور. وفي أحيان أخرى كانت تميل ناحية المرأة في أحكامهاء مثل قولها عن جوزفين: «لولا مساعدة جوزفين لنابليون ما أوصلته بسالته إلى الدرجة التى وصل إليهاء فإنه لما كانت جوزفين رفيقته ومعينته» كان ظافراً منصوراً. ولما تركها كُسر وخذل؛ اه. وقد يكون لجوزفين دور في نجاح نابليون, إلا أنه ليس الدور الأساسي» فقد شهد أعداؤه بعبقريته وذكائه الخارق. وقد تقع في تناقض غريب ومن هذا قولها عن «قرة العين» إنها «فاضلة»» ثم تقول: «ولما انضمت إلى على محمد مؤسس البابية قادت جيشاً لمحاربة الدولة وخطبت في الناس قائلة: نحن في زمن لاا تكليف فيه بشيء»» فوقع هرج ومرجء وفعل كل الناس ما كان يشتهيه من قبائح؛: فكيف تكون فاضلة وهي تدفع إلى الفحش؟! وقد يتساءل قارىء «الدر المنثور.. .» عمًا إذا كانت مؤلفته تعد موسوعة عن النساء بقطع النظر عن المقياس الخلقي» أو أنها تنتخب نخبة منهن «اشتهرن بالفضائل؛ وتنزهن عن الرذائل»» وإجابتي كقارىء على هذا السؤال تتمثل في أنها كانت تجمع أخبار النساءء ولا تفرق بين صاحبات الفضائل وصاحبات الرذائل منهن؛ أي أنها تعد موسوعة تلتقي فيها النساء من كل نوع؛ ولو أنها كانت تختار النساء الفضليات فحسب» ما تناولت نسوة شريرات»؛ حياتهن حافلة بالحوادث المروعة» والعيش معهن محفوف بالمخاطر . ومن هؤلاء اللاتي عرضت لأخبارهن في الموسوعة: «أولمبياس» / أم الاسكندر الأكبر التي طاوعت شهواتهاء ولما علم زوجها «فيلبس» كبا هجرهاء فدسّت له من قتلهء وأعلنت غبطتها بذلك. وبعد موت الإسكندر قتلت ابن زوجها من امرأة أخرى» وسفكت دماء كثيرين من أعوانه؛ و«زوي» إمبراطورة بيزنطة زوجة رومانوس الثالث التي عشقت صائغاًء فقتلت زوجها وتزوجته. وولته سدة الحكمء وعندما أساء معاملتها؛ اتفقت مع أخيه وأبعداه؛ وتولى أخوه الحكمء ولما أساء معاملتها خلعته وتولت مع أختها أمور الدولة» وتزوجت وهي في الثالثة والستين من عمرها المديد قسطنطين العاشرء و(أفذوكسيا» زوجة الإمبراطور قسطنطين دوكاس التي تولت الحكم بعد موته؛ ولما عارضها أحد كبار الدولة أمرت بقتلهء غير أنها لما رأته جميلاً خلاباً صفحت عنه وتزوجته وجعلته قائداًء و«إريانو» ابنة ملك اليونان التي دفنت زوجها حيا وهو سكران؛ لأنه ارتكب الرذيلة» وتزوجت من غيره. و(إيريني) إمبراطورة بيزنطة التى سملت عيتي ابنهاء ووصفت المؤلفة «احتة» ملكة نابولي بأن «سيرتها ذات الخلاعة لم تتغير»» والقائمة طويلة. ولا أقصد من هذه الأمثلة انتقاد السيدة زينب فوازء وإنما أدلل على أنها تعد موسوعة ليس لها من غاية غير احتوائها على أكبر عدد ممكن من النساء اللاتي تقع على أخبارهن وتراجمهن» وتأتي كل امرأة فيها حسب وضعها في الحياة وما تركته من آثار وما قيل فيهاء وهي عمل ثقافى مهم كنا في حاجة إليه؛ وبعدها بزمان طويل أعد «عمر رضا كحالة» موسوعة أكبرء أطلق عليها «أعلام النساء؟. والموسوعة التي نحن بصددها موسوعة علمية» بالرغم مما يشوبها من بعض العيوب» فقد رجعت في موادها إلى نحو أربعين كتاباً معظمها من كتب التراث» ومشطت أعداداً كثيرة من الصحف؛ واستخرجت من كل هذا ما يعيئهاء وكانت أحياناً تذكر في السياق المصدر الذي نقلت م41 عنه» ورتبت تراجمها ترتيباً هجائياً لتيسر الوصول إلى شخصياتهاء وآخر» وأتمت عملها في الموسوعة عام 2١8947‏ وطبعتها في العام نفسه في مطبعة بولاق»: وقرظتها مجلة «الفتاة» في عدد يونيو/ حزيران 1897, وأثنى عليها الشاعر حسن حسني الطويراني» وامتدحتها عائشة التيمورية بقصيدة منها : فعلى العفيفات الثناء لفضلها ما جددت في العالمين فصول متذ القدم. ولابن القيم الجوزية كتاب (أخبار النساءءةء) وهو أخبار متهرقة في العشق والعشاقء. وللجاحظ كتاب «القيان» ولا يتجاوز أخبار الجواريء و«بلاغات النساء» لأحمد بن طيفور الخراساني» وهو عبارة عن أقوال بلبغة فاضت عن نسوة مشهورات وغير مشهورات» وللومام السيوطي كتاباً «المستظرف في أخبار الجواري» وانزهة الجلساء في أشعار النساءة وفيهما نتف نتضمن أخباراً وأشعاراً. وكتب أخرى . وقد اقتصر الكلام في هذه الكتب على النسوة الشرقيات» وقلما نجد فيها تراجم بالمعنى المعروف. وفي العصر الحديث نشرت مريم نحاس كتاب «معرض الحسناء في تراجم مشاهير النساء؛ كما أشرناء وفيه تراجم قليلة. وكل هله الكتب متوسطة الحجم أو صعيرة ؛ وعدد النساء فيها قليل؛ أما «الدر المنثور. . .» فأكثر شمولاً وتنوعاًء ولم تطفىء الأيام وهجه ؛ قافن طعة هذ مرات . وُلدت زينب فواز العاملية بقرية تبنين بجبل عامل في جنوب لبنان» وتاريخ مولدها فيه خلاف شديدء فالبعض يقول إنها ولدت عام :.١8406‏ 4 والبعض الآخر يقول وُلد عام »187٠‏ والقول الأخير أكثر تداولا. والصحيح أنها ولدت عام ١847‏ على حد قول د. حسن محمد صالح. وتعلّمت القراءة والكتابة» وحفظت أجزاءً من القرآن الكريم» وتزوجت أكثر من مرة في بلاد الشام وطلقت. وجاءت إلى مصر أليمة مهيضة الجناح» وتلقت بعض الدروس في الإسكندرية» وتعرّفت على بعض أصحاب الصحف. ونشطت في الكتابة؛ ونشرت مقالات في أكثر من صحيفة» ثم انتقلت إلى القاهرة» وجادت لها الأيام فتزوجت ضابطاً مصريا. وزينب فواز مبدعة في أجناس الأدب المختلفة. فهي شاعرة» وقيل لها ديوان شعر””''» وروائية لها رواية «غادة الزاهرة» و«الملك قورش»» ولها مجموعة رسائل تسمى بالرسائل الزينبية» وكاتبة مسرحية ولها مسرحية (الهوى والوفاء»ء وقد تتناولها بالدراسة د. محمل يوسف نجم في كتابيه «القصة في الأدب العربي الحديث»» و«المسرحية في الأدب العربي الحديث»» وترجم لها الأستاذ حلمي النمنمء وقي عام 1407 زارت «الآستانة العلية» وساحت فيهاء وأهدت الكتبخانة الشاهانية مؤلفاتها التي ذكرناهاء وقامت بزيارة إلى مدرسة دار الخيرء وهي في الأصل سراي زينب هانم بنت محمد علي باشاء وسجلت مشاهداتها وانطباعاتها في عدة مقاللاات نشرتها جريدة المنبر عام 408١؛‏ ثم عادت إلى مصر. وظلت تعيش في القاهرة تخالجها الحياة؛ ويقسو عليها المرض. وقالت عنها مجلة الهلال (فبراير/ شباط :)١91١5‏ «أدرك الأجل في أواسط يناير/ كانون الثاني الماضي المرحومة زينب فوازء صاحبة كتاب :23غ60 جمم د. حسن محمد صالح ديوانها. وصدر عام 04م عن دار المحجة البيضاء بيروت . ١٠ ٠ «الدر المنثور في طبقات ربات الخدور»» وهي سورية المولد والموطن» تضبوية الحشا ء..:«وكاتتق... أدسة كاتة.خلفف اثارا نفسة اهمها الدر المنثور المتقدم ذكرهء وهو كتاب ضخم يشتمل على أكثر من خمسماتة ترجمة من تراجم شهيرات النساء العرب وغيرهن على اختلاف الأجناس والمذاهب والعصورء مرتب على حروف المعجمء وهو فريد في بابه بالعربية» وسيبقى اسمها حياً به. . . رحمها الله». 5 شرت في مجلة الهلاله عند مارس/اآذار ١4‏ ١١ جرجي ريدان رائك نقد الفن الت نإ نااك الال لان ليان جرجي زيدان رائد نقد الفن التشكيلي» عنوان غريب؛ لأن الرجل اشتهر بالصحافة من خلال مجلة «(الهلال». وعرفه الناس بالتاريخ من كتاباته التاريخية المتنوعة بما فيها رواياته. وواقع الحال أنه أحد موججهي الثقافة العربية الحديثة» ورياداته متعددة في مجالات متباينة» فهو صاحب أول موسوعة في "تاريخ آداب اللغة العربية» (أربعة أجزاء)؛: ومؤلف أول موسوعة عن الحضارة الإسلامية «تاريخ التمدن الإسلامي» (خمسة أجزاء)؛ وأول من بشّر بالصور المتحركة «السئماتوجراف»» وأول من أرّخْ للصحافة في عالم العربء. وكل من كتبوا في هذا المجال متأخرون عنهء وهو السابق الرائد في الدعوة إلى إنشاء جامعة مصريةء وكان ذلك عام »184٠0٠‏ أي قبل دعوة مصطفى كامل 2)١9508 ١415(‏ وقاسم أمين .)١19١04 - 1١8517(‏ وليس بعيداً أن يكون أول من عرض للتجارب الفنية التشكيلية وتناولها بالنقد والتقدير. ونقّد الفن التشكيلي يجب أن ننظر إليه في إطار ثقافة الثلث الأخير من القرن التاسع عشرء فقد ظهر النقد القتصصي بعد ظهور عشرات القصص المؤلفة والمترجمةء وارتبط النقد المسرحي بظهور العروض المسرحية التي قدمتها الفرق المسرحية المختلفة. أما نقد الفن التشكيلي؛ فقد تأخر كثيراً لأنه لم يكن هناك فن؛ وهذا راجع إلى عدم وجود مدرسة 06 فى مصر أو الوطن العربي تعلّم فنون التشكيل» وحتى «مدرسة الفنون الجميلة» المصرية أنشئت في 1408/0/17 ولم تطرح ثمارها إلا بعد سنوات» ولم تكن هناك بيوت فنية أو مراسم وأساتذة فن يلجأ إليهم عشاق الفن ويتعلمون على أيديهم التصوير الزيتي والمائي والباستيلي. . . إلى آخره. هذا إلى جانب أن الفن التشكيلي ليس فنا شعبياً مثل القصٌّ والمسرح يمكن أن نفهم أبعاده ونصل إلى أغواره في يُسْرء ولكن إنشاء متحف الآثار المصرية وحديث الصحف عن الاستكشافات الأثرية المصرية» وتخصيص مكان لعرض الصور التي ابتدعها الأجانب المقيمرن فى مصرء خلق الظروف المناسبة للحديث عن الفنء وكان ذلك عام 7م وقبل هذا التاريخ لم يتناول أحد اللوحات الفنية بالشرح والنقد. لذلك فإن حديث جرجي زيدان (1851 - 1915) في هذا الموضوع عام 1847م يُعدٌ بداية الطريق في مسيرة نقد الفن || ىو 6 وبيان ذلك - وكما يروي جرجي زيدان - أنه فى عام ١1894٠‏ اتفق جماعة من أعيان القاهرة على إنشاء معرض للصور يفتتحونه كل ربيع» ويعرضون فيه صوراً زيتية لأشهر المصورين الأجانب المقيمين في مصرء وكان الخديو يفتتح هذا المعرض كل عام» وفي هذا دلالة على أهميته. وكان كثير من الأجانب» منذ الحملة الفرنسية )١8٠1١ - ١19/44(‏ يأتون إلى مصره ومنهم الرحالة والفنانون والباحثون عن المخطوطات». وكما كانت هناك حركة استشراقية في الآداب العربية» كانت هناك حركة استشراق في الفن». فكان هؤلاء الفنانون يتجؤّلون في مصر والشرق ويصوّرون الطبيعة؛ والاشخاصء والأسواقء. والأفراح» وغير ذلك. وفي عام 1897 زار #زيدان» معرض القاهرة وسجل انطباعاته وتأثراته في مجلة «الهلال». وقال: «بلغ عدد الصور المعروضة 44! صورة» بين صور أشخاص ومناظر طبيعية» وصور حيوانات ونباتات وأزهار وثمار». ١٠١ وذكر «زيدان» لموضوعات اللوحات يظهر أنها مستمذة من ملابسات البيئة ومفردات الحياة العادية» وهو الفن التأثري ذو الطابع الرومانسي الذي يتميز بالنزوات الشخصية والروح الشاعرية» ويخالف الاتجاه الكلاسيكي الذي كان يعنى بالموضوعات الجليلة مثل تصوير الهة اليونان والقديسين والصور المستوحاة من «الكتاب المقدس». وما على شاكلة ذلك مما هو مأثور. ويقول ‏ زيدان -: «وبلغ عدد المصوّرين الذين عرضوها ‏ أي: عرضوا صورهم ‏ زهاء ستين مصوراًء كلهم من النزالة الإفرنج على اختلاف جنسياتهم. إلا واحداً منهم مشرقياً ور (هو سليم حداد). وإذا كان الأجانب الأوروبيون هم المستفيدون إعلامياً ومادياً من هذا المعرضء فإن إنشاءه ساهم في تربية الذوق الفني عند من شاهدوه من المصريين»؛ وعمل على تنبيه الحس إلى مناظر في البيئة؛ يراها المشاهد مرسومة في لوحة جميلة مما ينشأ عنه موازنة , بين الفن والواقع. وهذا ضرب من النقدء وبطبيعة الحال تتراوح الصور بين المحافظة على الأصل والإبداع فيهء ولكنها تأتي جميعاً في إطار المحاكاة. واللائح لنا أن «زيدان» كان على دراية بالفئون التشكيلية» فقد تحدث عن المتاحف الأوروبية» وكتب تراجم لكبار المصورين الأوروبيين مثل روفائيل 42١91١ - ١447(‏ والسير يشوع رينولدز ١9/77(‏ 4847١)غ2‏ وسدني كوبر )١1907- 1١897(‏ وغيرهم»ء وفي هله التراجم يشير إلى كتب ونقاد متخصّصين رجع إليهم مثل الدكتور اسبرنجر»؛ كما أنه كان عارفاً بأماكن الصورء مثل صورة «المادونا في المرج» لروفائيل» والتي توجد في فييناء ولوحة «زواج القديسة كاترين» لروفائيل أيضاً. .18945/7/١6 مجلة الهلال.‎ )١( ٠١ وتوجد في لندن وغيرهما. كذلك تحدث عن الحفر واككدن والتصوير والبناء عند الفراعين واليونان في مقالين كبيرين» هذا عدا نبذ وإشارات إلى «الرسم على الخشب بالنار»» و#معرض الفنون الإسلامية بباريس"؟. و«فن التصوير في التمدن الإسلامي»؛ والحفر على الزنك والحديد وتذهيب البراويز بالزيت وغير ذلك؛ وكل هذا لا يكشف عن ريادته فحسبء ولكن يبرز ثقافته الفنية في زمن لم يكن فيه فن ونقد. كما أن هذه الكتايبات وغيرها التي جمعت بين القديم والحديث والشرق والغرب» عملت على تكوين ثقافة جديدة تضاف إلى الثقافات التي كانت قائمة» كذلك تعد مقدمة تمهيدية أو إرهاصاً قوياً بالحركة الفنية المصرية التي ظهرت في أواخر العقد الثاني من القرن العشرين على يد محمود مختار ,)١9475 - ١84١(‏ ويوسف كامل (١8941١1-١11ا2)19‏ ومحمود سعيد )١193514 - ١891/(‏ وغيرهم . نعود إلى ما كتبه «زيدان» عن اللوحات الفنية التي شاهدها في معرض الصور عامي ١847‏ و21881 لنتعرف على رؤاه ووسائله في تقدير الصور الفنية وموضوعاتهاء وقد تراءى لنا أنه ناقد تأملي يرسل نظرة متأنية إلى اللوحة ويركز عقله في عناصرها ليقف على فكرتهاء وكيفية صياغتهاء ومدى مضاهاتها للأصل» وكثيراً ما كان يتوافر على إحساسات الفنان التي تتمشى في إحساساته. وتثير خياله» وتستفيض في مشاعرهء وهذا مما يكون في النفس والإحساس بالجمالء» ومن وسائل هذا النقد التأملي ثقافتهء وعينه اللاقطة وذوقه. والملاحظ في أقواله أن أحسن الصورء تلك التي تثير الخيال. وقد وصف «زيدان» صورة للمسيو «ديفنباخ»: رسمها لطفل يحمل على قفا كفه أفعى. قد صوّبت رأسها نحره كأنها تهم بلسعه. وهو يتأملها وييتسم لها... ورأى أن هله الصورة ترمز لسذاجة الطفل» ولكن قوله: «كأنها ٠,٠6 تهم بلسعه"''' تظهر معرفته بنظرية الناقد والكاتب الألماني «جوتهلد لسنح؛ (77/79 - )١1783‏ التي يفرق فيها بين الشعر والتصويرء ويرى أن الأول فن زماني يستطيع الشاعر فيه أن يصور كثيراً من الحركات واللحظات في جملة واحدة؛ كقول امرىء القيس: «مكرٌ مفرٌ مقبل مدبر معأ فالكرٌ ليس حركة واحدة أو لحظة واحدة؛ وإنما هو مجموعة من الحركات المتابعة يمكن للمرء أن يتخيلهاء وكذلك الفر. أما التصويرء فهو فنَّ مكاني وليس في قدرة الفنان التشكيلي أن يصور أكثر من حركة واحدة أو لحظة واحدة» أو كما عبّر العقاد ١8486(‏ )١474‏ عن رأي لسينئج: «... أما المصورء فليس له إلا لمحة واحدة يختارهاء وعلى سلامة ذوقه في اختيار هذه اللمحة يتوقف كل الأثر الذي يبغيه على شعور الناظرء فعليه من أجل هذا أن يختار اللمحة التى هي دون غيرها أُمْلَاْ اللمحات باستيحاء السوابق واللواحق» وتضمين العا المغيّبة في المعاني المعروضة للنظر. ..2”". فالمصور في اللوحة التي وصفها «زيدان» اختار لمحة الأفعى وهي تصوب رأسها مووي الطفل؛ وهذه لمحة مرسومة. أما المشاهد ‏ وهو #زيدان» ‏ فقد استوحى منها قوله: «كأنها تهم بلسعها وهي صورة متخيلة» فالفنان يرسم لمحة أو لحظة توحي إلى المشاهد بلمحة أخرى أو لمحة تالية وهي «اللسع؛ هناء وهذا معنى قول لسئج حسب عبارة العقاد «تضمين المعاني المغيبة في المعاني المعروضة للنظر؛. أي تضمين اللمحة الخيالية في اللمحة الحقيقية. ومن هنا قال زيدان: «كأنها تهم (1) الهلال. 8/1١6‏ 1891. (؟) عباس محمود العقاد: «ساعات بين الكتب». ٠ بلسعه» ولم يقل لسعتهء أراد أن يقول: إن ديفنباخ اختار اللمحة الشادّة للمشاهد» والدالة على ما صوره وما أوحى نه . أسهبنا بعض الشيء في الشرح؛ لأن «زيدان» علق على عدد من الصور التي جاءت على نفس هذه الطريقة في التصوير بنفس التعبير «كأنها تهم ب'. ففى مقالة له عن (السير يشوع رينولدز» يكرر ملاحظته السالفة. فنراه يقول عن صورة رسمها «يشوع» لشخص يدعى «كيل»: «صوره راكضاً على شاطىء صخري وعيناه شاخصتان إلى نوء يتعاظم حوله؛ وقد أجاد تصويره حتى لقد تَعْجَبْ وأنت تنظر إلى الصورة لما تراه من وقوف كيل وهو يهم بالركض""”''؛ وما قلناه عن الأفعى التي همّت بلسع الطفل نقوله عن ١كيل"‏ وهو يهم بالركض» وقد أفاد نقاد عديدون من آراء «لسنج؟ في تقدير الصورء نذكر منهم إبراهيم عبد القادر المازني ١895(‏ )١1954‏ عندما وصف تمثال صبية بائسة قذرة شعثاء الشعر يخيل إليك أنها تهم بالبكاء”''»: فالفعل المضارع «يهم؛» في الأمثلة السابقة فعل متخيل وغير موجود في المنظر المعروض. والفن الجميل هو الذي ينبه المخيلة» ويجعلها تتصور ما لم يصور في الصورة. ويلح زيدان على هذه الصور التي تثير الخيال» فنراه يقول عن صورة سلاتين باشا التي رسمها سليم حداد: «أما صورة سلاتين باشا فتمتاز ‏ على كل الصور ‏ بالتجسمء؛ فقد بلغت حداً كدنا معه نخال سعادته يهم بمخاطبتناء”"'. وواضح من كثرة أمثلته من هذا النوع أن الصورة تدرك بالحس والعقل معأء وهذا من مبادئه النقدية في الفن. .اذخ4/7/١6 الهلال»‎ )١( «#حصاد الهشيم».‎ ١ إبراهيم عبد القادر المازني‎ (0 .1 865/98/١6 الهلال».‎ )' ١١و‎ 5 البورتريه: وقد اهتم «زيدان» بصور الأشخاص أو البورتريهات التي رآهاء وشعر بما انعكس فيها من إحساسات الفنان وفنه؛ لأن الشخص المصور ترى ملامحه المعبرة من خلال المعنى الذي رغب الفنان في إظهارهء أي أن الشخص المصور لا يعنى فيه برسم الهيئة الخارجية فحسبء وإنما كثير من الفنانين يعنون بالحالة الداخلية أيضاً من قلق وبؤس وخوف وبهجة إلى آخرهء وهناك فارق بين فنان يستخدم البصر عند محاكاة جسمء وآخر يعمل البصيرة لينفذ إلى انفعالات النفس المنعكسة على الوجه . وقد زكا «زيدان» بورتريهات عديدة انعكست فيها عوالم الفؤاد. ومن هذا وصفه لصورة رسمها سليم حداد ليعقوب صروف ١885(‏ /1)يقول عنها: «... أما صورة الدكتور صروف» فقد توفق في تمثيل ملامحها حتى ظهرت معاني الوجه الدقيقة؛ فقد خيل لنا عند النظر إليها أننا نرى الدكتور صروف وقد نهض عن مائدة الكتابة بعد عمل عقلي لا يزال يفكر فيه. وفي تمثيل ذلك من الصعوبة ما لا يقاس به تمثيل الهيئة لمجرد المشابهة»"''» فهو يلتفت إلى تمثيل الفنان للحالة» ويرى أنه أصعب من تمثيل الهيئة؛ لأن التعبير عن زخم المشاعرء وانثيال”) الخواطرء والإرهاق الذهني والشرود تحتاج إلى فنان مُلْهَم . ومن هذا قوله عن صورة «الدفن» لروفائيل التي يجمع فيها بين العراطف والإحساسات ظاهرة في وجوه الأشخاصء والحزن الذي ملأ أفتدتهم بادياً في عيونهم»”"» وكلمة «جمع» في تعبيره تفيد أن الصورة )١(‏ الهلال» .1855/"/١6‏ 00 بمعنى : تدفق الخواطر. (*) الهلالء .1491/8/١6‏ مركبة من الباطن الخافي» والهيئة البادية» أو أن الأشكال الحزينة في اللوحة مصدرها الأفئدة المكلومة. وهو هنا لا يتأمل ليلقيى ضوءاً كاشفاً على الصورة المفعمة بالمعاني والدلالات ليبين ما يميزها وفقاً لتجاوبها مع ذوقه أو شيء في نفسه فحسبء بل يوجه اهتمامه لأداء الفنان في فنهء وإنجازه لعمله بالكيفية التي تظهر خصائص موضوعهء وبلوغه تصوير الحالة التي يتغيّاها . | هذان المثالان يصوّران الحالة الداخلية أكثر مما يصوّران الهيئة؛ أما بورتريه «إبراهيم نجيب»؟ وكيل وزارة الداخلية» فيصور الهيئة أكثر مما يصور الحالة يقول: «فصورة إبراهيم باشا نجيب تامة بقطع الجسم الطبيعي مثّله فيها ويساره على سيفه واقفاً إلى مائدة عليها شال من الكشمير الناعم ووراءه كرسي. وفي هذه الصورة من المهارة في تركيب الألوان ما حُيِّل لنا سعادته واقفاً في قاعة الاستقبال ينتظر وصولنا ليحيّينا”''» فهو يلتفت إلى هيئة الرجل وهو واقف ويده على سيقهء وهيئة القاعة التي يقف فيها ويذكر محتوياتها وهي المائدة وعليها الكشمير الناعم والكرسي؛ وفي كل ذلك ملامح الرجل ومعالم المكانء وهو إن كان من تصوير الهيئة» فإن الصورة لا تخلو من تصوير الحالة وذلك عندما يذكر أن الرجل يضع يده على سيفه دلالة العظمة» وقوله: «ينتظر وصولنا ليحيينا» دلالة الأريحية والعظمة» والأريحية من السمات النفسية التي انطبعت على الهيئة. وكل هذا الوصف ينم على قدرة في استيعاب البورتريه وحسن تلوقه. وبيشير «زيدان» إشارة خفية في تصوير سليم حداد ليعقرب صروف وإبراهيم نجيب؛ إلى انتماء الصورة لعمل صاحبهاء فيعقوب صروف من ,.18865//1١6 الهلال.‎ )١( رجال العلم والصحافة» وتصويره وهو يفكر ويزاول عمله مما يلائمه. ونجيب من كبار رجال الأمن» وتصويره بملابسه الرسمية ويده على سيفه مما يلائمهء وملاءمة اللمحة أو اللقطة للشخص مما يزيد الصورة واقعية وجمالاًء وهذا من الاختيارات الموفقة للمصورهء وتظهر اتجاهات ذهنه إلى تمثيل الشخوص وهم في أهم مواقعهم في الحياةء وما اشتهروا به بين الناس » وهذا مما يزيد من حضورهم. اللون والطبيعة والصدق الفني ويدور معظم كلام زيدان في تقدير الفن حول تمثيل الصور للواقع . ومحاكاة الواقع مهما كانت دقيقة فإنها لا تماثله لأنه لا يوجد في الحياة شيئان متماثلان تماماء بحيث نقول: إن هذا هو عينه ذاك؛ وإنما يقصد بالمحاكاة التشابه» وكلما كان المنظر أقرب إلى مثيله كان ممثلاً له. وقد يصعب الحكم على بورتريهات الأشخاص الراحلين من حيث المشابهة التامة أو النسبية» لأنهم ظعنوا. أما الصور التي تمثل الطبيعة في نباتها وجبالها وأمواجها وما إلى ذلك» فإنه يسهل الحكم عليهاء لا لأنها ما زالت موجودة في الطبيعة فحسبء وإنما لأنها ماثلة في أذهاننا من كثرة رؤيتنا لها. ومن هذه الصور التي تحاكي الأصل أو تشابهه جداً صورة فرع لنبات التين الشوكي صوّره «حدادة. ويقول عنه زيدان: «صورة غصن من نبات الصبر (تين بشوكه) ولا يكاد يكون في مغارس الصبر قرط أقرب إلى الطبيعة من هذاء فقد يخال لك وأنت تنظر إليه أنك لا تستطيع لمسه لئلا يؤذيك شوكه؛ بل قد تخشى أن يهب النسيم فيحمل إليك شيئاً من وبره الدقيق فتقف محاذراًء وهذا غاية ما تبلغ إليه صناعة التصوير»”''. .١ 88706 الهلال»‎ 0) ١٠١ ومهما قال «زيدان» في مشاكلة الغصن للأصل من حيث الخصائص والمعالم» فإنه يعرب عن تجسيد أحاسيس الفنان فى صورتهء ومن هذه الأحاسيس استلهم خواطره» واستقطر كلماته؛ لأنه يتناول وقع الصورة في نفسه التي تجاوز فيها الفنان المحاكاة إلى التعبير» وكلمات زيدان إشادة كبيرة بالمصور الذي بث روح الطبيعة في الصورة وأضفى عليها من فنه ومشاعره ما جعل مُشاهِدها يخشى أذى شوك الغصن إذا حاول اللمس. وفي حين أثنى زيدان على الصورة الطبيعية لسليم حداد» نراه ينتقد المناظر الطبيعية التى صورها المسيو فيليوتو؛ لأن ألوان صوره ‏ قلما تنطبق على ما نراه في الطبيعية '*» وزيدان يشير بقوله هذا إلى ما نسميه الآن «الصدق الفني» الذي يعني هنا أن «فيلبوتو» لم يحس إحساساً قويا بالألوان في الطبيعة مما جعل تعبيره عنها شائهاً أو ضعيفاًء وبالتالي لم تمثل صوره ما يشابهها في الطبيعة. ونقد زيدان يظهر مدى إدراكه لأهمية اللون واعتباره عنصراً أساسياً في الصورة. كذلك يلتفت زيدان إلى الصورة الشاحبة التي لا تتمايز فيها الألوان» فنراه يقول عن (كوسلر) (إن له صورة لفتاة بإزار أبيض محاط بجو أبيض». وتصوير لون هذا الإزار في وسط هذا الجو يقتضي مهارة تامة ودقة فائقة» والظاهر أن المسيو كوسلر اختار هذا النوع من التصوير لبيان مهارته فيه.» فلا نرى أنه نال كل مرامه ه77 وزيدان هنا لم يوضح مقصوده بالمهارة والدقة. والظاهر أنه يعني أن يكون في الصورة تباين لوني» أو حسن توزيع للأضواء والظلال» فلا .1891/ /١6 الهلال؛‎ )١( ,.18435//1١6 الهلال»‎ )0( ١١١ يتمايز الأبيض بالأبيض وإنما بلون أقل بياضاًء وحتى إذا كان هذا المنظر تم تصويره في الهواء الطلق» فإن الهواء الشفاف يتلون بلون ما خلفه. وإذا افترضنا أن المصور كان يريد أن يرسم صورة بسيطة» فإن البساطة لا تعني إخفاء المعالم» والأرجح أن زيدان «كان يرغب في أن يكون فضاء اللوحة مختلفاً عن لون الإزار»: ومهما يكن من أمر فإن صاحبنا محق في انتقاده ل«كوسلر»؛ لأن اللوحة لا بد أن تتمتع بثراء لوني ليجعلها ناطقة؛ ولا أعني بالثراء اللوني كثرة الألوان» وإنما أعني أن يستعمل الفنان من الألوان الخالصة أو الممزوجة ما يجعل اللوحة ان واضحة:ء وإذا رجعنا إلى أحاديث الفنانين ونقاد الفن فإننا نجدهم يتحدثون عن الألوان المركبة» والتدرج اللوني» وتسلط الأضواء على الظلال» والمعالجة اللونية... إلى آخره. وكل هذا يعني ألا تكون اللوحة بلون واحد إلا إذا كان اللون كافياً وافيء ويعرف ليوناردو دفنشي )١16014 - ١5617(‏ التصوير بقوله: «التصوير هو إنشاء الأضواء والظلمات وخلطهما معاً بالألوان على تباينهاء سواء أكانت بسيطة أم مركية»”''. وعلى أية حالء فإن «زيدان» جعل الألوان من مهامه أثناء النقد. ويبدي ناقدنا نفوراً من اللوحات التي تتشابه موضوعاتهاء ويقول عن المصور كالي: «له ١‏ صورة كلها من نوع التصوير ذي التلوين الناعم أكثرها حسنء. ولكن موضوعاتها متشابهة»""' . (السروضرعات المتشابهة إذا لم يكن هناك ما يميز بعضها عن بعض»ء ول فينا إحساسات متشابهة. وتنطقنا بأحكام متقاربة» والعين لا تشعر بالترف إلا إذا تفاوتت الموضوعات والصورء ذلك أن تنوع المناظر ينفي الرتابة» ويفيد أن الفنان لا يكرر نفسه. وقول زيدان : «ولكن غ0( ليونار دي فنشي ١‏ «نظرية التصوير؛؛ تاه عادل السيوي . )03( الهلال؛ 2/16 . ؟ ١١‏ موضوعاتها متشابهة؟ يعني : ضعف أحاسيس الفنان» وعدم قدرته على تصوير النواحى المختلفة فى الحياة» بالرغم من أن مَجَالي الطبيعة أمامه حاسرة. ساحرة. وعلى هل! النحو استعر ض زيدان بالنقد والتقدير يورا لل اليكجيان» و«كالي» و«فورشلا» وهفارلي» و«بيرج' وغيرهم؛ وتناول في أعمالهم الصور الزيتية والمائية؛ والصور الناعمة الملمس والخشنة» والبسيطة والمركبة؛ والصور التخيلية والرمزية وغيرها. شاهدهاء فقد كان فتانو تلك الفترة» حتى فى أوروباء تأثريين يتناولون في صورهم الحياة العادية والطبيعة والشخوص. 258 وتظهر عواطفهم وميولهم في لوحاتهمء ولم تكن عرفت وفتئذ التكعيبية والوحشية والسريالية وغيرها من مذاهب الفنء كذلك كان التنقد الأدبى والفنى تغلب عليه التأثيرية» وقوامه الذوق المثقفء والملاحظة الدقيقة. وحديث زيدات في الغالب لا يتجاوز تذوقه الجمالي. وحكمه على الصورة يأتي في إطار نظرية المحاكاة أو التمثيل. وما تعيره فيه من خيال إلى جانب تفهم أحاسيس الفنان التي تتجلى في تعبيره. ونقد زيدان ينقصه المصطلح ويعيبه الإيجاز الشديدء فد كان منه أن يكتب مثلما نكتب اليوم عن الفن بعد تنوع المذاهب وكثرة التجارب» وحسبه توجيه الأذهان» وترويض الحس على تذوق الفن فى زمن خلا من التصوير والتقدير. 5ه نُشرت فِيْ مجلة الثقافة الجديدة: عند نيسان/ابريل ٠.٠١1‏ ١ 71 اداح ناص ان مات اح نا انم وات مات ل نباك ات ا ات اح تب ص تي حم ان فى تحن عات عن وات جح تك تح تا ترح تبي ترح نع لبيبة هاشم وفتاة الشرق لخر نري كانت لبيبة هاشم أو لبيبة ماضي فتاة الشرق». لا لأنها أصدرت مجلة «فتاة الشرق»» ولكن لأنها تعرف جيداً آداب الشرق وأصولهء وتدرك مثالبه وعيوبهء وتعمل ما أمكن على تلافيها . وهي فتاة الشرق التي لم ترغب في أن تثب بالمرأة وثبا من البيت إلى الشارع» أو من الحجاب إلى السفورء وهي قضية شكلية أريق فيها مداد غزيرء وقد عادت المرأة إلى الحجاب بعد سفور طويل» فما انتقص من الحياة شيء» وإنما كانت قضية لبيبة هي تثقيف المرأة وتنويرها وتعليمها فن التربية لتنشىء رجال وأجيال المستقبل» وهي لا تنكر العمل للمرأة» ولكن ذلك يكون بمقتضىء أو إذا دعت الحاجة. . . وهي فتاة الشرق التي تنتصر للغتها العربية وتغار عليها بالرغم من ثقافتها الأجنبية» وتعدد اللغات الأوروبية التي تتقنها... وهي فتاة الشرق التي تدافع عن قضاياه وقيمهء ولم يقع تحت نظري من كتاباتها ما يفيد أنها متفرنجة تلبس قبعة وتتعالى عليناء بل كانت تهاجم الغرب ممثلاً في المدارس الأجنبية في الشرق». وتحذر من خطورتها؛ وتنادي بالتوسع في التعليم الوطني لنعدٌ أبناءنا كما نريد لا كما يريد الأجنبي . 3 مولدها وثقافتها وإذا كان لا بد من ترجمة لصاحبتناء فإن الأقلام لم تختلف في 14 تراجم المعاصرين القريبين مثلما اختلفت في ترجمة لبيبة هاشم حتى اسمها فيه خلاف» فبينما يقول يوسف أسعد داغر في «مصادر الدراسة الأدبية» إنها بنت يوسف ماضيء» يقول عمر رضا كحالة في «أعلام النساء» وفيليب طرازي في «تاريخ الصحافة العربية؛ (ج4) إنها بنت ناصيف ماضي”''؛ وبينما يقول داغر إنها وُلدت في 1887/١7/١5‏ فإن عباس خضر يقول في «القصة القصيرة في مصر...» إنها ولدت سنة » ويذهب طرازي إلى أنها تعلمت الخط على يد الشيخ إبراهيم اليازجي. أما هيء فتقول في مجلتها «فتاة الشرق» إنها تعلمت الخط على يد نجيب هواويني؛ ويسجل كل الذين ترجموا لها أنها هاجرت إلى مصر مع أسرتها في مطلع القرن العشرين» وهو خطأء حتى سنة وفاتها فيه تباين وخلاف؛ فبينما يقول عباس خضر إنها توفيت عام ,١941‏ يقول داغر: إنها رحلت عام 0198617 ولعل هذا يرجع إلى أنها لم تسجل حياتها بيدهاء أو لم يكتب ترجمتها أحد المقربين منهاء وكان أسعد داغر المحرر بالأهرام وصاحب «مصر الحديثة المصورة» أحد مساعديها في تحرير وإدارة فتاتهاء ومات بعد سنة ١4987‏ ولم يقدم عنها ترجمة وافية» وكانت لها تلميذة وصديقة تدعى «أوليفيا عويضة عبد الشهيد» التي عرفها قراء السفور وفتاة الشرق والثقافة ياسم «الزهرة»» ولم تترجم لها. كان أول مقال وقّعت عليه (لبيبة ماضي - بيروت) في «الهلال» عدد أول يونيه/ حزيران ١18946‏ وكان عن «النساء وأوقات الفراغ» وحملت فيه على النسوة اللائي يقضين أوقات فراغهن في القيل والقال والمباراة في الأزياء وتهملن المطالعة والثقافة» والمقال بليغ جيد اللغة مما جعل صاحب الهلال ينشره؛ وفي منتصف شهر يونيه 1846 قرّظت «الهلال» روايتها المترجمة «الغادة الإنجليزية» ووصفتها بأنها متناسقة اللأحداث ١١6 رشيقة العبارة» وحثت الأدباء على مطالعتهاء وما يعنينا من ذلك أنها مارست التأليف والترجمة عام 18406»: وهذا يجعلنا نميل إلى أنها ولدت قبل 5١/7١/1887ء‏ وقبل سنة !١88٠‏ لأنه ليس من المعقول أن تنهض صغيرة في الثانية عشرة وستة أشهر من عمرها أو حتى في الخامسة عشرة بهذين العملين» وربما كانت لها كتابات قبل ذلك!! وقلى أنةاعمال» تان 'لبيية ادحنت سدرسة اترافيات العازريات وأتمّتها في مدارس المرسلات الإنجليزية الأمريكية على حد قول يوسف أسعد داغرء وهذا كل ما ذكر عن تعليمهاء والظاهر أنها عكفت على الكتب لتنمي ثقافتهاء حتى إذا وثقفت في قلمها أخذت تراسل المجللات المصريةء ففي 1847/1/١6‏ نجد مقالاً لها عن «فوائد العلوم للنساء؛ في مجلة «الثريا»ء وفي 6 نلنجد قصيدة لها عن زهرة الربيع. وفى عدد ١843/١١/١6‏ يقول إدوارد جدي صاحب «الثريا»: «أنسنا بلقاء حتقيرة الكاية العكيدة الآنيلة لبية ماعن بساحة الرسائل القراء في الثرياء قدمت العاصمة لمشاهدة حضرات شقيقيها الأديبين نجيب وخليل ماضي وقضاء فصل الشتاء في هذا القطر وتفقد آثاره ومعالمه» فنحن ترحب بحضرتها ونرجو لها طيب الإقامة». وبناء على هذاء فإن هجرتها إلى مصر كانت في خريف 1445., وكان أخواها قد سبقا إلى القاهرة. أما القول بأنها هاجرت مع الأسرة إلى مصر في مطلع القرن العشرين فهو خطأء وقد يقول قائل ريما عادت إلى لبنان بعد الزيارة. وأقول: إنها لم تعد بعد هذا التاريخ إلى لبان إلا زائرة. والدليل أنها في مارس/ أذار /1 نشرت مقالاً وجهته إلى السيدات بمجلة "البيان» اليازجية ذكرت المجلة في صدره ١الحضرة‏ الكاتية الأديبة السيدة لبيبة ماضي بالقاهرة». وهذا لا يعني أنها في مصر فحسبء. بل تبين أنها تزوجت؛ فقد ذهبت كلمة «انسة» وجاءت كلمة ل اسبدة»اء وكان زواجها من عبذه هاشم الذي افترك اسمها بأسمه وتواصل عطاؤها في المجلات المصرية مثل «أنيس الجليس» و«الضياء» و«المجلة المصرية» و١المقتطف»‏ وغيرها من دوريات مصر. وفى عام ١905‏ أصدرت مجلتها «فتاة الشرق»؛ وراحت تتنقل بين مصر ولبنان وتعتلي المنابر وتخطب». وتحث في خخطبها الشبان إلى العمل والنساء إلى النهرضء؛ وولاة الأمور إلى إصلاح التعليم» وكانت لبيبة هاشم خطيبة مفوهة. فمنذ عام ١401‏ وهي ترتقي المنابر وتخاطب الناس من فوقهاء وقد ألقت خطباً في زحلة وفي بسكنتا بلبنان وفي جمعية الإحساة السروية» بو مصكة التوفة المصررة» ووقر :ذلك مما ينين أن الخطابة إحدى أدواتها في بت أفكارها. وفي العام الدراسي ١915/191١‏ ألقت سلسلة من المحاضرات بالجامعة المصرية في التربية والتعليم» ثم جمعتها في (كتاب في التربية». وتناولت في هذه المحاضرات «أصول التربية العقلية والجسدية». وبيّنت الخطة التي يجب أن يسلكها المربون والمعلمون في تقوية أجساد الأولاد وتهذيب أخلاقهم وتثقيف عقولهمء وانتقدت التربية البيتية» والتربية في المدارس الابتدائية لما فيها من سخف وخرافة وتضليل للعقول. ونظراً لاستطارة صيتهاء وعمق ثقافتها في المجالين التعليمي والتربوي عينتها الحكومة السورية عام ١97١‏ في وزارة المعارف للتفتيش على المدارسء ولكنها لم تلبث كثيراً في هذه الوظيفة» فتركت سوريا وارتحلت إلى «تشيلي» بأمريكا الجنوبية» وفي سنتياغو'' العاصمة )١(‏ هذا هما يقوله يوسف أسعد داغرء والظاهر لئا أنها ذهبت إلى الأرجنتين وأصدرت مجلة هناك والقت محاضرة عن النساء في بونس آيرس نشرتها مجلة لافتاة الشرق؟ عدد إبريل/ نيسان سنة ؟94779١.‏ ١١١ أصدرت عام *0047 مجلة «الشرق والغرب» التي لم تعمر أكثر من عام وليست هناك أية معلومات عن محتويات هذه المجلةء وفي عام ١975‏ عادت إلى مصر لتشرف على «فتاة الشرق»"» ويقول يوسف أسعد داغر: «وتولت كريمتها أليس أسعد داغر شؤون فتاتها في غيابها». ومع بداية الحرب العالمية الثانية سنة ١918‏ توقفت الفتاة» ويبدو أن لبيبة لم تشارك في أنشطة ثقافية فنسيها الناس» وبعد رحيلها التقط بعض مصنفي الكتب أخباراً عن حياتها كيفما تكون» فجاءت مفردات سيرتها مضطربة متنافرة. 8 القاصة الشاعرة: وكانت لبيية أديبة مبدعة. قاصّة وروائية» ومترجمة في هذين المجالين» فقد ترجمت عدداً غير قليل من القصص الأوروبية في مجلة «الضياء اليازجية» و«فتاة الشرق»» كما ترجمت الغادة الإنجليزية» كما مر بناء ووضعت عدداً آخر من القصص القصيرة في المجلتين السالفتي الذكر. منها «جزاء الخبانة» وااشهيك المروءة والوفاء»ة واحسئات الحب»ة و«شيرين؟؛ ورواية «قلب الرجل» وفي الأخيرة حملت على الرجل مما دفع «حنا سركيس» إلى انتقادهاء والانتصار للرجال في مجلة انيسن الجليس» .11٠5‏ وإلى جانب القّصٌ كانت قريحتها تجود بالشعر الرائق الجميل» وقد عثرت على قصيدة لها في مجلة «الثريا» عن زهرة الربيع.» وهي وجدائية رومانسية الطابع تناجي فيها زهرة؛ وفي حفل تكريم خليل مطران بالجامعة المصرية سنة ١917‏ جادت قريحتها بالأبيات التالية في تهنئته : لما رأيت النثر غير مجاوبي ووجدت قدرك فوق در الناثر حدّئت نفسي أن أجرّب خاطري في الشعر تهنئة لأفضل شاعر فنظمت لكني أردت شوارداً ‏ منسوقة من جوهر وزواهر ١14 فسألت زاهرة النجوم ضياءها والجوهري سألته كأساوري فحئا على الأفق يشكو فقره والجوهري شكا شكاية خاسر الأفق قال: لدى الخليل زواهري ولديه قال الجوهري جواهري والأبيات من أرق شعر التهاني؛ وهي أشبه بنجوى نفسية تتوارد فيها الخواطر»ء وتتابع فيها المشاعر. والمعنى الذي وصلت إليه هو أن شعر الخليل مثل الجوهر والزواهرء وقد وصلت إليه بعد أن حكت قصة نفسية اختلجت فيها عواطفهاء ومهما تكن قيمة ما وصلت إليهء فالشعر ليس معنى فحسب بقدر ما هو خيال وشعور ورواء تأخذ النفس» وقد تمثل كل هذا في هذه القطعة البديعة التي تشير إلى أن قائلتها عرفت أسرار الشعر. لا شك في أن لبيبة هاشم إن لم تكن أول صوت نسائي يدعو إلى تجمع نسائي منظمء فإنها من أوائلهن؛ جاء في مجلة «مرأة الحسناء؛ عدد 6 إبريل/ نيسان 1891 أن لبيبة ماضي عزمت على إنشاء جمعية علمية أدبية غرضها «تبادل الفوائد وتوسيع نطاق المعارف والسعي وراء تعزيز شأن المرأة في الشرق»» وذكرت المجلة أن الجلسة الأولى ستكون يوم السبت في غرة شهر مايو/ أيار »١481‏ وتدعو السيدات الفاضلات إلى الحضور للاطلاع على قوانين الجمعية الأساسية» ويقول سليم سركيس صاحب «مرأة الحسناء» إن هذه العزيمة هي أول خاطر نسائي في هذا الموضوع على ما أظن. ولا أدري إن كانت هذه الجمعية النسائية انعقدت أم لاء ولكن من المؤكد أن هذه الصيحة لم تذهب بدداًء فقد كانت ناقوساً نبّه النساء المثقفات إلى ضرورة التآلف وتنظيم الصفوف. ومخاطبة المجتمع من خلال جمعية منظمة لها مبادىء وأهداف. ومهما يكن من أمرء فقد سبقت لبيبة ماضي غيرها من النساء اللاتي دعون فيما بعد إلى تكوين جمعيات واتحادات نسائية تدافع عن 14 المرأة وتعلى من قدرهاء من أمثال هدى شعراوي» وأستر فهمي» وسيزا نبراوي؛ وعنايات سلطان وغيرهن» لقد كانت الرائدة والملهمة لهذا النوع من العمل الجماعي المنظم . وكانت لبيبة تطوف أرجاء لبنان» وتجمع النساء وتحضهن على تصحيح أوضاعهنء وتتايع حضورها في التجمعات النسائية لتنشيط المرأة» وتصحح فهمها للرقي والتمدن؛ وعندما عقدت «جمعية النهضة النسائية» أول اجتماع لها يوم "٠‏ يناير/ كانون الثاني ١9117‏ بمنزل حرم إسماعيل عاصم المحامي» كانت لبيبة من المؤسسات» وعندما خطبت أذكت الحماسة في النساءء وبيّنت دور الإسلام في الارتقاء بالمرأة المسلمةء وقالت: «تعزز مركز المرأة يعد الإسلام» وزاد نقوذها واحترامها بما ورد في الشريعة السمحة من النظامات الضامنة لحقوقهاء الحافظة لكرامتهاء فلا بدع أن بلغت بها أوج المجد والرقي». وقد كانت التربية هي جوهر دعوة ل هاشمء وفي زعمها أن المرأة تصير سوية كاملة إذا استنارت وتحلت بالفضيلة» ومتى كانت كذلك ساست أولادها ذهنياً وبدنياً وصاروا صالحين للمجتمعء وينتقل هذا الصلاح من جيل إلى جيل؛ وكأن الأم المربية المستنيرة هي التي تستطيع أن تصنع المجتمع الفاضل أو المديئة الفاضلةء فالتربية هي الأداة التي تقوّم المرأة» وممارستها لها تقوّم الأولادء ومن هنا تهدي رجالاً صالحين للمستقبل ؛ هذا ما استطعت أن أفهمه من مقالاتها المتنائرة في دوريات عديدة2) وهي أقوال نظرية مقبولة» ولكن الظروف لا تساعد كل امرأة على ذلك . 86 المرأة وفن التربية: وفي بليلة مقالارت كتيتي في اأنيس | لجليس» 2١6:٠٠‏ تبيّن أن ١‏ هناك تقصيراً في تعليم المرأة واجبات الأمومة» وتدعو إلى وضع مصنف يعلم المرأة فن التربية الذي هو أساس العمران ليمكنها من سياسة أبدان وأذهان أولادهاء وتهاجم الدروس الابتدائية التي تتعلمها المرأة في المدارس لأنها لا تمكنها من إعداد رجال للمستقبل» ومما يجدر ذكره أن خليل زينيه أحد كبار محرري الأهرام وضع كتاباً عن «العلم والتربية» قبل أن تكتب لبيبة مقالات في «أنيس الجليس»» وإذا كان زينيه لاا يخص المرأة بكتابهء فإنه يتناول تقويم الأخلاق وتهذيب النفوس والتأآلف بين أفراد المجتمع ليرتقي عقل المرء ويتسع علمه»؛ وتتنامى ثروته» ويزداد تعلقه بالوطن؛ ولكن يبدو أن كتاب زيئيه لم يرقهاء وكانت ترغب في كتاب آخر يصلح للمرأة. ويتواصل كلامها في تنوير المرأة وتثقيفهاء وصقلها 0 الحستة والتعليم العملي النافع؛ فتقول «فتاة الشرق» :)١94509(‏ «علمنهن الطبخ فهو أنفع لهن من الموسيقى. أَفْهِمْنَهَنٌ ماهية 0 العائلية قبل تعليمهن اللغة الإفرنسية» فإنهن سيصبحن ربات أسرء ابثئن فيهن روح الميل إلى مطالعة الكتب الأدبية بحيث تجد الفتاة فيها بعد مفارقة المدرسة مدرسة ثانية»: ولم تكن لبيبة تجهل قيمة الموسيقىء فإنها كانت تدعو أيضاً إلى تربية الذوق لتحقق سعادة الإنسان» وسعادة الإنسان تكون على قدر حسن ذوقهء وتذهب إلى «أن أفضل الوسائل لتربية الذوق هي الموسيقى والتصوير؛؛ الأولى «تدمي عواطف الحب والشفقة»» والثائية #تساعد على إدراك قدر المحسوسات وكيفية نظامها»؛ فقولها علّمنهن الطبخ والواجيات العائلية والتدبير والاقتصاد في الإنفاق؛ والمحافظة على المال وما إليه» يعني ضرورة التمسك بالاسس التي تنهض عليها العائلة . 8 مواقف قومية: وقد ظلت لبيبة هاشم زمئاً وعبر عدّة مقالات تندّد بالمرأة السورية 0١ واللبنانية؛ خاصة التي تعرف اللغات الأجنبية وتجهل لغتها العربية وتنتقد العائلة التي تبذل قصارى جهدها في تعليم الأبناء اللغات الأوروية» وتهمل لغة الضاد «الشريفة» حتى إذا شبوا لا يستطيعون إيضاح الأمور إلا باللغات التي تعلموهاء وتبين أن هذا النهج في التعليم سيء ويجب ملافاته. وترى أن يربي المدرس تلامذته على حب لغتهم «حتى إذا ما عثروا على شيء في سواها يبادرون إلى نفع أبناء وطنهم بترجمتها وتعرييها»؛ ليشدوا أزر اللغة العربية» ولبيبة لا تنكر إجادة اللغات الأجنبية» ولكن إتقان العربية يجب أن يكون أولأء وهي تقدر في هذا أن القومية تتكىء على اللغة؛ علومها وآدابهاء أكثر مما تتكىء على شيء آخر . وتهاجم المدارس الأجنبية في مقال لها بافتاة الشرق» (/1991)) وتبين أن الأجانب يدرسون العلوم بلغاتهم - وبطريقة توافق مصلحتهم .؛ غير مهتمين بما يهذب أخلاق الشرقبين ويبث فيهم روح الإقدام. وتحذر من أن هذه المدارس تجعل الأجانب يسيطرون على أفكار المتعلمين» وتظهر الآثار النفسية لهذه المدارس والأضرار التي تئال من الكرامة الوطنيةء تقول: «ندخل المدارس الأجنبية فيمتهتنا أصحابها ويعاملونا بما فطر عليه الغربي من احتقار الشرقيء فتنحني رؤوسنا لمدى جبروتهمء وتصغر نفوسنا لخشونة معاملتهم. ومن ثم نخبط في يم لغتهم فنأخذ قواعد العلم كما هي مسطورة في كتبهمء دون أن نعرف القصد منهاأ أو ندرك الغاية التي وضعت لأجلها». وترى أن نتوسع في إنشاء المدارس الوطنية «لنسعى بأنفسنا إلى ما فيه مصلحتنا» . ولا ريب أن المدارس الأجنبية» في ذلك الوقت» كانت تعمل على إضعاف اللسان العربي لدى المتعلمين» وفتور الإحساس بالوطن نظراً لانتمائهم إلى ثقافة الدولة التي يتلقون العلم في مدارسهاء واكتساب ف العوائد الأوروبية مما يباعد بين أبناء الوطن الواحدء وتنبيه لبيبة إلى مزالق التعليم الأجنبي له أهميته في تلك الفترة» ويمثل موقفا قومياً. 5 شرح أبعاد المشروع الصهيوني : وكان لصاحبة «فتاة الشرق» يد طولى في التنديد بالحركة الصهيونية في فلسطين» فأخذت المجلة على عاتقها شرح أبعاد المشروع الصهيوني في إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين» واستفاضت في ذكر جهود اليهود في هذا المجال من جمعيات أسّسوهاء ومؤتمرات عقدوهاء وتناولت المجلة منذ عام ١474‏ مقاومة الفلسطينيين للمشروع الصهيوني» وأيرزت دور المرأة الفلسطينية والمؤتمر الذي شاركت فيه الفلسطينيات وطالين فيه بإلغاء وعد يلفور ووقف الهجرة اليهودية إلى فلسطين» .وظلت المجلة تتابع ما يجري على الساحة الفلسطينية فترة غير قصيرة. وهذا الموقف من لبيبة أو من مجلتها يأتلف مع مواقفها القومية» ويوائم نزعتها العربية التي تأصلت فيهاء ولا جرم فقد كانت تردد على صفحات مجلتها قولها: الأمة العربية أمة كريمة شهد لها التاريخ بأنها أعرق الأمم في المدنية» وأسبقها إلى العلوم والاختراعات. فتاة الشرق: ومجلة «افتاة الشرق» هي أكبر أعمالها ومستودع أفكارها وادايهاء ولا تتم الترجمة لها بدونهاء وهي ليست أول مجلة نسائيةء فقد سبقتها «الفتاة» و«العائلة» و«مرآة الحسناء؟ة و«أنيس الجليس» وغيرها. ولكن «فتاة الشرق؟ تمتاز عنها بأنها أطول عمراً وأكثرها مراعاة لتقاليد الشرق. صدر العدد الأول من «فتاة الشرق» في ١5‏ أكتوبر/ تشرين الأول 5 وقد عرّفتها صاحبتها بأنها مجلة أدبية تاريخية روائية» وبينت في افتنتاحية العدد الأول أن دافعها إلى إصدار مجلتها هو قلة المجلات ١ النسائية» وأوضحت أنها ستضمُّنها الأفكار النسائيةء» وخلاصة الأبحاث العلمية التهذيبية» وفور صدورها استقبلتها مجلة «الهلال» في عدد أول نوفمبر/ تشرين الثاني ١407‏ قائلة: «... وأكثر قراء العربية يعرفون اسم السيدة هاشم» ولا سيما السيدات. لما كانت تنشئه من المقالات الأدبية الاجتماعية والتهذيبية في المجلات العربية منذ بضع عشرة سنة» فضلاً عن الكتب» واسمها يومئذ (لبيبة ماضي)؛ على أن اسمها الجديد وما رافقه من المشاغل العائلية لم يمئعها من مزاولة الكتابة عند سنوح الفرصة» ثم رأت في الصحافة العربية فراغاً لمجلة نسائية تبحث في التاريخ والأدب. فأنشأت «فتاة الشرق» التي نحن بصددهاء والست لبيبة يندر بين سيدات الشرق من تجيد الإنشاء العربي مع الضبط والسهولة مثلها. فضلاآً عن حسن اختيارها المواضيع» ولذلك فنحن نرجو للفتاة الشرقية مستقبلاً مجيداً». و«فتاة الشرق» شهرية سنتها عشرة شهورء ومقسمة إلى أبواب ثابتة؛ مثل باب شهيرات النساء» وتدبير المنزل» وآداب وعادات»: وغيرها من الأبواب المفيدة» وقد أفسحت مساحات واسعة للأدب الموضوع والمترجم» ونشرت مادة شعرية وافرة وافاها بها العقاد وأحمد زكي أبو شادي والرصافي والزركلي ورضا الشبيبي وحليم دموس وعلي العربي؛. وكتبت وشعرت فيها عدة نساء مثل وردة اليازجي ونبوية موسى والزهرة وألسكندرا أفرينوه وعفيفة كرم وملك حفني ناصف» وعرفت بالكتب التي صدرت في زمنهاء مثل مسرحية السموأل لأنطون الجميل» والمساكين للرافعي» والنظرات للمنفلوطي» وأزهار حلم لمي زيادة. والعجيب أن صاحبة المجلة لم تشترك في معركة الحجاب والسفور التي كانت على أشدّها زمن ظهورهاء ربما لأنها كانت محافظة من جهة. ومن جهة أخرىء كانت تعرف أن المرأة لا تتقدم بالسفور أو الحجاب. وإنما تتقدم بالعلم والتربية والثقافة» وهو ما ركزت عليه. ١ "4 7خذذذد-ذ-ذجدنت-“- ‏ 1[ ذذ[ذذؤط1ذخ01ذ0 غ2 لبيبة هاشم القاصّة الطليعية وأقاصيصها الفاجعة 2/2222 2 2214 +21 انئاك جا 210 1 ياك | إننان 1 إنانا ٠‏ أات اأساك 216 21 لأسا 10با0 و باك ا إماك الماك اأماك الاك +101 تعدٌ السيدة لبيبة ماضي هاشم الكاتبة الطليعية الأولى في كتابة الأقصوصة القصيرة فى مصر منذ عام 18948ء2 ففي هذا العام والأعوام التالية ترجمت أقاصيص كثيرة.ء وأبدعت عدداً قليل ونشرته في مجلة «الضياء» لصاحبها الشيخ إبراهيم اليازجي . ولا أدري دوافعها الحقيقية وراء كتابة الأقاصيص.ء ولكن المؤكد أنها كانت تطالع في بيروت الروايات» وقد ترجمت رواية دعتها «الغادة الإنجليزية» وقرّظها جرجي زيدان في «الهلال» (عام »)1846‏ أي بعد أن جاءت إلى مصر بأكثر من عام وربما رأت في القصٌّ تعبيراً عن صروف الحياة؛ وانتقاد الشخوص»ء يا لمشكلات الناس» فضلاً عن ميل جمهرة القراء لمطالعتهاء فانخرطت في هذا المضمار ولها فيه تجربة سابقة. والأقصوصة القصيرة في أواخر القرن التاسع عشرء أولى بنا أن نسمّيها الأقصوصة الصغيرة؛ لأن أهم علائمها قلة الصفحات التي تشغلهاء وليس من المهم أن تكون شخوصها كثيرة أو قليلة» أو يكون مكانها فسيحاً أو ضيقاًء وزمنها طويلاً أو قصيراً. أما الأقصوصة القصيرة الفنية أو التي تتوافر فيها عناصر الفن» وتتناول لمحة أو لقطة من الحياة» أو ما شابهء فسيمضي وقت غير قصير حتى تكتب. ولكن المهم في ذلك الزمن أن الأقصوصة الصغيرة قد وؤضعت» وسوف تتطور مع الزمن» مثل أي فن من الفنون يبدأ بسيطاً ثم ينضج. )1 2 جزاء الحيانة : ومعظم أقاصيص لبيبة عاطفية الطابعم؛ وتنطوي على علائق غرامية بين فتيات وفتيان» كل واحد منهم طاهر مخلص بار بالآخرء متمسك بعهده معهء ولكنها قد تغوص في كتب التاريخ القديمة. وتلتقط حادثئة وقعت وتصوغ منها أقصوصة بديعة متناسقة الأعضاءء دون أن تجور على التاريخ أو تغير أحداثه الأساسية» ومن هذا أقصوصتها «جزاء الخيانة» التي نشرتها في مجلة «الضياء» في أول فبراير/ شباط .١957‏ وفيها: أن الضيزن ملك الحضر بأرض العراق؛ استغلٌ فرصة حرب سابورء ملك الفرس في خراسانء فاعتدى على أرضهء وسبى أخته. وعاد إلى بلاده؛ واستقبله شعبه بالطبول» وفرحت بظفره ابنته النضيرة الجميلة الأثيرة عند والدها. وعندما عاد الملك سابور وعلم بما جرى. زحف على مدينة الحضرء وحاصرهاء وذعر أهلهاء وحزنت النضيرة. وذات يوم كانت النضيرة تتفقد فيه سور المدينة وهي واقفة في شرفتهاء وقعت عينها على الملك سابورء وكان فارساً مهيب الطلعة. فأحبته. كما أنه صار أسير جمالهاء وعرفت من ملازمته للسور أنه يهواهاء ولكن ما كان يهدد سعادتها أن من تعشقه هو عدوهاء وطال حصار المدينة» والحبيبان في عذاب الغرام. وذات يوم كشفت النضيرة سرّها لوصيفتها هند. فحئّتها الوصيفة على مساعدة حبيبها سابور في فتح حصن المدينة» على أن تكون الملكة» وتنقِذ من الأسر من ترى إنقاذه» وقبل سابور ذلك» وكانت الوصيفة هي رسول العاشقين؛ فأسكرت النضيرة حراس السور والأبواب» ونزلت مع جواريها وفتحت الأبواب» فاقتحم سابور المدينة وقتل وأسرء وسلب ونهبء ثم دحل حجرة النضيرة واقتادها معه إلى 1) خيمته» وقتل أباها أمامهاء ثم حملت إلى إحدى المدن ومعها وصيفات». وحزنت ومرضتء, ولكن ملاطفات الملك شفتها من عللهاء ثم أقيمت الأفراح لزواج سابور من النضيرة» وفي ليلة أصابها أرق» فسألها الملك عما كانت تتغذى عليه في بيت أبيهاء فأخبرته أنه كان يطعمها أشهى الطعام وسمّت الأصناف؛ فلما سمع سابور ذلك خافها على نفسه؛ وناجى نفسه قائلاً: «هذه لم تحسن لأبيها مع إكرامه لهاء فكيف آمنها؟؛ وفي الصباح أمر بريطها في ذيل فرس يجري بكل قوته ليقطعها قطعاًء وهذا ما كانء ثم حزن سابور وندم بعد فوات الأوان. وهذا جزاء الخيانة . ا الأقتصوصة كما رواها ابن الأثير : هذا موجز الأقصوصة التي استهواني موضوعهاء واستمالني أسلوبهاء وقد بحثت عن أصلها في كتب التاريخ الكبرى عدة أيام حتى وجدتها في كتاب «الكامل في التاريخ»» وقد دوّنها المؤرخ ابن الأثير تحت عنوان «سابور بن أردشير بن يابك» على هذا النحو: كانت يجبال تكريت؛» بين دجلة والفرات» مدينة يقال لها الحضرء. وكان بها ملك يقال له «الساطرون»» وكان من الجرامقة» والعرب تسميه «الضيزن»» وهو من قضاعة. وكان قد ملك الجزيرةء وكثر جنده» وإنه طرق بعض السواد؛ إذ كان سابور بخراسان., فلما عاد سابور أخبر بما كان منهء فسار إليه وحاصره أربع سئين» وقيل سنتين» لا يقدر على هدم حصنه ولا الوصول إليه. وكان للضيزن بنت تسمى النضيرة» فحاضت» فأخرجت إلى ربض المدينة» وكذلك كان يفعل النساءء وكانت من أجمل النساءء وكان سابور من أجمل الناس»؛ فرأى كل منهما صاحيه» فتعاشقاء فأرسلت يف إليه: «ما تجعل لي إن دللتك على ما تهدم به سور المدينة»؟ فقال: «أحكمكِ». وأرفعك على نسائي»» فقالت: «عليك بحمامة ورقاء مطوقة» فاكتب على رجلها بحيض جارية بكر زرقاء؛ ثم أرسلها فإنها تقع على سور المدينة فيخرب». وكان ذلك طلسم ذلك البلدء ففعل وتداعت المذينة؛» فدخلها عنوةء وقتل الضيزن» وأصحابه. فلم يبق منهم أحد يعرف اليوم» وأخرب المدينة» واحتمل النضيرة» فأعرس بها بعين النمرء فلم تزل ليلتها تتضورء فالتمس ما يؤذيهاء فإذا ورقة أس ملتزقة بعكنة من عكن بطنهاء فقال لها: «ما كان يغذيك به أبوك؟» قالت: «بالزيد والمخ وشهد الأبكار من النحلء وصفو الخمر»ء فقال: «وأبيك!ء لا أنا أحدث عهداً بك» وآثر لك من أبيك؟!4 فأمر رجلا فركب فرساً جموحاًء ثم عصب غدائرها بذنبه» ثم استركضها فقطعها قطعاً. وقد أكثر الشعراء من ذكر الضيزن في أشعارهم. انتهى . الأدب والتاريخ : ومن خلال ما دونه ابن الأثير لا نجد كبير فرق بين الأقصوصة وأصلها التاريخيء وقد تكون القاصّة أضافت أشياء قليلة» ولكتها غير جوهريةء مثل: إضافة هند الوصيفة» وهذا ساعد على ترابط الأقصوصة؛ لأن العاشقين لا يتواصلان مباشرة» هذا ومن المعروف أن للأميرات وصيفات. وأحياناً يبحن لهن بما يُضمرن؛ وبخاصة في النواحي العاطفية؛ كذلك تصرفت في كيفية دخول «سابور» المدينة» فبينما التاريخ يقرل إن ذلك كان بفك الطلسم؛ فإن القاصة تجعل الملك يدخل الحضر بحيلة أعذتها النضيرة. وهي بذلك تنأى بالحادث التاريخي عن المجال الأسطوري وتجعله في الإطار الإنساني الممكن. وتتجلى براعة لبيبة هاشم في تطويع الواقعة التاريخية إلى الأدب» 1/4 وذلك بتحويلها إلى سرد قصصي» مع جمال عرض المشاهد» والتعبير عن فكرتها ببيان طلب وهُبها الحياة» وبتصوير مشاعر النضيرة في أحوال الحب والحرب والحرن والندم والخوف والخجل» فهي تتحدث في كل هذا وكأنها مظلعة على خيايا نفس البطلة. وفي كل هذا لا يفقد التاريخ هيبته» وإنما الأدب هنا إيضاح له. وإذا كان جرجي زيدان (1851 - )١415‏ وغيره من كتاب الروايات التاريخية يستعرضون حوادث التاريخ بغرض تعليمهاء فإن لبيبة هاشم تتناول وافعات التاريخ بغرض استخلاص العبرة والعظة منهاء وإيقاظ النفوس الغافلة عنهاء وهذه الطريقة تساير طبيعة الكاتبة» فقد كانت في كتاباتها تنتقد وتسدي النصح. وترشد وتعظ . وكتّاب القصص التاريخية يلجأون إلى إقحام عنصر الغرام فيها لجذب الجمهور إلى القراءة» أما المؤلفة فإن موضوعها الرئيسي هو الحب. ولم تكن في حاجة إلى تلفيق حكاية غرامية» وكان تنامي الحب بين العاشقين يعني تنامي أحداث الأقصوصة دون افتعال. وتظل الأقصوصة تتحرك في اتجاهات عذدةء وعندما يتحول حب الملك «سابور» إلى حقد وكراهية تتحرك الأقصوصة حركتها الأخيرة في اتجاه الموت. والأقصوصة تغلب عليها الجوانب المأساوية» وتكثر فيها مشاهد الحرب وما ينتج عنها من سبي وخراب وقتل» كما تمثل نهايتها فجيعة مروّعة ساهمت فيها النضيرة التي كانت تستحق هذه الميتة المحزنة جزاء 8 الفوز بعد الفوتث: وأقصوصتها «الفوز بعد الفوت» التي نشرتها في «الضياء؛ (عام ١”‏ 848©» وأعادت نشرها في مجلتها «فتاة الشرق» (عام ١٠4١)؟‏ تستهلها ببيتين من الشعرء وتضمُّنها بيتين آخرين في الوسطء وجميعها تأتي في موضعها من السياق» ولكن مثل هذا الشعر لم يعد مستحباً في القص الحديث» وتحكي حكاية شاب صحفي جبرائيل ‏ من حلب توقفت صحيفته لعدم موافقة مادتها الحكومة القائمة» فهاجر إلى بيروت» وعمل مدرساء وكان كلما فرغ من عمله جلس إلى نافذته» وتجوّل ببصره في كل اتجاهء فوقعت عينه على فتاة جميلة ‏ ماري تسكن قصراً في مواجهة البيت الذي يقيم فيه» فلم يمض وقت طويل حتى تحاباء ولما طلب يدها من أبيها الثري لم يجبه إلى طلبه بسبب فقره» ولكن الحبيبين تعاهذا على الحبء وبرح الفتى لبنان إلى الإسكندرية إلى القاهرة حيث التحق بحملة #غردون» إلى السودان» فأسره المهديون». وظل في الأسر فترةء ولما بلغه قدوم الجيش المصري الإنكليزي لاستعادة السودان هرب من الأسرء وانضم إلى هذا الجيش؛ وأصيب أثناء العراك والقتال وتُقل إلى المستشفى» وعندما أفاق من الألم فتح عينيه فرأى حبيبته «ماري؟ التي تركها في بيروت جائية بجوار سريره» وكانت قد ترهبنت زهداً في الدنيا بعد رحيله وانقطاع أخباره» والتحقت بجمعية «الصليب الأحمر' لخدمة مرضى الحرب» وشكرها «جبرائيل» على وفائها وصنعهاء وكان المرض قد اشتدٌ عليهء فلفظ أنفاسه الأخيرة» وهكذا تحقق فوز الحبيبين بعد فوات الأوان ووفاة أحدهما. وتتضح في الأقصوصة مثاليات الحب الرومانسي» فالمعشوقة لا تنصرف عن عاشقها لأنه فقير بائس» بل تطاوع عواطفها وتزداد تعلقاً به ولو كانت الأقصوصة واقعية لانصرفت الفتاة عن فتاها بمجرد معرفتها أنه يعاني الفاقة؛ أو هذا هو الغالب في التصرفات العصرية. ومن مظاهر الرومانسية في القصة عناية المؤلفة بوصف عدد من فل مشاهد الطبيعة» ومن هذا أن «جبرائيل» أخذ يجيل نظره في الأماكن المجاورة» فرأى أمامه سهلاً فسيح الجوانب» قد كسته يد الربيع حللا مختلفة الأشكال؛ متعددة الألوان» يمر عليها النسيم فتتماوج تيها ودلالاًء ويُسمع لها حفيف أشبه بمناغاة الطفل؛ أو تغريد الأطيار يمازجه صوت أمواج البحر المتلاطمة بالقرب منهء وهي متتابعة الهجوم يخالها الرائي قريبة الوصول إليه» ولكنها لا تلبث أن تعود القهقرى» وقد تمزق شملها. وبالجملة» فإنه منظر بهيج ينعش القلب ويذهب بالمرء إلى عالم التصور والجمال. وهذا كثير فى قصص الرومانسيين» على أن هذا الذي عددناه من أثر الرومانسية هو في الوقت نفسه من وصف المكان في الأقصوصة. كذلك» فإن «جبرائيل» بطل الأقصوصة شاب مغامر مخاطرهء انتقل من حلب إلى بيروت إلى الإسكندرية إلى القاهرة إلى السودان دون أن يكون عنده سابق معرفة بهذه الأصقاع والبلدان» وقد كان الرومانسيون جوّابي آفاق . والمؤلفة على قدر تعاطفها مع المحبين» فإنها قاسية ساحقة تكبح نفوسهم المتطلعة إلى الفرح والسعدء فتراها تعقّد الحياة أمامهم. وتثقل أحمالهم؛ فهي توسع الحياة بين «جبرائيل» و«ماري»» وتجمع بينهما على حبء ثم تضيق الحياة عليهما فيفترقان زمناً طويلاً» وقرب النهاية تتسع أمامهما الحياة على استحياء» ولا تلبث أن تغلق تمامأ إذ يموت أحد العاشقين. ففوز المحبين عند موت أحدهما فوز بعد فوات الأوان. ولا 5 نصرأ. وإنما هو عقدة تصيب العائش منهما مدى الحياة. ومسرح الأقصوصة واسع. فأبطالها يتحركون بين سوريا ولبئان ومصر والسودان؛ وزمانها طويل؛ فعمل البطل وتئقله بين هذه الدول وأسره ومرضه يستغرق زمناًء والمكان الواسع والزمن الطويل يصلحان لعمل ل روائي لا لأقصوصة صغيرة. وإذا كانت الأقصوصة القصيرة تتناول جزئية صغيرة في الحياة» فإن كتّاب هذا اللون من الحكي في تلك الفترة المبكرة لم يكونوا يراعون تعريفها العلمي ومفهومها الفني» ولم يكن ذلك معلوماً. ولكن يكفينا أن الأقصوصة طليعية كتبت في أواخر القرن التاسع عشر. مي شهيد المروءة والوفاء : رمت السيدة لبيبة إلى ترسيخ بعض القيم وتخليدهاء فكتبت أقصوصة «شهيد المروءة والوفاء» ونشرتها في مجلة «فتاة الشرق» عام .١9١8‏ وتعرض فيها لفتى وفتاة تحابًا منذ الصغرء وعندما بلغا أشدهما تعاهدا على الزواج» ولما كانا فقيرين فقد كتما حبهما؛ ولأن سالم ‏ العاشق ‏ لا يجد من العمل إلا ما يسدٌ به الرمقء فإن ليلى ‏ المعشوقة ‏ سافرت مع أبيها إلى أمريكا سعياً وراء الرزق» وجمعت من المال ما يمكنها من الزفاف إلى محبوبهاء ولم تغرها الحضارة الأمريكية»ء ولا الشبان المتأنقون» ثم عادت مع أبيهاء وعرفت أن سالماً مريض بالجدري؛ فذهبت إليه لزيارته» فلم تجدهء وسارت في اتجاه أناس يقطعون الحطب. فاصطدمت رجلها بحبل مشدود إلى جذع شجرة من أحد طرفيه» والطرف مدلى في واد قريب ومعلق به رجل ميتء فلما سحب الحطّابون الجنّة تبيّن أنها جثة سالم» فسقطت ليلى فوق الجثة مغشياً عليها. وكان سالم يطبب شقيقه وزوجته من مرض الجدريء. فلما شفيا أصيب هو بالمرض؛. فحرضت الزوجة زوجها على طرد أخيه سالم» فوافقها وأخرجاه إلى كهف وهو في حالة حمّى» وعندما أفاق عاد إلى المنزل؛ واشتدت عليه الحمى؛ فأعاده إلى الكهف مرة أخرى وربطاه إلى جذع شجرة» وبتأثير الحمى خرج من الكهف وسقط في واد قريب وهو لا يزال معلقاً في الحبل» وبقي على ذلك إلى أن مات» وسالم هذا شهيد المروءة والوفاء. شل والملاحظ أن الأقاصيص السابقة تأتي فيها الحوادث حسب تسلسلها الزمني» أما في هذه الأقصوصة فإن المؤلفة تقدّم فيها أحداثاً وتؤخر أخرى وفتاً لرؤيتها الفنية» ولكن هذا التقديم والتأخير لا يحول دون الإحاطة بالموضوعء وثمة حشو ظاهر في هذه الأقصوصة. وهو ذلك المشهد الذي تجري فيه حوار بين طبيب مصري شاب وكهل من ايافا»» وكتبت فيه الكاتبة كلاما فيه دعاية للماسونية. ولم تكن الأقصوصة في حاجة إلى هذا المشهد الدعائي. ولا أدري إن كانت لبيبة عضواً في جمعية ماسونية أم لا؟! ولكن المؤكد أن زوجها عبده هاشم كان أحد الماسونيين الكبارء ومما هو جدير بالذكر في هذا المقام أن مجلتها «فتاة الشرق» نددت بالمشروع الصهيوني في فلسطين: وأشادت بالمقاومة الفلسطينية ضد الهوو””: ولم تعنَ المؤلفة في سردها وحوارها بتفصيل الحادثات والإطالة في تصوير المناظر» ولا تحتمل الأقصوصة ذلك؛» وكانت تكتفي حيناً بالإشارةء وحيناً بالتلميح» وإذا اقتضى الأمر الإفاضة فإنها تتريث لتبين» وكل هذا يتضافر لإيضاح معالم الأقصوصة؛ وقد تحلل شخصية مثل ليلى في أجزاء مختلفة من السردء فتظهر حالة الترقب عندها عندما تقترب السفينة من سواحل لبنان» وتبين إهمالاً لطبيب يلاطفها لانشغال قلبها بسالمء وتبرز توترها الشديد عندما تعلم بمرض الحبيب» وترينا احتشاد مشاعرها وهي تبحث عنه... وهكذاء ولكنها لا تفعل ذلك مع كل الشخوص. وفي كل موقف ومشهد. والأقصوصة كما رأينا تنتهي بموت «سالم»» وموت «سالم» يعني حسم المعركة التي دارت بين الخير والشر لصالح الأخير» وهو مما .1976 انظر: «فتاة الشرق» سنة‎ )١( يفل‎ يؤسف له؛ ولأن دحر الشر أو منع وقوعه فوق طاقة الإنسان وأكبر من قواهء فإن المؤلفة لا تملك إلا أن تنقم على الشرء وتبرز الآلام التي غشيتها من جرائه» وقد تُمَضْفْض عن أحزانها في قصيدة أو مقالة» ولكنها آثرت أن يكون ذلك بطريق القصء فكان. ومستوى السرد فى هذه الأقاصيص 5ص واحدء فلا تمييز بين قول وقول فى حوار الشخوصء وخل مثلاً هذا الحوار الذي جرى بين الأميرة النضيرة والخادم هند: - النضيرة: إني شقية يا هند. هند: أواه يا حبيبتي» وأنى للشقاء يعترض سبيل صفوك. فالأمير والخادم مستواهما واحد في التعبير» وينعكس هذا أيضا على التاحية الاجتماعية» فلا نشعر في حديث هند تعظيماً لأميرتها . ويلاحظ في أقاصيص البيبة» عدم انفصال السرد عن الحوار؛ أي أن السرد والحوار يأتيان في سطر واحدء ولكن في أقصوصتها اشهيد المروءة والوفاء» ينفصل السرد عن الحوار؛ أي أن القول الواحد يستقل يسطر أو أكثر على نحو ما نكتب اليوم. ويعدّ هذا تطوراً في فنها القصصي . وأقاصيص البيبة هاشم؟» تدخل في نطاق القصص الفاجعة الماسازية التي تنتهي بالموت أو القتل» ولا أعرف علة ذلك» ولم يكتب أحد من معاصريها شيئاً عن حياتها الخاصة لنعرف منه طبيعتها ومزاجها بالرغم من شهرتها الواسعة حتى قيام الحرب العالمية الثانية» ولكن هناك قصّاصون يميلون إلى قتل أبطالهم؛ فقد كان معظم أبطال قصص محمد لطفي جمعة ينتحرون في نهاية القصص . والظاهر أن هناك كتّاباً يرغبون في إثارة مشاعر الشفقة» أو إثارة 1 النفوس والعمل على اضطرابها لتستشعر مآسي الحياة» أو لعلهم يعتقدون أن الأدب الفاجع أبقى في القلوب من الأدب المطرب». وأقدر على جعل الإنسان يفكر ويتأمل . كذلك يفضل بعض الأدباء عرض نماذج بشرية ساء في الحياة حظها ونكبت نفوسهاء وضاعت آمالها في أتاويه الدنيا ولم يحسبوا للزمن حسابه» أو ريما رأوا في عرض حيوات هذه النماذج أن ينبهوا الناس إلى ما يكتنف هذه الحياة من غموض ومجهول ومعميات. وأميل إلى أن الفواجع والدواهي تتخلل الحياة وتتواشج معهاء ولا سبيل إلى تصفيتها أو الخلاص منهاء وأن الخير ضعيف تطارده الشرورء وتقع على الإنسان من جراء هذا ضربات القدر الساحقة التي لا يقوى على ردّها أو صدها. 65 نُشرت في مجلة الثقافة الجديدة, عدد نوهقمبر/تشرين الثاني ٠١4‏ 6 ا ل ان ااا ل ال ا لظا لظ له ارا ال 2 غ1 ا يا نس اله ماله للسقتيد الساتكك لتر سا لسشايد ‏ بباي 7 معركة بين لبيبة هاشم ومي زيا حول الفن والعلم / 1 / / / / , / كتب الكاتبون كثيراً عن معارك الرجال مع بعضهم البعض. وأمسكوا ‏ أو كادوا ‏ عن تناول المعارك النساثية» ومردٌ هذا فيما أعتقد إلى قلة المعارك النسائية» إضافة إلى تآزرهن في المطالبة بحقوق المرأة وحرياتهاء فلم تكن الظروف ملائمة للشجار والنزاع . ومع ذلك فقد جرى عراك في مطالع القرن العشرين بين امرأتين لبنانيتين هما: (مي زيادة» التي ناصرت الفن وخذلت العلم. ولالبيبة هاشم التي قدمت العلم على الفن. وأستطيع أن أتخيل المرأتين وقد أسندت الواحدة منهما ظهرها إلى ظهر الأخرىء ونظرت واحدة منهما إلى الماضي الفني الجميل» والأخرى حذّقت في الحاضرهء ورنت إلى المستقبل العلمي والعملي؛ والتفتت التفاتة خاطفة إلى الماضي الفني الجميل. والمعركة صورة حية لما كان يجري من صراع في المجتمع عموماًء والمجتمع الثقافي بخاصة في ذلك الزمن المبكرء وفي حقبة التحول الفكري والاجتماعي» فقد كانت فئة تتعلق بالحضارات القديمة وتظاهرهاء وأخرى تتطلع إلى الحضارة الحديئة وتباركها . 4 مي زيادة: فقد كتبت لامي زيادة» مقالة تحت عنئوان «شيء عن الفن» في مجلة )1 «الزهور» عدد شباط/ فبراير 1417»: ذهبت فيها إلى أن الإنسان عرف الفن قبل العلم؛ ودللت على ذلك بقولها: إن الفن في العصور الغابرة احتل المكان الأول «ولا ترى للعلوم إلا زاوية حقيرة في أسفار المنشئين»؛ وأن تلاميذ الجامعات الأوروبية التي أنشئت في القرن الحادي عشر كانوا يدرسون الشعر القديم» واللغات والآداب القديمة؛ ويهملون الرياضيات . وتعلل انتشار العلم منذ القرن الخامس عشر برغبة الإنسان في الربح عن طريق المتاجرة بهء ونتيجة لذلك انزوى الفن». وتعد القرن العشرين «عصراً ميكانيكياً تجارياً» وتشيد بآثار الفراعين واليونان والرومان» وتسخر من الناقد «روسكن» عندما هرَّن من شأن الفنون» وكلما «نظرت صورته رغبت في نتف شعر لحيتهة. وتذكر كيف تحولت عظمة الآباء الأقدمين في الأبناء إلى إنتاج الآلات المتنوعة التي تسد احتياجات الإنسان الجسدية وتعمل على فتله بسرعة وبسهولة؛. وتضع علم «جاليليو» و#نيوتن؟ فى صف المعارك الثانوية» وتذهب إلى أن «نيوتن» أفضل من مخترعي الأجراس الكهربائية والعجلات والفونغرافء وتبين أن هذه المخترعات #تبرهن على دناءة الفكر العصري». وتختم مقالها يقولها إن الاكتشافات التي تهم الناس لا تؤثر في أرواحهمء كما يؤثر فيهم الفن. فق لبيبة هاشم : ولم تبايع لبيبة هاشم مواطنتها على آرائهاء فقد ردت عليها في مجلة «الزهور» عدد مارس/ آذار 1417: تحت عنوان #شيء عن الفن». وذهبت إلى أن الفنون التي نبغ فيها الأولون بعيدة عن (الفوائد العمومية المطلوبة في ترقية الاجتماع»: وأن اكتفاء الإنسان بالفن يدل على قصوره في معارفه وسائر نظاماته؛ وعلى ذلك بنى «روسكن"» فلسفتهء ورأى يشل المتأخرون رأيه وأخذوا يتعرفون على أسرار الطبيعة» واستخدموا ما فيها لفائدة الإنسان» وجاءوا «باختراعات مدهشة تدل على أن النبت الذي تكونت فيه أفكارهم ليس أقل فضلاً وجمالاً من نبت تكوّن فيه فكر الفيلسوف الرياضي «نيوتن»» فإن هذا استنتج قاعدة الناموس الطبيعي اتفاقاً من وقوع تفاحة إلى الأرض ثم وقف عند هذا الحد. أما علماء الطبيعة» فبنوا على هذا الناموس سائر العلوم الطبيعية؛ وتوصلوا بواسطتها إلى اختراعات الآلات المتنوعة... التي تزعم حضرة الكاتبة أنها دليل سقوط النفس البشرية من أوج الجمال إلى هوة التجارة» . ولا تفضّل لبيبة بناء الأهرام ونحت المسلّات على تلغراف «ماركوني؟ وأشعة «رتنجن»؛ وهي تقر بجمال الفنون؛ وتقدر أصحابهاء ولكنها لا ترى أن الذكاء الذي بُذل في هذه الفنون أعلى مما بذل في هذه المخترعات من ذكاء» وذهبت إلى أن الكسب المادي ليس وحده الذي دقع المخترعين إلى الاختراع. وإنما فعلوا ذلك من أجل النفع العام والشهرة؛ والتلذذ بإتمام عمل عظيم» وهي نفس الأسباب التي دفعت برافائيل المصور إلى قمة الكمال» وتتوالى حجج «لبيبة» القاطعة فتقول: إن مدارك النوابغ من فتنانين ومخترعين متساوية القوة» وإما هي تتحول أحياناً إلى ما يوافق روح العصرء ويقوم باحتياج الاجتماع» وإذا كانت الفائدة هي المقياس» فإن أعمال العصريين أفضل من أعمال أسلافهم. 59 النافع والماتع : والخلاف بين الآنسة «مي؟ والسيدة «لبيبة هاشم» يرجع إلى أن الاولى تحدئت عن الفن. وأدخلت في أحاديثها العلم» ونالت منه» ولو قصرت كلامها على الفن لما وقم خلاف بينهماء ولكن البيبة» انبرت لامّي؛ مدافعة عن العلم. وإنه من حيث المبدأ لا يصح أن نوازن بين الفن ١4 والعلم» وإنما نوازن بين فنْ وفن» وعلم وعلم. فكل منهما له خصائصه. وعلى سبيل المثال كيف نوازن بين قصيدة غزلية وقانون الجاذبية؟ ويمكن حصر الخلاف بينهما بين الفنون التي تمتعء والعلوم التي تنفع» فقد احتضنت «مي» بطريقة رومانتيكية الفن؛ وتبنت «لبيبة» العلم بمنهح برجماتي نفعي. وركزت على فوائده في حياتنا . وقد وقعت الآنسة «مي» في أخطاء ما كان لها أن تقع فيهاء وهي المثقفة النابهة» فإنها ترى أن الغاية من الاكتشافات العلمية زيادة الربح لذلك تسميه بالعلم التجاريء وفاتها أن الفئون التي تدافع عنها مثل اللوحة الفنية» والقصيدة الشعرية. والمقطوعة الموسيقية وما إلى ذلك؛ وراءها مال» بل إن الفن قد يتهافت ويسىء إلى الإنسان» ذلك أن فناناً قد عرقى قرائر الجبهرر رتصة راعيةة ان ضررة تعر أن اعد غايناة من أجل الشهرة والثروة. ولا أدري كيف عصفت الأهواء ب«مي» وطوّحت بأقوالها بعيداً عن الصواب» فهي تقول إن الأجراس الكهربائية والعجلات والفونغراف اتبرهن على دناءة الفكر العصري»». والجرس الكهربي وسيلة تنبيه؛ والعجلة وسيلة مواصلات» والفونغراف وسيلة إمتاع» وتقول: «لقد احتضنت روح الإنسان الفنون الجميلة منذ فجر المدنية»» وهذا صحيح لأنه لم يكن أمام الإنسان سواها. ولو كان اخترع أشعة «ارتنجن» لاتجه إليها المرضى لتشخيص المرض.ء على أن الفن الرفيع يحتاج إلى تفسير لكي نفهم مراميهء لللك لا يستمتع به كل الناس» في حين أن السيارة تعود بالفائدة على كل أفراد المجتمع؛ سواء أكانت خصوصية أو عمومية. والإنسان في ظل العلم يشعر بانتصاره على الطبيعة» وتغلبه على الحياة الحافلة بالكوارث والصعوبات» وهذا الاتجاه هو الذي عرّز حجج البيبة هاشم»؛ وجعل آراء «مي» تتداعى وتتهاوى . شر وكان على لبيبة هاشم أن تضيف إلى ما قالته أن العلم يوجه الحياة» ويوسع خطى الإنسان فيهاء وكان عليها أن تقول: إن الفنان لا يرشدنا إلى شيء في لوحته أو قصيدته أو موسيقاه أو تمثاله» ويترك فنّه لأذواقنا وتقديرنا. في حين أن المخترع ينبهنا إلى ما في آلته من فوائدء ويحذرنا مما فيها من مخاطرء فالفن مهما كان واضحاً فيه غموض لاشتماله على رموز. ثم إن الفن قد يأتي تكراراً للواقع أو للحياة» إذا كان محاكاءةً حتى لو كانت المحاكاة فيها إبداع وابتكارء ولكن العلم يجدد الحياة بما يستكشف ويخترع من المواد الخام» فأنت في اللوحة الفنية ترى ما تراه في الطبيعة. أما الآلة الجديدة» فإنك ترى فيها ما لم تره من قبل . أما «مي». فكان عليها أن ترد على «لبيبة» قائلة: إن الحركة العلمية والآلات الميكانيكية أضعفت من ملكة الذوق والتذوق الفني عند الإنسانء وأن تأثير العلم في الأخلاق قليل. في حين أن الفن قرّى التأثير فى العواطف التي إذا ارتقت صحّحت السلوك» أو تعمل على تصحيحه. وكان عليها أن تقول أن الإنسان قد يجد نفسه في قصيدة أو أغنية أو لوحة تعبر عن تجربة من تجاربه فيتعلق بهاء ولكنه لا يجد وجدانه في آلةء والإنسان روح لا ماكينة. وقد أفلحت لبيبة عندما ربطت العلم بالحياة والمجتمع؛ فكسبت المعركة. أما «مي» فقد تحدثت عن الفن في ذاته كموضوع جماليء: فساعدت بذلك على عزلتها وعزلتهء وكان يجب عليها أن تربط الفن بالمجتمع ؛ لأن للفن قيمة اجتماعية فضلاً عن قيمته الجمالية» فالأواني الفخارية» وقطع الحلي والجواهرء وتذهيب الملابس والمفارش» وأيقونات الكنائس» والدنانير المنقوشة؛ والأغاني الشعرية والحكايات الشعبية» والأناشيد الوطنية الحماسية والملاحم» وعمارة المساجد 1 والأسبلة وغيرها... ويلتقي فيها الجمال والاقتصاد والدين والسياسة: ويتمثل فيها ما يمتع وما ينفعء. وكلها تنبع وتصب في المجتمع. فالمجتمع فنَانء والفن في قدر كبير منه اجتماعي. وقصر كلام «مي» على الفنون القديمة من الناحية الإستطيقية» أحدث خللاً في مقالهاء وسهل على لبيبة دحض أفكارهاء فهل كنا نستمر في بناء الأهرام» ونحت المسلات والتمائيل وتحنيط الجثث» وننصرف عن العلوم النافعة؟ و العلم عند لبيبة : على أن الخلااف بين المرأتين ليبس مرده إلى العلم والمن فحسب ٠‏ وإنما يرجع إلى اختلاف استعدادهما ومزاجهماء ذالبيبة هاشم»»: بالرغم من أنها قاصة طليعية وشاعرةء وكاتبة مسرحية» فإنها ميالة إلى العلوم. فقد كان أبوها عالماً رياضياء وقد تكون اكتسبت شيئاً منه جعلها تتقبل العلوم الطبيعية قراءة وكتابة» ففى سلسلة مقالات نشرتها في مجلة «أنيس الجليس» (عام )١40٠‏ عن «الأم ورجال المستقبل؟؛ بيّنت كيف أقدمت إحدى الأمهات على غرس الاستطلاع في اينهاء وشرحت له العلل والمعلولات في الطبيعة» ومعرفة غوامضهاء ليعذب لديه مورد العلم. وسهلت له الصعوبات في درس العلوم. وذكرت كيف شرحت الأم لوليدها عمل الساعة. وكيفية سير عقاربها وتقسيم الأوقات» وهذا من الدروس العلمية والتربوية. وفي مجلتها لافتاة الشرق» كانت تقدم في كل عدد شخصية نسائية» منهن نسوة عالمات مثل مس نايتينكال» الطبيبة الجراحة التي أنشأت مستشفيات ٠‏ وأنعمت عليها الملكة فكتوريا بوسام . ونشرت في «فتاة الشرق» سلسلة من المقالات تحت عنئوان «مبادىء العلوم الطبيعية» تحدثت فيها عن مغئنطة الحديد والفولاذ بالكهربائية» وكيفية عمل ١4١ التلغراف. والكربونيك وأشياء كثيرة من العلوم البحتة» فهي امرأة مطلعة فى هذا المجال. أما «مي زيادة»» فليس في تراثها سوى القصص والخواطر والحديث عن التصوير والموسيقى والاداب والفنون بصفة عامة؛ والمرء يعادي ما يجهله. ومن هنا انحازت كل منهما إلى ما تعرفه وتهواه» أو وفقاً لمزاجها. ولبيبة هاشم امرأة صارمة حادة عملية عقلانية وعصامية. وقليلة الاختلاط بالناس» ولا تميل إلى حب الظهور والبهرجة والابهة. وهذا النوع من الئاس يميل إلى ما ينفع أكثر من ميله إلى ما يمتع . أما الجانب النسائي في مقال لبيبة» بعد إحساسها بالغلبة والنصرء فهر سخريتها من «مي» سخرية لاذعة بكلام ظاهره الرحمة» وياطنه العذاب. وذلك عندما قالت: «الانسة (مى) من الفتيات اللواتى قلما يسمح الدهر بأمثالهن أدبا وذكاء. مه فإن هذا الكلام إذا أخذناه بظاهره لا يتفق مع قول «لبيبة» إن من يكتفي بالفن (يظل مقصراً في معارفه). ولا شك أن بعض هذا الكلام موجه لصاحبتهاء رحم الله المرأتين. 5© نشرت بحريدة القاهرة: ال فين 0 00/0000 603171106[1[106060[000111111[إ61[1310[آ0131[آ117 م اك 21 1ك لاك الك 1 ال 0011 سليم عنحوري والشتاء مرح شرح رجن جام ترح انو ا كا احاح ترح رمج «الشتاء؛ اسم مجلة كانت تصدر في مصر شتاءً؛ وتنحتجب صيفاء والعلة في ذلك راجعة إلى الطقس وطبيعته في الفصلين. ففي الشتاء حيث البرودة والصقيع؛ وسقوط الأمطار واشتداد الرياح؟ يلوذ الناس ببيوتهم» ويشعلون مواقدهم ويستدفئون يفراشهم. وتطول تبعاً لذلك أوقات فراغهم» فيتسلون بالقراءة والنظر في المجلات وتلاوة ما ينور القلوب . حديثنا هذا ينسحب على زمن مضى في مطالع القرن العشرين» حيث لم يكن هناك جهاز المذياع؛ ولا جهاز المرناة» فضلاً عن أن الخيالة (أو السينما) كانت صامتةء وغير منتشرة في القطر انتشارها اليوم. فلم تكن أمام المرء تسلية أو متعة سوى القراءة والمسارح» واستطلاع أخبار الدنيا والناس والعلم والفكر إلا من الكتب والدوريات. وفي الصيف حيث الهجير والقيظء ولفح السمومء وضيق النفوس» وتصبب العرق» يرحل الناس من بيوتهم إلى حديقة غناء؛ أو يجلسون قرب جدول نمير أو شاطىء بحر كبيرء والأغنياء منهم يذهبون إلى أوروبا أو لبنان حيث الطقس المعتدل» والجوّ اللطيف». وفي هذه الأحوال تقل الكتب والصحف والمجلات. لهذا رأى صاحب هذه المجلة أن تصدر شتاءئء وتتوقف صيفاً مسايرة لأحوال المعاش» وموافقة أمزجة الناس. ١ ولم تكن مجلة (الشتاء؟ بدعآ في هذا المجال» وإنما كانت تنهج طرائق مجلات أخرى تتوقف فترة الصيف ثم تعود إلى الظهور عند انقضائه» فقد كانت مجلة «الهلال» ‏ في أهم مراحلها ‏ تصدر عشرة شهورء وكان صاحبها جرجي زيدان يدفع إلى قراثه برواية من رواياته التاريخية تعويضاً لهم عن احتجاب الهلال مدة شهرين. وكانت مجلة #الضياء» لليازجي تتوقف ما بين يوليو/ تموزء وسبتمبر/ أيلول» وجارتهما مجلة «أنيس الجليس» التي كانت تصدرها الأميرة ألسكندرا أفريئوه. وبخاصة في سنواتها الأخيرة» وكانت هذه السيدة تعمل على تعويض المشتركين فترة توقف مجلتها بزيادة عدد صفحات كل عدد بحيث يكون مجموع صفحات المجلة في الأعداد العشرة مساوياً لعدد صفحات المجلة حينما كانت تصدر شهرية. وربما لا يلحظ القراء قلة إقبال الناس على القراءة صيفاً. ولكن أرياب الصحف يدركون ذلك من أرقام التوزيع» على أن توقف أية مجلة محددة في العام من شأنه أن يعطي هؤلاء الكتاب الذين أصيبوا بداء الفكر فرصة للاسترواح. والتقاط الأنفاس». والتفكير في تجديد المجلة بما يستحدث فيها من أبواب» وما يعد لها من موضوعات تشحذ الأذهان وتفيد القراء. 5 ربيع حافل بالورود: «الشتاء؛ مجلة أصدرها الأديب السوري سليم عنحوري 1١865(‏ - )١977‏ في القاهرة في أول يناير/ كانون الثاني سئة .١19405‏ وصاحبها جرّاب آفاقء كثير الأسفارء يقول عن نفسه: «أنا الشامي صيفاًء المصري شتاةً». كان يأتي من وطنه سوريا إلى مصر شتاءً لأن «شتاء مصر ربيع جوّه بسام» وروضه حافل بالورود والنرجس النمام»؛ ولا يأتي ١ الرجل ليستمتع بجو مصر فحسبء وإنما ليحرر مجلة طيلة بقائه فيهاء فإذا حل شهر إبريل/ نيسان ونشطت الخماسين» ولاحت في الجو نذر الصيف؛ أغلق الرجل مجلته» ورحل إلى بلاده» أو إلى أي مكان آخر ينشد فيه الراحة» ويخلد إلى أوراقه وأشعاره. لا يعجب القارىء من سهولة استصدار صحيفة أو مجلة» فقد كان المرء في ذلك الوقت إذا رغب في إصدار دورية فما عليه إلا أن يعد المادة العلمية» ويحصل على الورق ويتفق مع المطابع لتكون هذه الأشياء صحيفة أو مجلة يطالعها القراء في الصباح. لذلك كثرت الصحف والمجلات في تلك الحقبة» حتى أن القارىء يجد أكثر من خمسين دورية تظهر في وقتٍ واحد. قدم سليم عنحوري مجلته إلى القراء في عدد يناير/ كانون الثاني 5 بكلمة خفيفة لطيفة فيها دعابة وفكاهة لتكون مقبولة لديهم. قال: «هذه مجلة شتائية أو شتوية على ما تريدون أنتمء وأظن أنه لا يغعضب علينا سيبويه. . . خفيفة المشرب... إن شئتم استعملتموها مروحة في أيام الحرء أو أحرقتموها فأدفاتكم عند اشتداد القرء أو جلّدتموها فكانت كتاباً محفوظأ في خزانتكم أبد الدهرء وهو الرأي الأصوب فيما رفوم لم تكن مجلة الشتاء في مستوى «الهلال» أو «الضياء» أو 7الجامعة» مثلاًء ولكن الموضوعات التي عالجتها لم تقصر فيها... بل كانت تصحح ما كانت تخطىء فيه المجلات الشهيرة» وسوف نعرض لجهود المجلة في مجال الشعر والتمثيل والنقد الاجتماعي. وفي هذا النوع الأخير من ميادين الفكر كان عنحوري يكتبه بأسلوب بسيط ساخرء وعبارة موجزة معبرة» فإذا تحدث عن الجنسين ‏ الرجل والمرأة ‏ لم يلجأ إلى المقالات الطوال» والتحليل الممل» والسرد التاريخي المملوء ١6 بالأسماء والوقائعء وإنما يقول في عبارة أو عبارتين ما يقوله غيره في صفحة أو صفحتين مع الإجادة والإفادة» فمن أبواب المجلة «أنتَ» بفتح التاء» و(أنتِ» بكسرهاء وفيه ينتقد تصرفات الناس . وعلى سبيل المثال يوجه التقد إلى الرجل على هذا النحو: أنت تنتاب التياترو العربي والإفرنجي مراتء زَّرٍ المكتبة ولو مرة. الأكل في السوق عيب, ما رأيك في الشتائم؟! - أنت تنفق الألوف فى سبيل إسرافك وترفك» ولا تبذل العشرات في سبيل الخير أو الصيانة. 1 ويوجه النقد إلى الأنثى, فيقول : - أنتِ ذات بنان ناعم وأكفٌ رخصة لطيفة» فلماذا تجهدينها بحمل الشنطة ولك جيوب تسع منديلك وزيادة؟ - أنتِ يا سمراء جذابة ولطيفة المعاني» فلماذا تمؤّهين سُمرتك الصادقة ببياض كاذب؟ أنت اسم الله عليك «حاجة فينو قوي»: فلماذا تستحين أن تتكلمي. ولا تستحين أن تتحمّري وتتجمّري» وتشتمي وتتهاكمي؟ - لأنت تجردين السواعد وتظهرين الترائب» فلا تعتبي إذا داعبك المشوق وتعدى الواجب». بهذه الكلمات القارصة؛ء والعبارات الساخرة» كان ينتقد تصرفات الخارجين على الأداب العامة من الجنسين. وأوسع عنحوري المرأة نقداء وأفسح لها مطرحاً في مجلته ليصور حياتها في تلك الفترة التي واكبت الدعوة إلى تحريرها وسفورها. فقد وصل حال المرأة إلى درجة كبيرة من الاستهتار وتقليد الأوروبيات في ١ك‎ المظهر فحسبء. فانصرف همّها إلى الجري وراء «الموضة» وإتلاف المال في أدوات الزينة؛ وراحت تنفق وقتها في اللهوء وتهمل لغتها القومية وتتعلم لغة أجنبية تتحدث بها في المجالس ظنا منها أن هذا يرفع من قدرها ويزيدها رفعة وفضلاً. وكانت النتائج إهمال النشء؛ وتبديد الكسبء, واهتزاز الفضيلة عند خروج الأزياء عن اللاثق المقبول. وقد ضجّت الصحف من هول هذا بقصد التأثير على المرأة» ولكن هيهات! وفي هذا الجو غير الصحي نظم عنحوري قصيدته التي يقول فيها : رأيت الغيد تحفل بالعصائب وتجريد السواعد والترائب ورقص للعقائل غير واجب متى جمع الزمان بها رجالا وزادت فى تصتعهاالدلالا وإن حادثئتها أبدت ملالا يغادرن المنازل للوصائف يضيّعن النهار على الرفارف ولا يقرأن مما في الصحائف وتجعيد الغدائر والذوائب وتنويع الملابس والمراكب ولهو بددالوقت الثمينا زهت تيهاً وعجباً واختيالا وزايلت الرزانة والجلالا ومتالثف» تو :ينك الالاعميكا ولوعا بالملاعب والمعازف دانواة التسفالنب والسقامت سوى أنباء رهط العاشقينا والقصيدة طويلة؛ وهي في مجملها تعطي صورة سيئة عن المرأة في مطالع القرن العشرين. ف المادة الشعرية: اكتظت «الشتاء»؟ بقصائد الشعر. وجميعها باستثناء واحدة من نظم صاحب المجلة. فقد كان لاعنحوري؛ شاعراً مجدداً بمعنى الكلمة؛ وله عدة دواوين نذكر منها «سحر هاروت»؟ و«بدائع ماروت»» «السحر الحلال»»؛ «آبة العصر؛ وغيرها. ولعلنا نلمس تجديداً في عناوين ١ الدواوين» فقد كانت معظم دواوين الشعراء في تلك الفترة تسمى بأسماء أصحابهاء فهذا ديوان البارودي»: وذاك ديوان حافظ. .. وهكذا. فإذا تجاوزنا العنوان إلى موضوعات الشعر ألفينا الرجل ينأى عن المناسبات؛ وبخاصة في مجلة «الشتاء»» وكانت قصائده في مجلته تحمل عناوين عصرية؛ء أو نفسية» أو غزلية»؛ أو مستمدة من الحياة الاجتماعية؛ أو متعلقة بالفلسفة والطبيعة. ومن تلك العناوين: الورد العاشقء المغالطة» الخيال» ‏ السديم: ضباب أبيض رقيق -» مناغاة. . . إلى آخره. فإذا انتقلنا من العناوين إلى المضامينء وقفنا على شعر سلس جميل يثير الخيال» ويحرك الشعورء ويعلق منه شيء بالأذهان لحلاوته وطرافتهء ومن هذا مقطوعته «زيارة في الغيم»: يقول: أتتني والغيوم قد اكفهرّت فعادالبيت هممتلئاً ضياء وعندي أنها سلبت شعاع ال 2 شموس وفصّلت متنه رداء وإلااما لهذاالأفق داج وماللشمس تحتجب اختفاء؟ ولولا أنتها رفت ل لماوافتك مطرقة حياء ففي هذه الأبيات فكرة واحدةء كل بيت يحمل جزءاً منهاء وملخص الفكرة أن الزائرة سرقت النور من الشمسء فأظلمت الدنياء وما حياؤها إلا دليل على هذه الفعلة؛ والشاعر هنا يرتب خواطره وينظمها في إطار الفكرة الواحدة التي انطلق منها . وفي قطعة أخرى يستخدم قوافي أجنبية في أبيات عربية» يقول في قصيدته امناغاة»: وتليانية عذراء ناغعت بإفرنسية والأصل عون أقرل لها فدتك اليوم روحي وكل عشيرتي فتقول بونو أقول لك الجمال تقول سي سي أقول فواصلي فتقول نونو ١4‏ والبيت الأخير يذكرنا بما قاله الشيخ حسن العطار في فتى فرنسي أثناء حملة بونابرت على مصر: أقول وصلاً يقول نونو أقول هجراًيقول سي سي وأبيات صاحب الشتاء تدل على سذاجة الرجالء. فالرجل يعتقد أنه إذا أثنى على أنثى وامتدح جمالها تقع في شباك غرامهء وقول شوقي: «والغواني يغرهن الثناء» صحيح؛ ولكن المرأة ‏ مع ذلك لا تستجيب لثناء الرجل إلا إذا أعجبت به وتوسمت فيه الصدق. ولو صح أن إطراء المرأة هو السبيل إلى قلبهاء لعشقت الانثى كل يوم عشرات. وقد جاءت المادة الشعرية غزيرة في المجلة» فهل أراد أن يحدث نهضة شعريةء فينأى بالشعر عن أغراضه التقليدية؟ أو أن الأمر له صلة بفصل الشتاء؟ أي: هل تولد قراءة الشعر شتاءً الانفعالات» وتبعث الدفء في الجسد المقرور؟ 5 التمثيل: اهتمت «الشتاء» بتصحيح ما أخطأت فيه المجلات الشهيرة حول الحركة التمثيلية في مصرء فقد ذهبت مجلة «الهلال» إلى أن سليم النقاش - هو أول من مثل الروايات العربية في القطر المصري - وهو أول من انتقل من اللبنانيين إلى أرض الكنانة ليمثئل على ملاعيهاء ورددت مجلة «المقتبس» - التي كان يصدرها كردٌ على هذا الكلام ‏ نقلاً عن الهلال. أما «الشتاء»؛ فقد صحححت القول وأثبتت بالدليل أن يوسف خياط جاء إلى مصر قبل سليم النقاش» ومثل على مسارحها روايتي «البخيل» و#المغفل» وهما من تأليف مارون النقاش. ولبث #خياط؛ يمثل إلى ما بعد انصراف سليم عن التمثيل إلى الصحافة. وبين صاحب الشتاء أن ما قاله صاحب الهلال مأخوذ من «ألسن أقوام لم يكونوا شهود ذلك ١5 الزمان»؛ وقد أوردنا تصحيح «عنحوري» حتى لا يقع أحد من الباحثين فيما رواه جرجي زيدان» ذلك أن «الهلال» أكثر شهرة ومقصداً للباحثين. وفي «الشتاء» نجد مادة عن الممثل العربي «شكري غانم»», وكاد شكري قد ألف رواية تمثيلية شعرية بالفرنسية أودع فيها جملة من أقاصيص عنترة ومثّلها في باريس وبين للفرنسيين والأوروبيين «أنفة العرب وشجاعتهم وذكاءهم. ممزوجاً برقة قلوبهم وحلاوة ألسنتهم وحسن وفائهم في محبتهم»»؛ فلما جاء إلى القاهرة أعاد تمثيل هذه الرواية في دار الأوبرا بحضور الخديوء وكان الإلقاء بالفرنسية» فأقيمت له حفلة تكريم في (يناير/ كانون الثاني )١955‏ حضرها علية القوم من أمثال وزير المعارف ومعتمد فرنسا ومصطفى كامل. . . وهناك صفحات في (الشتاء) عن إسكندر فرح وفرقته وتطوّر فنه. وتعد هذه المادة التى دوّنها «عنحوري» عن الفن التمثيلي في مصر مصدراً هاماً من مصادر البحث عن جذور الحركة التمثيلية فى مصر والشام. وتمضي «الشتاء» في تنويع موضوعاتهاء وتثقيف قرائها وتسليتهم. حتى إذا صدر عدد إبريل/ نيسان» وهل مايو/ أيار. ولاح الصيف في الأفق؛ توقفت «الشتاء» ورحل صاحبها إلى بلاد الله الواسعة. كها نشت قِ مجلة والهلال»؛ عند يناير/كانون الثاني ١‏ نان الات نماك إمان] مال لاك الاك الك لان لمان لمان لان لمان اماه لان لان ان ان ا 0 1124 الل 1 لل 1ل إدوارد فانديك مؤسس علم تاريخ الأدب نان إبان اإماك لساك ناك الال إل لتر تر و ارج نترح شوح شرج تح نح نح نح تح انير استمصر (إدوارد فانديك»4. بحكم إقامته الطويلة فى مصرء وابتنى بيت بشارع طومان باي بحي الزيتون» وحصل على الجنسية المصرية» وكان يتقاضى معاشاً شهرياً من حكومة مصرء واستعرب؛ أو صار من المستعربين بحكم ولادته ونشأته في بلاد العرب» وكتاباته في الآداب والعلوم العربيةء وتحقيقاته لكتب الفلسفة الإسلامية. كان أحياناً يرصع عباراته بالسجع» ويجاري العناوين المسجوعة للكتب العربية الترائية» وله في ذلك كتاب "اكتفاء القنوع بما هو مطبوع»؛ وهو مجلد ضخم تبلغ صفحاته نحو سبعمائة صفحة» وتتناول مباحثه كتب العلوم والآداب والأديان» وليس هذا فحسبء. وإنما كتب في تاريخ العرب. وله كتاب «تاريخ العرب وأدابهم»؛ وهو أول كتاب كامل في علم تاريخ الآداب العربية» وضعه عام 2١1847‏ وقررته نظارة المعارف بعد مراجعته على طلبتها عام »١897‏ ومن مفارقات الحياة الأدبية أن يأتي شخص ينحدر من أصول أجنبية» ويكتب لنا تاريخ أدبنا بطريقة علمية منهجية؛ هي التي اعتّمدت بعد ذلك في التأريخ للأدب. 5 هولندي الجذور ولكن أصول هلا المتمصر المستعرب ترجع إلى هولندا» التي رحلت عائلته عنها إلى ولاية نيويورك بأمريكا حيث ولد أبوه كرنيليوس ١6١‏ قانديك 2))١18860 ١81١48(‏ وهو عالم في الطب والكيمياء والطبيعة. وفي عام 184٠‏ أرسله مجمع المرسلين الأمريكيين إلى سوريا ليكون مرسلاً وطبيباء وما أن وصل إلى بيروت حتى تعرف إلى بطرس البستاني؛ وناصيف اليازجيء: ويوسف الأسيرء وتلقى عليهم العلوم العربية» ثم صار معلماً بهاء وله كتب علمية عديدة باللغة العربية» واشتغل بالتدريس فى المدرسة الكلية السورية «الجامعة الأمريكية»؛ وفي عام ١647‏ تزوج من «جوليا بنت أيت» ‏ أو من بنت القنصل الإنكليزي في بيروت -. وأنجب منها إدوارد فانديك”"' . ولد إدوارد عام ١845‏ في بيروت» بحيّ المصيطبةء وكان من أصدقائه في الصبا سليم البستاني :)١885 - ١855(‏ ابن بطرس البستاني الذي شارك بعدة أجزاء في دائرة البستاني». وأصدر مجلة «الجتان»: ولا نعرف شيئاً عن العلوم التي حصّلها إدوارد في طفولته وصياهء ويذكر لتوفيق حبيب (ت١195١)‏ أنه لم يدرس مثل أبناء المدارس تاريخ اليونان والرومان ولغتهم وآدابهم وحياتهم الاجتماعية؛ وإنما درس على أبيه 5 وخالته وجدته؛ أي أنه تعلم في بيته»ء وهي مقولة غريبة؛ إذ كيف لم يلحقه أبوه وهو العالم والأستاذ بالجامعة الأمريكية التي يعمل فيها؟ أما في الحياة العامة» فإنه كان يمارس مهنة صف الحروف. وهي مهنة لا ترضي طموحهء فتركها وجاء إلى مصر عام لالا4١1.‏ وعمل سكرتيراً في القنصلية الأمريكيةء وأثناء عمله بالقنصلية درس مسألة الامتيازات الأجنبية» ووضع فيها رسالة حازت قبول وزارة الخارجية الأمريكية. فأمرت بطبعها وتوزيعها على قنصلياتها في الشرق الأوسط. )003( راجع في كرنيليورس كتاب مشاهير الشرق». لجرجي زيدان. ١6‏ لم يطق الوظيفة ويبدو أن هذه الرسالة رفعت من شأنه. فانتقل من القنصلية إلى وزارة الخارجية بواشنطن؟ بيد أنه لم يطق قيود الوظيفة الجديدة» فعاد إلى مصر عام 1847 بعد الاحتلال. وعودته من أمريكا إلى مصرء تعني أنه اتخذ من مصر وطناً له. واستطاع أن يجد عملاً له بمصلحة الجمارك؛ ويقول فانديك في حديث أجراه معه توفيق حبيب الصحفي العجوز: «ولما كنت في مصلحة الجمارك لاحظت أنه ليس لها قانون نستند إليه فى محاكمة الأجانب ممن يخالفون قواعدها بالتهريب والغش» فتبرئهم المحاكم المختلطة... فاقتيست قانون الجمارك الإيطالية وترجمته إلى العربية والإنكليزية والفرنسية وأخذه «كليان باشا» ونشره بدون أن يشير إلى مجهودي بكلمة»» ويبدو أنه تذمر من هذا السلوك. فكان مصيره الرفض مع خمسة آخرين من الموظفين الأجانب» فالتحق يوزارة الحربية المصرية وسافر كمترجم مع الحملة الإنكليزية عام ١885‏ لتخليص غردون باشاء بيد أن الخرطوم سقطت في أيدي المهديين» فقشلت الحملة. وعندما عاد إلى مصر التقى مع يعقوب أرتين باشاء وكيل نظارة المعارف. فعيّنه في قلم الترجمةء ثم نقله إلى المدرسة الخديوية التجهيزية بدرب الجماميز (مجلة مجلتي يناير/ كانون الثاني .)١877/‏ وفي الخديوية كان يعلّم الطلبة الترجمة ويدرّس لهم علم العروض. ويقول تلميذه الكاتب الكبير محمد لطفي جمعة (ت1907١)‏ في مذكراته المطبوعة: «كان يعلمنا الترجمة والعروض وينشدنا شعر ابن الفارض» وطالما خطا في الغرفة خطوات موزونة على الروي الشعري ناشداً موقعا: كرة ضربت بصوالجه فتلقفهارجل رجل مه ١‏ وليس غريباً أن يعرف إدوارد العروضء ويدرسه لطلبتهء فلأبيه كرنيليوس كات امحيط الدائرة في العروض والقافية» المطبوع في بير وت عام /1861» فلا يستبعد أن يكون عرف العروض من أبيه . نظارة المعارف بتأليف كتاب عن تاريخ الأدب العربي» فاشترك مع «قسطنطين فيليبيدس». وتم تأليفه. وفي عام ١|!‏ طلب مئنه أحمد نظيم ناظر الخديوية أن يؤلف للطلبة كتاباً يعرّفهم فيه بالكتب العربية فقبل. وكان زاده في هذه الرحلة العلمية الصبر والجلاد»ء وبعد معاناة طويلة وصشديدة أنجز كتاب (اكتماء القنوع بما هو مطبوع؟. وطبع في إبريل/ نيسان /1881. وظل في المدرسة الخديوية إلى عام :»19٠7‏ عندما انتقل منها إلى مدرسة الحقوق الخديوية ليدررس الترجمة لطلبتهاء وكان من تلاميذه فيها توفيق دوس الوزير المصري فيما بعدء وظل يزاول مهنة التدريس إلى أن أحيل إلى المعاش عام ١49١5‏ قبيل الحرب العالمية الأولى. وكان «إدوارد فانديك» كريم النفسء بارا بتلاميذه» ومما ذكره لتوفيق حبيب أنه أهدى إلى لطفي جمعة كتاباً بالإنكليزية في المنطق. علاوة على كتابين آخرين هما: «نفح الطيب» للمقري» و«طبقات الأطباء؟» لابن أبي أصيبعة. وهما من الكتب المهمة؛ ويقم كل منهما في أكثر من جزءء كما أهدى كتباً أخرى لآخرين. وكان إناننيكت؟ على قبل الحياة حتى نهاية عام يخرد 1 فد كتب لطفي جمعة مقالاً نشره في «المقطم» بتاريخ /219117/17/71 وذكر فيه اسم «فانديك؟ وقال: «أطال الله بقاءه؛ ‏ مما يعني أنه ما زال حياً ‏ ١6 وكان فى هذا التاريخ فل ليف على التسعين»؛ ولا أدري على وجه التحديد منى رحل ٠‏ مخلفاً وراءه ابنته الوحيدة «إيلين». 2 تاريخ العرب وآدابهم اشتهر في علم تاريخ الآداب كتاب جرجي زيدان «تاريخ آداب اللغة العربية»» وذاع صيته في الآفاق» واعتقد الناس أنه واضع هذا العلم» ويخاصة أن كتابه موسوعة كبرى تضم أربعة أجزاءء وقد رسخ زيدان هذا الاعتقاد عندما كتب في مقدمة كتابه أنه «أول من فعل ذلك»» وهي مقولة خاطئة ولا أساس لها. والحقيقة أن جرجي زيدان فوجىء بُعيّد منتصف عام ١897‏ يظهور كتاب «تاريخ العرب وآدابهم» لفانديك وفيليبيدس. وفي مستهل عام 4 أخذ في نشر مقالات كثيرة متتابعة» متلاحقة في الهلالء وكأنه يسابق الزمن» وكانت هذه المقالات تأتي تحت عنوان «تاريخ آداب اللغة العربية»» وظل على ذلك حتى عام 1486ء: ثم أمسك عن الكتابية حتى أنضج كتابه وأظهر الجزء الأول منه عام .141١١‏ وعلى ذلك تنكر التواريخ الصحيحة مقولة زيدان أنه «أول من فعل ذلك»» وتثبت أن كتاب #تاريخ العرب وآدابهم؛ هو السابق في هذا المجال. وبُعيد ظهور كتاب فانديك وصاحبه»ء كتب زيدان في «الهلال» (2248/1 «عنلد الإفرنج علم يقال له علم الليتراتور - عنااه1ء1ن.آ ا يبحث في أداب القوم وتاريخ الإنشاء والكتابة عندهم. وطبقات الكتاب باختلاف الأزمان وما شاكل ذلك». مما لم نقف على مثله في كتب العرب». ثم قال عن فانديك وصاحبه: «وقد بذلا الجهد في جمع حقائقه لصعوبة الكتابة في هذا الفن لقلة مواده؛ لأنهما أول من طرق بابه في اللغة العربية على ما نعلم...» إلى أن قال: ١ 6 «... وفي الجملةء فإن الكتاب آية في الإتقان والبلاغة والفائدة». وهذه الأقوال بمنزلة اعتراف صريح من زيدان بسبق «فانديك؛ وصاحيه عليه» قفكيف زعم أنه أول من كتب في تاريخ الأدب؟ على أن ذلك لم يكن خافياً على «فانديك» الذي قال في كتابه «اكتفاء القنوع»... عن كتاب "تاريخ العرب وآدابهم»: «كان سبباً في إنهاض غيرة الغير إلى تصنيف المطولات في تاريخ آداب اللغة العربية»؛ ويعني بهذه العبارة ج رجي زيدان. كك نزوة تأليف وللحقيقة نقول: (إنه بعد صدور كتاب فانديك ظهرت نزوة عارمة للتأليف في تاريخ الآداب العربية» وتوجهت الأنظار إلى هذا العلم» ففي عام ١14٠6٠‏ أصدر محمد دياب كتابه تاريخ آداب اللغة العربية» وقال في مقدمته: «وقد شرحت فيه نشأة العلوم الأدبية وسيرها في مختلف العصور والكتب التي أُلّفت فيها»؛ وفي عام ١404‏ وضع حسن توفيق العدل )١1904 - 187(‏ كتابه «تاريخ أداب اللغة العربية» ورتب مواده حسب العصور السياسية؛ وفى عام ١404‏ قرر مجلس الجامعة المصرية تدريس علم تاريخ الآدبء. وفي عام ١91١‏ صدر الجزء الأول من كتاب جرجي زيدان «تاريخ آداب اللغة العربية»» وفي نفس العام ظهر كتاب «تاريخ آداب العرب» لمصطفى صادق الرافعي» ونكتفي بهذا القدر. 3 ليس السبق فحسب وكتاب فانديك لا ترجع أهميته إلى السبق فحسبء, وإنما في المنهج. فقد سار كثيرون» وعلى رأسهم زيدان على نهج كتاب فانديك؛ ومعالم هذا المنهج نوجزها فيما يلي : تقسيم الأدب العربي إلى أبواب تتبع العصور السياسية» أي يبدأ 6 الكلام عن العصر الجاهليء؛ ثم الإسلاميء» ثم الأموي». فالعباسي وهكذا. وهذه الطريقة تيسّر للدارس إظهار العلاقة بين الأدب وروح العصر الذي كتب فيه؛ فيتتبع الأحوال والأسباب» ومختلف الظروف المؤثرة» فضلاً عن أن هذا المنهج يسهل نقطة بداية ونهاية العصر الذي يتناوله المؤرخ الاي وقد عارض الرافعي هذه الطريقة؛ ورأى أن الأدب في كل أمة ١د‏ ينبغي أن يكون مفصّلا على حوادثها الأدبية». وناهضها طه حسين في عه «الهداية» ورأى أن يقسم الأدب «بالقياس إلى الآداب نفسها»؛ أى يقسم حسب الأجناس الأدبية . ولكنه هو أي: طه حسين - قسم كتابه #حديث الأربعاء» حسب التسلسل الزمنيء لا وفقاً لأجناس الأدب. وعلى أية حالء» فإن هذا المنهح هو الذي ساد وسار عليه زيدان وغيره ممن أشرنا إليهم. وكان آخر ممثلي هذا النهج د. شوقي ضيف )٠٠١6 ١91١(‏ الذي قسَّم الأدب حسب العصور أو حسب التعاقب التاريخي لم يتناول «فانديك» في كتابه الآثار الأدبية المؤثرة في الوجدان» أو علوم اللغة العربية» وأجناس الأدب فحسبء وإنما عرض لما أنتجه العرب من علوم وآداب» فتناول الطب والهيثة «الفلك» والكيمياء والهندسة والرياضيات؛ أي كل ما أنتجته القرائح العربية. وقد جارى «بروكلمان» و«زيدان» هذه الطريقة في كتابيهما عن تاريخ الآداب العربية» ومن عيوب هذه الطريقة أنها تجعل المؤرخ لا يتعمق ويستفيض في كل العلوم لعدم تبحره فيها جميعاًء لذلك وجب فصل الأدب من شعر ونثر عن العلوم. وهذا ما استقر عليه الأمر. وكان «فانديك» يكتب تاريخ العصر الذي يتناوله قبل أن يعرض للآداب التي ظهرت فيه؛ ليلمٌ القارىء بالأحوال السياسيةء وقد اتبع غيره ممن جاءوا بعده هذه الطريقة. ١ 6/ ومن معالم المنهج الذي انتهجه فانديك أنه يذكر أثناء التاريخ ما يعنَ له من ملاحظاتء. أو اراء وأحكام؛ أي أن كتابه لم يكن عرضاً للآداب . وتتسجلة للمعلومات فحسس»ء وإنما هو تأريخ نقدىء وهذا ما نلاحظه في كتب تاريخ الأدب الأخرى. هذه هي أهم معالم الطريقة التي اتبعها «فانديك» وصاحبه عندما أرّخا للأدب العربي؛ واتبعهما غيرهما إلا في القليل النادر. وإذا كان الذين جاءوا بعدهما خالفوهما في أشياءء فإن هذا الخلاف ناتج عن تطور العلومء وظهور آثار أدبية لم تكن متاحة لهما... هذا فضلاً عن أنهما يؤلفان كتاباً مدرسياً ليعرف منه الطلاب تاريخ آدابهم . وإذا كان لا بد من إصدار حكم على كتاب «فانديك» وصاحبه. والكتب التي جاءت بعد كتابهماء فإنني أرى أن الكتب الجديدة التي لحقت بهما كانت أغزر مادة» وأكثر استيفاء: وأوفى بالغرضء ولكن حسب فانديك وصاحبه أنهما خظا طريقاً» أما الآخرون فقد زينوها. 59 اكتفاء القنوع بعد سنة من صدور كتاب «تاريخ العرب وآدابهم» شرع «فانديك؛ في كتابة تاريخ آخر لآداب اللغة العربية هو كتاب «اكتفاء القنوع بما هو مطبوع» (/1841) على نهج مختلفء قوامه التعريف بالكتب العربية المطبوعة؛ التى وضعت منذ العصر الجاهلي إلى العصر الحديث. وبطبيعة الحال لم تُطبع حتى عام 18417 كل المخطوطات العربية»؛ ولا في زماننا هذاء ولكن حتى نهاية القرن التاسع عشر كانت كتب كثيرة قد طبعت في أماكن مختلفة من العالم» ولما كان القارىء أو الباحث يهمه الوقوف على أسماء الكتب المطبوعة؛ فإن «فانديك» أخذ على عاتقه ١ مه‎ ذكرها والتعريف بها مع ترجمة قصيرة» أو نبذة يسيرة لمؤلفهاء وزمان ومكان طباعتها. ولما كانت مكتبتنا العامة الكبرى (دار الكتب) لا تشتمل على كل مطبوع. فإنه تولى إرشاد جمهرة الناس إلى هذه الكتب» وقد اقتضى منه أن يجول هنا وهناكء. ويطوف بالمكتبات الكبرى الحافلة بصنوف المؤلفات» باحثاً ومنقباً. وقد أثمر هذا التطواف والاطلاع. ورفد القارئ بالمعلومات المفيدة» وأوقفه على الفهارس العربية في هذه المكتبات. ولكي يدرك القارىء الجهد الكبير المبذول في هذا الكتاب؛ ويلمٌ بطريقته في التعريف». نضرب مثلاً واحداًء لعدم الإطالة» بكتاب «أنوار التنزيل وأسرار التأويل؟ المعروف بيننا بتفسير البيضاويء» قال: إنه اللبيضاوي المتوفى في تبريز سنة ١591ه‏ سنة 15/85م. طبع في " ج -ج أي جزء أو مجلد ‏ في لكناو ‏ مدينة هندية - سنة 1747١هء‏ وعلى هامشه خحاشنة 4 وأيقنا في «بمباي» (سنة 117117١ه)»‏ وعني أيضاً بطبعه العلامة «فلايشر؟ الألماني في اج في ١الايبسك»‏ من سنة ١1845‏ - 1858م. ولهذه الطبعة فهارس مستوفية عني بوضعها العلامة «فل» الألماني وطبعها سنة 141/8ام في لايبسك». #وعلى تفسيره هذا حاشية للقاضي عبد الحكيم السيالكوتي المتوفى سنة /717١٠هء‏ المدفون بسيالكوت» طبعت في القسطتطينية سنة ١/171هء‏ وعليه أيضاً حاشية للقاضي شهاب الدين أحمد الخفاجي المصري المتوفى سنة 5759١١ه‏ سنة 119/8م2 سماها ١عناية‏ القاضي وكفاية الراضي على تفسير البيضاوي»؛ طبعت في ١ج‏ في بولاق سنة 1747ه2 وعليه أيضاً حاشية لإسماعيل بن محمد بن مصطفى القونوي» نسبة إلى قونية في آسيا الصغرى - تركيا الآن ‏ المتوفى بدمشق سنة 90١١ه‏ وضعها بإيعاز السلطان عبد الحميد خان العثماني. الذي تولى من سنة ١١81‏ ١6 إلى 7١7١ه‏ الموافقة لسنة "#لالا١‏ إلى 789١م‏ طبعت في لاج في القسطنطينية سنة 747١ه»‏ وعلى الهامش حاشية أخرى لابن التمجيد. فرغ من تأليفها سنة ٠4848ه.‏ . .2 ثم يورد بعد ذلك ترجمة للبيضاوي» . فهذا تعريف بكتاب واحده أو قل إنه سيرة كتاب يذكر فيها رحلته من الشرق إلى الغرب؛ والمحطات التي رسا فيهاء والأزمنة المقترنة بطباعته؛ والرجال الذين استقبلوه في كل مكان واحتشدوا له» ويطلعنا المؤلف على الأردية التي لبسها هذا الكتاب في جولاته» فالمخطوط المستغلق لم يبق على حاله عند طباعته» وإنما صحبته شروح وتصحيحات وفهارس. وحواشي حتى استبان. وهذه هي الأردية الجديدة التي لبسها أثناء تنقله من بلاد فارس إلى الهند إلى القسطنطينية إلى ألمانيا إلى مصر. وكل هذا يصوغه «فانديك» بعبارة علمية دقيقة ليس فيها استفاضة أو قصور. وبمثل هذه المعارف والحقائق كتب «فانديك؛ عن مئات الكتب المطبوعة» فكم بذل من جهدء وأنفق من مال» وأذهب من وقت في سبيل جمع المعلومات وصياغة هذه التعريفات. 5 الزهوة والخفضة واليقظة وقد راعى صاحب "اكتفاء القنوع؛ التسلسل التاريخي» وقسم الكتب العربية إلى ثلاثة أزمان: الأول سمّاه ١«زمن‏ الزهوة»» ويبتدىء من العصر الجاهلي إلى سقوط بغدادء والثاني: «زمن الخفضة» يبدأ من سقوط بغداد إلى نهاية القرن الثامن عشر الميلادي» والثالث: ١«زمن‏ اليقظة»؛ ويبدأ من القرن التاسع عشر حتى سنة تأليف «فانديك» لكتابه؛ أي: منذ الحملة الفرنسية فصاعداً. وهذه المسمّيات أو المصطلحات: الزهوة والخفضة واليقظة» لم يوؤخد بهاء وإنما سمى الكتّاب هذه العصور ا بالازدهار والانحطاط والنهضةء وهي على أية حال فإنها قريبة جداً في المعنى من المعاني التي ذكرها «فانديك»»: ولكن يحسب له فهمه الدقيق ويجب التنبيه على أن هذا التقسيم هو خطوط عريضة جدأء فهو ملتزم بالعصور السياسية؛ وإيراد أسماء الكتب المطبوعة التي وُضعت في القديم والحديث. وكتابه يبدأ بالمطبوع من دواوين العصر الجاهلي» ثم المطبوع من دواوين الشعراء المخضرمين؛ أي زمن صدر الإسلام. ويمضي قدماً حتى إذا وصل إلى العصر العباسي» وكثرت الكتب المطبوعة مما تم تأليفه وترجمتهء استفاض في ذكرها وقسمها حسب علومها وموضوعاتهاء فنقرأ عن المطبوع من كتب الأدب مثل الشعر والقصص و«الأمثال» والنحو... إلى آخره؛ ومثل ذلك في كتب الطب والهيثئة. وعلوم الدين من فقه وتفسير وحديث... وكتب الجغرافيا والرحلات» والرياضيات» وأشياء كثيرة جداً. وفي العصر الحديث أو زمن اليقظة ‏ كما سماه ‏ نطالع ما كتبه عن مؤلفات اليازجيين 0 ورفاعة الطهطاوي وعلي مبارك وجرجي زيدان... ولا تغني الإشارة في هذا الكتاب عن القراءة» كما أن القراءة لا تغني عن امتلاكهء وهو مفيد للباحثين؛: لذلك يجب إعادة طبعه مهما كلَفنا ذلك. ومع إن المستر فانديك يشير على القئوع بقراءة ما هو مطبوع من الكتب. فإنه غير قانع بالكتب المطبوعة؛ نتبين ذلك من ذكره لكثير من المخطوطات في سياق حديثه؛ ونراه يقول هذا المخطوط «لم يطبع؛ وهو يلكر المخطوطات تتمةٌ لترجمة مؤلف, أو استيفاء لموضوعء أو حنّاً ل لأهل الفضل والعلم على طباعة المخطوطات التي يرى أنها مهمةء وهذا يظهر أنه كان ملمّاً بالمخطوط والمطبوع. وليس هذا بكثير عليه . والأستاذ «فانديك» في كتابه هذا مؤلف ومصنفه. وإذا كان التصنيف هو الغالب ويشمل الكتب التى عرّف بهاء فإن التأليف يتبدى في مقدمة الكتاب التي ذكر فيها أسماء أشهر المكتبات العامة والخاصة التي توجد بها فهارس الكتب العربية» وتناول فيها مدى اعتناء الإفرنج بالعربية وآدايهاء كذلك يتحدث عن اللهجة الدارجة وكيف نشأت. وإلى جانب ذلك يقدّم لكل باب بدراسة تناسيه» ففي حديثه عن العصر الجاهلي يبيّن البواعث التي حركت شاعرية العرب» وفي مقالة له عن العصر العباسي يظهر إلى أي مدى أثرت العلوم الأجنبية والعمران الأجنبي في الآداب والعلوم العربية» وله مقولات في التصوّف والمنطق والحكمة. وغيرها في الرياضة والعروض والقوافي وغير ذلك كثير. وله آراء وأحكام في سياق التعريفات مثل قوله عن «رسائل بديع الزمان الهمذاني» وكتاب «خزانة الأدب» وغاية الأرب» لابن حجة الحموي: «هذان الكتابان أرقى ما يوجد في علم البديع»» أو قوله: إن الفارق بين شعراء الجاهلية والشعراء العباسيين هو الفارق بين أهل اليداوة وأهل العمران. ويقف القارىء على كثير من هذاء وهي آراء يمكن أن تكون موضع مناقشةء فقد نقبلها أو نرى غير ما رأى؛ ومهما يكن بيننا وبينه من خلاف. فإننا نراه يفكر ويحلل ويقول. ويختم «المستر فانديك» كتابه بفهرست تفصيلي يبلغ نحواً من مائة وسبعين صفحة؛) خصص قسماً منه للعلوم والآداب؛ أي للموضوعات»؛ والقسم الثاني لأسماء الكتب» والقسم الثالث لأسماء المؤلفين أو كل من ورد اسمه في السياق. ويمكن القارىء أن يصل إلى أية معلومة بسهولة تامة بواسطة هذه 0 الفهارس. وهذا النوع من الفهارس التفصيلية لم يكن مألوفاً عندنا في القرن التاسم عشر . وهناك كتب مهمة لم يذكرها الأستاذ «فانديك»: أعرف عدداً منها. بيد أني أستحي من ذكرها والاستدراك عليه. بعد أن وقفت على الجهد الخارق الذي بذله» وما أسهل النقد والذم. وأجد من الواجب علىّ القول: إن كتاب «اكتفاء القنوع» هو ملخص واف للتراث العربي العلمي والأدبي منذ العصر الجاهلي إلى نهاية القرن التاسع عشرهء وهو بمنزلة البانوراما التي ترى فيها العصور والعلوم والآداب». وهو وسيلة تتنقل بواسطتها بين ربوع القارات القديمة» لتشهد في مكتباتها كتب العرب والمسلمين؛ وتعرف ما تُرجم منها وما حُقّقَء وما صُنعت له فهارس وافية. كتب أخرى ومن أعمال «المستر فانديك» الأخرى كتاب «دول مصر القديمة» - أمنزوظ اتاعاعدة 01 1012350165 - الذي وضعه بالإنكليزية لطلبة المدرسة الخديويةء وقد حدثتنا عنه مجلة «الهلال» )18977/٠١١ /١6(‏ قائلة إنه استند فيه إلى كتاب الدكتور الوث»»: وعيّن فيه أزمئة حكم الأسر المصرية الفرعونية» وحدّد تواريخ دخول الأنبياء إلى مصرء ومما ذكره أن أبا الأنبياء إبراهيم الخليل» دخل مصر عام 1١١5‏ ق.م. ويوسف الصديق جاءها سنة ١94٠‏ ق.م. وموسى بن عمران خرج منها مع قومه سنة فق.م. وذكر أشهر الحوادث وأكبر الإنجازات مثل بناء الأهرام ونحت أبي الهول. ومما يجدر ذكره أن هناك خلافاً كبيراً بين العلماء حول زمن خروج سيدنا موسى للتة. واسم الفرعون الذي كان في زمنه. ومن أعماله المحققة رسالة «هدية الرئيس ابن سينا» التي أهداها 0 للأمير نوح بن منصور الساماني؛ وهي في «النفس»» وقد كتب لها مقدمة طويلة نسبياً حكى فيها رحلة هذه الرسالة في الأقطار الأوروبية» وأوضح أن أوفى نسخة هي التي نشرها الدكتور «صموثئيل لانداور» ونشرها في مجلة المستشرقين الألمان واسمها «تزايت شرفت» دويتش موز) في المجلد 74 تحت عنوان «بسخولوجية ابن سينا»"» ويخبرنا في المقدمة أنه استنسخ طبعة (لانداور)» «ثم ذهب إلى ميلانو ليراجع المتن كله على كودكس الذي في المكتبة الإمبراوزية (مكتبة في ميلانو) كلمة كلمة؛. ويقول: «وجدت أن الدكتور لانداور لم يترك شيئاًء ولم يهمل شيثاً'. ولفانديك على فصول رسالة ابن سينا شروح وتعليقات يبين في بعضها ما اقتبسه ابن سينا من أرسطوء وفي تعليقاته على الفصل الثاني يقول: «ما ورد في فقرات ابن سينا هو فحوى ما ورد في الفقرات السبع الأول من الفصل الثالث من الباب الثاني من مقالة أرسطو في النفس»»؛ ويشير إلى أقوال أخرى لابن سينا ويقول: «مأخوذة مع بعض التصرف عن الفصل الأول من الباب الثاني من تلك المقالة». وهذه التحقيقات والتعليقات توقع في نفوسنا سعة معارفه الفلسفية» وقد نشرت شركة طبع الكتب العربية هذه الرسالة» وظهرت عام 11376ه/1407م. 5 0 تصحيح اي سن يقظان» وفي آخر رسالة «النفس» لابن سيئأ؛ تيعن مالستض] لمسرحية «الإنسان» التي كتبها يوحنا ورتبات وترجمت إلى عدة لغات» ومُثُلتَ في المسارح؛ وشهد «فانديك؟ تمثيلها في إنجلتراء وكان يعتزم ترجمتها ولكنه اكتفى بتلخيصها. ومن تحقيقاته في مجال الفلسفة الإسلامية؛. كتاب «حي بن يقظان»: فقد نشره بعد أن أصلح ما وقع فيه من أغلاط النساخ. وهي "1 مساهمة طيبة منه في نشر الفكر الفلسفي في وقت مبكر من القرن العشرين؛ إذ كانت الكتب الفلسفية قليلة في ذلك الزمن. وآخر ما في جعبتنا من أعمال «فانديك» هو ترجمته لكتاب عن الضرائب والأطيان وضعه ١يعقوب‏ آرتين» السالف ذكرهء باللغة الفرنسية» قترجمه صاحبنا إلى اللغة الإنجليزية ونشر في لندن. كث عاش في عزلة عرفت «(المستر فانديك» من كتابات جرجي زيدان عنه في «الهلال»: وقرأت ما تيسر لي من كتبه في دار الكتب» وتطلعت إلى معرفة ملايسات حياته منذ فترة طويلة» فلم أجد إلا ما ذكرته. والظاهر لي - والله أعلم ‏ أنه كان يعيش في عزلة» لإحساسه بالغربة» فلم أقع له على مقال في صحيفة؛ ولا على خبر يفيد مشاركته في الحياة العامة» وقد أمسكت الكتب والصحف عن ذكره إلا في النادرء ولم ينجب إلا «إيلين» التي لم تتزوج حتى بعد تجاوزها الخمسين من عمرهاء وماذا تفعل؟ وقطعاً لحقت بأبيها . أما مؤلفاته. فقد وضع معظمها بعد تكليقه بها؛ أي أنه لم يسع إلى كتابتها ونشرها من تلقاء نفسهء وقد بحثت له عن صورة فلم أوقّق» ولعل باحثا غيري يتناوله» ويستوفي ما قصرت فيهء ولقد سبقنا إلى عالم البقاء» فلير حمه الله. 5© نشرت بجريدة القاهرة ففي رار .7 9 لا لان لان لان لبان الراك الاك لجان لمان لان موحمل مسعهعوذد العام تح لعج تتح لبي ترج توج تيرج العرى ترص تج العري نارح لياح شار ترح ديري يعدّ محمد مسعود كسباً كبيراً للصحافة المصرية في زمن هيمنة الصحافة اللبنانية عل مصر فى أواخر القرن 2.١94‏ بما أنشأه من صحف. ويعدٌ دعما للحركة الوطنية بوقوفه مع الوطئيين؛ فقد حرّر مع مصطفى كامل جريدة «اللواء» الفرنسية» وكان ذخراً لحركة الترجمة؛ إذ كان من طلائعهاء ونقل من الفرنسية عدداً من ذخائر الكتب التي تتعلق بمصرء ولا نغمل دوره الاجتماعي» فقد أخذ يعلم أبناء مصر أدب اللياقة أو الأدب اللائق . أو ما لتسمية الآن ب(الاتيكيت»2: منت كيدا فى ذلك يآداب الإسلام. مما ساعد على تكوين الذوق الاجتماعي . وتتحسين السلوك. 33 نشأته يتفق كل الذين ترجموا لمحمد مسعود على أنه ولد بالإسكندرية عام ١141/7‏ ويفيدنا تاريخ إحالته إلى المعاش عام 1917 أنه ولد في هذا التاريخ. وفي تقديري أنه ولد قبل هذا التاريخ» فقد كان يرسل مقالات إلى جريدة «الآداب» الأسبوعية لصاحبها الشيخ علي يوسف عام 4 أي وهو في السابعة عشرة» وهذه المقالات علمية الطابع؛ وتظهر أن كاتبها تم تكوينه وتأهيله للكتابة في هذه الموضوعات الدقيقة: مثل ما كتبه عن «المنطاد؟ في مقالين كبيرين يتحدث فيهما عن النواميس الطبيعية» ونقصان كثافة الطبقات الهوائية» والقبة المنجلوفية» وعن كيفية |] صنع البالون أو المنطاد مع الإريضاح برسمء وكأنه من صناعهء ويكتب أربعة مقالات كبيرة عن «تاريخ الأديان» تفيد أنه بحث واستقصى» وفي مقالات أخرى يتناول الحيروان تناولاً علمياء ويكتب عن «الظواهر العلوية» مقالين كبيرين يعرض فيهما لمكونات الجو ويشرح التكائف والتخلخل والضغط والأبخرة... إلى آخره. وليس هذا فحسبء وإنما أصدر كتاباً عام ١1844‏ أيضاً دعاه «المنحة الدهرية فى تخطيط مدينة الإسكندرية» وصار به من كتّاب الخططء فَلِكي يكوّن ثقافة علمية حافلة بالمعطيات مسايرة للتقدم العلمي. متشعبة في نواح مختلفة» مكتوبة بعبارة بليغة بريئة من العيوب الأسلوبية» لا بد أن تكون سنوات غير قليلة انسابت من عمرهء قبل أن تنساب هذه المعارف إلى قلمه السبّال. لذلك أعتقد أنه ولد قبل عام 7/ا18. التحق مسعود بالمدارس الأميرية» ثم بمدرسة «الفرير» الفرنسية» ويعد أن استوفى تعليمه المتوسط اشتغل بتدريس الفرنسية في مدرسة «رأس التين» بالإسكندرية» ومنها كان يرسل مقالاته إلى الشيخ علي يوسف. والظاهر أن مقالات مسعود في «الآداب» قربت بينه وبين صاحبهاء فترك التدريس وعمل محرراً ومترجماً في «المؤيد؛ التي أصدرها علي يوسف وأحمد ماضي عام .١1888‏ وأثناء عمله ب«المؤيد» شرع في تنفيذ عمل ثقافي كبير» ورسم له خطة وهو «تقويم المؤيّد؟' أو «تقويم مسعود». وأظهره للناس ابتداء من عام 117ه/18448م؛ واطرد صدوره سئوياً حوالي عشرين سنة» وكان الكتاب الواحد يقع في ثلاثماثة وأكثر من أربعمائة صفحةء ويقول جرجي زيدان في هلال إبريل/ نيسان ١405‏ عن تقويم المؤيد لمؤلفه محمد مسعود محرر بجريدة «المؤيد»: عبارة عن خزانة أدب وفوائد في الفلك والتاريخ وأحوال ممالك أوروبا ومصر والسودان: وخطط الإسكندرية ١ والوجه البحري؛ ومعلومات في القضاء والإحصاءء والمعاهدات الدولية» والمسائل السياسية» وتراجم المشاهيرء وشذرات من العلوم والمعارف والاكتشافات والاختراعات والتدبير المنزلي والزراعة فضلاً عن الرزنامة» والدليل المصريء» مما لا يمكن العثور عليه إلا بمطالعة الكتب الكثيرة.. .»» ويشكل هذا التقويم فى مجموعه موسوعة أو دائرة معارف كبرى. ومنذ عمله في «المؤيد» أصدر مجموعة من الصحف حتى عام 4 »؛ وفي عام ١4٠١‏ عاد للعمل الحكومي» فعمل محرراً فنيا بوزارة الداخلية؛ وظل يتدرج في وظيفته إلى أن صار مدير قسم المطبوعات» ثم انتقل إلى مصلحة التجارة والصناعة ليعمل مديراً لقسم النشرء وفي هذين العملين لم يكن بعيداً عن نشاطه الثقافي والصحافي» وظل في وظيفته الأخيرة إلى أن أحيل إلى التقاعد عام 21917 وفي عام تقاعده دخل في مساحلة صحابة مع أحمد زكي باشا (شيخ العروبة) في جريدة الأهرام حول موضوعات عديدة» وكان كل منهما يحاج الآخر ويردٌ عليه. ويستقتل في الدفاع عن آرائه دون تخاذل. وظل مسعود زمنأ وهو يضع إمضاءه على مقالاته وكتيه حتى غيّبه الموت عام »١45٠‏ وأقيم له حفل تأبين كبير شارك فيه أنطون الجميل؛ ود. منصور فهمي» ومحمد علي علوبة باشاء وخليل مطران»؛ وأحمد محرمء ومحمد مصطفى الماحي . الصحفي منذ أن نشر مسعود مقالاته في «الآداب» و«المؤيد» استهوته الصحافة؛ وصارت من مقومات شخصيته» فلا جرم أن تطلم إلى إصدار الصحف؛. ولما استغرقت «المؤيد» الشيخ علي يوسف » ولم يجد لجريذنته «الآداب» وقتأء فقد أغلقهاء ثم تنازل عن حق إصدارها لمحمد مسعود. ١8‏ فصار الأخير صاحبها ومحررها منذ عام 2184١‏ وقد افتتحها بقوله: «إنها ستكون كما عرفها القارىء. تقرر الحقائق» وتنشر الفوائد؛ وتحيي دارس الفضائل الشرقية» ولن تكون كغيرها من الصحف تنقل وتسرق وتختزل وتنتحل» بل ستفكر وتقترح . وقد خاضت «الآداب» في الآداب الاجتماعية والعلوم والتاريخ . وحرص مسعود في «الآداب» على أن يصل صوته إلى مسامع السلطة» فندّد بالسلطة التي لا يأتي بها الشعب» ورأى أنها وقتية قابلة للانتساخ والتحول» وذهب إلى أن لكل فرد حقاً يعصم حريته الشخصية من حاكم يعبث بهاء وهو كلام جريء في ذلك الوقت. وظل مسعود وفيا لمبادئه الوطنية» مدافعا عن الشعب ضد عبث العابثين» فعندما اشترت نظارة المعارف كمية كبيرة من كتب إنجليزية بها مساس بمصر والعرب. ووزعتها على طلبة المدارس؛ صاح في وجه نظارة المعارف والإنجليز لأنهم ابتاعوا هذه الكتب بأموال مصر ليفسدوا معتقدات الطلاب. وبيّن أن هذه الحادثة تقلل الثقة في نظارة المعارف» فضلاً عن أن لها مارب سياسية؛ وطالب ناظر المعارف بتدريس التاريخ باللغة العربية» وهكذا كانت «الآداب» بارّة بالوطن. حريصة على تسجيل الواقعات» باحثة فيما وراءها من أغراض. وتتوقف «الآداب» عام 014897 ويئنشط مسعود مرة أخرى ويصدر عام 1446 جريدة «امنفيس»2 وكانت نصف أسبوعيةء وتظهر باللغتين العربية والفرنسية» وفيما أعلم كانت أول جريدة يصدرها مصري بالفرنسية» وقد سبق في هذا الزعيم مصطفى كامل» واستمرت عامين واحتجبت» وفي عام ٠٠:19١ء‏ أصدر مع خليل مطران مجلة «المجلة المصرية»؛ وهي مجلة أدبية في المقام الأول» ونشرت اكتغارا لمحمود سامي البارودي؛ وإسماعيل صبري» وأحمد شوقيء وحافظ إبراهيم. 5 وخليل مطران» وترجم مسعود فيها رواية «زهرة الشاي؟ التي تحولت فيما بعد إلى مسرحية مثلتها فرقة «فكتوريا موسى» عام 019477 وفي هذه الأثناء ترجم مسعود رواية «وردة» عن إيبرس. وهي رواية طويلة جداًء وتتناول الحياة في مصر القديمة؛ وقد أثنى مطران على ترجمتهاء وأشاد بدقة مسعود وجمال عبارته؛ واستمرت هذه المجلة عامين وتوقفت. وكان محمد مسعود قد تعرّف بأحمد حافظ عوضء أحد أخدانه في «المؤيد»» وكلاهما خبير بأجواء الصحافة» وفى ١401//7/8‏ أصدرا معا مجلة أسبوعية فكاهية الشكل» سياسية المضمون» وأطلقا عليها ١ها..‏ ها.. ها» ثم غيّرا عنوانها وجعلاه #خيال الظل4» وكانت ألفاظها ساخرة» وتهكّماتها قارصةء واتخذت من الفن الهزلي أو الكاريكاتور أداة لتوصيل أفكارهماء وتعمّدت المجلة عدم تفسير الرسوم» وجعلت الصور تفصح عن معمياتها وقالت: «إِن الغرض من الجرائد التلبيس والتعمية والإبهام» وكل ما تشاء مما يدخل تحت كلمة: الحدق يفهم». وقداهتمت بالساسة. وصوّرتهم في أشكال هزليةء وأبرزت انفعالاتهم على وجوههم: وفي حركة أيديهم. ومن هذه الصور واحدة تظهر عدداً من الوزراء في تمائيل نصفية على نصب أو قواعد وأمامهم يقف «كرومر»ء وقد وضع يذه اليسرى في جيبهء وخلفه زائر متفرج ينظر التماثيل» ويقول ل«كرومر»: «هل كان هذا عملك يا جناب اللورد؟ فيرد «كرومر قائلاً : أوه... وكثير غير هذاء وعندي اثنان آخران على دائرتي»» ولا يخفى المقصود من هذا الرسم كما وصفئاه» ولكن هذه الصحيفة الخفيفة الظل احتجبت عام 1408؛ ليصدر الصديقان مسعود وحافظ عوض جريدة «المنبر؟ في نفس العام؛» وهي صحيفة سياسية يومية وكانت الأحزاب المصرية الكبيرة تكوّنت» وهي الحزب الوطني (مصطفى كامل)؛ وحزب الأمة (محمود سليمان باشا)» وحزب الإصلاح على المبادىء الدستورية 7 (علي يوسف). وكانت «المنبر؛ تؤيد الحزب الأخيرء لذلك دخلت في عراك مع حزب الأمة ومحرر جريدتها «الجريدة» لطفي السيدء وقالت «المنبر»: «إن الجريدة أنشئت لغرض كان في نفس اللورد «كرومراء وهاجمت سياسة الاعتدال التي اتخذت (الجريدة) منها شعاراً لها؛.» وقول المنبر صحيح» فقد كان ل١كرومر»‏ ونائبه «فندلي» دور في إنشائها . وعندما أزمعت الجالية الإيطالية إقامة تمثال لدانتى في الإسكندريةء هاجم عبد العزيز البشري في «المنبر؛ هذه الفكرة» وكان محمد المويلحي قد نبِّه الأذهان إلى ما كتبه «دانتي» عن الإسلام» ونبيّه الكريم في كتابه «الجحيم». وقد ألقى الإيطاليون إلى «المنبر» أذانهم» وكتب المستشرق ابرود كوكاتي» مقالاً جاء فيه: ...١‏ إني لفي غاية السرور الآن حيث منعت الفكرة غير الصائبة بإقامة تمثال في الإسكندرية لدانتي»» وهكذا كانت لكلمة «المنبر» صؤلة وجؤلة» وكثيرة هي الموضوعات المهمة التي تناولتها الصحيفة. وفي 1908/9/15 اعترك الصاحبان» وترك مسعود «المنبر) لشريكه حافظ عوض لينشىء بمفرده جريدة «النظام» السياسية اليومية في 4 »© وقد زكّى فيها الاتجاهات الوطنية» واستهدف المحتلين» وبيّن ما في أقوالهم من تخرّصات وأكاذيب» وأظهر أنهم اغتصبوا الحكم #باسم الإصلاح وصيانة مصالح الأجانب وأرواحهم»». وأخذ يراميهم ويحرض المصريين على القيام بثورة قارعة» ويقول: 0 علينا أن نفهم وألا ننسى أن المحتئلين لا يتخلون عن ديارنا إلا إذا غلبوا على أمرهم وطردوا من هذا البلد بقوة لا قبل لهم عليها». وتواصل الرماء. ونشرت «النظام» مقاللات نحت عناوين مثيرة للمشاعر والخواطر مثل «اطليوا اللجلاء»» و«اكيفا صار المصري عبداً ني وطنه». والِم يزيدون جيش الاحتلال؟»»: ومقالات أخرى تشبه البيانات الثورية. 18 وإلى جانب ذلك نشر مسعود القرار الرسمي القاضي بتقييد حرية الصحافة» ثم ندد به» ووصفه بالاستبداد والتحكم والتعسف. ولم يرهبه هذا القرارء وإنما مضى في مناهضة المحتلين . وأثارت «النظام» قضية خطيرة» وكتبت فيها كثيراًء وهي قضية الطلبة المصريين الذين ذهبوا إلى بيروت ليتلقوا العلم في الكلية الأمريكية» فأدخلهم المدرسون كنيسة وأرغموهم على أن يصلوا فيها. ويتلقوا دروسأً في التوراة» وعندما رفض الطلبة ذلك». واعتصموا وأضريوا عن حضور الدروس؛ أصرّت الكلية على ضرورة امتثال الطلبة لأوامرها. ووجهت «النظام» لوماً قاسياً لأغنياء المصريين الذين أقعدهم اكتناز المال عن ترقية التعليم الأهلي. و«أن يطرحوا بأبنائهم إلى مدارس أجنبية تعمل جهدها لاكتسابهم وتغيير معتقدهم». وتحدئت «النظام» عن استقلال مصر الاقتصادي.» والتعليم والمرأة وئورة طلاب الأزهرء. وتاريخ الآداب العربية» والانقلاب العثماني. . . وغير ذلك... وتوقفت «النظام» في عام صدورها عام 21404 ولعل الباعث على ذلك هو التحاقه بالعمل الحكومي عام ١9٠١‏ كما ذكرنا. 5 المترجم وإذا كنا قد ذكرنا لمسعود دوره الصحفي» فإننا نذكر دوره في «الترجمة»» وأنه مما يجب أن نلمٌ به أن الشوام هم الذين برزوا في ميدان الترجمة والتعريب منذ الحملة الفرنسية» وترجموا كتباً علمية تخص الدولة ومدارسها العالية» ولعل أشهر هؤلاء: أنطون روفائيل زاخورء ويوسف فرعونء ويوحنا عنحوري وغيرهم. ثم أخذ المصريون زمام المبادرة في هذا المضمار منل ظهور الشيخ رفاعة ومدرسة «الألسن»» وفي أواخر القرن ١4‏ ازداد عدد المهاجرين الشوام إلى مصرء وهيمن عدد كبير منهم 7/1 على الترجمة الأجنبية مثل أديب إسحق» وسليم النقاش» وخليل مطران. وفي هذه الفترة من أواخر القرن التاسع عشرء تكونت في مصر «جمعية التعريب؟؛ وكان من أعضائها علي أبو الفتوح» وكامل إبراهيم» وصالح تور الدين؛ ومحمد مسعوده وجميعهم من الوطنيين المصريين المستنيرين» وباستثناء مسعود كان الآخرون أعضاء في جمعية «التقدم» التي تأسست في أوروباء وأنشأوا مجلة «التقدم» للنهوض بمصرهء وكانوا يتقلدون وظائف مهمة» وقد انتقت «جمعية التعريب» 8" كتابا لإظهارها باللغة العربية» وكان باكورة أعمالها ترجمة كتاب «الاقتصاد السياسي» لجيفونس الذي ترجمه كل أعضاء الجمعية ومنهم محمد مسعودء وكان ذلك في عام 4ه ثم ترجم كتاب «الاقتصاد السياسي» لشارل جيد. على أن مسعود الذي رأى أن يخدم الوطن بترجمة كتب الاقتصاد السياسي» كان يقظأً إلى ترقية الأذهان بالترجمات الأدبية» فترجم عام 1847 مسرحية «الطبيب رغماً عن أنفه» لموليير» وإذا كان محمد عثمان جلال قد ترجم مسرحية «طرطوف» لموليير بالزجل ومصّر أسماء الشخوصء فإن مسعود في «الطبيب رغماً عن أنفه» مضّر الشخوص والتزم بالفصحى . أما في ترجماته لمسرحيات موليير «البخيل» و«النبيل» و«الجاهل المتطبب» فقد التزم بالنص. وقد قررت وزارة المعارف بعض هذه المسرحيات على طلبتهاء وطلع عدد منها في فجر المسرحء وكان له 0 في النهضة الفنية؛ وكان مسعودهء هذا الموسوعي المتنوع المعارف؛ محبا للتاريخ: يفيء إلى رحابهء ويأوي إلى صحائفهء فأخذ يترجم منه ما يفيد المصريينء» ففي عام ١846‏ أطل عليه وهو في مكتبته كتاب (مصر والاحتلال الونكليزي؟ لإدوار جوان. فترجمه في العام نفسهء ثم عاد إلى «جوان' المؤلف الفرنسي بعد نحو ربع قرن فترجم كتابه «مصر في القرن اا التاسع عشر» عام »147١‏ وهذا الكتاب يترجم لثلاثة من بناة مصر الحديثة. هم: محمد علي . وإبراهيم باشاء وسليمان باشا الفرنسوي. ويذكر أدوارهم السياسية والعسكرية» ويظهر لنا الكتاب يمين القادة وهم يضعون المصحف الشريف بين أيديهم ويقسمون ب«أن يموتوا في نصرة محمد علي»»: والمؤلف الفرنسوي يميل إلى الزهوء ويفاخر بأن مصر ابنة فرنسا. والكتاب ليس ترجمة خالصة؛ وإنما كان مسعود يصلح أخطاء وسقطات المؤلف المعتد بنفسه وعلمه. أما الكتاب المهم الجامع المحيط الضخم الذي ترجمه محمد مسعود بك فهو «لمحة عامة إلى مصر؛ من تأليف كلوت بكء وقد أشار يتعريبه الأمير يوسف كمالء والكتاب بجزئيه الضخمين لا يجدي فيه وصف على عجالة» فلا بدّ من اقتنائه وقراءته على مهل» وقد تناول فيه مؤلقه تاريخ مصر القديم. منذ الفراعين إلى عصر محمد علي» ويشتمل على جغرافية مصر وحيواناتهاء ونباتاتهاء وسكانهاء ومساكنهاء وعقائد أهلهاء ومواردها... إلى آخره. أما ترجمة مسعودء فتكشف عن قدراته وأصالته؛ وطول باعه. وقد أهدى «كلوت بك» كتابه هذا إلى محمد علي مع إظهار ولائه واحترامه لهء وهو أكثر تواضعاً من مواطنه «إدوار جوان'. ومن الكتب الأخرى المهمة كتاب «الرحلة الأولى للبحث عن ينابيع البحر الأبيض - النيل الأبيض؛؛ وهو كتاب في الكشوف الجغرافية» ويظهر مدى اهتمام حكام مصر بتتبع روافد النيل» وكان محمد علي قد أرسل بعثة بقيادة البكباشي سليم قبودان لاستكشاف الئيل الأبيض. وسجل قبودان يوميات البعثة (عام 1478)؛ وسلّمها للجهة المختصة.» وعند نشر تقرير البعثة كتب «جومار» ‏ أقدم أعضاء المجمع العلمي المصري -» مقدمة له وطبع بالفرنسية. وقد أشار الأمير يوسف كمال على محمد مسعود بترجمته. وطبع عام 0 11 ومن مترجمات مسعود الأخرى كتانه السو في خطأ القضاة»ء واشترك معه في الترجمة محمود ضيفء». وصدر عام .١91١5‏ و«حضارة العرب» لمؤلفه جوستاف لوبون؛ و«معارج الفلاح» الذي وضعه سليفال رودس ٠.‏ والملاحظ أن معظم مترجمات مسعود كانت عن موليير وإدوار جوان» وهذا يطمئثننا إلى مترجماته لأنه ألِف أجواء هذين المؤلفين» وتفهّم أفكارهماء وأساليبهما الخاصة» وطرائقهما في الصياغة والتعبير. أما ترجماته لكتب الاقتصاد السياسي فتعني أنه صاحب خبرة في هذا المجالء ومتفهم لمصطلحاته العلمية» ولا ريب أن هذه الكتب المترجمة ساهمت في النهضة الحديثة» وواكبت نموها المطرد في الأدب والتمثيل والتاريخ والاقتصاد والاجتماع» وأزاحت مساحة من الغموضء وزوّدت الباحثين بمادة لا غنى عنها . 2 مؤلفات ذات طابع اجتماعي ولمحمد مسعود عدة مؤلفات ذات طابع اجتماعي» نذكر منها كتاب أدب اللياقة» الصادر عام ١4‏ ,. والذي غير عنوانه في طبعته الثالثة (سنة )١97١‏ إلى «الأدب اللائق». وكان وزير المعارف حشمت باشا طلب منه كتاباً في آداب السلوكء. فلما انتهى من تأليفه راجعه معه وقرّره على طلبة المدارس» والكتاب مجموعة آداب جزيلة الفائدة ويستحب أن يتأدب بها المرء في معاشه ومخالطته لغيره» مثل آداب النظافة والهّدايا والزيارة وعيادة المريض. والمناظرة والمعاشرة وغير ذلك؛ أي أنه كتاب تهذيبي يرتقي بالسلوك الاجتماعي. ومن مؤلفاته كتاب «لباب الآداب»2 ويضم زبدة ما كتبه في جريدة «الآداب6» من مقالات أدبية وعلمية وتاريخية واجتماعية» والكتاب كبير 1 ويطول شرح ما جاء فيهء» ولكن نقف عند فصل «كيف ندرس التاريخ) والرأي عنده أنه مدرسة تسمو فيها العراطف وتترقى به الأممء وذهب إلى أن الأوربيين يدرسون التاريخ بطريقة تجعل الدارس يشغف بوطنه ويناوىء أعدائه» ويتشبه بفحول الرجالء وامتدح الألمان الذين لقنوا التاريخ لتلاميذهم بصبغة سياسية تلائم وطنهم؛ ومسعود هنا ينظر إلى التاريخ نظرة نفعية . وهذه النظرة لا تصح إلا إذا انتخبنا من التاريخ أحداثاً قريبة الشبه بالأحداث التي تجري زمن تدريسه» وترجمنا لأبطال من نوع ما نحتاج إليه في الزمن الذي تلقى فيه دروس التاريخ على الطلاب» وهذا يعني أن كل فترة تحتاج إلى أحداث دون أحداث» وأبطال دون أبطال» بحيث تكون الموضوعات المختارة عنصراً من عناصر تكوين شخصية الطالب لينهض في حاضره بعمل معين» وقد يكون مسعود معذوراً لأنه قال هذا في فترة تغلغل النفوذ الإنجليزي في مصرء ويحتاج الوطن إلى شبيبة معبأة بمادة تاريخية مناسبة للغرض المنشود. ولمحمد مسعود في الاجتماع كتاب «المرأة في أدوارها الثلاثة؛ فتاة وزوجة وأم؛ ونشره (عام 18478): والكتاب من ا 5 أطوار المرأة وما ينبغي أن تكون عليه في كل مرحلة» ويشترط المؤلف أن تتعلم الأنثى ع نهّاضة بواجباتهاء عارفة بحقوقهاء وقد اقتيبس مسعود في هذا الكتاب أشياء من مصنفات الأديبة البارونة استاف» ما يناسب المرأة الشرقية» والكتاب يعد دعماً لحركة تحرير المرأة دون أن يجور فيه على الآداب الاجتماعية. وكان بعض أمراء مصر وسلاطيئها يقومون برحلات داخل الوطن وخارجهء ويطيب لهم اصطحاب محمد مسعود ليدوّن ما جرى أثناء الرحلةء وما شاهدوهء فكتب مسعود بأسلوبه الجميل رحلات (السلطان 1 حسين كامل»؟ و«الملك فؤاد» داخل مصرء ورحلة الأمير ايوسف كامل»6 حول أفريقياء وهذه الكتب تضاف إلى رصيده؛ وهي من أدب الوصف والتصويرء إضافة إلى ما ورد فيها من إشارات تاريخية وتحقيقات جغرافية» ولمسعود كتب أخرى نورد منها ما ذكره محمد علي علوية باشا في حفل تأبينه بمسرح الأزبكية مثل : «الوثائق» و«وسائل النجاح»» وما ذكر من ملاحظات في ترجمة «دائرة المعارف الإسلامية». ومؤلفات مسعود أقل من مترجماته وجهوده في ميدان الصحافة» وهذا راجع إلى أن مقالاته في صحفه وصحف غيره»ء مثل «الأهرام» و«البلاغ» و«الهلال» و«المحيط»... لم تُجمع فى كتبء ولا أدري كيف سقط اسم محمد مسعود من ذاكرتنا الثقافية» ولولا أنه أهدى لدار الكتب المصرية عدداً من أعماله؛ ما أمكنني كتابة هذا البحث عنه كُلنْهُ. 65 نُشرت بجريدة القاهرة, في 04/٠١/58‏ ١ ا‎ فررت اظارة الممارف العهومية هذا || كناب للمطالعة ف ا ل امسملاسسسس * هت 22:2 :لم للننسم تلام صااد الاقم . خحبيل مسعوت اأمرر الفنى ظاةٌ الر امام رقم المطبوعات) حددوق اعادة الطببع حفوظة لامؤاف مدة اه « 4 و ل رمضان سنة ١مم؟‏ - اغسطس سنة م#ىة؟ النزام محمد افندى رك امين بالملدية لبانق يشا يبع غهلاف كتاب ,«آداب اللياظة» لمحمد مسمود ١/4 غاذف كتاب «لمسة عامة إلى مصر ("): ترجمة محمد مسعود 1/4 0 أالكسندرا أفرينوه بين إسماعيل صبري باشا والحديو عباس اا ان ناك ال ا ار اا ال ا ا ل ا رن خا ال الما ل ا ل خلا فى 6 2 الباحث في مجال الطبائع البشرية يهفو إلى استقراء سير العشاق ليتعرف على أنماط السلوك. وأطوار النفوسء وأنواع الأمزجة» ويلم بالبواعث والأحوال؛ لأن الحب يكشف عن النزوع الطبيعي في نفوسناء وإرادة الحياة عندناء ويؤثر في السلائق» ويغير في الطبائع. ولأنه عالم الأهواء الجامحة والنزوات الصاخبة» فإن الذات تنطلق في رحابه من عقالهاء وتعبّر فيه على سجيتهاء وفي هذا متسع للدرس والتأمل. والباحث في هذا المجال يجد صنوفاً من الحب» من بينها حب فاقتق لقوق لا يباالة. نس الكهور» هما مخطله منتكسا فرتدا إلن فراغ. والملاحظ أن العاشق الفاشل لا يروض نفسه على النسيان» وإنما يفضل أن يعيش محبطأً خائراً ويطيب له أن يتحدث عن لوعاته» ويصرّح بآلامه وأشجانه ظئاً منه أن هذا قد يعطف المحبوب عليه» والحقيقة أن المعشوق الساهي لا تعنيه آلام العاشق المقهور. أسوق هذا الحديث لأننا نتناول هنا عدداً من العشاق لا يتيادلون مشاعر الحب بينهمء وهم إسماعيل صبري باشاء وألكسندرا أفرينوه والخديوي عباس . 58 ألكسندرا أفرينوه (؟/141 - )١91717‏ كانت الأميرة ألكسندرا الخوري - نسبة إلى أسرتها -»: أو ألكسندرا ءلما أفرينوه ‏ نسبة إلى زوجها - تقطن في زيزنيا بالئغر السكندري» وكانت أديبة شاعرة وكاتبة مسرحية ومترجمة. لأنها تتقن الإيطالية والفرنسية» وصحفيّة أصدرت مجلة «أنيس الجليس» باللغة العربية» ما يقرب من تسعة أعوام (يناير/ كانون الثاني ١898‏ - /2)19401 ومجلة «اللوتس» بالفرنسية0» وجريدة «الإقدام» التي سيت تحريرها إلى الشاعر ولي الدين يكن» ولم تعمّر طويلا . وألكسندرا امرأة عصرية خفيفة الظل» تمارس الرياضة البدنية» وتركب الخيلء وتحتسي الخمرة وتدمنهاء وتتغزل فيها قائلة: «رائدة السرورء ومنشتئة اللهو. وجامعة الفرح» إذا شربها الإنسان طايت نفسهء ولطفت أخلاقه» وحسنت محادثته: وأذهبت جفاءه وخشونتهء وكثيراً ما تغير طباع المرء حتى ليصنع وهو شاربها في يوم ما كان يعجز عنه في أيادي ]01 وفي أواخر القرن التاسع عشر ظهرت كوكبة من النسوة العربيات المستنيرات المتحررات» اللاتي نفضن عن أنفسهن غبار الماضي» وأشرقت عليهن أنوار المعرفة» وتفججرت في أفتدتهن ينابيع الرجاء. وتراءت لهن صور جديدة للمستقبلء وأقمن في بيوتهن أو قصورهن صالونات أدب وثقافة من أمثال: مريانا مراش الحلبية» ومريم نمرء وياقوت بركات أو ياقوت صروفء. ونازلي فاضل» وألكسئدرا أفريئوه. والتف حولهن عدد من الأدباء والمصلحين» وناقشوا جميعاً قضايا مهمة في الأدب والعلم والاجتماع والسياسة. وكان هؤلاء النسوة السافرات زيئة هذه الصالونات وبهجتهاء تتأنق الواحدة منهن وتتألق وتخطر بين ضيوفها في رشاقة وخفة» ثم تجلس ,.19٠٠ أنيس الجليس‎ )١( إمىا‎ بينهم وهي تفيض أنوثة وفي كامل زينتهاء وكل عضو فيها مطل على عيون النظارة» وكان هذا المنظر الخاص المؤثر في العواطف غير مألوف في المجتمع. فلا جرم إن تعلق الشعراء أو بعضهم بهؤلاء النسوة أو بيعضهن» وجاءت أغانيهم تحمل الهوى والجوى. كان رواد نادي ألكسندرا يطرونها ويثنون على حسنهاء ولم تكن تستنكر منهم أن يتغزلوا فيهاء ولا تحتج إذا ذكروا في غزلهم فذها المثمرء وحستها البديع» وخدها الوردي» وثغرها المرصعء. ولحظها الفتاك» يقول أمين الحداد (سركيس »)١9٠05‏ وهو أحد رؤاد ناديها : أرى لك وجهاً يجمع الحسن كله بديعاً ورأساً يجمع الحلم والهدى وقدّاً لو الأطيار تدري ثماره لمال عليه كل طير وغرّدا وخدّاً كأن الورد أبصر حسنه وقد خامرته غيرة فتورّدا إلى آخره. . . أما الشاعر المرهف إسماعيل صبريء» فيقول وقد استشعر لطفها وحسنهاء واستعذب حديثها : وأسفري تلك حلي ما خلقت ‏ لتوارى عم أو خخباء وايسمي من كان هذا ثغره يملا الدنيا ابتساماً وازدهاء وانزعي عن جسمك الثوب يبن للملا تكوين سكان السماء ولا يقف صبري باشا عند هذا الحدء وإنما يذكرها وهي تخطر في مشيتها وترفع يدها وتخفضها : واخخطري بين الندامى يحلفوا أن روضاً راح في النادي وجاء ويعرب عن إعجابه بجسمها وانسياله. فيقول من هذا الغزل المكشوف: نثنئ الندى وسيلي في جوانبهء لطفاً يعمٌ رعايا اللطف رياه 141 وتأمل عبارته «سيلي في جوانبه» التي تظهر أنه كان يطالع منحنياتها وأعطافها وحركاتها. والانسيال يعني به انسيال لفظها ولحظهاء واسترسال قدها في سلاسة». وتمايله وتثئيه فى رشاقة. وفي هذا ما فيه من التأثير والإثارة» وهي بكل ما وصفه بها الشعراء تعرف كلمة السر التي تفتح القلوب . إسماعيل صبري 1١4884(‏ - 19177) كان إسماعيل صبري باشا شيخ الشعراء إبان نشأة ألكسندرا الأدبية» محافظاً للإسكندرية في الفترة من (فبراير/ شباط ١845‏ - نوفمبر/ تشرين الثاني .)١1849‏ وفي خلال هذه الفترة عرف طريقه إلى حي زيزنيا حيثث صالون الأميرة ألكسندرا تسبقه شهرته الأدبية ومكانته الاجتماعية: وتكررت زياراته للصالون ولصاحبتهء وراقته فصاحتها وشاعريتها فاستمع إليهاء ونيّه جمالها عينيه فحدق فيهاء وشيئاً فشيئاً تفتح بها قلبه» وثوى حبه لها بين جنبيهء ولم يمض طويل وقت حتى استمكن منه هذا العشق «وصار شغلاً شاغلاً». ووجد نفسه يستلهمهاء ويصوغ الشعر من وحيها ويقول : هل النعيم سوى يوم أراك به أو ساعة أقضيها بناديك إن قابلتك الصّبا في مصر عاطرة فأيقيني أنها عني تناجيك وأنها حملت في طى بُردتها قلبأ بعثتٌ به كيما يحيّيك لكن هذا الشعر الذي طهّره العفاف. ولا بد أنه أطلعها عليه» لم يجعل نفسها تشفُ وترق» ولم يترك فيها أثرأًء ولما كان ضيوف ناديها من الشبان والكهول؛ فإن نظرها كان يتجه إلى الشيان. وهذا دأب المرأة سواء أكانت صغيرة في العمر أم كبيرة» ولما كان صبري باشا يكبر ألكسندرا بنحو عشرين عاماًء فقد أولت اهتمامها لمن دونه سناء مما أثار لما حفيظتهء فعاتبها ونبّهها إلى مراعاة العدالة حين توزع التفاتاتها وكلماتها في النادي. يقول: إن هذا الحسن كالماء الذي فسة للا تفن ري وشفاء لا تذودي بعضنا عن ورده دون بعض واعدلي بين الظماء ولكن المحب لا يعرف العدل بين المعجبين والمحبين» وإنما يميل إلى من استهواه وارتضاه. وكان شيخ الشعراء يرى في مجاويتها له عافية من مرض أحرق كبده» وراح ينشد الشعر لعله يطرب سمعهاء ويرظب قلبهاء فتجازيه على حبه لهاء بيد أنها أعرضت عنهء والمحب المقهور بطبيعته لا يمل من التماس الودّء ومخاطبة معشوقه بالرفق» يقول صبري: يا راحة القلبيا شغل الفؤاد صِلي متيّماً أنت في الحالين دنياه ومثل هذا القول يشفع عند محبوب يحبء ولكن إذا كان المحبوب تحلق روحه فى أجواء أخرىء فلا فائدة من النداءات وإن تكررت» وكان صبري ياشا ينشر في بعض الدوريات مقطعات تتعلق بهاء وأخيراً وقف على الحقيقة. فقد أخبرته بأنها لا تشاطره حبه لأن زمنه تولى . ومعظم القصائد الغزلية المؤرخة قبل عام ١917‏ في ديوان إسماعيل صبري المطبوع (عام »)١978‏ قيلت في «ألكسندرا»» وتواريخ النشر لا تدل على تواريخ النظمء فقد ينظم الشاعر قصيدة أو مقطعة الآنء وتظهر في الدوريات فيما بعد. وأود أن أشير إلى أن ما قيل من أن مجلة «أنيس الجليس» توقفت عام 14 ؛ خطأء أو أنها تعطلت بعد مرور خمسة أعوام على صدورها؛ خطأ أيضاً. والقول بأن إسماعيل صبري كان ينشر فيها شعره خطأء فلم ينشر فيها شيئاً. وهناك من يخلط بين ما قاله صبري باشا فئ «ألكسندرا؟ وبين ما قاله في «مي زيادة» . ويجب التنبيه إلى أن شيخ الشعراء لم يعرف «مي» إلا بعد إبريل/ نيسان 94317١؛‏ أي بعد أن ألقت خطبتها في حفل تكريم خليل مطران» وذيوع صيتها وانعقاد 165 صالونها نتيجة لشهرتهاء وفد ذهب أحد الكتّاب الأفاضل إلى أن قصيدة صيري : أقصر فؤادي فما الذكرى بنافعة ولا بشافعة في رذما كانا سلا الفؤاد الذي شاطرته زمنأ حمل الصبابة فاخفق وحدك الآنا فيلت في مي زيادة»» والحقيقة أن هذا الشعر نُشر عام 1١‏ ١؟؛‏ أي قبل أن يرى صبري باشا «مي»: والصحيح أنها قيلت في «ألكسندرا» التي نسيته. وأما «مي»» فلم يكن بينها وبين صبري باشا جزر وهجرء نعم نظم فيها الشعر ولكن كغيره ممن نظموا وكتبوا عنهاء وفد ظلت على علاقة طيبة معه إلى أن فارق الحياة» وبعد موته رثته بمقال نشرته مجلة «المرأة الجديدة» (سبتمبر/أيلول :,)١97‏ وجمعته في كتابها «الصحائف». وجوّ القصيدة يناسب «ألكسندرا» التى لم تذكره في حياته ولا بعد مماته إِلّا مرة واحدة عندما أخيرته بأنها لا تحيه لكبر سنه. وهناك أشياء أخرى يجب تصحيحها عن «ألكسندرا»؛ ولكن ليس هنا مجاله . الخديو عباس وأمانة الحب: وإذا كان إسماعيل صبري من كبار رجال الدولة وشغل مناصب علياء مثل منصب النائب العام: ومحافظ الإسكندريةء ووكيل وزارة الحقانية (العدل). فإنه ليس أعلى من عرفته «ألكسندرا»» فقد كانت الأميرة ألكسندرا على صلة وثئيقة بكبار الشخصيات العالمية في السياسة والكتابة. ويكفي أن نشير إلى أن «لوبه» رئيس جمهورية فرنسا دعاها إلى حفلة راقصة في قصر الأليزيه» وأنعم عليها السلطان عبد الحميد بوسام الشفقة من الطبقة الأولى (غران كوردون). وهو وسام لا تناله إلا نساء الملوك هم والوزراء بسبب خدمة أزواجهنء ومنحها مظفر الدين شاه إيران وسام «شرفت»: وأنشأه خصيصاً لهاء وأطلق عليها «نجمة الشرق» أو ١كوكب‏ الشرق»» وبعث إليها صورته وعليها توقيعه؛ وأرسل إليها سلطان زنجبار بصورته وعليها توقيعه» وأعطاها البابا ليون الثالث عشر وسام القديس بطرس.» عدا صلاتها بالملك «إدوارد؟ السابع ملك الإنجليز» وغيره من وزراء أوروبا والكرادلة والبطاركة» ومن هذا كثير... كثير. وكانت على صلة بكبار كتّاب فرنسا ومنهم «شارل رو' المؤرخ والسفير ورئيس هيئة قناة السويس؛ وكان من كتّاب مجلتها «اللوتس» الناقد الشهير «جول لميتر؛ و#جول كلارسي» أحد أعضاء المجمع العلمي الفرنسي. . . إلى آخره. ويستطيع القارىء أن يتعرف على علاقات الأميرة ألكسندرا بأعيان العالم والأوسمة التي حازتها... فما كتبه عنها أحمد محرم وولي الدين يكن في «فتاة الشرق» (910١)ء‏ وخليل زينيه في «المصور» (سنة .)١19*1/‏ وكل هذا له دلالات كثيرة يعنينا منها أنها امرأة طموحء تتطلع إلى الشخصيات الكبيرة» فإذا تفتح قلبها فإنما يتفتح على شخصية لها وزن ممن ذكرناهم أو أقل قليلاً» فلا يملأ عينيها محافظ مدينة يهديها القيل والقال. وقد أخبرني محمد سيد كيلاني أثناء صحبتي الطويلة له؛ أنها كانت تحب الخديو عباس »)١954 ١474(‏ وفاتني أن أستفسر منه عن مصدره؛ وربما كان هذا صحيحاً فهناك شواهد تؤيده. وقد ذكر الزركلي في «الأعلام' أن الملك فواد أمر بتفتيش بيتها ومصادرة ما فيه من أوراق» وأمر بطردها من البلاد لصلتها الوثيقة بالخديو عباس. وسواء أكان هذا هو سبب طردها من مصر أم كان هناك من الأسباب غيره» فإن هذا يفيد بأن علاقتها بالخديو كانت علاقة غير عادية. ومن يتصمّح أعداد مجلة «أنيس الجليس» طوال فترة صدورها يجد مادة شعرية وافرة في مدح الخديوء وتهنئته بأعياد الجلوس. وسلامة ل الوصول من سفرء وحلول الأعيادء والشفاء من مرضء وإذا رَزْق بمولود إلى آخر هذه المناسبيات. وكان الخديو يدعوها إلى حفلات رقص الباليه التي كان يقيمها في قصر رأس التين كل عام» وفي هذا تقول: أيا قصر رأس التين باكرك الصبا وححيّيت ملهى للنفوس وملعبا لنا فيك كل عام ليل كأنماا 2 يرد علينا حسئه زمن الصبا ويقول أحمد محرم وولي الدين يكن: :... وما قصدّت الأمير السابق (الخديو عباس) بمطلب إلا أجيب بالقّبول» وكانت تذهب إلى قصره وتحظى بمقابلته كما يقابل عظماء الرجال» وقد أهداها صورته وعليها خطه دلالة على إعجابه بها. . . كذلك نالت الميدالية الفضية من لجنة عيد جلوس الخديواء ولم تنل امرأة في زمن عباس الثاني ما نالته «ألكسندرا»». وكانت هناك هند نوفل وملك حفنى ناصف وزينب فواز وروذة البارعتي وعد سعد النين :رلية خات وعيرمن بس الكافات والصحفيات والشواعرء وقد يكون كل ما صدر عن الخديو رداً على مدائحها لهء أما هي فريما كان لها تفسير آخر. ولا ينتظر منًا القارىء أن نأتي له بدليل مادي ملموس؟ لنبرهن على حب «األكسندرا» للخديوء فلم يكن ممكناً لها أن تتغزل فيه على صفحات الصحف وهو أمير البلاد» وإذا كان لا بدّ من شواهد أخرى فليقف عند مسرحيتها «أمانة الحب» ‏ وهي مسرحية مخطوطة ‏ ذكر أحمد محرم وولي الدين يكن أنها من تأليف «الكسندرا»» واستكشفها د. سيد على إسماعيل وتفضل مشكوراً بإعطائي صورة منهاء وهي قيد الطبع . وقد دأبت الشواعر العربيات على المواربة عند التعبير عن الحب» فقد بيّنت ؛مي زيادة» أن الشاعرة وردة اليازجي تنظم شعراً في صديقة» والكلام فيه موجه إلى صديق لتكتم عواطفهاء. وأظهر سيد كيلاني في «فصول ممتعة» أن عائشة التيمورية إذا تغزّلت في رجل ذكرت الحواجب لاما والوجنات والخصر النحيل والأرداف المكتنزة» ويخلص إلى أنها «تقممصت شخصية الرجل وخلعت عنها أنوثتها»؛ أي تتغزل في أنثى وتخفي ذلك. وألكسندرا اختارت هذه الطريقة المواربة» ففى مسرحيتها «أمانة الحب» تبين أن الدونا (إيميليا» الإسبانية ابنة الدوق» تعشق أمير البلاد الؤسباني ول تعرف إلى قلبه سبيلاً» ويعشقها البارون ولا تكترث به. ويخيل إلى أن «إيميليا» هي «ألكسندرا». والأمير الإسباني هو الخديوء والبارون هو محافظ الإسكندرية إسماعيل صبري» غيرت الأسماء الحقيقية» ونقلت الأحداث إلى إسبانياء ومما تقوله (إيميليا» إلى الأمير الإسباني : إذا كان الذي يهوى جميلاً بلا مال أما يكفي الجمال؟ وإن كان الحبيب جليل قدر أيمنعه عن الحب الجلال؟ ألا يكفي الجمال لعقد حبٌ ‏ يكون به لقلبينااتصال؟ في هذا الشعر تشعر العاشقة بالنقص وتدرك الفرق الشاسع بينها وبين الأميرء وتود أن تصرف ذهنه عن مكانتها الاجتماعية التي هي دونه وعدم ثرائهاء وترى أن جمال المرأة خير قرين لجلال الرجل» فالرجل جماله في روعته وهيبتهء والمرأة جمالها في رقتها وأنوثتهاء ومن هنا لماذا لا يكون بينهما حبٌ واتصال؟ فاإيميليا» أو «ألكسندرا» تعاني من البَوْن الكبير بينها وبين الأمير الحاكم» وترى أنه العقبة التي تجعل الأمير لا يحبهاء وهي في هذا الشعر ترى أن المرأة تعلو منزلتها بالجمال وليس بالمالء وفاتها أن تذكر العلم. وفي المسرحية يحب البارون «إيميليا»» أما هي فإنها جافية صادة لهء ولما أتعبه الهوى قال لها: بحق عينيك قفي واعطفي وكلّمي العاشق أو سَلَّمِي أو لا فإنني مائت حسرة أقضي شههيداً في الهوى وَأَسَلْم 184 وقول البارون هذا ل«إيميليا» قريب من قول إسماعيل صبري لألكسندرا: أهماجرتي أطلفئقي لواعجٌ لاتنتهي إذا قيل ما الأديب ‏ بفاتنةأنت هي أما الأمير. فله معشوقة أخرى» ويقول عن (إيميليا»: رماها الهوى في حب من لا يحبها كمافي هوى من لا تحب رمى بي وأعتقد أن هذا البيت الذي قالته «ألكسندرا» على لسان الأمير يلخص حكايتها مع الخديوء أو حكاية الخديو معهاء فهي تحيه وهو يحب أخرى. وفي نهاية المسرحية وبعد حِيّل فنية يتزوج الأمير من «إيميلياء» وهذا الختام من المقتضيات الفنية في التأليف المسرحي؛ إذ لا بد للمسرحية من نهاية. وكان مقدّراً لهذه المسرحية التثرية أن تمثلها فرقة «إسكندر فرح»ء لذلك تضمنت أشعاراً كثيرة ليغنيها الشيخ سلامة حجازي عفني القرق» .وهله الاستمان:متيدة لأنها 'تمطينا ضور من العنض الوضدى والعاطفي الذي نفتقده في شعر «ألكسندر» المنشور في «أنيس الجليس». 5 الكونتيسة النمساوية ومهما يكن أمر العلاقة العاطفية بين (ألكسئدرا» الطامحة وأمير مصر عباس الثاني». فإن الأخير كانت له صبواته مع امرأة ‏ كونتيسة - نمساوية في قصر «شيبوقلي» بتركياء وقد حدثنا محمود زكي باشاء ويظهر أنه من المقربين إلى الخديوء عن هذه العلاقة في مقال نشرته مجلة (مصر الحديثة المصورة» (فبراير/ شباط )١978‏ جاء فيه: «في عام ١8917‏ ذهب الخديو عباس إلى الآستانة واستقبله السلطان عبد الحميد» وبعد مضيّ أعوام كان الخديو في قصره ب «شيبوقلي» المشرف على البوسفورء وأنفق في سبيل تجميله مبالغ كبيرة» وكانت إلى جانبه الكونتيسة النمساوية»؛ 144 ودار بينهما حديث طويل في السياسة والخلافة وجمال قصر الخديوء ثم قالت: لا جرم أن السعادة الحقيقية والهناء والصفاء إنما تكون في المحبة وراحة البال؛ لا في مثل هذه القصور الجميلةء أو هذه المناظر الرائعة وجمع المال. وما كاد يسمع الجناب العالي هذه الكلمات حتى تنهّد وأنّ قائلاً : هكذا أنا أعتقد. وأن أعظم سلوى لي ليست هذه المناظر الجميلة فحسب. بل صدق محبتك لي» فأنا أهنئك بهذه المنزلة العالية من اللطف والكياسة فضلاً عن رقة الشعور والجمال الساحر الفتان والذكاء النادر وخفة الروح» وأشكر لك عنايتك بي»2. ويضيف زكي باشا قائلاً: «كانت الكونتيسة النمساوية آية في الجمالء وكان شّعرها الناعم الكستنائي النادر في النمساويات؛ وعيناها النجلاوان تزيد سيماءها الجميلة جمالاً ورشاقة.. .»» ثم يقول: «ومضت على هذه الحوادث عدة أعوام وجلس الجناب العالي بعد الحرب العمومية الكبرى في قصر شيبوقلي» وجرت هذه الذكرى في خاطره. فأخذ يترخّم على عبد الحميد وعلى أيام الكونتيسة... وعلى ملك أضاعهء وصار يردّد تلك الجملة التى كان سمعها من الكونتيسة» وغ أذ النبنادة السفيقية والهناء:والضفاء [نما :تكو فق المحة. ...2 ومرت الأيام بكل هؤلاء العشّاقء وطويّت أسرار كثيرة وبقيت في الطروس: آلام إسماعيل صبري» وآمال ألكسندرا في استمالة أمير البلاد: وزواج الخديو من المرأة النمساوية”"' . © نُشرت في مجلة «الهلال» عدد أاكنوبر/تشرين الأول ٠٠١4‏ )03 ترورج الخدير من هله المرأة رهي مجرية وليست نمساوية» ولكن لأن المجر تكوّن مع النمسا إمبراطورية النمساء فمن حقها القول إنها كونتيسة نمساوية وهي ليست كونتيسة. وقد طلقها الخديو. ١4٠ 0142 لأباك اأسان لبان ا لباك لان الاك لان لمان الماك لان الال الال ال لان المجلة المصرية وتجديد الشعر الع ادع صدرت «المجلة المصرية» في مطالع القرن العشرين» وناشدت الشعراء التجديدء في زمن تعالت فيه صيحات التغييرء ونشط فيه العراك بين القديم والجديد. وبالرغم من تعاظم فريق المحافظين» فإن المجتمع كان يتحول تدريجياً. ففي تلك الآونة كانت الدعوة إلى تحرير المرأة وإصلاح الأزهرء وانتشار الكتب والروايات الأوروبية المترجمة» ونهوض القرق المسرحية» وتعدد المدارس الأجنبية» وشيوع الجرائد والمجلات وتنوع مشاريها ومخاطبتها الجمهور في حرية» وغير ذلك مما استجدٌ على مصر وحفلت به الفترة الأخيرة من القرن التاسع عشرء ودعوة «المجلة المصرية» إلى تجديد الشعر ينسجم مع تيار التغيير الذي طرأ على مصر في ذلك الوقت. على أن «المجلة المصرية» ليست المجلة الأولى السابقة في الدعوة والتطبيق»؛ فثمة إرهاصات سالفة» نذكر منها أرجوزة نشرتها مجلة «المنظوم؟ (إبريل/ نيسان 14847)»: توصي الشاعر بأن ينشد الحقيقة والصدق» ويكون شعره «في غاية الرقة والسلاسة» مع سلامة الذوق «واسّمَ إلى الذوق السليم واجتهد؛ء والاقتصاد في النظم مع عدم الإخلال أو الإطالة دون إملال» وتتحدث عن #تناسب الأعضاء؛ في البيت» وتحث الشاعر على عدم الخروج عن موضوعه: وشاعر يخرج عن موضوعه يجبره الفن على رجوعه 14١‏ وتشير إلى ترتيب الأبيات في القصيدة «ويحسن الأبيات في الترتيب»» وتتوالى التنبيهات والوصايا ليكثر الشاعر من التفئنن والرصف. وهذه الأرجوزة النقدية لا تخلو من جديدء فالقول بتناسب الأعضاء وترتيب الأبيات في القصيدة يعد إرهاصاً بما قيل فيما بعد على نحو ما سنذكرء وتنبيه الأرجوزة إلى مراعاة عدم خروج الشاعر عن موضوعه يعد إرهاصاً آخر بوحدة الموضوع في القصيدة؛ كما أن حديث الراجز عن الاقتصاد في القول مع عدم الإخلال أو الإطالة دون إملال يعني الصدق النفسي والجمال الفني جميعاء فلا يكلف الشاعر نفسه مشقّة الإطالة دون أن يلبّى طبعه ذلك». وهي دعوة صريحة للإتقان القني . والصدى النفسي مبدأ نقذي ردّده المجدّدون كثيراًء ويزداد إلحاح الراجز على الإتقان الفني بحديثه عن سلامة الذوق وورود المعنى في رقة وسلاسلة؛ أي في تعبير جميل» وهو مبدأ نقديء وقد عرف العقاد الشعر بقوله: «التعبير الجميل عن الشعور الصادق». ونظرات الأرجوزة النقدية تعمل على تعديل القصيدة وتثقيف ذوق الشاعر. وفي سنة 18817 نشر نجيب الحداد مقالاً في مجلة «البيان» وازَّن فيه بين الشعر العربي والشعر الأوروبي؛ يعنينا منه أن الإفرنج أؤلوا الروايات الشعرية اهتمامهم. وفي مجلة (أنيس الجليس» -١8948(‏ 7 ) نجل فيها قصصا شعرية قبل صدور "المجلة المصرية» لأمثال خليل مطران؛ وأحمد الكاشف وغيرهماء إضافة إلى أن «الأنيس"؟ ترجمت عن مجلة أمريكية وصفها للشعر بأنه «مفاتيح لمغالق الطبيعة تبدو به محاسن التصورات وتلوح منه خفايا الكون المحجبات» وأن الدنيا مملوءة بمحاسن الصور والتصورء وكثير منها يبدو في الظاهر قبيحاًء ولكن ليس غير الشعر كفيلاً بالغوص فيما وراء ذلك القبح واستخراج 1 الحسن منه أو توي وهو تعريف جديد للشعر فى ذلك الوقت يوافق المذهب الرومانسي. ولا يعني كل هذا أن الشعر العربي تجدّدء أو تكوّن حزب كبير من الشعراء المجددين» فما ذكرناه وغيره ليس إلا ومضات تبرق وتنطفىء؛ فقد كان الشعر التقليدي بكل أبعاده وأعلامه مسيطراً على الساحة» وله نفوذه القوي في الدوريات وفي نفوس القراء. ومن هنا لم يكن في وسع «المجلة المصرية» أن تمثل الشعر الجديد فحسبء وتقود حملة نقدية على التيار الكلاسيكي» وتتعاجب بشعرها وتتخايل على شعراء زمنها. كما أن مطران الهادىء الوديع ليس من سجاياه أن ينازل ويعارك من أجل تثبيت مبدأ ارتآهء وإنما حَسْبه أن يقول رأيه ويعكل لهء ويترك الآأمور تجري في أعّتها . المحلة المصرية: صدرت المجلة المصرية نصف شهرية في أول يونيه/ حزيران عام في أربعين صفحة لصاحبها خليل مطران» ومدير تحريرها محمد مسعودء واستمرّت في الصدور حتى آخر مايو/ أيار 219017 ثم توقفت لانشغال مطران في إصدار «الجوائب المصرية»»؛ ثم عادت للظهور مرة أخرى عام :»١1404‏ واحتجبت نهائياً عام .141١‏ والمجلة مزيج من الأدب والتاريخ والعاديات والقضاء والزراعة والاقتصاد والفلسفة والعلوم. مع تعريب بعض الفصول التي كتبها علماء الغرب عن الشرق مما لم يسبق نشره»ء وتلخيص كتب مهمة صدرت في الشرق أو في الغرب... ولكن بالرغم من هذا التنويع» فإن المادة .1899 أنيس الجليس» يونيه/ حزيران‎ )١( 0 الأدبية أوفر. وبيخاصة في السئة الثانية عندما زاد عدد صفحاتها راتحت أبواب في أيواب. أما نهجهاء فقد أعرب عنه مطران في العدد الأول بقوله: «أما الخطة التي آثرناهاء فإنها غير داخلة في حكم شرعة معلومة» ولا منتهجة مذهياً من المذاهب المرسومة» ومن قواعدها الأساسية اجتناب البحث في الدين والسياسة» واطراح مبتذل القول ومطروق المعاني. ..»2. وقد سارت المجلة على هذا النهجء فلم يكن لها اتجاه معلوم. ولا مذهب أدبي محددء لذلك تجد على صفحاتها شعر البارودي. وإسماعيل صبري». وأحمد شوقي» وحافظ إبراهيم: وغيرهم من زعماء الشعر التقليدي». إلى جانب أحمد الكاشف وأحمد رمزي والكاظمي ومحمد إبراهيم هلال؛ وجميعهم من الشعراء التقليديين» ويقف بين هؤلاء الشاعر الناقد خليل مطرانء. وكان أحمد شوقي أكثر الشعراء حقيورا في المجلة؛ إذ حفلت معظم الأعداد بشعره ونثره. 5 انتقاد الشعر القديم : ويبدو أن خليل مطران كان مستعداً لبدء دعوته للتجديد» فمنذ العدد الثاني أذ ينتقد أغراض القصيدة العربية القديمة»ء ويرميها بالتفكك؛ وتعدد الموضوعاتء وتدابر الأجزاء» يقول: «أخنى على الشعر تحوله عن الغاية الشريفة التي خُلق لها إلى أمور خاصة» كالمدح والتشبيب والفخر والهجوء وأمثال هذه الأغراض في قصائد لا ارتباط بين معانيهاء ولا تلاحم بين أجزائهاء ولا مقاصد عامّة تقام عليها أبنيتهاء وتوطد أركانهاء وربما اجتمع في الواحدة منها ما يجتمع في أحد المتاحف من النفائس» ولكن بلا صلة ولا تسلسل» وناهيك عما في الغزل والثناء وشكوى الدهر ووصف الجواد والئاقة» وميادين الحرب 14 وضرب الأمثال وإرسال الحكم من المواضيع التي لا يضمها موضع إلا تتشاتم وتتلاكم وتتناهب ذهن القارىءء ذاهبة به كل مذهب بين السماء والأرض» .)19٠00/5/١5(‏ ودلّل على ما يقول بأبيات للمتنبي لا تناسق بينهاء ولا تواصل بين معانيهاء فمطلع القصيدة في شكوى الغرام. ومقاطعها في وصف الحبيبة والتطلع إلى النجوم؛ والفخر بالشجاعة والشاعرية» ثم أخيراً مدح ابن عبد الله» وهو الموضوع الرئيسي الذي نظمت القصيدة من أجله. وقد أصاب سهم مطران القصيدة العربية» والخروج من موضوع إلى موضوع كان تقليداً في الشعر القديم واستمر إلى العصر الحديث» فكان أحمد شوقي يستهل بعض قصائده بالتشبيب أو النسيب ثم يتخلص إلى المديح. وعندما هنأ الخديو عباس بنيشان آل خندان» كان مطلع قصيده: «علّموه كيف يجفو فجفا.. .»2 واستمر على هذا النحو تسعة أبيات ثم تناول النيشان» ولم يجرؤ مطران على انتقاد شوفي؛. ورجع القهقرى إلى القرن الرايع الهجري واختار المتنبي» ولكن «الكلام إليك يا جارة». وغاية ما يريده مطران من حديئه النقدي أن تتماسك القصيدة وتتلاءم معانيهاء ووضّح مراده في مقدمة ديوانه الصادر عام م140. عندما قال إنه «ينظر إلى جمال البيت في ذاته وفي موضعهء وإلى جملة القصيدة في تركيبها وفي ترتيبهاء وفي تناسق معائنيها وتوافقهاء مع ندور التصورء وغرابة الموضوع ومطابقة كل ذلك للحقيقة وشغوفه عن الشعور الحره وتحرزي دقة الوصف. واستيفاثه فيه على قدر». وقد انشغل مطران بترتيب الأبيات» لأن العرب كانوا ينظرون إلى وحدة البيت؛ أي أن كل بيت يستقل بمعنى ١‏ وترتيب الأبيات يعني تسلسل المشاعر والخواطرء وهذا من شأنه يجعل القصيدة أوفر فنا وأكثر إفصاحاً عن الشاعر. فضلاً عن تآلف المعاني وهو الاتجاه الحديث في الشعر. ل وهناك شق آخر في نص مطران السابق» وهو إشارته إلى تحول الشعر إلى (أمور خاصة» كالمدح والتشبيب والرثاء. ويقصد بذلك #الشعر الغنائي» أو الذاتي الذي يظهر فيه الشاعر أحاسيسه الشخصية» ويترجم عن ذاته . ويرمي مطران من وراء هذا الانتقاد إلى الموضوعية أو فول الشعر في الموضوعات الحكائية لتتماسك القصيدة» وتكون أعم فائدة. وقد ساير حافظ إبراهيم دعوة مطران ونظم فصينلة ينتقد فيها الشعر والهجاءء قال''؟: ضعت بين التّهى وبين الخيال2 يا حكيم النفوس يا ابن المعالي ونسيب ومدحة وهجاء ‏ ورثاءوفتنة وض لال آن يا شعر أن تفكٌ قيوداً قيّدتنا بهادعاةالمحال فارفعوا هذه الكمائم عنا ودعونا نشمٌ ريح الشمال ولعل ريح الشمال كناية عن أوروبا وآدابها التي تنتهج نهجاً غير نهجناء وبالرغم من قول حافظ هذاء فإنه كان من زعماء الشعر التقليدي. وقد نظم الشعر بين النهى والخيال» وقاله في المدح والهجاء والرئاء. ولكن لا نعدم جديداً في شعره مثل قصيدته في ضرب الطليان لبيروت سنة 7١4١؛‏ لأنها تشبه الدراما الشعرية. وقد كانت معظم القصائد التي نشرها مطران في مجلته رومانسية الطابع؛ إذ استرسلت فيها عواطفه ونشطت مخيلته؛ وران الحزن على بعضها مثل «المنديل»» «المرآة الناظرة»» «بدري وبدر السماء؛» وهذه القصائد تظهر رهف العواطف» وزخم المشاعر. واستفاضة الوجدان. مع .15:٠/١7؟/١6 المجلة المصرية‎ )١( 55 التمهّر في الوصف المني والتصويرء وترابط أبيات القصيدة ووحذة موضوعها. والاتجاه الوجداني كان خطوة واسعة فى سبيل تجديد الشعر ؛ صة . 1 ومن مظاهر رومانسية مطران قصيدة «الوردة والزنبقة» (فبراير/ شباط »١‏ وهي كتاب من ليلى إلى عزيزء وقد كانا جارين متحابين» فلما وقع النوى احتجب المحبّ» وتصوّر ليلى برح الهوى وشقاءهاء بعد أن ذوى أملها وهبط بها اليأس إلى الهاوية» وانعكاس ذلك على كل شيء؛ حتى الأزهارء فعندما تفقدت روضة ألفت وردة مستكينة حزينة» ويجانبها زنبق له قامة كالرمح»؛ كلما استمالته إليها نفر واستكبر وتحوّل عنهاء وكانا من قبل حبيبين : فكان إذا مرّت به نسم الصبا يميل إليها عاشقاً يتغرّل يداعيها جهد الصبابة والهوى ويعرض عنها لاعباً ثم يُقبل ويرشف كل من جبين حبيبه دموع الندى خمراً رحيقاً فيثمل ولكنه لم يلبث العود أن قسا فلم تكن عطفيه جنوب وشمأل فشقٌّ عليها بينه وهو جارها وباتت لفرط الحزن تذوي وتنحل ولما جما الذنبق ذهب جمال الوردة؛ وعما قريب يموت العاشقان من الجوى. ثم يبيّن الشاعر على لسان ليلى أن العاشقة وحبيبها النافر مآلهما كالوردة والزنبقة إلى الذبول والفناء» والقصيدة زاخرة بالصور والاحاسيس» ومشاهد الطبيعة التي استقراها الشاعر وعبّر عنها في إطار فني» وأسبغ عليها ما يناسب روح المحبوبة الحزين الأسيانء أو أسقط عليها حالتها . ومن هنا أدركت ليلى سر الوردة الذابلة». والقصيدة في هذا الإطار الفني تعد من الأعمال الرومانسية المبكرة. ١11‏ وأخذ مطران يعمق الاتجاه الرومانسي بما أبدعه؛ وما قاله؛ وما ترجمهء فقد ترجم قصيدة عن الفرنسية للشاعر الإيطالي «مارتيني؟ لا تخلو من الرمزء وبترجمته «لفكتور هوجو» أحد رموز الرومانسية «الذي أحدث المذهب الكتابي المعروف بالمذهب الروائي إيكول رومانتيك». فأطلق فيه الكلم من عقاله القديم» ووسّع نطاق التصور... بحيث انحلت القيود التي كان يرسف فيها الفكرء وسقط الحجاب الذي كان حائلا دون الابتكارء وانفتح الباب رحيباً في وجه كل مبتدع ومتفئن على حسب ما توحي إليه غريزته الخاصة به»”'*. وهذه الكلمات دعاية للرومانسية. وتعريفث بهاء ودعوة لاعتناف مبادئهاء والتفنن على طرائقهاء. من حيث الاستجابة للطبع في العملية الإيداعية؛ وإطلاق الخيال لإبداع صور جديدة. ف القتصص الشعرية: وأكثر ما أقدم عليه مطران في هذا الطَوْر ومارسهء هو القص الشعري؛ والقص الشعري قديم في العربية؛ ونظم فيه الشعراء المحدثون مثل محمد عثمان جلال الذي ترجم حِكم إيثوب في «العيون اليواقظ في الأمثال والمواعظ؛. وإبرأهيم العرب. وأحمد شوقي وغيرهم. ولكن الشعر الذاتي غلب على الشعر الموضوعي في جميع عصور الأدب العربي» والشعر الموضوعي يغلب عليه القص والحكي» ويتغير مضمونه وأخيلته عن مضمون وأخيلة الشعر الغنائي. ففي الشعر الغنائي يترجم الشاعر عن ذاته؛ ويردد هواتف نفسهء ويذكر مرائيه. أما الشاعر الموضوعيء فيعنى بالحياة الإنسانية» ويسرد أحداثاً تتنامى» ويحلل .18٠7/؟/١ المجلة المصرية‎ )١( ١4 عواطف وسجاياء ويتناول واقعات تاريخية وبطولاات». وحكايات شعبية وخرافات» ويحكي على لسان الزهر والحيوان» مما يبيّن أن الشعر الموضوعي مستقل عن الأدب الغنائي حتى وإن كان الأديب يستند فى بعض ما يحكيه إلى تجاربه الخاصة. | وقد فطن مطران إلى القص الشعري وأدرك هزاياهء فقال: «قلما عنيّ العرب بإيراد القصص في الشعر لكراهتهم أن يتقيّدوا فيه بمعنى متصل». ولتجتبهم ما في ذلك من صعوبة إجادة النظم». وإحكام الرَّوِي؛ بخلاق الإفرنج فإنهم جعلوا القصة أساس شعرهمء ثم توسعوا فيه فتناولوا ما شاء الله من الأغراضء ولم يفتهم أن يربطوا أول الكلام بآخره»”' . وانطلاقاً من هذه الرؤية؛ إضافة إلى ما تمنّع به مطران من دقة الملاحظة» وقدرة على التصور والتصويرء أبدع عدداً من القصص الشعرية ونشرها في المجلة المصرية مثل «فنجان قهوة»., «الحمامتان» «سور الصين» «برتقال يوسف» «(العصفور»...» وفي قصته «وفاء» يحدثنا عن فتى ثري راقته فتاة فقيرة جميلة عليلة تتسوّل بالموسيقى» وحاول شراء عفافها بالمال فتمسّكت بالفضيلة» مما زاد من عشقه لهاء وعرض عليها الاقتران بهاء فقالت: وقالت له إني فتاة عليلة قريبة ميعاد الردى المتوقع وإني كما تدري فتاة وضيعة ومئلك إن يُقُرن بمثلي يوضع فقال لها بل يشهد الله بيننا وأسقام قلبي الواله المتوجع بأني لا أبغي سواك حليلة ومهما تسمني صبوتي فيك أخضع لعينيك أرضى بالحياة بغيضة علي فإن عوجلت بالبيّْن أتبع وفي البيت الأخير هنا يعاهدها على أن يتبعها إذا هي. ماتت؛ .19:7/7/١8 المجلة المصرية‎ )١( 14 ويعيش الزوجان نحو عام ينال المرض فيه من الزوجة المسلولةء حتى إذا كانت على فراش المرت ذكرته بعهذدهء وبرأته مله ؟ أي لا يلحق بهاء. وتضرّعت إليه ليذكرها بعد رحيلهاء واشتد تأثير كلامها عليه حتى إذا فارقت الحياة» أصاب سهم الموت قلب الزوج فقضى"''. والقصة اجتماعية غرامية فاجعة» وقد قال مطران أنه سمعها فصاغهاء ولكنها تساير مزاجه النفسي. وأحدائها فيها ملامح من قصة حب مطران التي انتهت بموت حبيبته المريضة» وظل هو عزبا طيلة حياته» والقصة تماشي طابعه الفني الرومانسيء ذلك أن الرومانسيين يربطون في أدبهم بين الحب والفضيلة» ويسمون بالعواطف. ويميلون إلى الحكايات المأساوية ويسعون إلى المثال والكمال. والقصة الشعرية أفعل في النفوس وأبقى من شعر تهنئة وفخر ومديح يعتمد على المغالطة والمبالغة» فالقارىء يشعر أن أحداث القصة متصلة بحياته أو بطرفي منهاء وقد يجد تفسير البعض واقعات جرت له في مواقفهاء والقصة الشعرية تعالج موضوعات مختلفة غرامية وتاريخية ونفسية واجتماعية؛ أي أنها معرض للحياة وألوان النفوس» ومن هنا يأتي وجه أهميتهاء هذا إلى جانب أن القصة حفيلة بالغرائب والمفاجآت والمفارقات مما يشوّق إلى المتابعة والقراءة. لذلك تبنت المجلة المصرية هذا الاتجاهء واعتبرته تجديداً في الشعرء ونشرت عدداً من القصائد القصصية» مثل "سيرة يوسف الصديق» وهي سيرة طويلة وردت في مقاطع كثيرة» متنوعة القوافي وضعها إبراهيم رمزي (الفيومي)؛ و«عرس في معركة» لنقولا رزق الله» وقسم من إلياذة هوميروس التي ترجمها سليمان البستاني وغيرهاء وقد قدّم مطران لهذه .1160 /1١/١8 المجلة المصرية‎ )١( ؟٠.ه‎ القصص وزكاها وحثٌ على قراءتها والنسج على غرارها. ولأحمد شوقي عدة حكايات تجمع بين الخرافة والرمز والواقع. منها المترجّمء ومنها المؤلّف. مثل «مُلق المرأة في الهند؛ وهي خرافية يظهر فيها أن المرأة شر ولكن لا غنى عنهاء و«الهمشري» وتبيّن أن الناس لا يحترمون إلا الغالب» و«أذن الظالم» وتظهر أن تقبيل أقدام الطاغية هو الطريق إلى أذنه ليستجيب إلى شكوى المظلوم. أما أقصوصة «دولة السوء» فيعرض فيها لرجل يملك كلباً وقرداً وحماراًء ويذل جهداً في سبيل تعليمهاء وبينما هو يغط في نومه» جاءته وأيقظته» فقال لها: ما طلب الجماعة؟ قال له القرد طلبت المملكة تكون لي وحدي بغير شركه قالالحمار وأناالوزير والصدر في الدولة والمشير والكلب قال قد سألت الباريا يجعلني في ملك هذا قاضيا فأنكر الرجل مطالبهاء وقال: «الموت ولا ذي الدولة:7 . والأقصوصة خفيفة طريفة» ترمز إلى هؤلاء الذين أوتوا من العلم قليلاً : وأطماعهم واسعة» وطموحهم أبعد من إمكاناتهم» وقصد شوقي أن الجهّال إذا قبضوا على نواصي الأمورء فإن الدولة تصير «دولة سوء». تلك هي الخطوط الرئيسية في مجال تجديد الشعر التي وقفت عندها «المجلة المصرية»» وهي خطوط كان بعضها معروفاً من قيل على نحو ما أشرنا في مستهل المقال؛ ولكن هذه الخطوط لم تكن واضحة بالشكل الذي قدمته المجلةء فقد أظهرتها وعمقتهاء وأضافت إليها. وقد انفردت «المجلة المصرية» بنشر نماذج من الإلياذة» وهي عمل ملحمي خارق» وتعدٌ من الأعمال الأدبية الكبرى» وقدمت نماذج وصفية .195٠ /ال/"١ المجلة المصرية‎ )١( غالعنة تعد بمتزلة موشوعات قاقية بذاتها وسحت الخهر ببالتقد أو ولمطران جملة آراء في شعراء عصره؛ من أمثال إسماعيل صبري وشوقي وحافظ واليازجي وإلياس فياض والبارودي وأحمد محرم وأحمد الكاشف؛ نشرها في مجلته في الفترة من مارس/أذار إلى يونيه/ حزيران 4» تُظهر كيف يقرضون الشعرء وتكشف عن مواهبهم الفنية» وتتضمن أحكاماً نقدية» وتبين قدرة مطران على التمييز بين قرائح الشعراء. ولكن ما قاله مطران في النقد لا يكفي لإيضاح مذهب جديد في الشعرء فقد أعوزه المصطلح النقدي. والذين جاءوا بعده كانوا أدلٌ على كلامهم بابتداع مصطلحاتء. والمصطلح تتجمع فيه رؤيةء ويتبلور فيه اتجاهء وبعد إدراك مغزاه يغني عن تكرير الكلام. فمطران تحدث عن تنقل الشاعر من موضوع إلى آخر في القصيدة؛ وتشائت معانيها. وقد عبّر عبد الرحمن شكري عن ذلك بمصطلح «وحدة القصيدة»"''» وتكلم مطران أكثر من مرة عن ترتيب الأبيات وربط أول الكلام بآخره» وعبّر العقاد عن ذلك بمصطلح «الوحدة العضوية»"" . ولا تجد عنده كلاماً شافياً وافياً عن الخيال والجمال والمعاني الشعرية والطبيعة الفنية؛ وما إلى ذلك مما يجب على صاحب دعوة جديدة أن يوضحه ويلمّح عليه ويمثل له» وإذا كان الخليل قد هاجم الشعر القديم لتحؤّله عن «الغاية الشريفة التي حُلق لها إلى أمور خاصة» كالمدح والهجاء والفخر وبقية الأغراض» فإنه سلك نفس المسلك» وديوانه الضخم بأجزائه الأربعة مفعم بقصائد الرثاء والتعزية والتحيات .191١5 عبد الرحمن شكري» ديوان الخطرات‎ )١( 13 فرع عباس محمرد العقاد؛ الديوان‎ 22 والتهنئات بجميع أنواعها والمدائح وغير ذلك من شعر المناسبات» وكان عليه أن يستمر في تجديده ويعزف عن الأغراض التقليدية. ومهما يكن سن أمرء فإن لمطران ريادة في الشعر غير منكورة. وللمجلة المصرية دورها في التثقيف والتوجيه والتجديد» فضلاً عما تركته من آثار باقية في الشعر الجديد والتثر البليغ» فمطران الشاعر مثل مطران النائر كما قيل. 5م نُشرت في مجلة الهلالء عدد يوليو/تموز ٠٠٠١‏ ؟ مصطفى تأمل لمدام ادم 3 جسوهويهبت فى هذا الفصل مقال ادبي وحث خلقي وصفحة من التارمض ما أترب الس وما ا ده 1 ان الذي كان البارحه همة ماضية وحزماساطماً وشجاعه غالبة ومثابرة غير ممزعزة ويييئا غير متفلفل ووطنية كانبة خاطة مناضلة ساهرة عاملة مجنسمة جسم مصطف كامل ومسماة باسمه قد أصبح اليوم وهو تأرريخ . لحق سير المتقدمين من قادة الام وحل عه سس أخاز الامال والالام الني نداولتأعمار الابطال الذينجاهدوا فى محرير بلادم وختم غالاف «المجلة المصريةه العدد ه السنة الثائثة 5 ا 0216 16ب لماك الماك امال الال الماك الاك الاك لبان لان لبان الإ 01 الشيخ مصطفى عبد الرازق قف آثار 8 الأدبية اشتهر الإمام الأكبر الشيخ مصطفى عبد الرازق في مجال الفكر بأستاذيته في الفلسفة الإسلامية» وقد بوّأته كتبه ودراساته في هذا المجال مكانة عالية. وإذا كان الدارسون يذكرونه بأعماله الفلسفية» فإن الشيخ مصطفى له دوره في مجال الأدب والنقد منذ بذاية القرن العشرين». فأشعاره مشرقة بالخيالات الجميلةء ومقالاته ملأى بالنظرات الصادقة» والكلمات الراوية للفؤاد. وإذا كان الكتّاب انشغلوا عن آدابه بفلسفته. فإننا نعرض هنا لبعض جهوده الأدبية والنقدية. ولد الشيخ مصطفى في قرية «أبي جرج» من أعمال المنيا عام 6 . وأخذ يتلقّى العلم الأولي فيهاء ثم التحق بالأزهر الشريفء. وهو فى هذا الطور من حياته تفتحت مواهبه الشعرية» وتظهر المقطعات والقصائد: التي نشرها في مجلة «الموسوعات» منذ عام ١4٠0٠‏ عاطفة زاخرة بالشاعرية؛ قادرة على الإفصاح. ودونك ما قاله فى وصف «غزالة النهار. .»: راقتني الشمس في ثوب الغمام على همنصة الأفق تزهو ثم تحتجب كأنها غادة تبدو لعاشقها في غرّة فتراه ثم تئنتقب إننا ندرك أن حاسة الجمال متوافرة لديه» والتصوير الدقيق من ملكاته» وأهم ما في الشعر التصويري الحياة والحركة» وهما موجودان في البيتين» فقد نقش بالقلم صورة حركية للشمس وهي تزهو وتحتجب ©؟ي3»>> بين الغمام. وشبّهها بالحسناء التي تظهر لحبيبها ثم تنتقبء وهي أيضا صورة حية متحركة» وجعل الصورتين ترتبط إحداهما بالأخرى فاتسمت الحركة بالقوة والوضوح. ومما قاله أيضاً في الوصف والتصوير”'؟: كأنما الشمس يرى وجهها وتكسقا مو دن عر السيحات غائبة في نفسهاعقة يخجلها الريح برفع الثياب ومثل هذا الشعر جدير بصاحبه أن ينتظم في قولهء فيرتفع به شأنه. وقد نظم شيخنا عديداً من القصائد فى «الموسوعات» وفى «المثار» وغيرهماء وجارى الشعراء القدامى مثل (البستي»؛ وهتأ ومدم ورثى أستاذه الشيخ محمد عبده»ء وله شعر يحاول أن يكون فيه حكيماً. كل ذلك كان في نشأته الأولى» وقد انصرف عن قرض الشعرء وأجاب أخاه عندما سأله عن علة انصرافه عن الشعر بقوله: «إننا شُغلنا هنا بالحقيقة عن الخيال». َي الترجمة الذاتية: وعلى أثر حصوله على درجة «العالمية» من الأزهر عام 214٠4‏ تولى التدريس في مدرسة القضاء الشرعيء وكان الشيخ عبد العزيز جاويش قد ساعد في إنشاء مدرسة تعلم اللغة الفرنسية؛ فالتحق بها الشيخ وتلقى دروساً فيها. وفي عام 404١م‏ استقال من مدرسة القضاء الشرعي» وشدٌ الرحال إلى فرنسا لإتمام تعليمه. وفي فرنسا درس في جامعتي «السربون» و«ليون» على أساتذة أجلاء مثل «دوركايم)» وغيره» ويبدو أن الحياة في فرنسا طابت له وهوّنت عليه :١4٠٠ مجلة الموسوعات؛ ديسمبر/ كانون الأول‎ )١( ىىى<(أثظ‎ الاغتراب» فقد انطلق إلى الريف والمدنء وتعرف بسيدات ورجال» بعكس الشيخ رفاعة الذي لم ير إلا الأماكن التي اضطرته الظروف أن يراهاء وبين عامي 1١9475‏ 1955 نشر الشيخ مصطفى مقالات في جريدة «السياسة»؛ تحت عنوان «مذكرات مسافر»» سجل فيها قدرا وافيا من مشاهداته في فرنسا . وهذه المقالاات قطع أدبية خالصةء. وهي من نوع الأدب الذاتي ؛ لأنه يربط فيها بين نفسه وما رأى» ويعرض فيها انطباعاته وتجاربه بصور لامعة شكلها بخواطره ومشاعره وأحاسيسه؛ وتظهر ترقي مداركه» وقوة ملاحظته» وصفاء عبارته وبلاغتها . ومن أهم ما يلفت النظر في هذه المقالات» الموازنة التي كان يعقدها بين الحين والحين بين المجتمعين الفرنسي والمصري». وهي سمة عامة عند كل من يزور قطراً أجنبياً ؛ إذ لا بدَ أن يتبادر إلى ذهنه الفارق بين ما يجري في وطنه وما يجري في الأوطان الأخرى. فهو يوازن بين المرأة الفرنسية السافرة التي «تهتك ستر النحور والظهور وتفشي سر الصدور». مما جعل الكنيسة تعدّ ذلك إخلالاً بالحشمة». والمرأة المصرية التي تسدل النقاب على وجهها الذي أذن الله بكشفهء وتبدي من جسمها ما حقه أن يسترء وفي ذلك ما فيه من مخالفة الدين؛ وما يود أن يذهب إليه الشيخ مصطفى أن المرأة في الحالتين مخالفة. والصورة التي قدّمها الشيخ مصطفى للمرأة الفرنسية» هي نفسها التي قدّمها سلفه الشيخ الطهطاوي في «تلخيص الإبريز»؛ إذ قال: «يكشفن من الرأس إلى ما فوق الثئدي؛ حتى يمكن أن يظهر صدورهن». وتلتقط عينه مشاهد في فرنسا تلكره بمناظر في مصرء فقد شاهد في الريف الفرنسي سيدة نصبت تمثالاً صغيراً للسيدة العذارء» وجثت متضرعة أمامه ترتل وتبتهل وتتوسل حتى يل للشيخ مصطفى أن ذلك لا الحجر المنحوت يرق لتوسلها. ذكره هذا بمقام السيدة زينب» فبينما كانت السيدة الفرنسية تصرخ قائلة: فيا مريم يا أم الإله»! كان الشيخ مصطفى يصيح: «يا سيدة زينب يا بنت الإمام»! ففي فرنسا أناس يتقربون إلى الله وََْ بوسائط مثلنا . ويزور صديقاً مريضاً في #هوت فيل»؛ ويبيّن أنه مع كل مريض «مبصقة»» ويتذكر الناس المرضى والأصحاء في مصر الذين يبصقون في كل مكانء بل ويشير إلى من يبصق في وجه الآخر. مع أن الإسلام يجعل الطهارة من الإيمان» فلا يحق لهؤلاء أن يلوثوا الأرض بأقذارهم وجراثيمهم . ومن ملاحظاته الذكية قوله بعد أن زار لندن: «ليس الشعب الإنجليزي من أقل الشعوب ولعاً بالشراب» لكنه من أقلها سكراً. أما نحن في مصرء فقد نكون من أقل الأمم شرباً للخمرء ولكننا من أكثر الناس سكراً»» وهو يشير هنا إلى حالة السكر حتى الثمالة عند المصري. وصياحه وعربدته وترنحه وسيره في الشارع وهو على هذا المنظر. والكلام كثير عند الشيخ مصطفى في هذا الاتجاهء ونكتفي بهذا القدرء ولكن لا بد من إشارة لما ذكره عن الدكتور منصور فهمي. ففي «إكس ليبان؟ زار سيدة فرنسيةء فوجد بين ضيوفها طبيباً» وقد خاطبه هذا الطبيب قائلا: (إنني سمعت الفيلسوف بيرجسون يذكر بالإمجاف عالما عن علماتكم امه متصون توم ». ريسيد لدكهاةة حسنة؛ فهل تعرف منصور فهمي؟. .. قلت: نعم يا سيديء ذلك أستاذ الفلسفة في الجامعة المصرية؛ وشعرت ساعتئذ بشيء من الفخر لمصر الناهضة التي يشهد لفيلسوفها الشاب إمام فلاسفة العصر». ويضيف الشيخ مصطفى إلى ذلك أن «منصور فهمي سيظل فخرا لمصر ومظهراً من مظاهر مجدها العلمي؟. 4 والدكتور منصور فهمي الذي نال إعجاب بيرجسون والشيخ مصطفى. حصل على شهادة الدكتوراه من السربون في «المرأة المسلمة». وفي هزه الأطروحة التي أشرف عليها ليي بريل اليهودي تهججم على الإسلام وأساء إليه» وقد فصلته الجامعة لهذا السبب. ولم يوضح الطبيب الفرنسي علة إعجاب بيرجسون بالدكتور منصور فهمي . وهذه الترجمة الذاتية أو «مذكرات مسافر» التي حكى فيها رحلته من البداية إلى النهاية» لا تظهر أنه رغب في أن يشغلنا بأخباره» ومتابعة أسفاره فحسبء وإنما مزج فيها بين الذاتي والموضوعيء فأظهر بعضاً من السلوك الاجتماعي في أوروبا وقارنه بمثيله في مصرء ليبيين عوامل النهورض ومظاهر السقوطء كما أنها توضح أنه متفتح الحس يعشق الجمالء. فهو يحدثنا عن المراقص والمعارض والحدائق والمنازل والنساءء وكل ما يطرب النفس ويأخذ العين. 8 القصة القصيرة: على أن الحديث عن رحلته إلى فرنسا لم ينته بعدء فأثناء إقامته أصيب بمرض فى صدرهء» وظن أنه سيموت» فكتب مذكرات» وعندما شفي نشرها في «الجريدة» عام 21414 تحت عنوان «صفحات من سفر الحياة» ونسبها إلى الشيخ حسان الفزاري؛ وقد ضمها كتاب «من آثار مصطفى عبد الرازق»» وما يعنينا من صفحاته أنها تتضمن قصصاً قصيرة تُحسب من تلك المحاولات الأولى في القصة. وقد أرّحْ الدارسون للقصة القصيرة وذكروا أعمالاً قصصية وتواريخ محددة لبدايات القصة القصيرة» منها مجموعة «في بيوت الناس» للطفي جمعة :)١14:05(‏ «أحسن القصص» لصالح حمدي حماد ».)١91١(‏ «سنتها الجديدة» لميخائيل نعيمة :»)١9١4(‏ قصص محمود عزى في صحيفة «السفور» :)١91١6(‏ «ما تراه العيون» لمحمد تيمور (/941719١)غ‏ وكان يجب "4 أن يشار إلى قصص الشيخ مصطفى عبد الرازق التي نشرها في «المؤيد؛ عام »)١415(‏ فهي تواكب تلك الفترة. وتحوي «صفحات من سفر الحياة» عدة قصص عناويئها تواريخ الأيام؛ إذ جاءت على هيئة مذكرات» وكل قصة تحكي موقفاً من مواقف الحياة أو تصور مشهداً من مشاهد المجتمع. والشيخ مصطفى بارع في توصيف المناظر ينقلها إليك بعبارته» وكأنك تراها. ففى إحدى هذه القصص يتحدث عن طالب أزهري ؛ هو الشيخ 6 الذي يزور شيخ رواق» تقام عنده حلقة ذكر ليلة الجمعة من كل أسبوع» ويحضرها مجاورون وعلماءء وبعد أن يرحب به شيخ الرواق يدور بيتهما حديث» ويخيره أن الشيخ محمود هو منشد حلقة الذكر. ويأخذ الشيخ الفزاري في تصوير حلقة الذكرء فبعد أن ملو جماعة انتظموا عقداً محور دائرته مدير الحلقة» وجلست المجموعة الأولى على هيئة التشهد توقع حركات بطيئة مرتية على صيحات: الله. . الله. (وأخذ المنشد يهتف بنغمات متشابهة مادد. . مادد؛ 3 0١‏ مدير الحلمة؛ ووقفناء 0 إلى طبقة بانية هترز يمنة فاللين: ” . الله» ونهتز يسرةً قائلين: «آه.. آه. . الله»؛ وبعد واي القر تأعلنا نهو وقوضنا هرا سريعاً متوالياً. تصاحبه صيحات: الله الله .الله الله. . .) وعلى هذا يمضي المؤلف في قصته. 077 نبعابك حي يبين حركات الذاكرين النامية الساخنة» كأنه مشاهد مرئية متتالية؛ وتصوير مكثف له دوره في التأثير. والتأثير أحد سمات القصة القصيرة» ومع أن الإيقاع سريع وفي زمن محدود.ء فإن المؤلف يعرض موضوعه عرضاً تفصيلياً تأملياًء ويبرز ظاهرة دينية اجتماعية عليها مسحة شعبية» بقصد انتقادها. يقول الفزاري: «أعوذ بالله أن تكون من دين الفطرة تلك الهزات المضطربة» وذلك الهدير تفيض به 1 الحناجر . . . كلا إنهم حرصوا على حركات تقليدية تشوه جمال الخلقة الإنسانية ونظامها». وتشتمل القصة على حوار بين الفزاري وشيخ الرواق» يشارك في رسم ملامح الشيخ؛ ويساهم في نماء القصة وتوصيل الموقف إلى حلقة الذكرء وهو محور القصة. وإذا كانت قصة «حلقة الذكر؟ واقعية الطابع» فإن قصة أخرى رومانتيكية الاتجاه يمكن أن نسميها عن الحب؟ يذهب فيها المؤلف إلى أن فتى ذهب أصيل يوم إلى الخلاء حتى انتهى إلى قناة معشبة في زراعة قصب» وألقى عباءته؛ واستلقى على العشب» وأخذ يقرأ في كتاب كان بيده أشعاراً فى العشق وأحياناً كان يغنّيهاء وبينما هو كذلك أقبلت نتباك الملء جرارهو واسكمفن: إلى اصوته» .وهو يتزارى عنهن + وكانت صغراهن متأثرة بغنائه» وعند انصرافه التقت عينه بعينها. وفي اليوم التالي عاد القتى إلى مكان الأمس. وعادت الفتاة الصغيرة وحدها وهي «ذات قامة وافرة من غير أن تكوّن طولاً. نحيفة من غير أن يذهب التحول بحسن التناسبء» بين ما يعلو ممتلثاً وما يهبط أهيف. جسم كأنما صب في قالب. فلست ترى في خطوطه عوجاء رشيقة لطيفة ذات وجه يملك القلب. . .؟: ودنا الفتى من الفتاة ودار بينهما حوار ساهم في بناء القصة من الناحيتين الموضوعية والفنية» وأكّد ميّْل كل منهما للآخرء «ولبثنا ساعة سكوتاً نتبادل نظرات ناطقة»» ولما شعرا بقادم انتبها من سكرة اليست: والقصة»؛ وإن كانت بسيطةء فإنها ذات نزعة رومانسية» إذ تتحدث عن الطبيعة؛ وتعرض لما في النفوس من ألم 00 وميل إلى العزلة والوحدة؛ وكلها من علائم الرومانتكية التي كانت تلوّن آدابنا وقتئذ. رهناك قصص أخرى مثل قصة الشيخ 0 المطلاق الذي لا يقضي مع الزوجة أكثر من ثلاثة أشهر ويطلقها لأنها لم تحمل» ثم يذهب "1١ لغيرهاء ويعالج فيها قضية تعدد الزوجات. وقصة التحقيق في حريق احترق فيه شخصء ويتناول فيها كيف يمنح المحققون والحكام حرية لأنفسهم أثناء التحقيق ويسلبونها ممن يحققون معهم. وغير ذلك من قصص تعرض لأوضاع اجتماعية متردٌية. ومهما يكن من أمرء فإن محاولات الشيخ مصطفى تعد خطوة على طريق القصة القصيرة. 2 النقد الأدبي : وعندما عاد الشيخ مصطفى من أوروبا عام )١915(‏ اشترك مع عدد من الشبانء مثل الدكتور محمد حسين هيكل» وعبد الحميد حمدي وغيرهماء وأصدروا جريدة «السفور؛» عام .)١9416(‏ وفي هذه الجريدة كتب الشيخ عشرات المقالات في موضوعات كثيرة» من بينها «التقد الأدبي؟؛ وقد جمع الشيخ علي عبد الرازق هذه المقاللات في كتاب «من آثار مصطفى عبد الرازق». وهذه المقالات النقدية التي كتبها في «السفور» وفي «السياسة» وفي «الثقافة». علاوة على كتابه عن «البهاء زهير» تظهر ميله إلى التجديد. وقد كانت هناك ثورة على الشعر التقليدي الذي يجاري مناسبات يؤدي فيها الشاعر بغير حماسة أو حرارة» أو بغير فيض من شعوره وتجاربه» وقد كتب عبد الرحمن شكري والعقاد والمازني وغيرهم فصولاً من النقد تتناول هذه القضية الأدبية» وشارك الشيخ مصطفى في هذه الحملة بمقالة نشرتها «السفورة )١9١7/5/858(‏ ذهب فيها إلى أهمية الصدق في الشعرء فقال عن النسيب: «ولقد نتمنى أن يعلم شعراؤنا حق العلم أن النسيب مسلك في الشعر وعر؛ لأن المجيد فيه لا بد أن يكون ذا لوعة تهتز أوتار قلبه بتباريح العشق الكبير». فالشيخ مصطفى يؤكد هنا على التجرية» والشاعر المجرب أكثر 51 صدقاً وتأئيراً في النفس من الشاعر المقلد؛ لأنه قادر على الإفصاح عن تجربته ونقل الأحاسيس الغامضة بعبارة ناطقة» وله لغته؛ إذْ يختار الألفاظ التي تتناسب مع حالته؛ وينشىء الصور الأدبية الخاصة به التي تساير نجر بته . أما الشاعر المقلد. فإنه يتشابه مع غيره . ونظراً لاعتقاده الراسخ فى أهمية التجربة في مجال الإبداع الشعري» فإنه أثنى على شعر البارودي الحماسي لأنه يناسب حياته وروحه. أما تسيب البارودي». فقد قال عنه: إن أكثر ما في غزل البارودي من الروعة والجمال آتِ من ناحية المهارة فى الصناعة. . .2. أما الوجد الحقيقي الذي يعانيه العاشقء :قلا مصداق له فى شغر الباروديء وهذا خلاصة رأيه. ١‏ إن المبدأ عند الشيخ مصطفى صحيح. وشو أن التجربة أقرى من الصناعة. ولكن تطبيق هذا القول على شعر البارودي لا يخلو من خطأ؛ فارس قائد شاعر ثري مثل البارودي: «أتراه لم يجرب العشق؟؟ لقد نقلت د. نفوسة زكريا في كتابها عن البارودي قول السيدة سميرة ابئة البارودي: #كان يحب وكانت له أكثر من محبوبة»؛ وكانت كل واحلة منهن تنافس الأخريات لتكون ذات حظوة عنده»», ألا يعبّر شعر البارودي عن هذه التجارب؟ ومن نظرات الشيخ مصطفى انتقاد قدامة بن جعفرء عندما أسرف في مدح الرخاوة والتذلل في شعر النسيت”* وهو محق في هذاء فعلى العاشق أن يتماسك ويتمسك برجولتهء فلا يخور أو ينهار أمام امرأة أو يعذلل لها في غزله. وفي (1944/5/17) هاجم العقاد في صحيفة ,1811 جريدة السفورء يونيه/ حزيران‎ )١( "1 «الجهاد» ديوان «وراء الغمام» لإبراهيم ناجي لظهور سمات الضعف والاضمحلال عليه؛ لأنه كان يفهم الرقة بأنها البكاء والشكوى. ومن قبل هاجم المازني روايات المنفلوطي الرومانسية الملتاعة؛ لأنها لا تشدّ من عزيمة الشبان وتصيبهم بالفتور. وقد عد الشيخ مصطفى في كتابه «البهاء زهير» (1970) (لغة الحياة الجارية فى بساطتها ومرونتها لغة للشعر». وهو المذهب الجديد الذي أتى به البهاء زهير وجرى عليه وجاشت به نفسه وفاضت به عواطفه على حد قوله. وهذا مبدأ في النقد وأسلوب في الشعر يتحرر فيه الشاعر من الألفاظ القاموسية» وينطلق تعبيره دون قيد ليمتزج بالحياة والواقع. وهذا المبدأ من المبادىء التي حسبها بعض الأدباء العالميين تجدّد الأدب وتجذب النقوس . وقد قال أمير شعراء الإنجليز «وليم وردث ورث»» عندما ثار على الكلاسيكيين» في مقدمة ديوان (حكايات غنائية): «إنني أنتزع من الحياة العامة أحداثاً ومواقفاً أصفها وأرويها من أولها إلى آخرهاء في نخبة مختارة من الألفاظ التي يستخدمها الناس في حياتهم الواقعة"'': فكلام الشيخ مصطفى من شأنه أن يلفت نظر الشاعر إلى صياغة شعرية بعيدة عن التكلف والتصنعء تتجلى فيها نفسه ويظهر فيها طبعه. وللشيخ مصطفى عبد الرازق آراء نقدية كثيرة بنّها في الدوريات المختلفة» فقد كتب في «السفور» عن ديوان أحمد رامي عام ,)١119(‏ وامتدح اختياره للبحور القصيرة ذات الرنين الموسيقي الملائم للذوق العام» وفي «السفور» أيضاً أثار قضية «اللفظ والمعنى» وانتصر للمعنى؛ وهذا يوضح ميله إلى الإبداع في مجال الفكرة. )١(‏ د. زكي نجيب محمود ‏ قشور ولباب. 5121 وعندما نشر توفيق الحكيم مسرحية «أهل الكهف» عام (9777١)غ:‏ كتب الشيخ مقالاً في «السياسة» الأسبوعية (8/ 5/ *197) وقف فيه عند الحوار المسرحي الذي بين طبائع الشخوص وخبايا الضمائرء وأشار إلى ما تضمُّنته الرواية من تحليل للعواطف وانطواء أسلوبها على سخرية؛ وذهب إلى أنها من أحسن القصص العربي الحديث» وقال بإمكان تمثيلها مما يظهر علو ذوقه. وفي أغسطس/آب 195 دبّج مقالاً في «الهلال» عن أبي نواس» كما نشر مقالاً في الثقافة (إبريل/ نيسان )١1954٠‏ عن ديوان الكاظمي» وضّح فيه أن الشعر العربي «ليس محتاجاً إلى الاقتباسات الأعجمية من أوزان لا تطرب أتغامها أذواقناء وعبارات لا تصور فهمنا للأشياء. . .؟؛ أي أنه يؤكد على الوجهة القديمة للشعر من حيث موسيقاه وأوزانه؛ وهناك مقالات كثيرة أخرى في بطون الدوريات» وربما كان في نيته أن يجمعها في كتاب لتكون أكثر حضوراً في الساحة الأدبية» ولكن المنيّة عاجلته في ١9‏ فبراير/ شباط .١441‏ ومجمل القول: إن الشيخ مصطفى عبد الرازق كان من المجدّدين في الأدب والنقد بأسلوبه الأدبي الباهر غير المتكلف» وبموضوعاته المختلفة التي عليها طابع العصرء وبآرائه النقدية الفنية المتزنة التي واكبت التجديد وشاركت فيه. مه نُشرت قِ الهلال» عند مارس/آذار ناف اهارن 5 عارارق [ الطيمة الثانية | 55 ف التأليف والارصمة واليش 4 هم نحا هوام صورة غلاف كناب «البهاء زهير. بقلم مصطفى عبد الرزاق املح لحان نيم عبد الرحمن شكري أبو الشعر الحديث ال ع كان عبد الرحمن شكري زعيم مدرسة التجديد في الشعرء ولا ينافسه في الأسبقية سوى خليل مطرانء ولنا وقفة في هذا المجال» ثم تلاقت معه أفكار المازني فالعقّادء ولم يكتفٍ بنظم الشعر الجديدء وإنما بادر إلى التنظير لمذهبه منذ بواكير القرن العشرين» وقد تحمل بمفرده الحملات الشديدة التي شئها الشعراء التقليديون؛ عندما أصدر ديوانه الأول «ضوء الفجر» عام :»)١1908(‏ ولم تعصف به هذه الهجمات,. ولا أخمدت همّتهء بل تحدّاهم بإصدار الدواوين» وبشرح طريقته في مقدماتهاء حتى صار كلامه من أهم مبادىء النقد والجمالء وما زالت نظراته النقدية تتردد أصداؤها في كتب الأدب. وقد عُرفت مدرسة شكري والعقاد والمازني في جيلهم ب«المدرسة الحديثة الابتداعية» التي أطلقت عليهاء فيما بعد» التسمية الخاطئة: «مدرسة الديوان». والمدارس الأدبية لا يلزمها التنظير والتطبيق فحسب» وإنما نقد المدرسة السالفة عليها هو من أكبر مهامهاء ولما كان شكري ليس من فرسان المعارك الأدبية» فإن الأستاذ العقاد الذي يتمتع بروح البطل كان فارسها المقدام؛ فقد شن غارات ضارية على رموز الشعر التقليدي؛ وبخاصة شوقي وحافظ؛ مما لفت الأنظارء وأثار الجدل والنقاش» ولم يكن شكري والمازني قاعدين عاطلين» وإنما شاركا في العراك. ولكن بقدر أقل . "10 ثار شكري وصاحباه على شعر الأهاجي والمراثي والتهاني والمديح. والحوادث اليومية؛ والمناسبات العابرة. واعتبروا هذا من المظاهر الكاذية. إلا ما حاء منها عن شعور صادق » وكان شوفي وحافظ من أكير ممثلى المدرسة التقليدية. لذلك كان نصيبهما من النقد أكبرء فقد انتقد الشعراء الثلاثة حافظ إبراهيم» وانتقد العقاد والمازني أحمد شوفي وقذفاه في عير هوادة. ورأى الشعراء الثلائة أن شعر الوجدان بما فيه من فكرء وقوة إحساس. وتأمل للنفس وتصوير لجوانب الحياة؛ هو الذي يعبر عن الإنسان في كل بيئة وزمان؛ لأن النفس البشرية واحدة» وكأنّهم يقولون إن شعر الوجدان الذي يرتدي أردية الخيال» وينقل عن الإحساس؛ يساعد على استشفاف جوهر النفس» واستكشاف فجاجها المتشعية بعل أن يزيح عنها الحجب والغموض» ومن مبادئهم إحالة الفكر إلى الوجود لتأمله. والاستغراق فيه :) والتعبير عما يجول من نفس الشاعر إزاء طلا سمه وتعقبداته. وخلاصة مذهيهم هو تحرير الشعر من التقليد. وإبداع شعر جديد مصدره الوجدان. 5 ضوء الفحر: كانت أول قصيدة تنشر لشكري عام )١1404(‏ في رثاء البارودي. وقد ضمّها خليل مطران في كتاب «مرائثي البارودي» بُعيد موته. وفي نفس العام ألهبت المظاهرات الوطنية ضد الاحتلال قريحته» فنظم قصيدة اثبات» ‏ مثبتة في ديوانه الأول - فصل على أثرها من مدرسة الحقرق» وتوالت قصائده في جريدتي «عكاظ» و«الجريدة» وغيرهماء وفي (نوفمبر/ تشرين الثاني عام )١19١8‏ كتب مقالة عن «الخيال»؛ وانتقد شعر حانفظ في عدة مقالات وأظهر ما في خياله من فساد. وبذلك دلّل على نزوعه الشعري والنقدي. 514 وفى عام )١4094(‏ ظهر ديوانه الأول «ديوان عبد الرحمن شكري». الذي أطلق عليه «ضوء الفجر» وجاء من شعر الوجدان». وعلى غير النمط التقليدي. وكان لهذا الديوان أكبر الأثر في إبراز مذهبه. وإعلاء شهرته؛ إذ تناولته عدة صحف مقروءة مثل #مصر الفتاة» و(اللواء» و«المجلة المصرية» و«الهلال» وغيرها. وانتقده إمام العبدء ومحمد حسن نائل المرصفي., وأبو بكر لطفي» واستحسنه محمد السباعي والخازندار. وشخص أطلق على نفسه اسم «المنصور العباسي»: وكتب علي الغاياتي مقالة في نقدهء وأخرى في محاسنه. وانشغل الوسط الأدبي والصحفي بهذا الديوانء وكان النقاد يكتب الواحد منهم أكثر من مقال ويتبادلون الحوار مع بعضهم البعض» وقد عضد المازني - وكان صغيرا في صباه - زميله وصديقه شكري». وكتب عدة مقالات ليردٌ بها كيد النقاد. وكان يجب جمع هذه المقالات» فهي فصول جيدة في النقد» ومكتوبة بأسلوب شعري رقيقء وفي (يونيه/ حزيران 1909) قال جرجي زيدان في «الهلال»: حوى ديوان شكري #«مختارات تدل على خيال شعري عال». وأشار إلى صغر سئه. أما حافظ إبراهيم؛ طيب القلبء. فقد نسي أو تناسى انتقادات شكري لهء وقرظ الديوان بثلاثة أبيات منها : لقد بايعت قبل الناس شكري فمن هذايكابر بالخلاف وعارض المنصور العباسي أبيات حافظ بأبيات» منها : معانيه كزهر الروض شتّى محاسنها ودانية القطاف ولم ينس شكري تزكية حافظ لديوانه» وعندما صدر الجزء الثاني من «البؤساء؟ كتب مقالاً عنه؛ وامتدح أسلوب حافظ» وقرنه بأساليب أكبر البلغاء من كتّاب العربية', .19177 عكاظ: يناير/ كانون الثاني‎ )١( "516 والعجيب في هذه المعركة الذاوية أن شكري لم يدلف إلى ساحتهاء وكأنه المتنبي الذي ينام ملء جفونهء ويتقارع الناس حول أدبه. وهذه المعركة فصل شارد من سيرة شكري الأدبية» وكان يجب أن يتناولها بالتفصيل من وضعوا الأسفار الضخام. كي شكري وخليل مطران: بعد أن وطدت المدرسة الحديثة في الشعر أركانهاء أخذ بعض النقاد يقللون من شأنهاء وقال إسماعيل أدهم في مقالات كتبها في «المقتطف» أن شكري تأثر بمطران» ولا شك في أن خليل مطران سابق على شكري وصاحبيه في شعر الوجدان بحكم سنه؛ فهو من جيل شوقي وحافظ. ولكن تأثيره فيهم ربما يكون ضئيلاً أو منعدماً؛ لأن الشعر الرومنتيكي لم ينفرد به مطران. وإنما كان الشعراء الثلاثة ينهلون من الشعر الرومنتيكي الإنجليزي بغزارة منذ بواكيرهم» ونجد في دواوينهم قصائد مترجمة شعراً عن الإنجليزية» وكانوا يستلهمون قصائد أخرى. وإذا نظرنا في الطبعة الأولى من «ديوان الخليل» الصادرة عام 4 ؛ قصائده لا يربط بينها رابط» فواحدة في الحب» وأخرى في الرثاء» وثالثة في المدحء ورابعة في تهنئة أو مناسبة» وغيرها يستخدم فيها حساب الجمل» وهو من الطرق القديمة التي يؤرخ فيها الشاعر للحوادث بهذا الفن الحسابي» وهكذا... وكنا نعدّ ديوانه جديداً لو اطرد فيه الجديد. واختفت أو كادت الأغراض القديمة التقليدية. أما وقد اجتمعت فيه كل هله الألوان» فإن الشعر الرومنتيكي يعدّ لوناً من ألوان عديدة؛ وهله الألوان في شعر الخليل ليست في الطبعة الأولى فحسب». وإنما في أجزاء ديوانه الأربعة. أما إذا نظرت في ديوان شكري بأجزائه الثمانية» فإنك لا تجد 7 سوى ثلاث قصائد في رثاء محمد عبدهء ومصطفى كامل». وقاسم أمين ؛ وردت في «ضوء الفجر» لإحساسه بأدوارهم الوطنية والإصلاحية؛ وحتى لو حذفناها فإنها لا تترك فراغاً كبيراً في ديوانه. أما الغالبية العظمى في ديوان مطران. فقد جاءت في مناسبات ومجاملات وحفلات. وقد سألتْ «ماري بن» «مطران» عن كيفية نظمه للشعرء فقال: «هناك نوعان من الشعرء الأول شعر الطلب في المدح والرثاء ونحوهماء وهذا لا يكلفني مجهوداً لأني لا أعتني في إتقانه» فأكتبه كما يتفق”'' . فإذا كانت غالبية قصائد مطران يكتبها بدون إتقانء فكيف أثّر في شعر شكري الذي نأى عن المناسبات» وقد كتب شكري مقالة في الرسالة /١09(‏ 19794/54) أنكر فيها تأثره بمطرانء وذكر أنه اطلع على ديوان الخليل (ط )١19١08‏ بعد أن نشر جزءاً من شعرهء وذكر أنه التقى بمطران في قهوة «نلسون»» وانتقد ‏ أي مطران ‏ مذهب شكري في غير إشارة» وقال إن الخليل كان يتنصل من أن يكون قد أثر في الشعراء الشبان... إلى آخره. وكان يمكن القول إن مطران أثر فى شكري لو كان الأخير أصدر ديواناً تقليدياً» ولما قرأ ديوان مطران ريك وكون أن مطران لم يؤثر في شكري وصاحبيه لا ينال من مقامه ومكانته. وسيظل المطران هو شاعرنا الكبير وشاعر القطرين وشاعر الأقطار العربية. ويقول المازني (السياسة :)1١97٠/4/8‏ "كان شكري هو محور النزاع بين القديم والجديد؛ ذلك أنه كان في طليعة المجددين» إذا لم يكن هو الطليعة والسابق إلى هذا الفضل». وقال خليل مطران عن ديوان ااضوء الفجر؛: (إنه يخالف سائر الدواوين في أمور الكثير منها حسن». )١(‏ الهلالء» »١878‏ السنة ؟", وقال عن شكري: #إنه يطرق غير مطروق"'''. فشكري مجدد يأتى بالجديد وديوانه يخالف سائر الدواوين. وقال الأستاذ العقاد عن شكري غداة وفاته: «وله... في ميدان القريض فضل الرائد الذي سبق زمانه في عدة حسنات مأثورات:”'"'. وقال د. مندور في كتابه «النقد والنقاد المعاصرون» عن شكري: ١حقق‏ ما يمكن أن نسميه مذهباً جديداً في تراثنا الشعري»» وكل هذه الشهادات العالية تجعلني أقول وأنا مطمئن إن عبد الرحمن شكري هو أبو الشعر الحديث . الخيال: وقد دعا شكري إلى وحدة القصيدة وتماسك بنائهاء وأباح تعدد القوافي فيهاء وتمسّك بالأوزان الكاملة أو المجزوءة حسب قواعد العروضء؛ وسلط العقل على العاطفة؛ ونبذ شعر المناسبات»؛ ودافع عن الأساليب المألوفة» ورأى أن الشعر ليس من وظائفه المجاملات والتخرّصات» وإنما هو ترجمة صادقة للأحاسيس المتوهجة. وعنى في شعره بشرح سراديب النفسء ومساربهاء وبواعث فعلهاء وذهب إلى أن التشبيه لا يراد لذاته» وإنما يُظلب لإيضاح الحقائق والأحوال. وقاده حديثه عن التشبيه إلى التفريق بين «الخيال الصحيح؟ و#الخيال الفاسد». ففي مقالاته عن حافظ في «الدستور» )١1904(‏ أظهر ما في شعره وشعر غيره من تشبيهات فاسدة» وانتقد بيت حافظ : إنما نحن والحمام سواء ‏ لم تغادر أطواقنا الأجيادا )١(‏ المجلة المصرية». مارس 404١؛‏ وكتاب #خليل مطران أروع ما كتب» للدكتور صبري السربوني . (؟) الهلالء فبراير/ شباط 08 . وعلّق قائلاً: «هذا خيال فاسد؛ لأن طوق الحمام طوق حلية وزينة. أما طوق العبودية والذل» فطوق حزن وشقاء. فلا يصح تشبيه الحسن بالقبيح» والنعيم بالشقاءء وإنما هذا مغالطة من حافظ». وأوقع الشريف الرضي وابن المعتز في مغالطات مشابهة. وضرب أمثلة وقال: «إن للخيال أصولاً وأحكاماً لا يعرفها إلا صاحب الذوق السليمء الخيال هو الذي يصور لك الحقائق المعنوية من غير غشلْ ولا خداع حتى تكاد تدركها بالحس»» هذا شيء مما كتبه عام .)١1904(‏ وفي عام »)١417(‏ وبعد عودته من البعثة» تناول هذا الموضوع في مقدمة ديوانه «الخطرات» وردّد المعنى السالف». غير أنه ذكر مصطلح «الوهم) بدلا من الخيال الفاسد؛ أي أنه فرّق بين الخيال والوهم» وعند ذلك قال بعض الكنّاب إنه أخذ هذا من «كولردج» الذي فرّق بين التخيل والتوهم؛ وذهب بعضهم إلى أنه أخذه من «كولردج» وشوّه نظريته. وشكري لم يأخذ من «كولردج» ولم يشوه؛ ربما أفاد من كلمة «الوهم؛». ولكن معنى الخيال الصحيح والخيال الفاسد أو التخيل والتوهم هو... هو كما شرحه عام .)١8:48(‏ ومن يقرأ ما كتبه «كولردج) عن الخيال والوهمء والذي ترجم نماذج منه د. محمد مصطفى بدوي في كتابه عن «كولردج» يدرك أن هذه النظرية استغرقتهء فقد قسّم الخيال إلى خيال أولي. وخيال ثانوي» وأخذ ينظر ويقمّد في كلام كثير ينسم بعضه بالغموض والتعقيد» بينما شكري كان كلامه قليلاً محصوراً في التشبيه والتصوير. الخيال والوهم عند «كولردج» نظرية علمية؛ وعند شكري نظرة نقدية فنية. وكان نقاد العرب القدامى يتحدثون عن التشبيه المصيب». وبالتالي عن التشبيه غير المصيب؛ فهل قرأوا «كولردج“؟ ولو كان الكتاب رجعوا إلى كتابات شكري عام )١1104(‏ في هذا الشأن؛ لعرفوا أن هذه يفف الفكرة أصيلة عنده؛ وقد سمعت الأستاذ العقاد فى ندوته وهو يجيب على سوال مائل قن هته القضية نما مقادم ان فكرى يقه القرف :بين التقبال والوهم أكثر من «كولردج»»؛ وفي رثائه لشكري غداة وفاته كتب في «الهلال» (فبراير/ شباط :)١1404‏ «ولعله أول من كتب في لغتنا عن الفرق بين تصوير الخيال وتصوير الوهم؛ وهما ملتبسان حتى في موازين بعض النقاد الغربيين». والخيال عند شكري أوسع من التشبيهات؛ «فهو كل ما يتخيله الشاعر من وصف جوانب الحياة» وشرح عواطف النفس وحالاتها والفكر وتقلباته. .. وهذا يحتاج فيه إلى خيال واسع". ما زلنا مع شكري في مرحلته الأولى التي أخذ يشرح فيها مذهبه الجديد في تؤدة» وكان طه حسين يكتب مقالات في «الجريدة؛ (نوفمبر/ تشرين الثاني )١9١١‏ ينتقد فيها الشعراء المحدثين» ويتّهمهم بفساد السليقة؛ ولما قرأ شكري هذه المقالات رد عليه في «الجريدة؛ بمقال جاء تحت عنوان لحن الشعراء ومستقبل الشعر العربي». وقال: هلا أرى رأيه في قوله إن سليقة الشعراء قد فسدت. وأن أسلوب شعراء هذا العصر أسلوب فاسد إذا قيس بأسلوب شعراء الدولة العباسية»ة»؛ فطه حسين يرى أن يجاري الشاعر الحديث شعراء العصر العباسي لتسلم سليقته من الفساد. أما شكري» فيرى ألا نسلك سبل القدماء في الأساليب. ويجب أن تكون الأساليب مبتكرة تناسب روح العصر الحديث» ولما قرأ طه حسين ردُ شكري؛ هجاه بقصيدة منها : قل لشكري فقد غلا وتمادى بعض ما أنت فيه يشفي الفؤادا 4" وكان على الله حسين» أن يرد رداً علمياً موضوعياً ويحاورء ولكنه اكتفى بالهجاء والتشفي . سا شعره في الطبيعة : وموضوعات شعره تدور حول الحبء» والموت, والطبيعة. والعقيدة» وتأمل الوجودء والنفسء والجوانب الإنسانية» وكل هذا يصدر عن عاطفة حساسة صقلها العقل بالفكر. وشعر شكري في الطبيعة» طبيعة أخرى فيها إحساسه وخياله؛ فهو لا يكتفي بوصف الأشكال محاكياً لهاء وإنما يصور الطبيعة كما انطبعت فى إحساسهء وللخيال دوره في الشعرء وهو ليس مهارة فحسبء. وإنما كما يبدو لنا فى أعمال شعرية كثيرة؛ أنه فطري فى الشاعر الموهوب. ومن هنا يأتي 5 جديدة لمشاهد أشياء تبدو وكأنها عادية. وجميعنا يعرف الريح ولكن تصوير شكري لها يختلف عما نعرفه» يقول عنها : يا ريح هيّجت قلباً شَجُوه وارى كما تهيّجين عود الغاب بالنار يا ريح أي أنين حنّ سامعه فهل بليت بفقد الصحب والجار يا ريح ما لك بين الخلق موحشةء مثل الغريب غريب الأهل والدار أم أنت ثكلى أصاب الموت واحدها تظل تيغي يد الأقدار بالثار فهو يجسم صورة الريح» وينقلها إلينا في قوة وضوحء ويسائلها عما اعتراها من فزع ووحشة وهياجء فهل هي تثن لأنها تكلى؟ أو لأن أليفها أبعده الردى؟ أو لانها تشعر بالغربة والنأي عن الأحباب؟ إلى آخرهء وبعد أن يصور حالتها الحزينة يذكر أنها في هبويها تحمل شذى الزهرء وتصاحبها الأمطار أحياناً؛ وتطهّر الكون... إلى آخره» ثم يتمنى أن ينشد الشعر كالغريد في فَنّن وهي تحمله إلى أرجاء الكون. وعلى هذا النحو تتابع خواطره في الريح؛ وخيال الشاعر لا يحكمه قانون أساسء. لف ولا منطق صارمء وإنما يبدع صورا فنية تظهر ميول الخاطرء وتتلائم مع ومن يتابع خواطر الشاعر في الريح يجد أن الريح التي نعرفهاء غير تلك التي تأملها الشاعر. إن الشاعر العظيم هو الذي يطلعنا على طبيعة أخرى من إبداعه. وهذا هو الجديد في شعر الطبيعة. ونضرب مثلاً آخر يما قاله في «الجبل». وأدب الجبل قليل في الشعر العربي» ومنه جبل «التوباد» عند قيس فى اللى ركد رسن ريعلت مدن وجرا بوعل ابن ضقانت الأندلسي»»: الذي يسد مهب الريحء ويلجأ إليه القاتل الهاربء والعابد المتبتل» ويستظل الركبان بظله» وقصيدة جبل «صنين» في لبنان لعيسى المعلرف». وهو جبل يشفي العليل» وتأوي إليه الملوك لتنتصر به»ء وشهد دولة فينيقياء وجبل «التوباد» لأحمد شوقي الذي كان مسرحاً لغرام قيس وليلى. أما جبل «عبد الرحمن شكري؟؛ والغالب أنه جبل في أوروباء فهو معيد سقف السماء غطاؤهء. وعمدانه الدوحات ملء المناظر»ء وجلاله «يلهي المرء عن كل زائل»: وهو «عرش المجد في الأرض عزّة»؛ والأهرام بالنسبة له شيء ضثيل : ألا إن للأهرام مجداً وروعة2 ولكنها إذا لحت لهو الأصاغر فأنت بناء الله لم يُبْنَ مثله 2 قدير ولم تعبث به يد حائر وقمته العالية تناجي السحابء وهو كالملك (برد الجليد كساؤه؛ ومن فوقه تاج النجوم الزواهر» إلى آخره؛ ويختم الشاعر قصيده بقوله: خلطت بك النفس الطموح إلى العلا ومرأى جلال منك ملء الخواطر والشاعر في قصيدته يظهر إيقاع الجبل في نفسه؛ وتنطلق خواطره منظمة مرتبة» وتأتي خيالاته بصور شتّى»2 وبيته الأخير يكشف عن نفسه طف التي تتوق إلى العّلاء والامتلاء بالجلال» ومن هنا حدّد نقاط الشموخ والهيبة في الجبل؛ لأن الشعر تعبير وجداني. وتتوارد هذه الطبيعة الجليلة في ديوان شكريء. وعلى وجه الخصوص في قصائد مثل "الليل؟'؛ «الغابة». «الشلال؟؛ «الصحراءق. وهي طبيعة موحشة مثيرة للروع والخوفء. وكذلك تتوارد قصائده في الطبيعة الجميلة مثل «عابدة الشمس»» «النرجس؛. «الضوء») اغروب الشمس». وإذا كانت الطبيعة الجليلة تزعج» فإن الطبيعة الجميلة تبهج. وهذا وذاك يسمى بالجمال لأنه يحرّك الحسء ويثير الشعور. ولد عبد الرحمن شكري في 5 © وانحدر من أصول مغربية» وتلقى تعليمه في المدارس المصرية» وفي عام 1404 فُصِل من مدرسة الحقوق لأنه نظم أشعاراً وطنية» والتحق بمدرسة المعلمين العلياء وكان من زملاثه فيها إبراهيم عبد القادر المازنيى» وذهب في بعثة تعليمية إلى إنجلترا »)١1917 - ١909(‏ وعاد منها ليعمل بالتدريس» وأصدر وهو طالب ديوانه الأول #ضوء الفجر»؛ »)١4504(‏ وبعد عودته من إنجلترا نشر دواوينه (لآلىء الأفكار» :)١941١7(‏ ا«أناشيد الصيا» ,.)١9١6(‏ ازهر الربيع»؛ «الخطرات» ))١91١5(‏ «الأفنان» (1414). «أزهار الخريف» »)١419(‏ كما أصدر في نفس الفترة خمسة كتب نثرية هي: «حديث إبليس».؛ «الاعتراف»» (الثمرات» :)١198١5(‏ «الصحائف» 2))١1918(‏ وقصة «الحلاق المجئون» .)١191١9(‏ ومنل هذا العام وحتى خريف عام )١90١(‏ نشر في المقتطف والرسالة والهلال وغيرها قصائد ومقالات لا تعد كثيرة بالنسبة لما نشره في سنيّه الأولى. وقد جمع الأستاذ نقولا يوسف قصائد شكري المتفرقة يفف في ديوان ثامن. وضمه إلى دواوينه السابقة» وأصدرها جميعاً عام )١1450(‏ تحت عنوان «ديوان عبد الرحمن شكري»؛ وصدّره بدراسة وافية وفي عام )١415(‏ وما بعده وقعت بينه وبين المازني ملاحاة شديدة. تركت أثرها عليهماء وقد اصطلحا ولكنه صلح شكلي. وفي عام )١1454(‏ قدَّم استقالته إلى وزارة المعارف وقُبلت. ولم يمض عليه طويل وقت حتى أصيب بالشلل عام 2)١4617(‏ وهو في بورسعيدء وانتقل إلى الإسكندرية» وأمسكت العلة قلمه ولم يعد يكتب سوى الرسائل لمريديه بيده اليسرى . وفي شعر شكري ونثره ميل إلى التشاؤمء وإن كنا لا نعدم التفاؤل؛ وكانت هواجس الموت ملازمة لوعيه منذ الصباء لذلك تجد قصائد كثيرة لوّنها الموت بلون قاتم. ومن وصاياه الشعرية قوله عام .)١41١5(‏ وهو في عرٌ الشياب: خليليَ خظا لي من الأرض حفرة أريح بها قلباً عن الناس ساليا وإذا كان تفكيره في الموت أثناء حياته يعد من تخيلاته ونشاطه الذهني؛ فها هو صار حقيقةء ففي ١958/١7/١8‏ وضع روحه عنه جسده في التراب» وانطلق نحو السماء في رحلة أبدية كاده 5 نُشرت فنٍْ جريدة القاهرة, من يناير/كانون الثاني 5٠١04‏ 5718 02 اعترافاته مدخل لفهم أدبه ونفسه اخ ري 219243240424921 سججل عبد الرحمن شكري في اعترافاته ملاحظاته في عوالم النفس» وتأملاته فى جوانب الروح» وما كانت تخلفه في نفسه طوارىء الأحداث. وطوارق الأحزان» ويوارق الآمال في آفاق الأحلام. والاعترافات تنبع من أعماق صاحبهاء وتعبر عمًا عاناه فى حياته الخاصةء وعمًا كابده من صراع داخلي لأفعال شائنة» ويحاول كاتب الاعتراف أن يتأمل ذاته ويتفهم مواقفها المختلفة» ويلاحظ نفسه ويتبين منازعها ونزاعها الحق والباطل» والخير والشرء والقبح والجمال. ولكن هل في مقدور الإنسان أن يعرف نفسه معرفة كافية» ويحيط بجميع جراتتهاء ويدرك مقا صها الحقيقية يبقله المعدود؟ ومن أبن يستقي معارفه عن النفس؟ إن الحديث عن النفس فيه صعوبةء فكم يضل الإنسان في متاهاتهاء ويستعجم عليه بعض تصرفاتهاء ويقف مبهوراً أمام زلاتهاء ومع هذه الصعوبة فليس هناك من هو أعلم بنفس الإنسان منهء يتأملها ويستظهر دخائلهاء ويستخرج دفائنهاء ويحدث الناس عنها راضياً أو ساخطا . وربما يكون القلق النفسي هو أكبر البواعث على البوح. فلو أن النفس هادئة مستقرة لما تطرقت إلى الاعتراف» وكشف المستور من ف الأعمال المخزيةء ولكن الاضطرابات العصبيةء والصراعات النفسية»؛ والتمزقات الداخلية هي التي تدفع الإنسان إلى الاعتراف بخطاياه وسقطاته ولذاته المحرّمة حتى يريح نفسه من المعاناة» أو كأنها هي السبيل الوحيد للنجاة» أو لعلها تخفف من حدة الصراع القائم» والقلق الدائم في أعمال النفس من جراء تذكر الأفعال الذميمة, والأعمال الحقيرة» أو ربما بعد البوح تشمله سكينة تطمئن إليها نفسهء أو اطمئنان تسكن إليه روحه»ء أو قد تكون هذه الاعترافات بمنزلة فترة انتقال» تبدأ بحالة الاضطراب والاعتراف وتنتهي بالخلاص من هذه النقائص والاثام. إن الاعترافات أحاديث عن النفس التي يكمن فيها أن الفكر: و ومنبت الألم واللذة جميعا. الاعترافات والتراجم الشخصية في الأدب العربي : وكتّب الاعترافات من نوع التراجم الذاتية» ولكن إذا كانت التراجم الشخصية تحفل بالأحداث الظاهرة والخارجية لحياة الإنسان حيث يعرض كاتب الترجمة أخبار أيامه الزاخرة بالأحداث» وملابسات حياته والظروف التي وجهت مسارهء مع إبراز جوانب التفوق» وإعلاء مواضع الامتياز فيه باعتباره فذاً من الأفذاذء وقدوة صالحة يقتدي بها المتشوّقون إلى الاقتداء فإن أدب الاعتراف يصوّر الحياة الباطنية في الذات» والتطورات الداخلية في عالم الروح» وتصوير الثورات النفسية» وتحليل بواعث الأفعال حتى ينتهي الأمر بصاحب الاعتراف إلى سرد سقطاته» وإظهار مخازيه. والإشارة إلى ضعف الطبيعة الإنسانية» فنعجب لما يصدر عنه ونتابعه في دهشة؛ وهكذا فالاعترافات تزكي شوقنا إلى معرفة سريرة النفس. والمعترف لا يعرض عثراته ونقائصه على سبيل التباهي» ولكن في محاولة لإصلاح النفس وتهدئة ثورتها الصاخبة» والتغلب على أزمتها الحازبة. خرف وقد حظي الأدب العربي في قديمه وحديثه بالتراجم الذاتية مثل كتاب (الاعتبار» الذي سجل فيه أسامة بن منقذ حياته» ومقدمة «البرق الشامي» للعماد الأصفهاني» و«التعريف» لابن خلدون, و«المنقذ من الضلال» للإمام الغزالى. وفي العصر الحديث نجد صفحات في كتاب «خطط الشام» ويترجم فيها محمد كرد علي لنفسه» ويتحدث عرابي عن حياته وثورته في مذكراته التي نشرت مؤخراًء ونمضي على هذه الطريق» فنئرى لطفي السيد يقدم «قصة حياتي»: وعبد العزيز يكتب «هذه حياتي؟؛ وعبد الرحمن الرافعي ينشر «مذكراتي»» وللعقاد دأناء واحياة قلم؛»؛ ودحياتي» لأحمد أمين: و«الأيام» لطه حسين. . . إلى آخره. ولكن هذه الكتب ليست إلا ضرباً من سرد الذكريات بأسلوب التاريخ» يكشف فيها كتابها ما كانوا عليه في طفولتهم وصباهم؛ وما صاروا عليه بعد ذلك في كهولتهم؛ وحسبهم من كل ذلك إعجاب القرّاء بكفاحهم ومثابرتهم في حيواتهم» وبذلك ينالون إعظام الناس لهم. والفرق كبير بين ذكريات النفس واعترافات النفس كما بيئتاء وإذا كان الغرض من سرد الأحداث هو تطويب الناس لصاحب الترجمة وتبجيلهم لهء فإن الهدف من الاعترافات هو إظهار النفس في طبيعتها الأصلية وإبراز ضعفها وأسقامها. ومع ذلك. فمن يمعن النظر في هذه الكتب يلحظ بعض الاعترافات فيهاء ومن يقلب كتاب «مذكراتي» للرافعي المؤرخ يجد فصلا بعنوان «اعترافاتي»؟ يعترف فيه بحيائه الشديدء وتورطه في الحب أيام شبابه» وبعناده» وبأنه ليس عملياً ولا واقعياً ولا يريد أن يفهم الحياة على حقيقتهاء بل إنه يؤثر الخيال على الحقيقة» وتصل بعض فقرات هذه التراجم إلى درجة الاعتراف بالقصورء م ابا ون الثالث من كتاب «الأيام؛ لظله حسين» حيث يقول (ص8١٠):‏ «... كلّفه ‏ ظه 7” حسين هنا المكلّف ‏ أستاذ تاريخ الثورة الفرنسية فيمن كُلْف من زملائه كتابة موضوع عن الحياة الحزبية في فرنسا بعد سقوط نابليون» فأقبل على هذا الموضوع فدرسه كما استطاع في الكتب التي نبّه إليها الأستاذء وفكر فيه كما استطاع أيضاً ثم كتب عنه ما أتيح له أن يكتب؛ وقدّمه إلى الأستاذ في اليوم الموعودء وجاء يوم النقد فاستعرض الأستاذ ما قدم إليه من الواجبات ناقداً ساخراً مندّداً متندراً موبخاً بعض الطلاب أحياناً حتى إذا ذكر اسم الفتى لم يزد على أن ألقى إليه واجبه معقباً بهذه الجملة المَرّة التي لم ينسها قط: «سطحي. لا يستحق النقد؛. م م.ن. وحقيقته : الإنسان بطبعه ميّال إلى الفخر بنفسه وبأعماله ونسبه» وديوان الشعر العربي حافل بكل هذاء ولكنه لا يميل إلى البوح بمعايبه وأخطائه. وخاصة في مجتمعنا الشرقي» وهذا ما جعل شكري ينسب اعترافاته إلى صديق له أورد حرفين من اسمه هو (م. ن)» ووصقه بأنه شاب مطلع كثير التأمل» واسع التفكيرء ولم تكن نفسه صحيحة بل كان قلقاً حزيناً ساخراء ولكن يغلب على نفسه الحنان والرفق» وقد أساء الناس ظنهم به فأساء ظنه بهمء وكانت نفسه تتأرجح بين التواضع الشديد والكبرياء العنيد؛ وقد مل حياة الناس لانعدام الثقة بينه وبينهم» بل ملّ مدنهم المتحضرة فهجرها ورأى أن يهيم في مجاهل الصحراء؛ لأن الفيافي أشبه بالأبد الذي فضله على المدن. وضاقت به الصحارى أو ضاق بها فرحل عنهاء وزعم قوم أنه وصل إلى بلاد نيام نيام فأكله أهلهاء فقد كان يحتقر الإنسانية فانتقمت منه بأن أكله أبناؤهاء ولكنه انتقام يثبت أنه مصيب في احتقاره لها. وزعم قوم آخرون أنه لم يمت فقد توغل في أواسط إفريقيا فأسرته إحدى القبائل وأعجبرا بصفات فيه مثل كسله وعبوسه وعدم اكتراثهء فظنوا أن مثل هذه الصفات لا تكون إلا للإلهء فاتخذوه إلهآ ضف وعبدوه» وقد أودع هذا الشاب مذكراته عند شكري وقال له: «رأيت أن أودع عندك مذكراتي كي تذكرك بي وبما كان بيننا من الودء فإذا مضت سنة ولم أراجعك فانشرها إذا وجدت في نشرها ما يفيد». وقد رأى شكري حسب زعمه أن يجمع هذه المذكرات وينشرها؛ لأن فيها «عبرة كبيرة لمن يعتبرء وسيرى كثير من القراء نفوسهم مكبرة مرسومة في هذه الصحائف؛ لأننا في حياتنا الاجتماعية سواسية مثل أسنان الحمار”''؛ هذا إن صمح أن أسنان الحمار سواسيةء ولا أظن ذلك» أو مثل أسنان المشطء وسبب ذلك أن العوامل الاجتماعية التي تعمل في نفس الفرد منًا تعمل أيضاً في نفوس سائر الأفراد»ء فصفات الشاب المصري هي صفات (م .ن) صاحب الاعتراف» فالشاب المصري في حالة أمتنا الاجتماعية الحاضرة عظيم الأمل ولكنه عظيم اليأس» وكل منهما في نفسه عميق مثل الأبدء والسبب في ذلك أن حالتنا الاجتماعية تستدعي شدة الأمل وشدة اليأس» وما زلت أجد بين حالة الأمة الاجتماعية وبين نفوس أفرادها رابطة متينة. والشاب المصري يكثر من إساءة الظن» وهي صفة اشتهر بها المصريون» والسبب في سوء ظنه عصور الاستبداد الطويلة التي مرت عليها مصرء فإنها أبقت هذا الإرث في نفوس الأفرادة. وزعم شكري أن هذه الاعترافات ل (م. ن) باطلة» والحقيقة أنها اعترافاته هوء وأدلتها على ذلك كثيرة: أولاً: كان يستشهد في بعض فصول الاعترافات بأشعاره التي نشرها قبل ذلك في دواوينه» ومثال ذلك الأبيات التي أوردها من قصيدة يضف امشترىي الأحلام» التي تضمنتها الجزء الغالث من ديوانه. كما يستشهد بأبيات من قصيدة «حلم الفرودس» في ديوانه ١زرهر‏ الربيع» المنشور عام .)١191>(‏ ثانياً: هناك عدَّة آراء تشيع في الاعترافات: سبق أن أشار إليها وتناولها في دواويته الشعرية. ومنها حديثه عن أثر العاطفة في الشعر. ويستطيع القارىء أن يقارن بسن مقدمة الجزء الثالث من ديوانه وبين فصل «(الإحساس والحياة» من كتاب الاعترافات». ونلفت نظر القارىء إلى التشابه في هذين القولين» يقول في مقدمة الجزء الخامس من ديواته: «ويمتاز الشاعر العبقري بذلك الشره العقلى. الذي يجعله راغباً في أن يفكر كل فكر وأن يحس كل إحساسء. وهذا هو الدافع الذي يدفعه بالرغم منه إلى أداء الخلق والتعبير عن حقائق هيّأته لها الطبيعة». ويقول في الاعترافات: «إن في عقلي شرهاً إلى التفكير مثل شره وأن أفكر كل فكرء وأن أعرف كل شيءء وأن أقرأ كل كتاب في العلوم والآداب». ثالثأ: هناك موضوعات مشتركة في كتبه النثرية المختلفة وكتاب الاعترافات”'' . رابعاً: يؤكد المازني في كتاب «الديوان» أن هذه الاعترافات لشكري ويقول: «هذه الاعترافات ليست إلا طائفة من المقالات لا )١(‏ مثال ذلك من الاعترافات «الضاحك الباكي4؛ وفي كتاب الثمرات فصل «الضحك والبكاء؟؛ ولي الاعترافات «أزهار الشباب5» وفي الثمرات «أحلام الشباب؟. وفي الاعترافات «خواطر الانتحار»؛ وفي حديث إبليس «طرق الانتحار؛؛ وفي الاعترافات اسخر القضاء»؛ وفي الصحائف «رسائل القضاء'. 51 يربطها شيء إلا ضمير المتكلم» وقد نشر شكري أكثرها في «الجريدة» بين سنة ١9404‏ وسنة ١9417‏ بتوقيعه على أنها له؛. ثم عاد فجمعها في كتاب طبعه عام .24١415‏ وفي المقالات التي كان ينشرها شكري في «عكاظ» بتوقيع مستعار ينفي أن هذه الفصول نشرت في الجريدة» ويقول: «ادّعَى (يقصد المازني) أن فصول كتاب الاعترافات شرت في الجريدة من 1404 إلى سنة .141١7‏ وهذا لم يحدث ولم ينشر منها غير بضع كلمات من فصل «ذكر الطفولة» وردت عرضاً فى أثناء مقالة أخرى. أما الكتاب» فلم ينشر في الجريدة قبل طبعه». 00 وعلى أي حال» لا يهمنا نشرت هذه الفصول ١ه‏ فى الجريدة أو لم عر ولكن ما يعنينا أن شكري قد أقرَ بأن هله الاعترآافات له وما (م .ن) إلا شكري نفسه. 52 اعتر افاته : وشكري لا يعرض لنا حياته عرضاً موضوعياً تاريخياًء حيث نرى عثير الظروف والحادثات التي ألمت به» ومفزعات الأيام التي مرت عليه؛ ولكنه يصور حياته الداخلية وما فيها من صراع واضطراب. ويعبر عن أشواق نفسه حيث تتيقظ الخواطرهء ويتحدث عن عذابات روحه حيث تتآئف الأشياء فيها وتتنافره ويعرض لنا نفساً استذلّتها بعض الأمورء واستهلكها القلق والحذرء لذلك ليست اعترافاته صفحات مكتوبة» وإنما حالات نفسية أو صيحات روحية» فيعترف بأنه كان في صغره يعتقد في الخرافات والسحر والجن والعفاريت» ويعلن أنه واقع الشهوات رغم تعبده الشديد؛ ويصرّح بتعصبه للإنكار والجحود بقدر ما يتعصب غيره للويمان» ويبوح بسوء ظئه بالناس والحياة» وبحيائه الشديد ومحاولة الكذب والغش». وضعف الإرادة. "0 وهذه الاعترافات ترينا عقلاً متأملاً مفكراً يستبطن خوافي النفس» ونفساً شاعرة دفاقة بلغت أعلى درجات الإحساس والشفافية» حتى أنه يلوم نفسه على أفعال لم يأتهاء وهذه النفس كثيرة التردد» نزرّاعة إلى أغرب الأماني» وفى كل مراحل الاعتراف يشكو متاعبه النفسية التي يعزو بعضها إلى قصور فيهء والبعض الآخر إلى تجني الناس عليه؛ ولا شك أن كل إنسان يجد في حياته أشياء تكدر مزاجهء فيأنف منها ويتضجرء ولكن يجب أن يستنهض عزيمته لمدافعتهاء ويستقدم همته لمقاومتهاء حتى تناسب مألوف حياته؛ وتجاري طبيعته . ويستهل شكري اعترافه بذكر طفولته وما تعيه ذاكرته من أحداثهاء ويستطرد في الحديث عن الأطفالء فلا يسلّم ببراءة الطفولة وطهارتهاء ويرى أن على أوجه الأطفال علامات الشرء وأن عجز الطفل هو الذي يمنعه 9عن مواقعة كثير من الشر لأنه ليس عنده من القوة والدهاء والتفكير مايعينه على ذلك»؛ ويسند إلى الأطفال كثيراً من الشرور والآثام؛ كالجشع والجهل واللؤم والقسوة» ويلتقي شكري في هذا التصور مع القديس «أوغسطين» صاحب الاعترافات الشهيرة» والذي كان يرى نفس الشيء في الأطفال. وعلى هذاء فالشر في نظر شكري ليس نتيجة لأحداث فاجعةء أو ردٌ فعل لأفعال طارئة» وإنما هو أصيل في الإنسانء وبذوره كامنة فيه منذ الطفولةء وعندما ينضج يبارز المجتمع بشروره ويملاً الحياة بخطاياه» ولكتنا نجد قصيدة نشرتها مجلة «الهلال» عام (1977) وضمّها ديوانه ينفي فيها عن الأطفال ما سبق أن قاله عنهم» ومنها : صفو الغرارة أبهى ما رأى بشر مارَنْقٌ العين لا شر ولا ندم فلا عداء ولا مكر ولا حيل ولا حقود ولا غدر ولا جرم حيث الحياة كبيت الله طاهرة لدى الطفولة وهي المعيد الحرم إن الأزاهر والاطفال ما اجتمعا صنوان والحسن فيها طهره عمم طرف 3 شكري بين الشك والايمان: وشكري كغيره من بعض رجال الفكر يتردّد بين الشك واليقين. وبين الإيمان والإنكار» ويعترف بأنه كان في بداية حياته متعبداً قارئا لكتب الزهاد والمتعبدين» ملمّاً بكرامات الأولياء؛ ومع ذلك لم يمنعه هذا من مواقعة الشهوات, ثم تملكته الحّيرة» وغشيت نفسه غواشي الشك والجحودء واشتدت أزمته؛ وهاجت بلابلهء فإذا أباح العنان لشكه دفعه إلى الإنكارء غير أن هذا الإنكار لم يفسر له شيئاً ولم يقنعه» بل أورئه اليأس والحزنء فكان «يهيم في شوارع المدينة ليلاً لأن الليل أشبه بما كنت فيه من اليأس والحزنء وكنت أنظر إلى النجوم وهي تنظر إليّ بحزن وإشفاق وأسألها عن الحياة والموت» عن البقاء والفناءء عن الله والإنسانء عن الدنيا والآخرة» فتنظر إلى بحزن وإشفاق», ولكنه لم يظفر بالرد الكافيء ويحظى باليقين الشافي» فصارت الحياة أثقل من الكابوس في نظره. أو كانها حلم فظيع يروعه ويقلقهء ولما لم يصل إلى ما يهديه ويريحه تمتى لو صدم كوكبّنا الأرضي كوكبٌ يضحي بنفسهء خدمة له وللذين على مثاله حتى يستريح من «عبث الحياة وأمراضها ومصائيها ويؤسها وشقائها وجرائمها وحماقتها...2. وهكذا كانت تلم به الخواطر السود فتهدم أركان الإيمان في نفسه وتجعله يائسأء وتقتحم حياته فتبدد صفوهاء ويرتاب في كل من حوله ويسيء الظن حتى بالحياة ويعتبرها لغزأء «بل هي نكتة باردة لا معنى لها». وهذه الحالة التي مرت بشكري تعرض لها كثير من المفكرين وانتهوا إلى نفس النتيجة؛ وفي اعترافات «تولستوي» يوجه تولستوي أسئلة كثيرة إلى نفسه كالتي مت بنا عند شكري؛ وينتهي إلى «أن الحياة لا شيء؟» ويستشهد بكلام «شوبنهور»: #إن الحياة لا معنى لها وهي شر بذاتها»ء ومع ذلك فإن اللين تنتابهم حالة الشكّ الشديد في أطوار العقيدة» ولا يصلون شف إلى شيء يريح ضمائرهم قد يعودون مرة أخرى إلى الإيمان. وعند #تولستوي» أن الإيمان يعطي للحياة معنى» يقول: «فبالإيمان نستطيع أن نجد الحياة وبه نفهم معانيها السامية». أما شكري الذي يجد راحة نفسه في الشك. فقد آب أيضاً إلى الإيمان لعله يلتمس فيه الراحة والاطمئئان» وأخيراً توصل إلى ما أسماه «روح الوجود'ء وفي هذا يقول: «وقد رجعت إلى الإيمان لأستفيد منه شيئاً جديداً . فعلمني أن للوجود روحاً كبيرة لها حياة وشخصية؛ وأن هذه الروح توحي إلى أرواح الأفراد يما تريد ولها من المقادير جنود». وأخذت نفسه تهدأ وتستكين إلى الإيمان» وإن كانت اعترافاته لا تفيض فى ذكر آثار الإيمان عليه؛ وضرورته لهء فإن في دواوينه مادة كثيرة تيدّن لنا كيف أن الإيمان يبعد عنه الأحزان ويقيه من كل شقاءء يقول: سكتات الإيمان برء من الحز ن ومأوى لهارب من قضاء هو حصن من الشقاء حصين ووقاءأنيعِمبهمن وقاء يلج النفس بالثبات وبالحز م ويطوي جوانب الضرّاء بل رأى في الدين أنه قوة وجمال: إنماالدين قوةوجمال ‏ وحية وعدة وعديد وأعلن أنه يعبد الله بالجهاد والفكر وبكامل قواه العقلية: أعبد الله بالجهاد وبالتفا "كير والعقل عابد معيود بل ويرى أن الإيمان بالله ضرورة وحاجة لعظم الشرء وأن الإنكار والزيغ لا يعين على الخير. ويبين في قصيدته «صوت الله» أن الله يضيء النفس البشرية بنوره» والله هو رجاء النفس ومطلبها: وإنما نفس الفتى معبد ) يضيكئها الله بنلور عميم والنفس بيت الله إن طهرت ولنفس إن لم تصف مثل الجحيم كرف وليست حيرة شكري بين الشك واليقين دليلا على فساد هذا الكون: وما حيرة المرء دليلاً على فسادهذاالكون في عقله أخلاقه من اعتر افاته : ويكشف كتاب الاعترافات عن أخلاق شكري» وأن ما سجله على نفسه يطلعنا على سلوكه رغم أنه لم يعترف بكل نقائصه على حد تعبيرف فقد كان على درجة كبيرة من الحياءء وكان هذا الحياء من أسباب فشله في الحياة كما يصرح هو بذلك» وكان يستر هذا الحياء بالكبر والاحتجاز والتصلب» بل جعله يعتزل الناس حتى لا يبدو أمامهم في هذه الصورة غير المستحيةء وهكذا فرض الوحدة على نفسه. وشكري يعترف يضعف إرادته» وهذا من أثر التربيةء فهو لا يعرف الإقدام والتحدي وغيرهما من مزايا الإنسان الذي يريد أن يثبّت أقدامه في الحياة.» ويفرض نفسه على المجتمع؛ وضعف الإرادة عند شكري مردّه إلى أنه ينكر الإرادة الإنسانية ويؤمن بالجبرية والقدرية. وكان يفزع من التهمء وبخاصة إذا كانت باطلة» وقد جعله هذا يتوقع من الأمور ما لم يحدث وما لا يمكن حدوثه. وهكذا كان يشقي نفسه بأوهامهء كما أنه كان مفرطاً في الحذر لا يطمئن إلى صديق» وهذا ما أفسد عليه لذة الحياة» ولذة محادثة الناس ومخالطتهم». فكم يفيد تلاقي المرء مع غيرهء وكم يقضي الإنسان حاجاته بإرشاد صديق. وهناك خلة قبيحة أصيب بها شكري» ألا وهي سوء الظن بالناس. ويقول علماء التفسن أن الرجال العام كان شكرى ممينا ب مستعدون للبدلبات بارزة في الحالة المزاجية» وبأنهم مستعدون للانطواء والتعصب» محبون للعزلة» وعندهم استعدادات طبيعية للاضطرابات العقلية» وهذا ما يسمى عند علماء النفس بالفصامء. والمنفصم يميل إلى طرف الانطواء ويقل اهتمامه بالعالم الخارجيء عالم الضجة والحركة والضوضاءء ويركز انتباهه واهتمامه على عالمه الداخلي عالم التخيل والتأمل الذاتي» ويصف «فرويد» مرضص الفصام بأنه ذهان نرجسي يتركز فيه حب الإنسان لنفسه وتأمله فيهاء والمتفاصم عنده استعدادات لعصاب الوسواس . وريما لا يصح هذا الكلام على كل السمناء. وهذا هو عيب علم النفس أقصد «التعميم»» على أن هذه الأعراض والأوصاف والاستعدادات النفسية الفطرية قريبة من نفسية شكري . ومرض الوسواس كان أصيلاً فيه. ولم يستطع أن يتغلب عليه: ولذلك لازمه سوء الظن» يقول في الاعترافات: «(إني أسيء الظن بكل شيءء سواء الحميد والذميم»ء ٠‏ قلا غْرو إذ رأيتٌ في الضياء ظلاماًء ووانت فى سواده ما يخلقه سوء الظن من الأوهام التي هي كخيالات الشياطين في ظلام الليل» ا 0 المبلغ يسمع همس شياطينه في أذنه: فإذا تلمت إلى يميئنه وجد سوء الظن يهمس في أذنه اليمنى؛. وإذا تلفت إلى يساره وجد سوء وء الظن يهمس في أذنه اليسرى». وفي مقال له بمجلة الرسالة (يونيه/ حزيران )١1847"‏ يعنوان «المغالطة في الوسائل والغايات» يشرح لماذا يفقد ثقته بالناسء» ويرى في ذلك أن الإنسان يحسب الغاية الدنيئة غير دنيئة» وحسب هذه الغاية يبرر الواسطة الدنيئة» بل وقد يغالط المرء نفسه مغالطة ثالئة فيحسب الواسطة الدنيئة واسطة نبيلة» ويرى أن الناس يحاولون بلوغ الغاية الدنيئة بالوسيلة الدنيئة؛ وهم في قرارة أنفسهم يظئون أنهم يبلغون الغاية النبيلة بوسيلة وقد أبعدته ظنونه عن الناس؛: وأبعدت الناس عنه؛ فعاش في عزلته وظنونه توجهه حيثما شاء لا حيثما تهديه بصيرته إلى الصواب» وقد صرفه 4 هذا الظن السيء عن طلب اللذات المختلفة في الحياة والاستمتاع بجوانب الفضيلة في الناس . ومن مظاهر سوء ظنه اختياره للأدب الأجنبي الذي يعبر عن سوء الظن» فقد ترجم قصة لاكونراد» بعنوان «جريمة أم قصاص». وأبرز في تقديمه لها هذه الخلة» يقول”'': «هذه قصة للكاتب القصصي الشهير جوزيف كونراد. . . ويريد أن يظهر في هذه القصة كيف أن سوء الظن إذا استشرى واستفحل يتملك ضمير المرء حتى يحكم بالظن من غير دليل ثم يعاقب بالظن» ثم لاحظ هذه الخليقة في أثناء دراسته للمتنبي» فيقول: اويعود إلى وصف ما علمته الحياة من سوء الظن». ثم يورد الأيات التي تدل على ذلك . وفي سلسلة المقالات التى نشرها في مجلة «المقتطف» تحت عنوان «نظرات في النفس والحياة»»2 يعتني بإيراد النظرات الخاصة بسوء الظن» ورغم ما قدمناه من سوء الظن عنده» فهو يعرف أضرارهء وفي هذا يقول في ديوأنه : وفي صروف الحياة عرقلة ‏ تقتل روح الذكاء بالريب وتبعث اليأس والملالة والش سك وتودي بهمةالطلب ولشكري طموحات يلفها الغموضء» وأمان عجيبة» فتمنى لو يكون كالشمس يشرق كشروقها ويغرب كغروبهاء ويملاً السماء ضياء» وقد كان شكري يترقب ليلة القدر في طفولته وصباه ثم يسأل نفسه: ماذا يطلب من الله؟ فتنتابه الحيرة وتتعدد أمانيه» ويتساءل: أيطلب الغنى أم الصحة؟ أم السعادة أم التقوى؟ أم كبر العقل أم رجاحة الفكر؟ وأخيراً يطلب من الله أن يوخر ظهور ليلة القدر بعض الوقت ثم يعود فيطلب كل شيء»ء .١6841/ مجلة المقتطف. مايو/ أيار‎ )١( 314١ ولو ظل شكري في أمانيه هذه لما اعترتنا الدهشة». ولكنه راح يحلم بأنه «زوس» سيد الآالهة و«هرقل» له القوة» و#مارس» | إله الحرب. وتارة يحلم بأنه «أفلاطون؟ أو «باكون» أو «شكسبير» أو 9يوليوس قيصراء وتارة يحلم أنه جميع كل هؤلاء في شخص واحدء وكأنه لبس كل أزياء العظمة؛ واكتشف كل الاكتشافات؛ وكتب روائع القول. وبعد ذلك يصحو من حلمه هذاء فيسمع المدرس الذي يطلب منه أن يتتبه إلى درسه؛ ويعجب هو «من جرأة هذا المدرس على توبيخي بعد أن عملت كل هذه الأعمال العظيمة». وقد كان شكري يدري تماماً أن هذه الأماني لن تتحقق طالما هو آدمي ؛ لأن الإنسان ليس في مقدوره أن يحقق كل تلك الأماني أو بعضهاء تبت أن .يكون إلها حك يحقق أمائنه وأماني الآخرين؛ يقول في شعره: لو كنت ربا نافذ الأمر قادراً ‏ لأعطيت نفسي سؤلها وعباديا وأفسحت فى الآباد للنفس منزلاً وأثملت بالآلاء فيها الأمانيا وشاكرى ل مطل أن رتس نا كنك الات ب هله الحالة ولكنه هكذا وجد نفسه : فإني رأيت النفس كالأفق بهواها تسير بها الآمال سير الكواكب وأخيراًء يهتدي إلى سر شقاء الإنسان في هذه الحياة» وهو عظم ما يرجوه مع ضعف قدراته؛ يقول: ومن شقوة الإنسان أن اقتداره ضئيل وما يرجو من العيش واسع ويبدو أن كتّاب الاعترافات والمذكرات الشخصية مصابون بجنون الأماني؛ ف«أميل؟ يقول في يومياته: «ما أرغب فيه هو خلاصة الرغائب 000 . علي أدهم : تراث الإنسانية» يوميات أميل‎ )١( ؟‎ ونتساءل: هل هذه الأماني تؤخذ على أنها حقيقية؟ أي هل هو يتمئى فعلاً في قرارة نفسه أن يكون إلها وهرقل وزوس. . .؟: أغلب الظن أن هذه الأشعار والأحاديث نوع من الهروب من الواقع المملول». والعالم المألوف» إلى دنيا يرى أنها أكثر جمالاًء وأكمل صفات,. ولعله يجد في هذا التمني الغريب والعيش في الخيال متعة نفسية. وهناك تناقفض صارخ في أقوال شكري كما وردت في اعترافاته» فشكري الذي يقول أن الحياة نكتة باردة» هو الذي يقول: «إني أرغب في لذات الحياة حتى لو اختبأت مني لذة تحت قدم نملة ما فاتتني؟. وشكري الذي يقول: «... ولكن للنفس أطواراً وأحوالاً يستحيل فيها الإيمان بالحياة»» هو الذي يقول: «آه لو أمكن أن أعيش الأبد فى دقيقة واحدة. وأجني ثمار الحياة في دقيقة واحدة». ١‏ وهذه المواقف المتناقضة تدل على أنه ليس هناك انسجام في هذه النفس بين تصوراتها أو توافق في إدراكاتهاء بل هناك اضطراب وخلط وازدواج»ء وأن هذا التناقض في أقواله مرده إلى نفسية شكري . 5 الاعترافات تلقي ضوءاً على شعره : وتلقي اعترافاته ضوءاً كاشفاً على شعره» وتعتبر مصدراً هاما لتلقي معلومات عن أدبه . يقول في تصوره للأدب وطريقة كتابته: «كنت أقضي الأيام في تصيد الألفاظ واختلاس الأساليب اللفظية. وليس لنا في ربط نثره بشعره مندوحة» فمن يطالع دواوينه الأولى وخاصة «ضوء الفجراء الذي صذر عام 8 يجد مصداق ذلك ويقع على تشبيهات قديمة فيها آثار المحفوظ في ذاكرته من الأدب القديمء وفيها تصيد الألفاظ الذي يشير إليه. يدف فمثلا فى قصيدته «الحب نائم ويقظان»2 يقول : فعثرن في أذيالهن تخورّفاً منه وسوّين المطارف باليد فعبارة #سوّين المطارف باليد» صورة جاهلية؛: وبيت النابغة الذبياني في وصف (المتجردة» زوج النعمان فيه هذا المعنىء» واللفظ : سقط النصيف ولم ترد إسقاطه فنتناولته وانّقتنا باليد وعبارة «وكأن قد» في هذا البيت لشكري: وعَدَوْنَ عدوة خائف متظالع إن لم يكن متزايلاً فكأن قد هي عبارة النابغة في هذا البيت المشهور: أفد الترحل غير أن ركابنا ‏ لما تزل برحالنا وكأن قد ونراه يتصيد ألفاظ الشريف الرضي ويحذو حذوه في أبيات أخرى. وهكذا كان شكري يتصيد ألفاظ القدماء ويختلس الأساليب اللفظية مهم . ولكن من يتتبع شعره يدرك أنه هجر هذه الطريقة» وفطن إلى أن الأدب يصور الحياة وأساليبها والروح وعواطفهاء وانصرف عن تصيد الألفاظ والاقتباس والاختلاس. وفي الفصلين 7أحلام الأدباء و#الإحساس والحياة» يتحدث عن المذهب الجديد في الشعر الذي كان ينادي به مع العقاد والمازني. وفي أحد فصول الاعترافات يُعرب شكري عن استيائه من النقد وتخوّفه منه وضيقه بهء يقول: «حين قرأت نقداً لقصيدة لي في إحدى الجرائدء فخيّل لي عند قراءته أن هناك مؤامرة في هذا الوجود ويراد بها ضري والإساءة إليّ؟. وربما يشير شكري إلى نقد ديوانه الأول «ضوء الفجرة؛ فقد استقبله النقاد والشعراء بالانتقاد الشديد» ودارت حوله معركة أدبية كبرى لم يشر 34 إليها الذين درسوه وأصدروا عنه مؤلفاتء. واشترك في هذه المعركة بين مؤيد لشكري ونافد له: إمام العبدء وعلي الغاياتى» وهحمد حسن نائل المرصفي الذي راح ينتقد شكري في سلسلة مقالاات تحت عنوان (ذمعة أديب ونقد غريب» أين حسنات ديوان شكري؟؟ في صحيفة «مصر الفتاة» واشترك أيضاً في هذه المعركة: المازني: وحافظ إبراهيمء والخازندار والسباعي» والمنصور العباسي؛ وأبو بكر لطفي». وخطليل مطران. وقد شغلت هذه المعركة الوسط الأدبي لفترة غير قصيرة؛ ويستطيع القارىء أن يتابيعها فى جريدة «مصر الفتاة»» وجريدة «اللواء» عام .)١908(‏ أشرنا إلى هذه المعركة الكبيرة لنفسر سر توجُس شكري من النقدء بعد أن هاله كل هذا العراك حول اسمه وشعره فى أول حياته الأدبية. وقد يكون لهذا أثره على شكريء فإنه قليلاً ما يتصدّى لأعمال الآخرين وينتقدها حتى لا يتعرض لنقداتهم» بل إن ضيق صدره بالنقد كان أحد الأسباب في عزلته وانزوائه بعيداً عن الأضواءء فقد كان خوفه من النقد يجعله يحجم عن نشر ما يكتبه» وقد يمزق ما تجود به قريحته أو يحرقهء فإذا سلم شيء فضّل عدم إذاعته . وقد بعث بعدة قصائد إلى فؤاد صروف صاحب «المقتطف) ومنعه من نشرهاء. قائلا (مجلة الأبحاث.» عام :)156٠‏ «هاا هي قصيدة «شكسبير»؛ وهي لعبة من لعب الشعر أرسلها إليك للاطلاع عليها إذا شئتء لا للنشر»؛ «وقد وجدت في الانقطاع عن النشر راحة». ويقول في رسالة أخرى لصروف: «... أصبحت أتوجس من الزلل وأرى في كل كلمة أكتبها خطأ. وأصبحت أخشى حنابلة اللغة والنحوء. ثم يقول في رسالة أخرى: «إني كلما رأيت الأغلاط التي استخرجها كل أديب من قول كل أديب في كل مجلة وجريدة» أزداد شكا في فائدة النشر وفي كل ما أكتب». ظظ2 وقد انتهى تخوفه من النقد إلى الإديار عن الحياة الأدبية. والنكوص عن واجيه تجاه الأدب والمفن . ويفسّر بعض الدارسين بضعاً من قصائده بما جاء في اعترافاته. وفي كتاب الدكتور محمد مندور «الشعر المصري بعد شوقي» يقدم لنا إيضاحاً لقصيدة «المجرم»؛ وقصيدة «البعث؟ بما أورده شكري في فصل أطوار العقيدة. ويمكننا أن نوسع اعترافات شكري لتضم قصائد من شعره يعترف فيها بنقائصه؛ وعلى سبيل المثال قصيدة «بعد الإخاء والعداء؛ تحكي قصة الود والخصام بينه وبين المازني؛ ويعترف فيها أن قلبه مال عن النْصّف وتعمّد الإساءة إلى المازني» وأن عداوة صديقه له ولّدت في نفسه الحقد والبغض. الاعترافات ليست ذكر العيوب فقط : وكتّاب الاعترافات رغم توفر هذا القدر من المصارحة عندهم لا يحرقوة يكل قنيء: وااروبيرة ارك بأشياء رعلاى الها البجبين ريدت أمامها النفس مأخوذة» ومع ذلك صرّح بأنه لم يقل كل ما عنده. وشكري كغيره من كتّاب الاعتراف لم يكشف لنا كل مخازيه» وعلة ذلك أن الإنسان لا يستطيع أن يواجه الناس بأخطائه الجسام ولا يأمنهم على عارك وذ يق ع انق له تدع لاعري ولائلت زور ذا الور شيثاً أخفى عا أشياء» ولينظر كل منا إلى نفسهء فهل حكى أحدنا حكاية واحدة عن نفسه بكل تفاصيلها وذكر فيها ما يدينه؟ والغالب على الإنسان أن يذكر ما له أكثر من كر ما عليه» وفي هذا يقول شكري: «ليس فريضة على صاحب الاعتراف أن يذكر كل نقائصه؛ فهل فعل ذلك «روسو' أو «جوته» أو ١شاتو‏ بريان؟»2. آظظ», وكُنّب الاعترافات لا تتضمن ذكر المثالب والمعايب فحسبء فلا يرغب المفكر في التندّر على نفسه والتنقص من قدرهء وتشويه ذاته أمام قرّائه ومعجبيه» ولكنها تشتمل أيضاً على سرد بعض محامده» والثناء على مواهبه» وإعلاء بعض نواحيه . وشكري حاول أن ينتصر على نفسه وعِللها ويضفي عليها بعض الفضائل التي تخلع عليها قوة ونوراً» أو ليعيد إليها بعض الحقوق التي سلبتها له أباطيله» ويعمل على تجميلها بعد أن قبحتها أفاعيله؛ وهذه المناقب التي يذكرها هي من الخصائص الطبيعية في النفس الإنسانية. فليست النفس شريرة دائماً ولا هي خيّرة أبداً. ففي فصل «الخوف والرحمة» يعترف بأن نفسه رحيمة وكريمة تأمره بالإحسان وإيتاء العجزة والضعفاء والمتسوّلين؛ وفي فصل «المجرمون والأبرياء» يقول: «وكنت أشفق على المجرمين وأملأ لهم قلبي رحمة. حتى لو أصابني أحدهم بسوء لما أشفقت على نفسي أكثر من إشفاقي عليهم في تلك الساعة» فإنه لا يحزنني في الحياة شيء مثل رؤية آثار التعاسة التي يجلبها الإجرام للمجرمين ويعود بها الشر على الأشرار». وفي فصل «داء الضمير» يصرّح بأن ضميره يؤنبه على أقل شيء ويربط تأنيب الضمير برقة الشعور ودقة الإحساس. وفي الفصل الذي كتبه تحت عنوان «العجب واليأس» يدافع عن نفسه» ويلقي تبعة سوء الظن عنده على الناس» ويحكي لنا أنه كان يُظهر للناس الثقة فيُظهرون له الحذرء وكان يستجدي إخاءهم فلا يظفر بشيء» ولما أساء الناس ظنهم به أساء ظنه بهم. وهكذاء فإن اعترافات شكري فيها ذكر المثالب والمناقب» وكاتب الاعترافات عندما يفعل ذلك فإنه يوجد توازنا في النفس أو توازناً بين القبائح والمحاسن . خف الفكاهة في الاعترافات : ويحاول شكري أن يمزج الجد بالفكاهة في اعتراقاته؛ ولكنه لم يوفق في هذاء ولم ينجح في انتزاع ضحكات القارىء» ويرجع ذلك إلى أن نفسية شكري ليست هي النفسية المرحة المنطلقة من عقالها المحلقة في أجواء السَّمَّر والفكاهة. وليست هي النفس المتحرّرة من أوهامها وأظانينهاء فمن أين تأتيه المداعبة والملاطفة؟ وأغلب الظن أن حسٌ شكري الفكاهي لم ينضج . وعموماء فإن اعترافات شكري تغلب فيها الأمور الذاتية على الأمور الموضوعية» ويخضع سلوكه في الحديث عنها لمزاجه النفسي التشاؤمي» وليس للقوانين العامة والمبادىء العقلية السيطرة المحكمة عليهاء فلم تكن نظراته شاملة للحياة بكاملهاء فهي لم تتجاوز حديث النفس ولم تتخط الأحاسيس والمشاعر والخواطر والتصورات الخاصة؛ فلا جرم أن فاضت أحزانه» واسترسل في تسجيل ما كان يتغْص حياته؛ ولم يسم صاحب الاعترافات على الامه» ولم يرتفع قوق حاجاته النفسية. بل ظل يواصل الحوار النفسي الأليم» فنضح عالمه الداخلي على عالمه الخارجي» وصاحت أوجاعه صياحاً فيه فزع ورعبء وفيه شعور بالاضطهاد والمطاردة. وشكري عنده من المعارف والمواهب ما يكفي لتكوين أديب متعدد الجوانب» ولكن ليست عنده الشخصية الكافية» فقد كانت شخصيته تنخر فيها الوساوس والهواجسء ويهرها التردد والخوف». ويضعفها سوء الظن والشك. وقلة الثقة بالنفس والناس والحياة. ويقول الأستاذ علي أدهم في تقديره لهذه الاعترافات (العربي؛ يونيه/ حزيران :)١1956‏ «وكتاب الاعترافات برغم ما به من وجوه النقص من الكتب الشائقة» ويمكن أن يوضع إلى جانب كتب التراجم الذاتية 144 الممتازة في الأدب العربي» مثل كتاب «الأيام» لظطه حسين» وكتاب «حياتي» لأحمد أمين» وقد زادت أمثال هذه الكتب من ثروة الأدب العربي الحديث؟. ويقول الدكتور مندور عنها: «ومن يقرأ هذا الكتاب لا يمكن إلا أن يفكر قي اعترافات كبار الأدباء من أمثال «روسو؛ و«جيته؛ واشاتوبريان»» بل وتحليلات وتأملات كبار المفكرين والأدباء من أمثال «باسكال» و«مرسيل بروست»» حتى ليخيل إلينا أن هذا الكتاب يعتبر من أهم وأعمق وأجمل الوثائق النفسية التي ظهرت في الأدب العربي الحديث» بل ونعتقد أنه يرتفع إلى مستوى أمثاله من مؤلفات كبار الأدباء العالميين». وعلى أي حالء فإن كتب الاعترافات أفاءت على أصحابها شهرة واسعةء وأضاءت أسماءهم. وستظل اعترافاتهم موضع اهتمام الدارسين» وهي بلا شك صفحات رائعة في أدب النفس. كر نُشرت قُ مجلة الثقافة عدد ديسمبر/كانون الأول 9/8ا 9 امل 12121111111 الصنم اللاعب... والكرنب الكاذب أو بين عبد الرحمن شحكري والمازني 212111010100101 1 العنوان ليس غريباًء ولا هو من اجتهادي» وإنما هو واقع حالء فعندما وقعت جفوة بين الصديقين المازني وشكري»؛ جرى بينهما سجال. وخاضا في لجج النقد والسبء ثم كتب المازني فصلاً في كتاب «الديوان» عن شكري عنوانه «صنم الالاعيب»» فردٌ عليه شكري بمقالات فى جريدة «عكاظ) تحت عنوان «المازني كرنية كذب»» ذلك أن الكرنبة لو نزعت منها ورقة في إثر ورقة لم يبق منها شيءء وقصده أن المازني لو كشفت عن أكاذيبه أو أسقطت سرقاته من أعماله لم يتبق له نثر ولا ضعر . وقد ذاع الفصل الذي كتبه المازني عن شكري؛ لأنه جاء في كتاب «الديوان في الأدب والنقد؛ الذي اشترك فيه العقاد. أما شكريء فلم هو «قارىء»»؛ فظلت بعيدة عن الأيدي. ومع ذلك فقد شاع في الوسط «المسرح» في عدد :1975/8/١7‏ «وليسمح لي الأستاذ عبد الرحمن شكري أن أستعير تعبيره في المازني مع بعض التحوير» وأن أطلقه على يوسف وهبي ؛ فأقرل: يوسف وهبي كرنبة تهويس»4. وقد ذهب الأدباء والنقاد إلى أن العراك الذي جرى بين الصديقين اللدودين كان سبية كشف شكري لسرقات المازني؛ وأرى أن ما جرى 5 بينهما كان معركة شخصية تقنّعت بقناع الأدب؛ لأن ما كتباه عن بعضهما البعض يظهر مدى حقد كل منهما على الآخرء فقد فاض من لسانيهما سيل من الشتائم الموجعة. والمسبّات النابية» التي لا تليق بصديقين أو أديبين » وهذا يكون في حالة العداء الشديد. إن كشف شكري لسرقات المازني» هو مظهر الخلاف» أما باطنه نمجهولء. وسندي في هذا أن شكري أذاع سرقات المازني في عام 7 ؛ والقصائد التي بين أنها مسروقة منشور بعضها في ديوان المازني الصادر عام 21417 وبعضها الآخر منشور في دوريات» فما سبب سكوت شكري عن السرقات عدة سنوات؟ لقد كان يعرفها والتزم الصمت» ولم نكن هرد المعقول أن يكشف عن السرقات والمازني يمدحه شعراً ونشرأء بل إن شكري أهدى الجزء الثالث من ديوانه الصادر عام 6 إلى المازني؛ كانت العلائق طيبة بينهماء وفجأة حدث شيءء ما زال مبهماًء كدّر صفو الصداقة» فانقلب شكري على صديقه. وقد أرجع بعض الباحثين سبب الجفاء إلى أن شكري سعى عند حشمت باشا وزير المعارف ليبعد المازني عن الوزارة» وهو قول يفسر الجفاء لو كان حدث. وكان المازني قد كتب عدة مقالات عام ١9317‏ في جريدة «عكاظ»"'' وازن فيها بين شعر حافظ وشعر شكري» وانتقص من قدر الأول» وأعلى من شأن الثاني؛ مما أثار حفيظة حافظ» فسعى عند حشمت باشا وكاد للمازني» فأمر الوزير بنقله من المدرسة الخديوية إلى دار العلوم؛ فقدَّم المازني استقالته عام '71917“. ولا ذنب لشكري في هذا بدليل أن الصداقة تواصلت بينهما. .1417 إلى آخر ديسمبر/ كانون الأول‎ ١141/7/71 جريدة «عكاظ» من‎ )١( أدب المازني؛ د. نعمات أحمد فؤادء ومقال علي أدهم في مجلة «المجلة»‎ )1( . 484 فبراير/ شباط‎ 56١ كان المازني ,)١1548 -١890(‏ وشكري (1887 - 19044) صديقين وزميلين في مدرسة المعلمين العلياء وفي سنة )١1904(‏ أصدر شكري ديوانه الأول «ضوء الفجر؛ وهاجمه النقاد؛ وكان المازني من بين المدافعين عنه؛ وعندما عاد شكري من بعثته في إنجلترا عام (1415) استقبله المازني بقصيدة ودّية؛ وفي عام )١911(‏ أصدر شكري ديوانه «لآلىء الأفكار؛ فقرّظه المازني”''» كما قرظ شكري في العام نفسه الجزء الأول من ديوان المازنى”''. وكان أحدهما يرسل قصيدة للآخر فيرد عليه بقصيدة من نفس البحر والقافية» وتبادلا التحيات والمراسلات في إطار ولما انقليت المحية إلى عداء؛ أخذ شكري يكشف عن سرقات المازني في «عكاظ» و«المقتطف» ومقدمة ديوانه الخامسء فتولع المازني» ومما زاد النار لهيباً سعي بعض التاس بينهماء فتمادى شكري في النقد. أما المازني» فقد وجد نفسه في مزلق صعب. ولم يستطع كبح غضبه؛ وتحفز للعراكء ولكن سلاحه لا يصيب في مقتلء» وكل ما استطاعه أنه أخذ يشيع في المجالس الأدبية أن شكري مجنون. وقد بعث شكري بخطاب إلى صديقه عبد الحميد العبادي» قال فيه: إن المازني على قلة ما ذكرت من مأخذ قد امتعضء وصار يشتمني عند جلسائه؛ ويزعم أنه سيثئبت جنوني كما بلغني من بعض معارفه. وسيضطرني هذا إلى نشر كتاب خاص بأعماله؛ وحيث أني بدأت في تأليف هذا الكتاب» فأرجوك أن تسأل مصطفى علوة عما إذا كان يجب أن يضع ما جمع من مآخذ المازني في كتابي» وأنبّه إلى أنه هو الذي .١197/7//٠ جريدة (الجريدة»‎ )١( .1977/1١١؟/؟84 (9؟) الجريدة‎ نف جمعهاء واستخرجها كي يكون الكتاب أتم. ..*'“ء ولم يقدّر النشر لهذا الكتاب . وقد وجدنا في «عكاظ» مجموعة مقالات في عامي (19194., ) ضد المازني بتوقيع «تاقد»؛» وهو شكري 00 هذه المقالات هى التى كان يريد تضمينها الكتاب السالف الذكرء وقد تضمنت شتائم 2 وإشارات إلى سرقات؛ ونجمل سرقات المازني التي أشار إليها شكري فيما يلي : * قصيدة «الشاعر المحتضر» مأخوذة من قصيدة «أودني» للشاعر اشيللي) الإنجليزي . * قصيدة «قبر الشعر» منقولة عن «هايني؟ الألماني. قصيدة «الوردة الرسول» منقولة من الشاعر «ولر؟ الإنجليزي. * قصيدة «فتى في سياق الموت» للشاعر «هود» الإنجليزي. * قصيدة «الراعي المعبود» مأخوذة عن «لويل» الأمريكي . * قصيدة «الذكرى» عن الشاعر «تنيسون» الإنجليزي. * قصيدة «إكليل الشوك والغزال الأعمى» مسروقتان أيضاً. * قصيدة (الأقدار» أخذ جزءاً منها من قصة قابيل للشاعر «ابيرون» الإنجليزي . * قصيدة «الأزاهير الميتة» عن الشاعر «براينت» الأمريكي . *# قصيدة الا ملام ولا عتاب» مسروقة من شعر «دريتون» الإنكليزي . © قصيدة «أشباح الماضي على جئة الأمس» مسروقة من قصيدة .14517 نُشر هذا الخطاب في مجلة «الأدب» عام‎ )١( من مجلة «المجلة» أن هذه‎ ١46094 (؟) قال علي أدهم في عدد فبراير/ شباط‎ المقاللات لشكري.‎ يكف‎ #بروميئيوس طليقاً للشاعر «شيللي» بعد التصرف في نقلها وتغيير ترتيب المعاني والأبيات. | * مقالة «تناسخ الأرواح' مسروقة من «أديسون» الكاتب الإنكليزي» وهي منشورة في مجلة «السبكتيتور» . * ومن مقالات المازني في ابن الرومي التي نُشرت في مجلة «البيان» قطع طويلة عن العظماءء وهي مأخوذة من كتاب #شكسبير والعظماء» لفيكتور هيجوء ومن مقالات «كارليل» الأدبية. * كتاب (الشعر غاياته ووسائطه؛ مسروق من كتاب «قواعد النجاح في الأدب» تأليف «جورج هنري لويس». وكان شكري أحيانئاً لا يكتفي بالقول إن قصيدة «لا ملام ولا عتاب» مثلاً للمازني مأخوذة من الشاعر الإنكليزي «دريتون»» وإنما يترجم أبياتاً من القصيدة الإنكليزية ويأتي بما يقابلها من شعر المازني. مثل قوله: «قال دريتون: قم صافق على التوديع كفي» مصافقة المودع وداعا لا لقاء بعده». ويقابل هذا في شعر المازني: فقم صافق على التوديع كمي كما صافقتني تبغي اقترابا وبالرجوع إلى قصيدة «وداع الحب» لدريتون في «الذخيرة الذهبية) نرى أن المازني أخذ الشطر الأول من دريتونء أما الشطر الثاني فلم يرد في نص الشاعر الإنجليزي؛ يقول «دريتون»: «صافح يدي إلى الأبد والغ كل عهودنا؛. ولكن قول «دريتون»: حسب ترجمة شكري : فلا تدع الناس يرون فينا شيئاً من الحب القديم» قريب من قول المازني : فلا تظهر لهذا الناس أنا 6 قديماً قد تلابسنا صعابا ولا تدع العيون إذا تالاقت 2 تمزق عن تجاهلنا الحجابا 526 وقد يترجم المازنى بدقةء يقول «دريتون» حسب شكري: 9فإذا قدر لنا اللقاء بعده»» فيقول المازنى: «وقدرت المقادير اجتماعا»”'' . وفي هذه القصيدة ‏ على سبيل المثال نرى المازني يأخذ شطر بيت ويكمل البيت بشطر من عندهء أو يأخذ معنى بيت ويوسعه ويضيف إليه» ولا يأخذ القصيدة بأكملهاء ولكنه ينظم في أجواء القصيدة التي يذكرها شكريء» وعلى هذا يجد القارىء في قصيدة «وداع الحب» لدريتون خطرات لا وجود لها في قصيدة المازني» كما أن قارىء قصيدة المازني يجد فيها خواطر تخلو منها قصيدة دريتون» ويلاحظ أن شكري يقترب بترجمته من نص المازني» فقول «دريتون»: [6©765 402 ولسقط علقطة] يمكن ترجمته ب«صافح يدي إلى الأبد»» ولكن شكري أثر «صافق. .. كفي) ؛ لأن المازني ذكرهماء ولا فارق بين القول: «صافق... كف واصافح يدّي»؛ وشكري هنا يجيد عرض النص المترجم ليكون أكثر تأثيراً في نفس المتلقي . ولم يخشع المازني أمام شكري» وانبرى يدافع عن نفسه ويناهفض غريمه ومن ساندوهء فكتب في مقدمة الجزء الثاني من ديوانه يقول: «ولست أدري كيف استحل الناس لأنفسهم أن يجزموا أني إذا طبعت الجزء الثاني لاا محالة منتحل هذه القصائد؟ وهي «الراعي والمعبودة و«الوردة الرسول» و«الغزال الأعمى» و«إكليل الشوك؟ وخمسة أبيات من قصيدة «الشاعر المحتضر» وكلها منشورة في هذا الجزء منسوبة إلى أصحابها» . قال المازني هذا وهو ذاهل عن أن القصائد التي ذكرها سبق له نشرها في دوريات دون أن ينسبها إلى أصحابهاء مثل قصيدة «الراعي .1470/1١/8 عكاظ في‎ )١( 6ه المعبود؛ المنشورة في «عكاظ» بتاريخ /94/7١‏ 21916 ولو كان نسبها إلى أصحابهاء لما استطاع شكري أن يقول إنه نقل معانيها الشعرية من شعراء ذكرهم» وفات المازني كذلك أنه نشر قصائد في الجزء الأول من ديوانه وبه قصائد مسروقة لم ينسبها إلى قائليهاء. وبذلك خذل نفسه بصمته عن ذكر الشعراء الذين أخذ عنهم. الصنم والكرنبة : وفي أواخر ديسمبر/ كانون الأول ١147ء‏ أو أول يناير/ كانون الثاني 0١‏ صدر كتاب «الديوان» متضمناً فصل «صنم الألاعيب»» ويدل هذا الفصل على أن المازني عانى كثيراً مما ألم به من جراح» وتفرّع مما كتب عنهء ولم يجد بدا من الهتاف العالي؛ فقال في هذا الفصل عن شكري: «الصنم»ء «المنكود؛. «الأبكم؛؟. (السخيف»., «المجنون». «المائق»؛ «المجرم»؛ «دعِنٌ أخرس لا ينطق ولا يبين»: «المرزوء في عقله» إلى آخر ما جاء في هذا الفصل من سباب» وهذا مما أخذه الناس على المازني؛ وهو نتيجة طبيعية لعراك دام خمسة أعوام تجاوز فيه الخصمان اللياقة والأدب» وأخذ المازني ينعت شكري بما ليس فيه» مثل قوله: «ليس في كل مفاتن الطبيعة؛ وروائع الحياة ومعانيهاء ما يحرك هذا الصنم. أن باطنه شاعت فيه لعنة السماء» فعاش أشقى الناس بنفسه»ء وهذا القول منقوض؛ لأن شكري بشهادة ديوانه من كبار شعراء الطبيعة» وقد أطلعنا في ديوانه على ألوان من الحسنء. ويقول المازني: «لقد ولد ميتاً ولم يجده نور الحياة وحرهاء ولا أغنيا عنه من جمود طبعه»؛ والصواب أن شكري لم يولد ميثاًء وإنما وُلد شاعراًء» وعواطفه مختلجة جيّاشة» ولا يدل شعره على أن قلبه فقد الاتصال بالحياة. على أن أهم ما ركز عليه المازني طيلة خصومته مع شكري هو الى «الجنون»» وقد احتاط لنفسه وقال: إن «ذهن شكري متجه دائما إلى خاطر الجنون» ومئّل ودلّل على ما يقول» ولكن المازني كان يورد في شروحه وتعليقاته عبارات تعني أن شكري مجنونء ومن هذا قوله: إنه بدأ يجرب ما يسمونه هذيان الحواس»»؛ وشرح هذا الهذيان بما يفيد الجنون. ويتحدث عن (ما في شعره من دلائل الاضطراب في جهازه العصبي؟؛ ويعلق على بيتين من شعر شكري بقوله: «الحمد لله الذي لم يمكن في الناس نزوات جنونه»» وقارىء شعر شكري لا يشعر أن ناظمه مجنون» وإذا كان مجنوناً فكيف فهم المازني شعره؟ وكلمة جنون في شعر شكري لها دلالة في البيت الذي ترد فيه» ومن الأمثلة التي جاء بها المازني قول شكري : وإذكنت عندي جئت بالعقل والحجى0 وإن لم تجىء فالقلب مجنون ثائر فالجنون هنا ليس خبلاً وخللاً في العقل» ولكنه ثورة في النفس لغياب المحبوب» وجنون القلب أو الوجدان تعبير مجازي. ومن أمثلة المازنيى قول شكري: بالله ما تفعل لو بلّغوك إني عرتني جنّة من هواك فالجنون هنا كناية عن الوله» وكل ما قاله شكري وفيه كلمة جنون»ء يمتنع فيه الجنون لآن معانيه منتظمة» وشكري مثل أي أديب له معجم اعتاد على استعماله. ويصعب عليه التخلص منه؛ لأنه يعير عن إحساساته ومعانيه بتلقائية في اللحظة التي يبدعه فيها. ثم إن الشعراء أو معظمهمء اعتادوا على تقديم الأشياء بتهوبل وتمويه» وينفرون من الأسلوب التقريري. وعلى أية حال لم ينطل كلام المازني في جنون شكري على أحد. بل كان باعثاً لتعاطف عديد من الأدباء معه (مع شكري). وقد غشيت شكري نوبة من الغضب؛ ورأى أن يثأر لنفسه. فهبٌ يناهض المازني ويصد غاراته؛ وكتب عدّة مقالات في عكاظ تحت عنوان باه > «المازني كرنبة كذب». جاء فيها: «قرأت في الأوراق النجسة المنتنة. أوراق الشتائم؛ التى أصدرها المازني والعقاد كلمة عنوانها: صنم الألاعيب بإمضاء المازني كلها سباب وبذاءة» وسرق فيها كاتبها طريقة ماكس تورداو. ينا واستفاض في الكلام وبيّن أن المازني لا يسطو على الأجانب فقط. وإنما يسرق من الشعراء العرب». ويقول: «هذه قصيدة الربح والخسارة؛ استعرض أمامه قصيدة الحسين بن الضحاك الهمزية» وهمزية ابن المعتزء وهمزية الحسن بن هانىء» ثم سطا عليها وألف من أبياتها قصيدة ملفقة كما سنبين لك... قال ابن المعتز: (كالشمس مسبلة أذيال لألاء). فقال المازني: (يا مسبلاً حوله أذيال لألاء)؛ ولا معنى لهذه الرقة؛ إذ إن الحبيب الموصوف لا يسبل حوله أذيال لألاء إلا إذا علق مصباحاً في تكة لباسهء وقال الحسن بن هانىء: (في صبحي وإمسائي). فقال المازني: (في صبح وإمساء)؛ وقال الحسن بن هانىء: (فتنة الرائي)؛ فقال المازني: (ما يفتن الرائي)؛ وقال ابن المعتز: (راع بعين وقلب غير نشّاء)» فقال المازني: (بقلب راع وفيّ غير نسّاء)» وقال ابن المعتز: (في سواد الليل دعاء)؛ فقال المازني (بجنح الليل دعاء): وقال الحسين بن الضحاك: (إذا استثنيت كاللاء). فقال المازني: (إذا استثنيت عيناي كاللاء)؛ وقال ابن الضحاك: (للراح غذاء)» فقال المازني: (للروح غذاء)؛ وقال ابن المعتز: (صمت إباء)» فقال المازني: (إعراض إباء)؛ وقال ابن الضحاك: (فلها عرش على الماء)»: فقال المازني: (فلنا عرش على الماء)» وقال ابن الضحاك: (لحظات حولاء)؛ فقال المازني: (لحظات هوجاء)... ونكتفي بهذا مما ساقه شكري» وبافي . 5 عكاظ في‎ )١( السرقات موجود في المقال... وقد اختتم شكري حديثه بقوله: «أين إذن العاطفة والإحساس بعد الكذب والادعاء وسرقة بسابق إصرار»7'', ولما كان المازني قد استدل على جنون شكري بما ورد في شعره من تكرير كلمة جنون» فإن شكري أظهر خطل كلامه» وحاربه بنفس السلاح الذي وججهه المازني إليه؛ وذهب إلى أن تكرير كلمات الجنون في الشعر ليست دليلاً على أن قائلها مجنونء ثم قال: «على أن شعر المازني رغم قلته مفعم بذكر الجنون»» وضرب أمثلة تدلل على صدق ما قال وتساءل: «هل هذا دليل على جنونه؟؛»» وعلى نفس الطريقة قال: «هل يصح أن نجمع الأبيات التي ذكر فيها اللؤم» وندّعي أنه لثيم؟ وهل يصح أن ننتقل إلى السفاهة. . . ثم نذكر أبياته التي ذكرها فيها بنصيب من هذه الصفات كما يفعل هو في مقال #صنم الألاعيب». بهذه الردود يكون شكري قد رد كيد المازني» الذي لم يكسب شيئاً باتهام صاحبه بالجنون» وكان يمكن له أن يحارب شكري بنفس السلاح الذي حاربه به. فشكري متأثئر بالشعر العربي» وله أبيات تسلّلت فيها كلمات وعبارات وردت في الشعر العربي القديم منها قول شكري: من لي به وعيون الليل تنظرنا بعد التصافي فأدنيه ويدنيني ويقول الشريف الرضي: من بعد ما كان رب الملك مبتسما إلى أدنوه في النجوى ويدنيني وقول شكري : طوراً تكائرني الهموم وتارة آوي إلى صبر الضعيف العاني يذكرنا بقول الشريف الرضي: )ع0( عكاظ في // 1571١‏ . طوراً تكائرني الهموم وتارة آوي إلى أكرومتي وحيائي وقول شكري: وكا نعهد الهوىيا حسن يضحكنا قصار عهد الهوى يا حسن يبكينا يذكرنا بقول ابن زيدون: إن الزمان الذي ما زال يضحكنا أنساً بقربهم قد عاد يبكينا وقول شكري : رمى الله في عينيك بالسهد والعمى وسقاك من دنياك صاباً وعلقما يعيد إلى أذهاننا قول جميل في بثينة : رمى الله في عيني بثينة بالقذى وفي الغر من أنيابها بالقوادح وهناك غير هذاء ولو كان المازني استقصى شعر شكري. واستخرج منه ما تأثر به من الآداب الأجنبية والعربية»؛ وتوفرت أقواله في هذا الشأن. وقَلّل من أهوائه؛ لملا كلامه نفوس الناس» وأوقف شكري عند حدٌ معين. وخلاصة القول أن عبد الرحمن شكري كان ندّاً للمازني في إطلاق النعرات ومسايرة الأهواء. والنقد والتجريح» فالمازني كان 57 شكري تحت عنوان «صنم الألاعيب» وشكري يهاجمه تحت عنوان ١كرنبة‏ كذب»» وإذا قال المازني: «شكري صنم ولا كالأصنام»» رد عليه شكري بقوله: «المازني كرنبة لا كالكرنب» فهو كرنبة كذب. إذا قشرت عن الكرنب ورقة بعد ورقة لم يبق منه شيء»» وكذلك المازني إذا كشفت عن كذبه لم يبق منه شيء. وقال المازني: «إن شكري ولد ميتاً». فقال شكري: (إن المازني لم يخلق بعدء وأما هذا الذي يسمى باسمه فعدم لا حقيقة». ويقول المازني: إن شكري صنم كالأصنام»» فيقول شكري: «إن المازني ليس بصئم» بل هو حجر لم يظفر بعد بسيما الإنسان» ولو أن 3 المازني مادة لاشمأز منها صانع لعب الأطفال» وأبى أن يصنع منه لعبة سخيفة مضحكة». ويرد المازني على هذا القول بأن شكري «ممسوخ الطبيعة» إلى آخره. وهذه المقولات يصعب أن نستشهد بهاء فلا شكري صنمء ولا 0 وإنما هما شاعران كبيران وإن رجحت كفة شكري فى الشعرء وهما كاتبان وإن رجحت كفة المازني في التثرء وهما ناقدان وإن تأرجحت كفتاهما في النقد. 5ه بعل الاخاء والعداء : وفي ربيع عام ١97١‏ توقف العراك بين الخصمين بعد أن ترك جروحاً وندوباً في نفسيهماء ولكن من خصال الإنسان أن ينسى أو يتناسى» فقد رأينا المازني بعد نحو عشرة أعوام يكتب مقالاً يعترف فيه بأن شكري هو أول من أنخذ بيدهء ولولا توجيهه لضل العلرء 33 وبعد عذة سنوات كتب المازني كلمة أخرى تحت عنوان «#كلمة إنصاف لنفسي ولعبد الرحمن شكري». اعتذر فيها عمًا بدر منه في حق شكري”". وتوالت اعترافات المازني بفضل شكري وأستاذيته » وقفل تأتي ساعة يسمو فيها الإنسان على ما في طواياه» ويتناسى أحقادهء ويقول الحق. وهذا أما شكري الذي ظل بقية عمره يحس بلذع هجاء المازني» فلم يعلن الصفحء. وقد نظم عدة قصائد لم يرد فيها أسم المازني, ولكنه كان يعنيه» منها قصيدة «صور الصداقة والعداوة»""'» ويذهب شكري فيها إلى .197*١ /4/6 السياسة الأسبوعية‎ )١( (؟) البلاغ /٠١‏ 19417"4/0. () أخبرني الاستاذ نقولا يوسف أن المازني هو المقصود بها. 55" أن المازني مدحه واعترف بفضله لكي يرد عليه شكري بالمديح أو بعبارة شكري «وفاؤك كي أبادلك التحايا»"» ثم يقول: «صفحت ولو أردت بلغت تأري...؟. وبالرغم من هذاء فجوّ القصيدة مغبر ليس فيه صفاءء وحتى عبارة الصفح هذه خالية من الصفح لما فيها من كبرياء وتهديد وثأرء وفي قصيدة «ابعد الإخاء والعذاء» عتاب شديد ليس فيه سماحة النفسء ولا أريحية» ولا يفضي إلى عودة الإخاء القديم»ء والجديد المفيد فيهاء أن شكري يدين نفسه مع صاحبهء ويقول: كلانا جنى شرَّأً فعاد إخاؤنا م<الاحكى ذكرى الشباب على بُعد إذا أنا أنسيت الإساءة من أخح ذكرت له مني إساءة ذي عمد وأيقنت لا ينسى عدائي وما جنى2 عدائي عليه من عناء ومن جهد وقد ذكر النسيان هنا مرتين لأنه يربط عودة الود بتسيان التجريح والنقدء ولكنهما ‏ حسب قول شكري - لا ينسيان إساءة كل منهما للآخرء ومن هنا يستحيل رجوع الصداقة مرة أخرى» ويقول متسائلا : أيلتئم الصخران في اليم بعد ما تردد موج اليم بالصدع والهد ويندم شكري على أنه رد الإساءة بالإساءة: فيا ليت أني قد غفرت جفاءه وِنَبُوَتَه حتى يصد عن الصدٌ ويعتقد شكري أن هذا العداء من فعل الدهرء والدهر لن يلغي فعله ؛ أي لا عودة للود. ويعجز هذا الدهر عن نقض فعلهء ألا وهو الدهر المصرف ذو الايد وشكري منطقي في كلامه؛ فما داما ذاكرين لما كان. فرجوع الصداقة ليس في الإمكان. وواضح أن الشروخ التي حدثت في صداتتهما لا تنفع فيها مرمة. وقد استعصى قلب شكري على السماح» وعندما توفي المازني لم يرثئه. 311" هذه أطراف من معركة المازني وشكري» وإن كان كثير منها فيه أباطيل ومهاترات» فإنها لم تخل من نتائج مهمة» منها أننا عرفنا يعض مصادر شعر المازني» وبدون تنبيهات شكريء فإنه كان من الصعب الاهتداء إليهاء ومن نتاج هذه المعركة تنشيط الحركة النقديةء فقد شارك فيها عدد غير قليل من النقاد» منهم: محمد جلالء» وأحمد زكي أبو شادي» وعبد الرحمن صدقي. ومحمد عبد المجيد حلمي» وزكريا عمرء وعياس الجمل» وميخائيل نعيمة. وهناك عدد من المقالاات نشرت بدون توقيع» أو بالأحرف الأولى من أسماء كاتبيها . ومما لاحظته أن شكري لم يعد يستخدم كلمة «جنون» في شعره الذي نشره بعد معركته مع المازني» باستثناء قصيدة واحدة جاءت كلمة جنون في عنوانهاء حتى يتجنب اتهامه بالجنون. ومن النتائج المعروفة أن شكري الذي أصدر سبعة دواوين فى عشر سنوات» لم يصدر دواوين منذ عام ١919‏ إلى سنة وفاته في 1408ء وإنما نشر قصائد متفرقة جمعها نقولا يوسف في ديوانء» كما أن المازني لم يصدر دواوين بعد عام 17١141؛‏ وحتى وفاته في سنة 214144 وترك قصائد ضمّها «محمود عماد» مع ديوانيه المطبوعين: وغير خافي أنهما خشيا النقد. وتفيدنا هذه المعركة في فهم نفسية شكريء فبالرغم من عزلته وتوجسه؛ انتفض وقاومء وكان قوي النفسء. نشط الذهن والحسء» ولم يستسلم أمام المازني» ولا روعته الشتائم التي وبججهها إليه. © نُشرت إن مجلة الثقافة الجديدة, عند فبراير/شباط 9..؟ 0 أدب الاعتراف بين الرفض والقبول الاعتراف والكتمانء فى الشرق يتنازعهما قولان مأثوران؛ هما: #من أقرّ بذنيه غفر له فى الوذ بليتم فاستتروا...». والغالب علينا الكتمان والتحفظ؛ لأننا في الشرق لا نستطيع أن نجهر بالمعاصي والذنوب. وإذا اعترفناء فإنما نعترف بصغائر بسيطة ونقائص قليلة لا تنزل المعترف من عليائه» ولا تؤثر في حيثيته» ولا تعرضه للاحتقار الشديد. وقليل منا اعترف بالكبائر والخطايا الجسيمة على طريقة «جان جاك روسوعء ذلك أن الاعتراف بالذنوب والعيوب يحتاج من المرء إلى جرأة: ويقظة ضميرء وقدرة على ترويض النفس بالشجاعة لتكشف عما يغشاهاء وتفضي بما في طواياها بصدق وصراحة دون أن يتلاعب بها الخيال وتشتط في التهوين أو التهويل. وكثيرون من كتّابنا لم يكتبوا لا في الاعتراف ولا في الكتمان. ولا شك أن هؤلاء من أنصار الكتمان. وهناك نفر من فريق التحفظ تناولوا هذا الموضوعء وجاءت آراؤهم مؤيدة للتستر وصيانة الأسرارء ورأوا أن العيوب يجب أن تكون غائبة عن غيرهم» مثل العقاد ومحمود تيمورء فالعقاد تناول الموضوع في كتابه «مراجعات»» وآثر التكتم والتحفظ على ما خفي واستترء وعندما باح؛ باح بطريقة غير مباشرة؛ وذلك في روايته «سارة»؛ إذ اختفى وراء شخصية روائية وسجل قدراً من اعترافاته. وفي هذه الحالة يصعب أن نقول إن شخصية «همام»؛ هي شخصية لف العقاد؛ لأن الرواية تدخل ضمن الأعمال الفنية المتخيلة. أما تيمور» فهو من فريق المتكتمين» وعندما طلب منه محرر «الهلال» أن يوافيه باعترافاته ضمن أدباء آخرين؛ كتب مقالاً تحت عنوان «اعترافاتي»: وقال في نهايته: «ما أخالك إلا أنك تعفيني من أن أفضي إليك باعترافات تسري فيها الشوائتب من كل جنب». وهذان المثلان يتجاوبيان مع القول: (9إذا بليتم فاستتروا». وقد يكون مع المتحفظين حق؛ لأنهم يخشون الزراية بهم» وازدراء الناس لهمء وما أكثر الطعنات التي يتلقونها من أناس آفاق أفهامهم محدودة. َي الاعترافات والسير الذاتية والاعترافات ضرب من ضروب السيّر الذاتية. وإذا كانت معظم السير الغنائية التي بين أيدينا تحفل بالأحداث الظاهرة» والمناظر البادية» والأطوار الخارجيةء والأخبار والأفعال البارزة»؛ وغيرها مما يبلور جوانب التفوق والامتياز في الشخصية؛ فإن أدب الاعتراف يُعنى بالنفس وأطوارها الداخلية» وأسرارها الكامنة؛ وثوراتها واضطراباتها وهمومها الغالبة» ويهتم كذلك بنواحي الضعف في الإنسان أمام اللذات» وجوانب الضعة والقصورء حتى ينتهي الأمر إلى ذكر المساوىء والسقطات مع تحليل الدوافع وذكر المحرّضات على اقتراف الآثام. وعلى هذاء فإن السير الشخصية الخالية من الاعترافات المدهشة. والبوح الذي يحملنا على التأمل» ليس لها من غرض إلا تطويب الناس لصاحب السيرة» وتمجيدهم لهء ولهجهم بذكره. أما الهدف من السير الاعترافيةء فهو إظهار النفس في طبيعتها الأصلية» وإبراز ضعفها وعللها. والمعترف حين يفعل ذلك لا يصوغ هجاءً مرا لنفسهء وإنما هو يناجي نفسه في أحوالها المتبايئة. ويحاسبها ويذكر مثالبها بغية تحريرها من أوهاقهاء كما أن النفس أثقالها . وتسفر بعد أن كانت محجبية , يي اعترافات قديمة : والأدب والفكر العربيان القديمان لا يخلوان من اعترافات مختلفة. وحسبنا ذكر أمثلة قليلة. منها: اعترافات امرىء القيس في ثنايا قصائده المنسوية إليه بغرامياته ومغامراته وعربدته مع النساء: مثل قوله : سَموت إليها بعدما نام أهلها سمرٌ حباب الماء حالاً على حال فهو يتسلل إلى حبيبته بعد انقضاء أوقات السمر والسهر بخطوات خفيفة الوقع حتى لا يلحظه أحد من أهلهاء ومن هذا كثير في شعره. يصور لقاءه بها ؛ كان سبباً في مصرعه . أما التراجم الاعترافية» فنذكر منها: «المنقذ من الضلال» للإمام الغزالي؛ الذي صوّر فيه رحلته من الشك إلى الإيمان» و«التعريف» لابن خلدون الذي اعترف فيه بمغامراته السياسية وتقلباته واشتراكه في مؤامرات ضد أمراء بعضهم أحسن إليه مثل الأمير الموحدي محمد صاحب بجاية الذي قبن غلية وأودعه السجن» وطلب اين خلدون الإفراج عنه بقصيدة مدح طويلة لم تشفع له... وغيره» هذا عدا قَبوله أن يكون في خدمة تيمورلنك التتري ألدٌ أعداء العرب والمسلمين» وكل هذا مقابل المناصب الكبيرة والمغانم الوفيرة. وقد تأتي اعترافات عارضة في ثنايا كتب مفكر من المفكرين لها دلالتهاء فإذا ضممنا بعضها إلى بعض أمكنئئا تكوين صورة أخرى لذلك المفكر تعبّر عن الوجه الآخر لهء ومن هؤلاء أبو حيان التوحيدي الذي لحل لا يسعني أن أذكر كل ما وقعت عليه من اعترافات» ويكفي أن نذكر بعضهاء فمن المعروف عن أبي حيان شغفه بالذم والقدح» وقد خصٌ ابن العميد والصاحب بن عبّاد بكتاب أطلق عليه «مثالب الوزيرين»؛ جرّدهما فيه من المزايا وانتقص من أدبهما وحطّ من أخلاقهماء بما يجعل القارىء يزري بهما. ويعترف التوحيدي بأنه جمح فيما كتبه عن الصاحب نتيجة خصومة» ومن هنا كان ما قيّده عنه إملاء من نفس حاقدة». لذلك وفع بعيداً عن الحق والصدق. فعندما سأله الوزير ابن سعدان عن الصاحبء قال في «الإمتاع والمؤانسة»: «إني رجل مظلوم من جهته. وعاتب عليه في معاملتي... وشديد الغيظ لحرماني» فلو كنت معتدل الحال بين الرضا والغضبء. أو عارياً متهما جملة؛ كان الوصف أصدقء والصدق به أخلق»: وهو اعتراف باتباع الهوى. وعدم النزاهة عنذ إصدار الحكم على شخص»ء وبالغلرٌ في الذم» كما أن هذا الاعتراف من شأنه أن يعمل على تعديل الحكم الصادر من التوحيدي على الصاحب بن عباد. ويبدو أن حياة الحرمان التي عاشها أبو حيان مع علوٌ قدره في الفكرء وتيسَّر أحوال كثيرين ممن دونه في المكانة العلمية؛ ولّدت في نفسه الحقد». ودفعته إلى الثلب والذم. ولم يكن أبو حبان زاهداً في الدنياء وإنما طامع فيهاء لذلك تقرب إلى الوزراء والكبراء ليحقق مطامعهء يقول: «والرفاهية مطلوبة والمكانة عند الوزراء بكل حول وفوة مخطوبة»؛ فهو ينشد الرفاهية لا الحياة العادية» ويطلب الحظوة عند السادة مهما كانت الوسيلة. . . بكل حول وفوة. ويعترف بأنه سعى إلى الوزراء ليبلغ مكانة عليا يحسذه الناس عليهاء فهو يسامر الوزير ابن سعدان ويتصرف معه في الحديث «كل ذلك أملا في جدوى آخلهاء وحظوة أحظى بها. وزلفى كيين معهاء ومثالة نض أحسد عليها. ..»» ولكي يحقق ذلك تكلّف وتزلّف وتهافت حتى ظهر ضعفهء ولاح غرضه ومدح ابن سعدان ونزَّهه عن كل عيبء بل نراه يعترف اعترافاً صريحاً بأنه تقرب للناس وحطٌّ من قدر نفسه لينال شيئا منهم. وأنه اضطر إلى "بيع الدين والمروءة وإلى تعاطي الرياء بالسمعة والنفاق» وإلى ما لا يحسن بالحر أن يرسمه بالقلم» ويطرح في قلب صاحبه الألم»» ومردٌ مأساة التوحيدي إلى الفرق الشاسع بين حياة رافهة رغدة تمناها وحياة شقية شجية مارسهاء. ولم تنفعه الحكمة التي تعلمها وتفوّه بهاء ولم يجد حتى من يعزّيه في مأتم حياته ومأساته. فأقدم في نوبة يأس على إبادة كتبه بالنار . ديد الاعترافات الحديثة: أما الأدب العربي الحديث. فقد عرف من الفصول والمقالات والكتب الاعترافية قدراً أوفرء وهذا راجع إلى التحرر الفكري بقدر. وإلى التأثر بالآداب الأوروبية التي تتقبل بلدانها هذه الموضوعات بيسرء ولكن مع ذلك فالتحفظ والتكتم ما زالا قائمين. وإذا أقصينا التراجم الذاتية ذات الصبغة السياسية» فإننا نلفي سِيراً ذاتية وجدانية الطابع مثل «الاعترافات» لعبد الرحمن شكريء و«أنا» للعقادء و«الأيام» لطه حسين» و«سبعون» لميخائيل نعيمة» و«حياتي» لأحمد أمين: و«مذكراتي» لعبد الرحمن الرافعي» و«مذكرات محمد لطفي جمعة». ومعظم هذه السير مدوّنة وفقاً للتسلسل الزمني» ومشتملة على حوادث مؤلفيها ونوازعهم وما امتلات به أيامهم. هذا إلى جانب أنهم أطرّوا أنفسهم بطريقة غير مباشرة» وتشعر أثناء قراءة بعضها أن هناك جانباً أخفاه صاحب السيرة» فالاعترافات فيها شحيحة باستئناء اعترافات شكري وسبعول نعيمة. 4 وإذا نظرنا في هذه السير نجد الرافعي يعترف في فصل من مذكراتهء» جاء تحت عنوان (اعترافاتي» بحيائه الشديد وتورطه في الحب أيام شبابهء وعناده وبأنه ين عمليا ولا وأقغياء ولا يريد أن يفهم الحياة على حقيقتهاء بل إنه يؤثر الخيال على الحقائق؛ وهي اعترافات - على بساطتها ‏ تتناقض مع عمل الرافعي واتجاهاته الوطنية» وثقافته التاريخية» فهو محام يتعامل مع القانون» وحزبي (الحزب الوطني) يشتغل بالسياسة. ومؤرخ يتناول الحقائق» وكل هذه الأشياء مواد علمية وعملية وحقائق تاريخية» فكيف يكون خيالياً؟ إن الحقائق التي يستند إليها في أوقات عمله ويشغل بها فراغه يجب أن تقضي على الخيال وتصرعهء ولكن هذا ما يقوله ويعترف به. ْ وتصل فقرات من هذه التراجم إلى درجة الاعتراف بالتقصير والإخقاقء مثل ما جاء في أيام طه حسين (الجزء الثالث)» حيث يقول عن نفسه: «كلفه أستاذ تاريخ الثورة الفرنسية فيمن كلف من زملاته كتابة موضوع عن الحياة الحزبية في فرنسا بعد سقوط نابليون» فأقبل على هذا المرضوع فدرسه كما استطاع... ثم كتب عنه ما أتيح له أن يكتب وقدّمه إلى الأستاذ. .. وجاء يوم النقدء فاستعرض الأستاذ ما قُدَّم إليه من الواجبات ناقداً ساخراً مندداً متندراً موبخأً بعض الطلاب أحياناً: حتى إذا ذكر اسم الفتى لم يزد على أن ألقى إليه واجبه معقباً بهذه الجملة المرة التي لم ينسها قط: سطحيء. لا يستحق النقد»... وهذا اعتراف محدود... وكنا نود من طه حسين أن يبين لنا عقيدته عندما قال في مطلع شبابه: لو كان لي في الناس حكم نافل ألزمت بالإفطار كل الناس بل كان عليه أن يفسر سلوكه عندما قال: أنالولاا سوء حظي لم أكن إلاابن هاني 16 وابن هاني هو أبو نواس» لقد رسم طه حسين في أيامه لوحات فنية تشرق فيها نفسه دون أن يظهر المخبوءء ويذكر ما تناساهء فهو يحضر ويعيب . ولعل أكثر هذه الاعترافات إثارة وصراحة ما دوّنه ميخائيل نعيمة فى سيرته الذاتية «سبعون»» فقد استدعى ماضيه أيام الشباب ورأى نفسه وهو يعاشر ثلاث نساءء واحدة روسية وائنتين أمريكيتين توثقت بينه وبينهن العلائق» ومع الوقت أخذ كل منهم من الطرف الآخر حقوق الجسد وحقق رغياته» وكانت النتيجة فقد عفافه معهن., واستمرأ الحياة المرنقة معهن في هدأة الليل سنوات موصولة. ولم يفته ذكر تفاصيل هذه العلاقات والإغراءات التي حركت طبيعته»؛ ودفعت غريزته حارة واثبة نحوهن» وحاول أن يفلسف هذه العلاقات المحرّمةء فزعم أنه في ظل وحدة الوجودء فإن الوجود يأخذ ويعطي مع بعضه البعض» وكان نعيمه يؤمن بوحدة الوجود وليس بثنائية الله والعالم أو الخالق والمخلوق؛ وهو موز ضعت راطو ولكن الإؤنسان في سبيل الخلاص من الام الإثم والحسرة التي تخلّفها الأفعال الشائنة» يقول ما يعتقد أنه يعيد إليه الاتّزان بعد الاضطرابء» أو يغالط فى الحقائق لتصفو نفسه بعد أن تراكمت عليها الغيوم الداكنة. ش ومهما يكن من أمرء فإن كاتبنا نعيمة بتسطيره لهذه الاعترافات يستكمل أبعاد سيرته الذاتية» ويكشف عن عالم الباطن» ويظهر قوته عندما يعري نفسه ويبرز نواحي ضعفه . َي اعترافات عبد الرحمن شكري : وعبد الرحمن شكري (18485 - )١1908‏ هو أبو الشعر الحديث أو من أبائه الكرام؛ كن مع العقاد والمازني المذهب الحديث في الشعر "١‏ الذي عرف خطأ فيما بعد باسم «مدرسة الديوان»» وهو شاعر مجدد وجداني» وله ديوان ضخم مكوّن من ثمانية أجزاء غير كتب الصحائف». و#الثمرات»» و(الاعترافات». و«حديث إبليس».؛ و«الحلاق المجنون»» إلى جانب قصائد ومقالات كثيرة» واعترافات شكري ليست سيرة ذاتية وافية تبدأ بالمولد وتنتهي يوم كتابتهاء كما هو الحال في السير الذاتية. إنها اعترافات من أولها إلى آخرها تتجه دائماً إلى الباطن وتستظهر الخفاياء فالنفس في اعترافات شكري هي المتحدثة عن هواجسها وسوء ظنها وشكلها وسائر ما ساهم في تشكيلهاء إن الاعترافات صوت الباطن» وليست شكل الظاهر. َي اعتراقات النساء : ولبعض الكاتبات والشواعر العربيات سِير ذاتية» مئنها: «يوميات عائدة» لمي زيادة؛ و«على الجسر؛ لبنت الشاطىء»؛ و«رحلة جبلية - رحلة صعبة» و«الرحلة الأصعب» لفدوى طوقانء. و«حملة تفتيش - أوراق شخصية؛ للطيفة الزيات»؛ والمحات من حياتي» لجليلة رضاء ولأني أبحث في الاعترافات وليس في السيرة الذاتية» فإن المرأة العربية كانت تحتال بطرق شتى لتفضفض عن قلبهاء وإذا كان أغلب الرجال لم يكشفوا عن سقطاتهمء فهل تنتظر من المرأة أن تكون أكثر جسارة وصراحة من الرجل في هل! المجتمع الشرقي . ومع ذلك2 فقد وجدت المرأة في كتابة الرسائل الغرامية متنفساً لهاء ولم يدر بِحَلّد مي زيادة مثلاً أن خطاباتها الغرامية ستنشر يوماً ويعرف بها القريب والغريب» ومن هنا أودعت فيها كلماتث عاطفية لاهبة؛ وكانت لوناً من الاعتراف. ولشا كات بعشن الريحال تسكن ضلك شتمة زواكنة أو عه ويسجلون ما استتر من حيواتهم على نحو ما نقرأ في بعض أعمال توفيق خف الحكيم «عودة الروح» و#«عصفور من الشرق» و«يوميات نائب في الأرياف» و«اسجن العمر»ء فإن مي زيادة صوّرت الحب الشاذ في المدارس الدينية التي تعلمت فيهاء ومنها قصة «عائدة تتذكر؛ ضمن كتابها «سوانح فتاة» وتصور فيها التلميذة عائدة» وهي تغار على الراهبة أوجني من فتاة أخرى كانت الراهبة المعلمة أخذتها بين ذراعيهاء واتهمت عائدة معلمتها بالخيانة . وتؤكد وداد سكاكيني وعبد اللطيف شرارة أن عائدة هي مي2 وقصة الحب في المدرسة» وموضوعها تلميذة تغار على تلميذة صديقتها من خطيبهاء وهناك قصص أخرى تتوارى فيها مي تحت أسماء وهمية؛ وهي اعترافات خفية» ولم تكن مي هي المرأة الوحيدة التي باحت بمكئون عواطفها في خطابات» فقد تبعتها فدوى طوقان» ويعثت برسائل إلى إبراهيم نجا وأنور المعداوي؛ وهذه الخطابات اختفت في ظروف غامضة؛ ولكن بقيت خطابات المعداوي إليها التي نشرها رجاء النقاش في كتابه عن فدوى والمعداوي. وإذا كانت المرأة قد توارت وراء خطابات وحكاياتء فإنه بمرور الوقت صارت أكثر جرأة: وتمثل سيرة جليلة رضا خطوة واسعة في هذا المجالء فقد سردت في سيرتها المعلنة والمنشورة «صفحات في حياتي؟ أطرافاً من حياتها العاطفية» ولم تجد حرجاً في التصريم يمن انون وأحبوهاء وإن رمزت لكل عاشق بحرفء فهذا «غ» وذلك «م» وغيرهما «أ»» وإنك تقلب صفحات عديدة من كتابهاء فإذا بك أمام مهج رهيفة وغيرة قاتلة» وغرام يتجدد وقلب يتقلب بين عشاق كثيرين. . . والاعترافات التي يفضي بها الكتّاب والشعراء تساعد الذهن على تفهم عالم الفؤاد؛ لآن أغوار النفس العميقة متشعبة ومستوعبة لتناقضات كثيرة يصعب على غير صاحبها سبرها وفهم غوامضهاء كما أنها تلقي يفف أضواء هادية إلى آدابهم وفنونهم؛ إذ توضح أموراً تفتقر إلى الإيضاح. وتفسر أشياء تحتاج إلى تفسيرء وتمدنا بمعارف لا قبل لنا بهاء وتذكر ملابسات مواقف وقضايا تعمل على تعميق النظر فيهاء بل قد تساعد على خلود الشخصيةء ألا نذكر كثيراً «جان جاك روسو؛؟! 5 نُشرت في مجلة الهلال. علد يونيه/ حزيران 36> برغفا ممم مع مع مع م الفيكونت فيليب دي طرازي صاحب أول موسوعة في تاريخ الصحافة العربية ث0 4إئا0 مإساك اأساك 214 2246 اياك أماك اإماك اأناك اإياك اأاك !0 1011041 من هِبات الماضي القريب موسوعة تاريخ الصحافة العربية) للفيكونت فيليب دي طرازيء التي نطالع فيها تعريفات وإشارات إلى مئات الصحف العربية» وهي أول موسوعة في هذا المجال. وقد تنبه وعي طرازي منذ وقت مبكر إلى أهمية المحافظة على الصحف. وضرورة التأريخ لها قبل أن تتهرّأ وتبلى». فأوسع خطاه في الأرض و وفسيعا ) وجمع من أشتات الجرائد.ء وشاردات المجللات ألفا ومائتي دورية؛ ورتبها ونظمها وفقاً لأزمنتها وبيئاتهاء وأخذ يستجلي حقائقها ومطاويهاء وأرانا منها الصحف التي أجفلت الملوك. وضعضعت العروش» وما تواصل منها الصدور بسيب صدقها وبلاغتهاء وقدرة أربابها على مواجهة الهزائز الكاربة» وما احتجب منها لأسباب مختلفة, منها الإفلاس الفكري والماديء واستشار القدامى من أربابها ليعرف منهم أخبار الصحف التي لم يتحصّل عليهاء وتراجم رصفائهم الراحلين الذين خمل ذكرهمء. وجاءت موسوعته حالية بصور عدد كبير من الصحفيين. وربما لا يقع القارىء على كثير منهم قبل طبع هذه الموسوعة. 5 أربعة أجزاء : تتكوّن موسوعة «تاريخ الصحافة العربية» من أربعة أجزاءء بعضها يقع في أكثر من ثلاثمائة صفحة كبيرة مكتوبة ببنط صغير» وتضم تعريفات عمف بالصحف التي صدرت في مصر والشام وبلاد المغرب العربي وقبرص وإنكلترة وفرنسا والآستانة وأماكن أخرى» وظهرت في زمن فسيح يمتد من عام (1/44١)؛‏ أي مئذ حملة «بونابرت» على مصر إلى (1915)), وصدر الجزء الأول والثاني عام »)١917(‏ والجزءان الآخران بعد ذلك. ويكشف طرازي عن غرضه من هذا العمل الكبير بقوله فى مقدمة كتابه : «إنني منذ سنتين أذعت نشرة معلناً فيها عزمي على تأليف كتاب شامل لتاريخ الصحافة العربية في مشارق الأرض ومغاربها... فأقدمت على تحقيق هذه الأمنية تعزيزاً لمقام صحافتنا الشريفة» وإعلاء منارها أمام الغربيين الذين برزوا فى هذا الفن الجليل» وجاهدوا في جادته الجهاد الحسن. وهكذا تيسّر لي بعد العناء الشديد أن أسدّ هذه الثلمة في لغتنا العربية» . ولم يغفل طرازي أسماء من أعانوه ومنحوه الصحف التي حازهاء ومنهم عطاء بك حسني أحد وجهاء المصريين الذي أعطاه ثلاثمائة جريدة رمجلةء وهي ثروة لا تقدّر بمال» وكان رد الجميل نشر صورته مصحوبة بترجمة لحياته؛ تخليداً لذكرهء ووهبته المستعربة #جان ديريو» منشئة مجلة «الإحياء» في الجزائر ‏ أكثر الصحف المطبوعة في الجزائر ومراكش وروسيا -» وأمذه عيسى رزوق صاحب مجلة «العلوم» في بغداد بكمية كبيرة من الصحف التي صدرت في العراق؛ ورفده هبة الدين الشهرستاني بعدد وفير من صحف العراق وبلاد فارس والهند. . . إلى آخره؛ وبذلك صارت عنده الكفاية للنهوض بالعمل الذي ندر له نفسه وجهدهء. ويوضح هذا أيضاً المشاق التي عاناها وهو يشرّق ويغرب لجمع الصحف القديمة والحديثة. 8 التعريف بالصحف: وكان نهج طرازي بالتعريف بالصحف هو ذكر اسمهاء ونوعها 1 (جريدة أو مجلة) واسم منشئهاء ومديرهاء وإظهار اتجاههاء وتاريخ صدورهاء والزمن الذي توقمت فيه إذا كانت قد توقفت. وعودة ظهورها إذا كان منشئها أعاد إصدارهاء أو إذا تخلى صاحبها عنها لغيره» أو إذا كانت صدرت بعد احتجاب باسم آخرء وهكذا يسرد سيرتها ويتتبع رحلتهاء مع ذكر نبذة سريعة في أحوالها المختلفة» إلى جانب ثناء أو انتقاد طبقا لمواقفهاء وأسلويها. وكل هذا على قدر ما يتيسر له فما أصعب هذا إذا تتبعنا صحيفة واحدة طال صدورهاء فما بالك إذا ظللنا نلاحق متات الصحف؟! ومما هو جدير بالإشارة إليه؛ أن ما قلناه لا ينطيق إلا على الصحف التي وقعت في يديهء وتسنى له النظر فيها. وهناك صحف أخرى لم يمسك بها وإنما حدثه غيره عنهاء أو جرائد نقل أخبارها عمن تناولرها في صحف أو كتبء مثل جرائد إبراهيم المويلحي في أورويا. ققد دوّن في موسوعته ما قاله جرجي زيدان عنها في «الهلال», ومثل مجلة «البستان» التي قال عنها: «مجلة شهرية علمية زراعية صدرت في (9 نيسان/ إبريل سنة )١1847‏ لصاحبها عبد الواحد حمدي» ولما كنا لم. نتوفق إلى الوقوف عليها فنقتصر على ذكرها دون وصفها»ء وهذا يدل على صراحته وأمانته» ومجلة «البستان» ليس لها وجود في فهارس دار الكتب المصريةء» وعندي منها ثلاثة أعداد هي الأول والثاني والسادس»؛ وهي مجلة علمية أدبية وليست زراعية؛ والموضوعات التي نشرتها كانت عن حاسة الشمء والأحلام؛ والغمام». ومسائل هندسية وحسابية» وتطلب المجلة من القراء حلهاء إلى جانب بعض الأخبار العلمية؛ إضافة إلى قصة أدبية مسلسلة؛ ولا ترقى إلى مستوى المجلات العلمية الدقيقة» أو الأدبية الفائقة» وبذلك لم يخسر طرازي وقراؤه شيئاً كبيراً بعدم معرفتها. وكان طرازي؛ أثناء سرده لمعالم صحيفة»ء يبرز العامل الشخصي "1 فى اتألقهنا آو أفولهاء وهذا العافل يشمل هن ببق نا يغنمل بلاغة الصحفي؛ وقدرته على شد انتباه القارىء» واحتشاده لموضوعهء وإبراز غايته» ولما كان هذا العامل وغيره لا يتوفر فى كل صحفي فإِنَّ كثيراً من الصحف تمسي بائرة ساقطةء فإذا تولى أمرها شخص أآخر نابغة سمت وازدهرت» ومن هذا أن مجلة ١التقدم»‏ التي أصدرها يوسف الشلفون عام (1817) هبطت لأن صاحبها ليس من البلغاء؛ ولما انضم إليها أديب إسحق صعدت لأنه كاتب بليغ» ولم يكن هذا الكاتب المستجاد القول مداوماً على الكتابة في المجلة؛ وإنما يتركها حينئاً: ويعود إليها حينا آخرء لذلك فإن هبوط «التقدم» كان مقترناً بالشلفون؛ وصعودها مرتبطاً بأديب إسحق . طباعة الصحف: وفي ثنايا حديئه عن الصحف والتعريف بهاء كان يحيطنا بطباعة بعض الصحف» فقد كان بعض الصحفيين يكتبون صحفهم بخط اليد» ثم يطبعونها على الحجرء مثل جريدة «الحقوق» التي أصدرها ميخائيل عورا عام .)١188٠(‏ وجريدة «مصر القاهرة؛ التي أنشأها أديب إسححق في باريس .0)١81794(‏ وجريدة «النحلة» التي صدرت في لندن لصاحبها لويس صابونجي. وإنه مما يشق على صحفي أن يحرر جريدة أو مجلة دورية بخط يدهء مع أن المطابع كانت موجودة في ذلك الوقت. ولعلهم كانوا يلجأون إلى هله الطريقة من أجل توفير النفقات. أما عن الرسوم والصورء فكان يحتال عليها المحرر بمختلف الطرق»؛ ويذكر لنا طرازي أن صحف «الببغاء؛» و«المنارة» و(الباباغلو) التي أصدرها نجيب غرغور في الإسكندرية؛ كانت نسخها تأتي من إيطاليا مرسومة وبيضاء دون كتابة عليهاء ثم يكتبها صاحبها على الورق اا 8ه 1 ُ يستصدر رخصةه رسمية لصحفه . وعلى أية حال.». فإنك هذا وعيره يعد من تجارب الصحافة العربية. ونيز هذا أيقنا أن شمف الانكانات: لأ بعال من القوق الممدعة للصحفيء ولا تعترض طموحه. ومما هو جدير بالذكر أن جريدتي «الببغاء؛ و«الباباغلو» غير مثبتتين في فهارس دار الكتب المصريةء ويبدو أن اسم «الباباغلو» استرعى انتباه عبد المجيد كامل؛ مما جعله يصدر جريدة صغيرة الحجم دعاها «الباباغلو المصري؛ عام (غ40١).‏ وهي غير مدونة فى فهارس دار الكتبء. وعندي منها عدد واحدء. وهي جريدة سياسية انتقادية فكاهية. الحكام والصحافة : وكانت بعض الصحف تصدر بدون ترخيصء. وتواصل الصدور. ولكن إذا وشى بها شخص واجهتها الحكومة بقانون المطبوعات» ومن حكايا طرازي أن نجيب غرغور أصدر مجلة «حديقة الأدب» بالإسكندرية عام )١1884(‏ بغير ترخيصء. ونشر فيها رواياته المؤلفة والمترجمة. وراجت بين القراءء ثم وشى به أحد الكبارء فاستدعاه محافظ الإسكندرية» وعئفه وأخذ يحصي عليه الغرامات التي بلغت تسعين جنيهاً» فاستعبر غرغور واختئق؛ وعندما لاحظ المحافظ ذلك؛ أشار بذهابهء وأمر بأخذ تعهد عليه أن يحصل على رخصة في المستقبل قبل الطبع. وعندما أصدر سليم حموي صحيفة «الكوكب الشرقي' بالإسكندرية أوقفتها الحكومة. فلهب إلى الخديوي إاسباعيل وبثٌ شكوا فأنعم عليه بخمسين جنيهاً. ومنحه راتباً شهرياً من جيبه الخاصء وأمر بأن تحال المطبوعات الحكومية إلى مطبعته؛ وأصدر سليم 0 بعد ذلك صحفاً أخرى. وهذا يبين عطف الحاكم على الصحفيين. أما سلاطين الدولة العثمانية. فقد كانوا يمنحون الصحفيين الأوسمة والنياشين» وممن حصلوا على الأوسمة الكبرى من اللبنانيين : نقولا نقاش صاحب جريدة «المصباح»؛ وخليل سركيس صاحب «لسان الحال»» والمطران جراسيموس مطران بيروت وصاحب جريدة «الهدية؟. وإبراهيم الأسود محرر جريدة «لبنان»» ونجيب البستاني صاحب مجلتي «الجنة» و(الجنان»؛ وهناك كثيرون غيرهمء. ويقول طرازي عن السلطان عبد العزيز: (كان يجود بالعطايا السخية على العلماء عموما. والصحفيين خصوصا؛. وبالرغم من كل هذا لا يدرك الملال اللبنانيين؛ ومنهم طرازي» وهم يقبحون الدولة العثمانية ويصفونها بالدولة الظالمة المستبدة المتعسفة ويكل لفظ يحقر شأنها. وعلى أية حالء» فإن الأفراد على وجه العموم؛ والحكام على وجه الخصوص» يضيقون بالنقدء» وقد يكون وقع حيف على صحفي من الرقيب أو الوالي وأغلقت صحيفته - وحسب طرازي ‏ كان يذهب هذا الصحفي إلى الآستانة ويعرض شكواهء. وبعد مناقشة تصدر الأوامر بإعادة إصدار الصحيفة. ومما يتصل بالصحافة والسياسة أن بعض الدول الأوروبية كانت تنشىء صحفا على نفقتهاء أو تستميل إليها صحيفة لتروج سياستهاء وهذا راجع إلى أن الصحف ‏ في ذلك الوقت ‏ كانت أهم وسيلة إعلام واتصال بالجماهير؛ ويذكر طرازي عدة صحف في هذا المجال كانت تعمل لصالح الدول الأوروبية الاستعمارية؛ منها صحيفة «الصدى» التي صدرت عام (/0)1417 ومؤّلتها فرنساء وأسندت تحريرها إلى جبرائيل دلال لتقوم بالدعاية لمصالحها السياسية والاقتصادية في الشرق الإسلامي: وجريدة «البصير» التي أصدرها خخحليل غائم اللبنائي» وكانت فرنسا تمنحها ألفي فرنك شهرياً لتروج للمصالح الفرنسية؛ ولما توقفت "1/6 الفرنكات الفرنسية توقفت الصحيفة. وأنشأت إيطاليا صحيفة «المستقبل» في غلياردي بإيطاليا عام 2)١84٠(‏ وأسندت تحريرها إلى يوسف باخوس اللبناني ليعبر عن سياستهاء ولما كانت فرنسا تمهد لاحتلال تونس» فقد كان باخوس يطعن في حكومة فرنسا لأن إيطاليا كانت طامعة في تونس» وكانت لفرنسا صحف أخرىء وللدولة العثمانية وإنكلترا صحف كذلك». وهكذا كانت بعض الصحف ليست حرة تكتب ما تريدء وإنما تكتب ما يُملى عليهاء وهذا يلقي بظلال من الشك على حرية الصحافة» وحرية الرأي والتعبير . كك المعارك الصحفية : وصحف الماضي تضج بالمعارك المجلجلة؛. وهي مادة خصبة ثرية تهب الحياة للصحيفة» فالعراك والجدال والمناظرات الصاخبة تشد الانتباه وتستحوذ على القارىء» فيحتشد» ويتابع في شغفء وتستآئره الصحيفة الغلابة. أما الصحف الساكنة الهادئة» فهى صحف باردةء سرعان ما يخبو ضوؤها وينطفىء. وقد أشار طرازي إلى عدد من المعارك الصحفية أثناء تعريفه بالصحف. منها ما جرى بين «المحروسة» التي أصدرها سليم النقاش» وكانت تدافع عن مصرء وةالأهرام؛ التي كانت اتدافع عن مصر وتحاسن الحكومة الفرنسية». ويذهب طرازي إلى أنه جرت بينهما مناظرات سياسيةء وثمة معركة أخرى بين «اللطائف» التي أنشأها #شاهين مكاريوس» في القاهرة سئة 2»)١885(‏ وجريدة (البشير» اللبنانية حول الماسونية» وكان «مكاريوس» فاسونا وله كتب عن 7الماسونية». وعن تاريخ الإسرائيليين»» وإذا كان «مكاريوس» نذر نفسه لخدمة القضايا الماسونية» وعظّم من شأن الماسونء فإن «البشير» كانت 3 تكشف أغراضهم وتبين «أن غايتهم نقض الخير ومقاومة الحق». واستحر الجدل بين مجلة «التنكيت والتبكيت» لعبد الله النديم» و«المحروسة» و«العصر الجديد» من جانب آخرء وكان النديم قد نشر مقالة عنوانها «حفظ الذات بحفظ اللغة»»؛ فانبرى له أمين الشميل قائلاً : «حفظ اللغة لا يكون إلا بحفظ الذات»» وطال الحوار بينهماء وانضم إلى المعركة أحمد سمير وشبليى شميل ونجيب غرغور وغيرهم» ولم تتوقف المناظرة إلا عندما اشتعلت الثورة العرابية. وهناك معارك سياسية بين (المؤيد» و«المقطم». ومناظرات لغوية بين أحمد فارس الشدياق في «الجوائب»؟ والشيخ إبراهيم اليازجي في «الجنان؟ إلى آخرهء ومن أهم فوائد هذه المعارك تثقيف القراء» وتنشيط الأذهان. ف تراجم الصحفيين : ومن أبرز ما جاء في الموسوعة تراجم كثير من الصحفيين» وكان من الضروري أن يفعل ذلك تتمة للموضوعء وقد كتب هو تراجم لعدد منهم. ولأن بعض الصحفيين كانوا من الرواد الأوائل الذين مضى على رحيلهم زمن غير قصيرء أو كانوا يعيشون في دول بعيدة عن موطنهم؛ فقد ظهرت في الموسوعة تراجم منقولة من صحف وكتب». ونسب طرازي كل ترجمة إلى كاتبهاء ليخلي ساحته من أي اتهام ونقدء ومما نقله: ترجمة جبرائيل دلال عن قسطاكي الحمصي» وعبد الله أبو السعود منشىء صحيفة «وادي النيل» في مصر عن «لويس شيخو»» ومحمد بيرم التونسي عن جرجي زيدان. . . وهذا ‏ غير محمود بيرم التونسي الشاعر الزجال -. ورغب في أن يزيد من عدد التراجمء فلجأ إلى الصحفيين الأحياء وطلب منهم أن يوافوه بتراجم لحيواتهم؛ وهناك من التزم الصمت». وهناك من استجاب مثل يعقوب صنوع اللي كان يقيم في فرنساء وكان 41 صنوع قد أهدى إلى طرازي مجموعة صحفه. ومنها «أبو نضارة»؛ ورد طرازي الجميل بأن أولاه عناية خاصة» وفي كتاب «ألبوم أبو نضارة ‏ 28 صنوع970© . رسالة من طرازي إلى صنوع. أوردها د. سيد علي إسماعيل كاتب مقدمة هذا الكتاب. يقول فيها ‏ أي: طرازي -: «قياما بالوعد مرسل لك صورة الترجمة التي نظمتهاء وهي تتضمن مختصر تاريخ حياتك الطافحة بكل لذيذ مفيد... واعلموا أني حتى الآن ما كتبت لأحد الصحفيين ترجمة نظير ترجمتك حتى لأحمد فارس (الشدياق) نفسه» ورفاعة بك الطهطاوي وعبد الله النديم وغيرهم مثل جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده وبشارة تقلا. . . ومن ذلك تتأكد عظيم اعتباري لشخصك». وهذه الرسالة تعني أن طرازي يراعي في تراجمه أناساً دون أناس؛ وأنه لا يعرض تراجمه على كل الصحفيين» وإنما يفعل ذلك مع من يصطفيهمء لذلك نرى في موسوعته تراجم مستوفاة أو قريبة من الاستيفاء» وأخرى دون ذلك» وكان يجب أن يكون مخلصاً لعمله وليس لأفراد بعينهم» ثم إنه كان يجب أن يغربل وينقد ويتحرى ما قاله صنوع عن نفسه. ومهما يكن من أمرء فإن هذه التراجم جعلت كتابه ممتلثاً جم الفائدة» وهناك تراجم أوردها وربما لا تجدها إلا في هذا الكتاب؛ وحتى التراجم التي نقلها من الصحف وكتبها غيرهء حفظتها هذه الموسوعة؛ بعد أن تبدّد عدد من الصحف وتمزق. 529 أوائل الصحف: والصحافة والصحيفة والجريدة والمجلة مصطلحات حديئة؛ ولم )١(‏ من تأليف بول دي بنييرء وترجمة د. حمادة إبراهيم» وصادر عن المركز نض تكن معروفة عند نشأة الصحف. وقد مرَّ زمن غير قصير حتى عرفت هذه المسمّيات» ولأن كثيرين من صحفيِّي القرن ١94‏ كانوا شعراء وكتّاباً وعلماء لغةء فقّد اجتهدوا ووضعوا هذه المصطلحات المحددة التي عاشت ودامت. وقد أظهر طرازي أسماء من ابتدعوا هذه المصطلحات» فنجيب الحداد وضع مصطلح «صحافة؛ ومنه «صحيفة»؛ وكانت تسمى من قبل «الوقائع» و«نشرة»» وخليل الخوري أطلق على جريدته «حديقة الأخبار» جورنال» ثم نحى رشيد الدحداح لفظ جورنال غير العربي» ووضع بدلاً منه لفظ «جريدة». أما إبراهيم اليازجي» فقد أطلق على الصحف التي تأتي في قطع كراسة مصطلح «مجلة». وتفيدنا هذه الموسوعة بأسماء أوائل الصحف التي صدرت هنا وهناك» ومنها صحيفة «الحوادث اليومية» التي أصدرتها الحملة الفرنسية عام :)١7/49(‏ وكان يحررها إسماعيل الخشاب». وهي جدة الصحف العربية. ثم أمر محمد علي باشا بإصدار «الوقائع» عام (1478)» فصارت مصر أول دولة عربية أنشأت الصحفء. ثم صدرت «حديقة الأخبار» في بيروت عام »)١864(‏ ولالرائد التونسي» في تونس »)1485١(‏ وصحيفة «سوريا» (876١)ء‏ وهكذا انتشرت الصحافة في الوطن العربي . وفي مصر صدرت «الوطن» عام )١18417(‏ لميخائيل عبد السيد. وهي أول جريدة قبطية؛ و«مرقى النجاح» لعطية جرجس عام (18497)) وهي أول مجلة قبطية» و«الشمس» )١1880(‏ لسليم قويطة»: وهي أول جريدة يهودية؛ وكانت تطبع نصفها بالحروف العربية؛ ونصفها الآخر بالحروف العبرية. وعلى هذا النحو يمضي طرازي في ذكر الصحف العربية الأولى التي صدرت في الإسكندرية والآستانة وكل مكان؛» ولأن الصحف من أهم وسائل التثقيف الحديث. فإنه يمكن معرفة تاريخ استنارة الأقطار من تواريخ صدور الصحف فيها. 1 ملاحظات : وقد تشوب خواطر المرء شوائب؛ وتتغلب العواطف على العقل وتنتابه غفوة وغفلة» وتصدر عنه أحكام طائشة» فعند حديث طرازي عن جريدة «الفسطاط» الموالية لعرابي وصف مارب العرابيين بأنها «سافلة» وهذا قذف لا يليق به ولم تكن مارب العرابيين سافلة يوم عابدين عندما طالبوا بمجلس نيابي للأمة» وكانوا يستطيعون عزل الخديو توفيق ويعلنون الجمهورية» ولكنهم لم يفعلوا. وانتقد طرازي عبد الرحمن الرافعي لتنديده بالإنجليز في خطبه» واتهمه بالمغالاة في نقد المحتلين»؛ فهل كان ينتظر من المصريين أن يشيدوا بالاحتلال؟ وقال عن حادثة «دنشواي»: «حكم على من ثبتت عليهم الجريمة بأحكام مختلفة»» ولم يكن أهالي ادنشواي» جارمين قاتلين» ولم تثبت عليهم جريمة» وإنما حكمت عليهم محكمة ملفقة بالشنق والسجن والجلد قبل النطق علناً بالحكم». وقوله عن «الجريدة المصرية»: (إنها ذات مشرب معتدل»: وكانت لسان حال الاحتلال الإنكليزيء تصدع بأوامرهء وتذيع آيات فضلهء وهل إذا خضعت صحيفة تصدر في مصر لأحكام المحتلين يكون مشربها معتدلاً؟ والصحيح أنها جريدة عميلة مأجورة. ولكن هذه الأحكام المعيبة لا تظرد في موسوعتهء وإنما يغلب عليها الاعتدال الذي سما بهاء وأثّل قيمتهاء وجعلها إلى حد كبير منطقية» وموضع ثقة قصادها من مؤرخي الصحف. 5 فيليب بن نصر الله : والفيكونت فيليب بن نصر الله دي طرازيء ليس له من هذا الاسم الطويل سوى فيليب بن نصر الله؛ والكونت والفيكونت من ألقاب الشرف» مثل اللورد والماركيزء وقد منحه البابا لأبيه الكونت نصر الله 41 وانتقل إليهء وقيل: إن بابا روما «لاون» .١7‏ منح هذا اللقب إلى فيليب» و«دي» أيضاً من ألقاب الشرفء وقد منح مثله قيصر روسيا اسكندر الثاني إلى سليم دي نوفل اللبناني» وممن حصل في لبنان على هذين اللقبين الكونت رشيد دحداح» والكونت حصن دي خازن. أما طرازي» فمن التطريزه وكان أحد أفراد العائلة يزاول مهنة تطريز الأزياء: فانتسبت إليه العائلة» وكثيرون الذين انتسبوا إلى المهن. مثل «النظام» الذي ينظم الخرز ‏ وهو من رؤوس المعتزلة -؛ و«الوشاء؛ صاحب كتاب «الموشى» وكان يوشى الثياب» و«الكحال» الذي يطيب العيون بالكحل مثل الحكيم الكحال 5 دانيال صاحب تمثيليات «خيال الظل؟. ولد فيليب بمدينة بيروت في 158/ 6/ 14876: وتلقى تعليمه في مدارس دينية وتعلم فيها عدة لغات أوروبية» وهو من عائلة غنية قيل إنها آشورية الأصلء وانتقل فرع منها إلى لبنان» وقد طاف فيليب شرقاً وغرباً بحثاً عن الصحف والكتبء وكان يعود وا بالصحف النادرة والأسفار الذاخرة» وقد قابل شخصيات عالمية؛ وعواهل؛. وحصل على أوسمة ونياشين كثيرة مختلفة الأسماءء وكان يفاخر يها ديزين بها صدرهء وعمل فترة بالتجارة» وكان رئيساً لشركة القديس منصور زمناً طويلاً» وله أنشطة اجتماعية وإنسانية» وكان عضواً في عدد من الجمعيات والمجامع العلمية. وأسندت إليه رئاسة المكتبة الوطنية اللبنانية» وتبرع لها بآللاف الجرائد والمجلات؛ وبعشرات الآلاف من الكتب القيّمة المؤلفة بعدة لخغات. وظل في هذا المنصب نحو عشرين سنة» وهو يدعم المكتبة ويرفدها بما يستجد من كتب ودوريات» حتى جعلها من المكتبات الكبرى في الشرق. وله مؤلفات كثيرة ومنها هله الموسوعة التي تحدثنا عنهاء وله موسوعة أخرى شبيهة بها عن الكتب دعاها «خزائن الكتب العربية في هكم الخافقين». في أربعة أجزاءء وله كتاب عن تاريخ العائلة الخديوية المصرية» وآخر عن تاريخ لبنان» عدا كتب كثيرة أخرى منها كتب دينية. وقد بارك الله فى عمرة» وبلغ الحادية والتسعين» وفي السابع من أغسطس/ آب عام )١1401(‏ دخل الغسقء. ولم يشرق عليه النهارء كانه . 5 نُشرت فلي ججريدة القاهرة, في خا هر ٠١‏ مين اكات عات واتياح إناعات تباج ابئان وات ع ات ات تبي تمت حل تاي تيح لياح لدي نح جحت اتح لتحت جالع © أحمد محفوظ 2 ليان لبان للأيان اياك أسان لساك لإساك لساك لال 414ئال اأباك لأسا 1إاك !نان إل اشع لمع كم من كتّاب ومؤلفين مرّت أسماؤهم أمام عيني» ولهم كتب مفيدة جليلة» ومقالات كثيرة نفيسة» وعالجوا قضايا كبيرة متنوعة. ولا أعرف عنهم شيئاء لأن الحياء منعهم من أن يترجموا لأنفسهم. ولأن أصدقاءهم لم بينهضوا بهمء ولم يكتبوا عنهم بعد رحيلهم.ء فإذا قرأنا أعمالهم أعجبناء وإذا بحثنا عن أخبارهم أخفقنا؛ لأن مناشئهم غابت عناء وكأنهم عاشوا في غياهب عصور ما قبل التدوين. والسّير والتراجم الغيرية د كنها النولف هن صاجب السيره أو الترجمة دون أن يتدخل تنما: في الأحداث» فهو يروي عقي ويذكر رأيه. ولكنه بعيد عن فحوى الخبرء وهذا هو الشائع. وهناك نوع آخر من السير يشترك فيه كاتب السيرة مع صاحب السيرة» وهذا لا يكون إلا بين المتعاصرين. وفي هذا النوع يقدّم الكاتب صاحب السيرة من خلال معرفته بهء وهذا اللون من السيّر ينهض في كثير من الوقائع والمواقف على المعاينة وسرد الذكريات. وفي هذه الحالة تَجِدّ أشياء ومعلومات عن كاتب السيرة»؛ فنعرف من خلالها نبذاً من حياته قد تبدّد شيئاً من الظلام الكثيف الذي يحيط بحياته . وقد كتب أحمد محفوظ سيرتئين مهمّتين عن حياتئ شوفي وحافظ من خلال علاقته بهماء ومع تركيزه عليهما. ٠‏ فإنه كانت تفلت منه أشياء عن حياته؛ وهله الأشياء لا بقحمها في السياق الذي يتناوله؛ وإنما كان ام ؟ يذكرها لاستيفاء صورة يرسمهاء أو لاستشفاف نفس المترجم في واقعة يرويهاء ومن القليل الذي خصّ به نفسه؛ وقفتٌ على أطراف من حياته بعد أن أمسكت الدوريات التي استشّرّئها عن البح بملابسات هذه الحياة. مي مولده: وأحمد محفوظ ولد بالقاهرة» ولا أعرف على جهة التحديد متى ولدء ولكن إشاراته غير القليلة إلى نفسه في كتابيه «حياة حافظ إبراهيم الشاعر الثائر» و«حياة شوقي» تفيد أنه ولد في آخر القرن التاسع عشر. ففي كتابه عن شوقي يقول: «ويشاء الله أن ألتحق بدار الكتب المصرية عام :)١47١(‏ وكان حافظ يعمل فيها رئيساً للفهارس العربية؛» ولا يكون عمره أقل من عشرين سنة لتسند إليه الدار وظيفة مصحححء ودار الكتب تطبع كتباً تراثية في الغالب: ولا بدّ أن يكون محفوظ ناميا واعياً بعمله. ويذكر محفوظ أنه التقى بشوقي بعد عودته من المنفى بشهرء وحدد له موعداً قريباً ليستمع إلى قصيدة طويلة منه في كرمة ابن هانىء؛ وشوتي عاد من إسبانيا (في فبراير/ شباط :»)١947١‏ ولا بد أن يكون محفوظ شاباً ناضجاً ليحدد له موعداً وينتظره ويسمعه» ثم يسمح له بعد ذلك بالتردد على كرمة ابن هانىء بحي المطرية» وهناك إشارات كثيرة أخرى تجعلنا نقول: إنه ولد في ا القرن التاسع عشر. وفي هذين الكتابين إشارات كثيرة إلى حياة أحمد محفوظ» فمنهما نعرف أنه كان يقطن في حدائق القبة؛ وربما ساعد سكنه في هذا المكان على توثيق علاقته بشوقي. فبين حدائق القبة والمطرية مسافة ليست بالبعيدة» ونعرف أب أيضاً أنه أحد الذين أسهموا في إنشاء جمعية الشبان المسلمين» وأنه ممتلى ممتلىء الجسمء متين البنيان» ويعرفنا على زملائه بدار >84 الكتب ومنهم الشاعر الكبير أحمد نسيم» والشيخ سيد المرصفي أستاذ طه حسين في الأزهرء والشاعر الكاتب محمود زناتي»؛ والشاعر أحمد رامي. أما أصدقاء محفوظء فهم كثر وقد ذكر علداً منهمء ويستطيع القارىء أن يحيط بأسمائهم إذا قرأ الكتابين» وبإيجاز توجد نبذ كثيرة عن حياة محفوظ في كتابيه؛ فهو ليس مجهول الهوية. وأحمد محفوظ شاعر وكاتب تراجم» وكاتب اجتماعي؛ وعنده الحس التاريخي إلى جانب الذوق الأدبي» وأهم أعماله التى وقفت عليها هي «بردة محفوظ» .)١15٠(‏ «حياة حافظ إبراهيم الشاعر الثائر' .)١461(‏ «خبايا القاهرة» »)١9648(‏ ١حياة‏ شوقي» (1909). وقد أصاب المؤلف عندما ذكر كلمة «حياة» في عنواني كتابيه «حياة حافظ» و«حياة شوقي»» ودلّ على ما بداخلهماء فإنه تحدث عن حياتيهما أكثر مما تحدث عن آدابهما الشعرية والنثرية» وساعده في ذلك أنه أمضى فى صحبة أمير الشعراء اثني عشر عاماً؛ وتكوّنت عنده حصيلة ضخمة من المعارف والذكريات عنهماء انتخب منها ما أفرغه في هذين الكتابين» فهما من السير التي تستئد إلى الذكريات» ولا تأتي في انتظام وترتيب» وإنما تأتي كل معلومة أو ذكرى منها في سياقها من الحديث المعروضء» أو تجيء على طريقة «الشيء بالشيء يذكر؛ء وإذا كان شوقي أو حافظ هو بطل السيرة أو صاحبهاء فإن الكاتب أحد الشخوص الثانوية لاشتراكه في بعض المواقف والأحداث؛» ويلاحظ في هاتين السيرتين أن المؤلف أفاض في ذكر العقد الأخير من حياتي الشاعرين الكبيرين؛ لأنه صحبهما فيه. وهاتان السيرتان لا يرجع فيهما المؤلف إلى المصادر والمراجع ليستقي منها بياناته» ويذكر لك في الهوامش أسماء الكتّاب والمؤلفين 0 الذين أخذ عنهم أو اقتبس منهم» وإنما هو يروي على عهدته وليس من حقك تكذيبه إلا إذا نهض دليل مضادء أو جاوز كلامه المعقول. وعلى أية حال» فإن كثيراً من الأدب نقل بالرواية» وهناك أشياء يرويها عن غيره مثل قوله في «حياة حافظ»: «وحدثنا الشيخ ‏ يعني: عبد العزيز البشري ‏ يوماً؛ وكنا عند شوقي للغداءء قال. .2 ويروي كلامه. وحسب اعتقادي فإن هذين الكتابين في غاية الأهمية» ولا يوجد نظيران لهما على كثرة ما كتب عن شوقي وحافظ». نعم توجد دراسات جادة ثمينة ورصينة عن الشاعرين» ولكن أصحاب هذه الكتب يظهرون الشاعرين وهما بالملابس الرسمية في ساحة من ساحات التشريفات» حيث الإيماءات والانحناءات وسائر البروتوكولات: ولكن أحمد محفوظ يريك الشاعرين وهما يرتديان الملابس العادية الشعبية. ويتحدثان أحاديث سواد الناس» ويجيدان القفش والتنكيت؛» وريما تكون حياة المرء الطبيعية أدلٌ على شخصيته من الحياة المتكلفة .ومحفوظ آذين حكاء: خفيف الظل» يجيد سرد الحكايا والنوادر» ويقول محفوظ في كتابه عن حافظ: «حضرت مرة جدذالا بين حافظ وعيد العزيز البشري. في أيهما أجمل من الآخرء فلما احتدم الجدال» قال حافظ للبشري: «دا انت بتبص في المراية وترمي عضمة»؛ فقال له البشري: :دا وش ينغسل» دا وش ينكنس8» فقال حافظ: «في ذمتك أمك باستك كام بوسة؟» فقال البشري: :دي دايتك كانت من بتوع يا رفاعي مدد»؛. وفي كتاب محفوظ عن شوقي يحكي أن خليل مطران كانت له صديقات من اللبنائيات «وبصر به شوقي يوماً داخلاً مشرب صولت (بار) وبصحبته غادة هيفاء فائقة الحسن, فناداه فجاءء فقال: يا خليل بك انت لسه ما همدتش؟ فضحك مطران وقال: إنما اصطحبتها لأدلها على :علي»؛ ابنك؛ فضحك شوقي وقال: اطلع من دول؟. 1 وهذا الهزل ليس من باب المكاهة والدعابة فحسبء وإنما يمكن للباحث أن يستدل منه على أشياء تتعلق بنفوس هؤلاء الكبارء وما يدور فيها من نوازعء وما يبدو فيها من غرائب . ولا يعني هذا أن محفوظ كاتب هزليء فقد تناول مكانتهما الشعرية» وفنونهما في المدح والوصف والتاريخ والاجتماع؛ وثقافتهماء وقدراتهما النثرية» كما رصد معالم حياتهما من المولد إلى الممات. ويلاحظ أن الكاتب أبرز مثالب حافظ وأسهبء. في حين كان متحفظاً مع شوقي» والكتابان يكمل أحدهما الآخرء ففي كتاب شوقي كلام كثير عن حافظ. وفي كتاب حافظ كلام عن شوقي. والكاتب يطوف بقارئه في هذين الكتابين في مختلف أماكن القاهرة» ويذكر الشوارع التي تغيرت أسماؤهاء والأماكن التي هُدمت وحلت بنايات أخرى مكانهاء ويتواصل في هذا وكأنه من كتّاب الخطط. ويحدثنا عن عدد غير قليل من الصحف ويذكر توجهاتها ويتنقل بنا بين القهرات والبارات والملاهي» ويذكر ملامح من حياة الليل في القاهرة منذ عام »)١900(‏ ويتناول عدداً من أعلام ذلك الزمن مثل محمد عبدهء ومحمد إبراهيم هلال؛ وفؤاد الصاعقة. وحفني ناصفء. وخليل مطران. ومحمد البابلي»؛ ومحمد عبد الوهاب؛ وفيما يتعلق بمحمد عبد الوهاب؛ أظهر الكاتب أن الذي اكتشفه عبد العزيز البشري حين سمعه يغني في أحد الأماكن وأعجب بصوتهء ثم حدث شوقيء وقال له: إن صوته يشبه الخس»» فطلب شوقي إحضارهء ونفى محفوظ كل الحكايات الأخرى. وذهب محفوظ إلى أن شوقي كان يذهب إلى منزل عبد الوهاب ظهيرة كل يوم ليوفظه من نومه ثم يصحبه معه إلى الغداء في كرمة ابن هانىء؛ وذكر أنه لم يكن يمل من صحبة عبد الوهاب» وكان يصبّحه ويمسيه؛ وهو كلام غريب» فشوقي الذي تربى في قصور الخديويين وكان "4 يجالسهم» ويلتقي برؤساء الوزارات يذهب بنفسه كل يوم إلى عبد الوهاب ويوقظه من نومه؟ وهناك ما هو أغرب. وقد أبرز محفوظ دوره في جمع قصائد شوقي من الصحف إلى جانب تصحيح الجزء الثاني من الشوقيات نظير أجر معلوم. م بردة محفوظ: وأحمد محفوظ شاعر ‏ كما أشرنا - وكان ينشر قصائده في جريدة «الأهرام»» وله قصيدة مدح بها لطفي جمعة على أثر ظهور كتابه «ثورة الإسلام» سنة (19194) ويمكن الرجوع إليها في كتاب «حوار المفكرين» من تحقيق رابح لطفي جمعة؛ وأكبر قصيدة نظمها ونشرها هي "بردة محفوظ» التي ظهرت في كتيب لسنة :)١940(‏ بمناسبة المولد النبوي عام .)١69(‏ وقد عارض فيها بردة البوصيري وبردة شوقيء وتقع في نحو تي ببت» وتناول فيها حياة الرسول يكوه واستهلها بالغزل قائلاً : قلب تقسّم بين البث والألم بادي الصبابة من شوق ومن ضرم ثم يتخلص إلى المديح النبوي» ويطلب شعراء البردة من الرسول الشفاعة والرضاء ويعلنون التوبة من المعاصي. ويعربون عن شوقهم إلى زيارة الأراضي المقدسة في مكة والمدينة» مع ذكر مناقب الرسول يِه الأمين. ولم تخل «بردة محفوظ» من هذاء وقد استفاضت مشاعره الدينية عن حديثه عن مولد الرسول كَكلةِ؛ لأن القصيدة نظمت في هذه المناسبة» ويختتم بردته بأنه أدخل نفسه في المديح النبوي على كثرة المدّاحين» وحتى إذا كانت تشابهت بعض معانيه بمعانيهم : فكلنا من رسول الله مقتبس هذا البيان» ومن يمدحه يغتنم ويقول محفوظ في تقديمه لهله «البردة»: «قد يكون من الطريف أن أذكر أن الذي أشار على بعمل هذه البردة هو صديقي الدكتور فهيم دف جرجس عبد الشهيد»» ثم يقول: «استعنت بالله على نظم هذه المهلهلة - يقصد البردة ‏ التي أرجو منها الخير في دنياي وآخرتي. كما أرجو من قرابتي أن يجعلوها في كفني غداً قربى وزلفى» أتقدم بها لرسول الله يك ليشفع لي بها عند الله بإذنه. ورأيت أن تكون اول طبعاتها وقفاً على أوجه الخير لينتفع بها الفقراء والمرضى؟» وقد استَلفتَ نظري قوله: «أرجو من قرابتي أن يجعلوها في كفني»»: ولم يقل أرجو من أولادي. فهل عاش عزبا؟ وقال د. هيكل باشا في تصديره لهذه البردة: (هذا نهح جديد للبردة ألهمته السيرة الأستادٌ أحمد محفوظ؛ سداه الحب والإجلال» ولْحمته الإيمان الصادق بالله ورسوله يِه وأنت إذ تتلو هذا النهج تشعر بهذه العواطف التى حرّكت نفس الشاعرء وأجرت قلمه قوية السلطان عليهء بالغة الأثر في نفسهاء إلى أن قال: «قفليهنأ محفوظ بما أفاء الله عليه من حب نبيه ورسوله يكلو وجزاه الله خير ما يجزي عباده المتقين» 2 خبايا القاهرة: في آخر كتاب «حياة حافظ» وجدنا قائمة بمؤلفات محفوظ التي كان يزمع طبعهاء وهي ١حياة‏ القاهرة». «حياة البارودي»» «مشاهير القتلى في الإسلام؟. لاديوان محفوظ»ء «بردة محفوظ)ء «تادي النفاق - تمثيلية شعرية». وبتأمل هله العناوين؛ والعئوانين السابقين» بتضح أن لمحفوظ كلمة يؤثرها على غيرها في عناويئه لتعرف بهء وهي كلمة «حياة»» وهو أمر متكرر عند المؤلفين؛ فالعقاد آثر كلمة «عبقرية» لتقترن بأسماء كبار الشخصيات الإسلامية» وهذا أمر معروف. ود. زكريا إبراهيم فضّل كلمة ١«مشكلة»‏ لتكون ضمن عناوين كتبه الفلسفية؛ مثل «مشكلة الإنسان» يل «مشكلة الحرية». «مشكلة الحياة» إلى آخره. أما كتب محفوظء فقد اختار لعناوينها كلمة «حياة»» مثل ١حياة‏ البارودي». «#حياة شوفي». (حياة القاهرة» إلى آخره. وبالنسبة ل ١حياة‏ القاهرة»؛. فالراجح عندي أنه هو الكتاب الذي صدر عام )١14608(‏ تحت اسم «خبايا القاهرة؛؛ وكلمة حياة أوسع: ولكن كلمة «خبايا؛ أكثر إثارة؛ وربما كانت من اقتراح الناشرء لأنه عنوان يساعد على البيع والتوزيعم؛ ذلك أن الناس مغرمون بالخبايا والخفايا. وكتاب «خبايا القاهرة» استعراض جميل وشائق لما كان في قاهرة المعز منذ عام )١1400(‏ إلى قرب زمن طبعه» وهو في بعض فصوله يشبه كتب الخططء فإن مؤلفه يتنقل بك من مكان إلى مكانء ويذكر ما استجد وما كان. إلى جانب خفايا أخرى كثيرة لا يغني فيها التمثيل عن قراءة الكتاب. وفي كتاب «حياة حافظ» فصل جاء تحت عنوان ابيئته الاجتماعية» تحدث فيه عن قاهرة سنة )١5٠:٠(‏ وما بعدهاء وتناول فيه المواصلات والقهوات والبارات وحياة الليل والملاهي وغيرهاء وأعتقد أنه فصل هارب من فصول كتاب «خبايا القاهرة»»؛ أو أنه توسع فيه واستفاض حتى كان كتاب «خخبايا القاهرة»». ويدلٌ هذا الكتاب على الحس التاريخي العالي»؛ والحس الاجتماعي المدرك عند المؤلف» وقد اكقب 3 محمد رجب البيومي مقالاً عن هذا الكتاب في مجلة الهلال أفلت من ذاكرتي تاريخهء ولكن تناوله ضمن مقال آخر عن «مقاهي القاهرة» نشرته «الهلال» في عدد ديسمبر/ كانون الأول .١1187‏ وباستثناء «بردة محفوظ»»؛ فإن سائر العناوين الأخرى لم أقف عليها ولا علم لي بهاء ومن المحتمل أن تكون نشرت أو نُشر بعضهاء ولكنه احتمال ضعيفف. وقد يتساءل المرء عن سكوت أحمد محفوظ طيلة عمره عن نشر "45 الكتب» باستثناء «بردة محفوظ؛» وتقع في نحو أربعين صفحة» ثم ينهض فجأة في عام )١101(‏ ليطبع عدة كتب. ويعد عدة كتب أخرى للنشرء ما الذي أسكته وما الذي أنطقه؟ أظن ‏ وإن بعض الظن إثم ‏ أنه أحيل إلى التقاعد في الفترة من )١89819(‏ إلى (969١)ء:‏ وأراد أن يملا فراغه. فاستنفض أوراقه القديمة التي سبق أن قيد فيها نثره وشعرهء ورغب في نشرها؛ لأنه يصعب تصور أنه فرغ من تأليف عشرة كتب في سنة أو اثنتين» فإذا صح ظني أنه أحيل إلى المعاش في المدة المشار إليهاء فإنه يصح أيضاً أنه ولد في أواخر القرن التاسع عشرء أما لماذا لم يطبع باقي كتبه المخطوطة. فهذا علمه عند الله . كه نشرت في -جريدة القاهرة. في الرخارة. ١‏ 6ظ» ا الاك نان الراك الماك لمان لراك الاك الاك لمان الال لمان لان انان انان لان أحمد أمين ولجنة التأليف والترجمة والنشر «الجنة التأليف والترجمة والنشر؛ نشأت بسيطة وتطورت وعرفت روح عصرها ونزعاتهء وطبيعة بيئتها وميسمهاء وأصدرت كتنبا كثيرة تحلى معظمها بالأسلوب العلميء والبحث في الحقائق» وتحليل الأفكار وانتخال المعلومات» واستشفاف بواطن الموضوعاتء» وتناول القضايا بجدية» وتجلية كثير من الغوامض. وغير ذلك مما يجدد الذهن. وينشط النفس . وإذا كان لبعض الناس خوارق وكرامات» كما يقال» فإن أعضاء هذه اللجنة لهم خوارق وكرامات» تمثّلت في هذه الهياكل الثقافية الضخمة التي خلّفوها لناء وشادوها بقروشهم القليلة» ويكدّ القرائح, وبالجلد والمكابدة. كوكبة من الأصدقاء المتعلّمين المتخرّجين في المدارس العليا الحديثة: كان يحدوهم الأمل في التقدم والإصلاحء دون أن يعبئوا بأنفسهم» أو بمصالحهم الشخصية؛ ورأوا أن ينهضوا بالمجتمع من نواح مختلفة. فثابروا لتحقيق ذلك. وكانوا يلتقون في أماكن مختلفة. ويتدارسون ما يرونه مفيداً لأمنهم: ‏ وشكلوا لجاناً تبحث في كل مجال: وسرعان ما تبدّدت أحلامهم فيما كانوا يطمحون إليه؛ باستثناء الجنة التأليف والترجمة والنشر'» ولأنهم مجموعة من الأفرادء فقد سمّيت الجنة» لا جمعية. "4 ويذكر أحمد أمين في سيرته الذاتية «حياتي») وفي مقال له بمجلة الرسالة )1974/1١/6(‏ أن أعضاء هذه اللجنة التي تكوّنت سنة (914١1).ء‏ كانوا من متخرجي مدرسة المعلمين العلياء ومدرسة الحقوق. ومنهم محمد أحمد الغمراوي. وأحمد عبد السلام الكرداني» ومحمد عبد الواحد خلاف» وأحمد زكي (الدكتور أحمد زكي)» وحسن مختار رسمي» ويوسف الجندي». ومحمد فريد أبو حديدء وهؤلاء هم أعضاء «اللجنة» الأوائل؛ ثم انضم إليهم بعد ذلك محمد كامل سليم» وأمين مرسي قنديلء وعيد الحميد العبادي» ومحمد بدران» ومحمد صبري أبو علم. وأحمد أمين. ويتضح من هذا أن أحمد أمين لم يكن من الأعضاء المؤسسين الأوائل» ولا هو الذي سعى فى تأليف اللجنةء وقد ازداد عدد هؤلاء الأعضاء فيما بعد حتى صارت وكأنها حزب ثقافي نشط وفعال. كانوا يجتمعون في منزل أحدهمء ولما كان عددهم كبيراً بالنسبة لمنزلء فقد كانوا يلتقون فى مسجدء أو في قهوة معزولة روادها قلائل ليتباحثوا بحرية. وفي «زاوية البقلي؟ اتفقوا على تكوين «لجنة التأليف والترجمة والنشر»ء؛ وأملوا في أن تكون لهم مكتبة ومطبعة ومدرسة نموذجية ومجلة». وأن تكون لهم كتب في مختلف العلوم والفنون تناسب جمهور المتعلمين في جميع مراحل التعليم». وهذا يعني أن تفكيرهم كان منصرفاً أولاً إلى النهوض بالعملية التعليمية؛ وثانياً إلى الارتقاء بالمجتمع وتثقيفه بمجلة» وغشيان كل هذه الميادين صعب» وبخاصة أنه ليس عندهم ثروة أو سلطة؛ ومع ذلك مضوا في طريقهم» وكلفوا حسن مختار رسمي بإعداد قانون لهله «اللجنة». وفي عام )١91١0(‏ اجتمعوا في مدرسة إعدادية بحي العباسية بالقاهرة؛ ونافشوا المواد القائونية؛ وبعد تعديل وتنقيح أقروه. وانتخبوا 4 أعضاء مجلس الإدارة» كما انتخبوا أحمد أمين رئيساً لهء وأخذوا في جمع الاشتراكات وقيمتها عشرة فروش. يدفعها العضو في الشهرء اثم جعلت مالية اللجنة أسهماً. كل سهم بجنيه واحدء وهذا بَدْء التكوين المالي»؛ وهذه هي اللجنة . بعد تكوين اللجنة»؛ كان لا بد لهؤلاء المتحمّسين من الانتقال إلى العمل والتنفيذء أي إلى التأليف والنشرء وبالفعل كلّفت اللجنة أحمد زكي» وأحمد عبد السلام الكرداني بتأليف كتاب في الكيمياء للمدارس الثانوية» وعهدت إلى محمد أحمد الغمراوي بتأليف كتاب في الطبيعة؛ وأشارت على محمد كامل سليم ومحمد بدران بتأليف كتاب في الجغرافيا. وقد تم تأليف كتابين هما الأول والثالث. وواضح من هذا العرض أن اللجنة أسندت إلى كل مؤلف عمل كتاب في مجال تخصّصه . أما اختيار الكتب المدرسية في البداية» فكان القصد منه رواجهاء وكان لا بد من التدرج الطبيعي؛ لأن الطريق طويل وشاق. وكانت اللجنة لا تجيز طبع كتاب إلا بعد قراءته ونقده وتنقيحه. وأول كتاب طبع هو الكتاب الذي وضعه أحمد زكي والكرداني في الكيمياء» ويقع في جزءين؛ ومن أجل طبعه اقترضوا مالا من أحدهم. وتوالى نشر الكتب ببطءء في البداية» ولما لم يكن عند الأعضاء مخزن لتخزين الكتب المطبوعةء فإنهم رأوا أن يخزن كل مؤلف كتابه في بيته ويبيع منه ويقدم حساباً للجنة» وظل الحال على ذلك إلى أن اتفقوا مع مكتبة تُخزن الكتب وتبيعها نظير خصم كبير. وكان ولاؤهم لقضيتهمء واعتقادهم أنهم يؤدون واجباً وطنياً من وراء نجاحهم في مهمتهم الصعبة. وتوالت إصدارات اللجنة؛ ونشرت كتباً كثيرة» مؤلفة ومترجمة» في مختلف مجالات المعرفة لأعضائها وغير أعضائها من مصر والدول 194 العربية» وتناول الكتّاب إصداراتهاء وعرضوا مضامينهاء وأحسنوا تقدير قيمتهاء مما أدّى إلى رواجهاء وتعميم فوائدها بين ناشئة الجيل وكبار المثقفين . وقد تنقلت اللجنة في عدة أماكن» منها مقرها في شارع الكرداسي بعابدين؛ وهو المقر الذي كانت تصدر منه مجلة «الثقافة». ثم انتقلت إلى شارع أمين سامي المتفرع من شارع قصر العيني. وتوسّعت في أنشطتها. وصار رئيسها أحمد أمين يعقد ندوة أسبوعية مساء كل خميس في مقرهاء ويقول حسين أحمد أمين في تقديمه لكتاب «أحمد أمين؟ الصادر من مركز الدراسات العربية بالجامعة الأمريكية» إن والده كان #يجتمع بتوفيق الحكيم... في اجتماع كل خميس في مقر لجنة التأليف والترجمة والنشرء حيث كانت تلتقي دائماً نخبة من مفكري مصر وأدبائها ورجال التربية فيها»»؛ وهكذا كان يخف القراء وكبار الكتّاب إلى هذه الندوة» مطالبين بحقوقهم الثقافية» فليس في الكتب كل شيء» ولا تجيب عن كل سؤال. والمطالعات الغزيرة تدفع إلى الاستفهام والاستفسار. وكان أحمد أمين يُنتخب من قبل أعضاء اللجنة كل عام رئيساً لمجلس إدارتهاء وفي ١7(‏ من مارس/آذار 1478) أقيم حفل كبير لتكريمه بمناسبة انتخابه للمرة العشرين لرئاسة اللجنة» وأذبت بهذه المناسبة مأدبة كبرى في مطعم «سان جيمس» حضرها لفيف من العلماء والأدباء. منهم الشيخ محمد مصطفى المراغي (شيخ الجامع الأزهر). وعبد العزيز فهمي باشاء وأحمد لطفي السيدء ومحمد كرد علي (وزير سوري ورئيس المجمع العلمي بدمشق)؛ وطه حسين» وحسن حسني عبد الوهاب (أحد كبار علماء تونس)) ود. محمد حسين هيكل» وليثمان "44 (مستشرق)» وفيشر (مستشرق)» وعبد الرحمن عزام (أول أمين لجامعة الدول العربية فيما بعد)» وعبد القادر حمزة (صاحب جريدة البلاغ)؛ ود. أحمد زكيىء ومحمود فهمي النقراشي. وعبد الرازق السنهوري (وزير) وغيرهم. وبعد تناول العشاءء افتتح الخطابة لطفي السيد ووصف أحمد أمين «بأنه مخلص في عمله وفي جهرده؛ لمحض الرغبة في العلم ونشر لوائه»» وتناول كتابه «ضحى الإسلام»» وقال: (إنه مثل حي لتفكير أحمد أمين» بل هو عنوان بعض الجهود القيمة التي يبذلها». وخطب شيخ الأزهر. وأثنى على أحمد أمين ثناءً عريضاً. وتناول أحمد زكي صفات أحمد أمين التي تجلت لأعضاء لجنة التأليف والترجمة والنشر فى مدى عشرين عاما «كانوا يجددون انتخابه لرئاسة اللجنة في مستهل كل عامء وبهذا انتخب عشرين مرةء ثم قال: إن الصفات التي تحلى بها أحمد أمين «كانت ولا تزال من أقوى العوامل في بناء اللجنة وفي حيويتها القوية؛ حتى اليوم بما أدركته من الثمرات العلمية القيمة التي شعر بها كل مثقف. بل كل متعلم في مصر والبلاد العربية». وذكر عبد الرحمن عزام صفتين من صفات أحمد أمين» هما: الإخلاص للعلم والدأب على العملء وقال: «تمثلت هاتان الصفتان في أحمد أمين» فوصلت بهما اللجنة إلى مركزها الحالي الذي تغبطها عليه الجماعات العلميةة. وخطب آخرون واختتم أحمد أمين الحفل بكلمة شكر فيها المحتفلين بهء وهذا قليل مما أوردته جريدة «البلاغ» في /1١1‏ / 1916. وإذا كنا نئق بأقوال هؤلاء الخطباءء فإننا أكثر ثقة بأحمد زكي؛ لأنه أحد أعضاء اللجئة وصاحب البيث أدرى بما فيه» ويكشف هذا الحفل عن مكانة أحمد أمين» ودوره الإيجابي في اللجنة والحياة الثقافية ووس وتأثيره في كبار الرجال. وتظهر أن بصيرته الإدارية لاا تقل عن بصيرته الفكرية. 54 كتب وكتّاب وكتب اللجنة التى طلعت في الأفق الثقافي» بعديد أنواعهاء التقى فيها العملي والمثالي» ونظريات الفكرء ومذاهب الفنء. ونتاج العراطف والعقول» وحكت حضارات الشرق والغرب, والقديم والجديد. وتجاورت فيها الشرائع الكتابية والوضعية» وغير ذلك من أنشطة الذهن البشريء وكل هذا أحدث استنارة وتحديثاً وعمل على إنضاج العقول. وليس في مقدورنا هنا أن نقدم قائمة وافية بالكتب التي أصدرتها اللجنة» ولا يتسع المجال للتعريف بها والإحاطة بمضامينهاء وحسبنا أن نورد أسماء بعضها وما يمثل اتجاهاتها من جوانب مختلفة. ومما نذكره فى هذه العجالة موسوعة أحمد أمين الإسلامية. وبخاصة #ضحى الإسلام» و«ظهر الإسلام؟ التي درس فيها الحركة العقلية في تاريخ الإسلام والحياة الاجتماعية» إلى جانب عرضه للآداب والعلوم في مختلف الأزمنة والأمكنة؛ وفي كل هذا كان يؤرخ ويحلل ويعلل لماذا نشأت المقامات في خراسان والموشحات في الأندلس والفلسفة في العراق. وقد أخطأ أحمد أمين بتقسيمه تاريخ الإسلام إلى فجر وضحى وظهرء لانه لو تواصل بحثه على هذا النحو؛ كان سيتحدث عن غروب الإسلام» بينما الإسلام ما زال مشرقاً. ويدخل فيه من أبناء الملل الأخرى كثيرون» ورقعته تزداد ولا تنحسر. واهتمت اللجئة بكتب الفلسفة» ترجمة وتأليفاً» مثل كتاب «قصة الفلسفة الحديثة» لأحمد أمين وزكي لجيب محمودهء واتاريخ الفلسفة 0 الغربية؛ لبرتراند رسل» والذي ترجمه زكي نجيب محمود؛ ويعرض فيه لأفكار كبار الفلاسفة» ويتمهّر مؤلفه في ربط هذه الأفكار بعضها ببعض» و«تاريخ الفلسفة في الإسلام» وهو من تأليف "ديبورة؛ وترجمة د. محمد عبد الهادي أبو ريدة» ويتناول تاريخ الفلسفة بإيجازء ويبين الأطوار التي مرّت بهاء وأشهر الفلاسفة المسلمين» وكتاب (إبراهيم بن سيار النظام؛ وهو من تأليف أبو ريدة؛ ويشرح فيه آراء النظام في الفلسفة الكلامية, ونشأة الفكر العقلى عند العرب» وكتاب «المدخل إلى الفلسفة» وهو من تأليف «أزفلد كوليه»» وترجمة د. أبو العلا عفيفي»: وهو عبارة عن مقدمة وافية» تعرّف القارىء بالفلسفةء ومجالاتهاء ومشكلاتها في متباين الأزمنة» وكتاب «محاورات أفلاطون» وهناك كتب أخرى في هذا المجال. ونذكر من كتب التاريخ #قصة الحضارة؛ الذي وضعه :ول ديورانت؟» وترجمه عديدون منهم محمد بدران ود. زكي نجيب محمودء والكتاب يتناول في أجزائه الكثيرة العلوم والآداب» والفنون التشكيلية. والموسيقى, والأخلاق؛ والإصلاح الديني في أوروبا... وكتاب «جزيرة العرب في القرن العشرين» وهو من تأليف حافظ وهبة الوزير المفوض للمملكة العربية السعودية»ء ويتناول قضايا عديدة منها الحالة الاجتماعية لبلاد العرب» والدعوة الوهابية ونشأتهاء وآل سعود وتاريخهم وغير ذلك. وكتاب «رسل الملوك ومن يصلح للرسالة والسفارة»» وهو كتاب ترائي من تأليف ابن الفراء؛ وتحقيق صلاح الدين المنجد الذي ألحق به بحثاً عن الدبلوماسية في الإسلام. وكتاب «السودان في قرن» من تأليف مكي شبيكة المدرس بكلية «غردون» بالخرطوم»ء ويعرض تاريخ السودان من سنة .)١914-1١414(‏ وكتاب «افتح العرب لمصر» الذي ترجمه محمد فريد أبو حديد» وطبع أكثر من مرة. وإلى جانب ذلك؛. قامت اللجئة ببعث مجموعة من كتب التراث» حكن وسهلت النظر فيها بالشروح والتحقيقات» مثل كتاب «العقد الفريد» لابن عبد ربهء الذي حققه أحمد أمين وأحمد الزين وإبراهيم الإبياري: ويقع في عدة أجزاء. وكان أحمد أمين يفضل هذا الكتاب على كتاب «الأغاني». وه«ديوان المتنبي» الذي حققه عبد الوهاب عزامء و«شرح ديوان الحماسة» وهو شرح المرزوفي على ديوان الحماسة لأبي تمام. الذي حققه شيخ المحققين عبد السلام هارون؛ ووازن فيه بين شرح المرزوقيء وشرح التبريزي» وفسر الغامض من أبياته» وعرف بشعراء الحماسة» وعيّن الشعراء المجهولين الذين لم يذكر أبو تمام أسماءهم. وإذا انتقلنا إلى كتب الأدب التى أصدرتها اللجنةء ألفيناها كثيرة ونذكر منها «قصة الأدب في العالم' ويقع في ثلاثة أجزاء. وهو من تأليف أحمد أمين وزكي نجيب محمود. وعرضا فيه نماذج من الآداب العالمية القديمة والحديثة» مثل الأدب الفرعوني» وآداب من الصين والهند وفارس واليونان والرومان والإنكليزء إلى جانب الأدب العربي في العصور الوسطىء وكان أحمد أمين يرى أن العرب أخطثوا عندما لم يترجموا الأدب إلى جانب الفلسفة» ولما كان أحمد أمين يرغب في أن يكون عندنا كتاب في الأدب اليوناني؛ وآخر في الأدب الروماني» وغيرهما في الأدب الألماني إلى آخره؛ وعندما لم توجد هذه الكتب رأى أن يقدم كتاباً شاملاً يعرض فيه لمختلف الآداب العالمية. وقد نهض العرب بعد هذا الكتاب». ووضعوا كتباً في الآداب العالميةء وترجموا كثيراً من النصوص الإبداعية؛ والأعمال النقدية والفنية. ومن الكتب الأدبية والنقدية واللغوية الأخرى كتاب «قواعد النقد الأدبي» الذي وضعه «أبر كرومبي» وترجمه د. محمد عوض محمدء وكتاب «في الأدب الجاهلي» لطه حسين» وهو تعديل لكتاب «في الشعر الجاهلي؟ الذي أحدث جدلاً عارماً عام :))١9475(‏ ومسرحية «فاوست» ندال وهي من روائم اجوته»؛ وترجمها محمد عوض محمدء وقدّم لها طه حسين» وتتناول مشكلة الشرهء وكتاب "«الاشتقاق والتعريب» من تأليف عبد القادر المغربي» ويدور الكلام فيه حول تكاثر ألفاظ اللغة بالاشتقاق والتعريبء. وكتاب «دفاع عن الأدب» لجورج ديهامل. وترجمه وعلق عليه تعليقات كثيرة محمل مندور. ومن كتب علم النفس «خلاصة علم النفس» للدكتور أحمد فؤاد الأهواني؛ وكتاب «الطفل في المدرسة الابتدائية» من تأليف «سوزان إيزكس»» وترجمة محمد مختار المتولي. ويعنى بالطفل ونشاطه الذهني. ووجوب الاهتمام بتربيته وهو في مرحلة التعليم الابتدائي؛ وكيفية قياس الفروق بين الأطفال والتعرف على ميولهم وترقيتهاء كما يتناول أخطاء الأطفال في التفكيرء وكيفية تلافيها. ولم تهمل اللجنة كتب العلوم» فقد أصدرت منها كتاب «من أسرار الفطرة» وهو في الطبيعة» من تأليف «أندراد» وترجمة محمد أحمد الغمراوي» وأحمد عبد السلام الكرداني. وهما من أعضاء اللجنة القدامى» ومتخصّصان في العلوم الطبيعية» وسبق أن اللجنة في بداية عهدهاء قد كلفتهما يوضع كتابين في الكيمياء والطبيعة. ومن الكتب الأخرى كتاب «التثقيف الذاتي» لسلامة موسىء. ويتناول قضايا عدة منها كيف يستطيع الإنسان أن يثقف نفسه بنفسه. ووسائل هذا التثقيف». وكتاب فيض الخاطر» لأحمد أمين» وهو تسعة أجزاءء ويضم مقالات أحمد أمين المتناثرة» وكتاب «ساعات السحرا للدكتور أحمد زكي؛ ويعرض لموضوعات شتى في شؤون الحياة: ويسجل فيه خواطره الني كانت تعن له وقت السحرهء كذلك طبعت ديوان «حافظ إبراهيم» بتحقيق بتحقيق أحمد أمين وأحمد الزين وإبراهيم الإبياري. و١ديوان‏ أحمد لاد وغير ذلك كثير. "5 وكانت اللجنة متعاونة مع غيرها من لجان العلم» وتطبع كتب عرهاء عل كاب #ترات الإبلام ا ورقع فى جررين» وعر فصول طويله عن الأدب الإسلامي والفلسفة والإلهيات والعمارة الإسلامية وغيرهاء وضعها أجانب وترجمها مصريون عديدونء وتكفلت بالكتاب «لجنة الجامعبين لنشر العلم». وعلى غرار هذا يمكن التعرف على مئات الكتب التي صدرت عن اللجنة» وعندما توفي أحمد أمين عام 4)١14514(‏ واصلت اللجنة رسالتها. وقد ساهمت الكتب المترجمة في ازدهار حركة الترجمة العلمية؛ وأفرزت جيلاً جديداً من المترجمين مثل محمد بدران» وزكي نجيب محمودء وعلي أدهمء. وأطلعت القارىء على كثير من كتب الغرب التي ترجمت لأول مرةء وقامت بدور في النهضة والاستنارة» إلى جانب أنها درس مهم في محاولة تعريب المصطلح الأجنبي» وتقريب المصطلح المستعصي على التعريب إلى أن نهتدي إلى كلمة دقيقة تقابله» عدا فوائد الترجمة الأخرى منها التعارف بين الشعوب. كك كتب اللجنة في الدول العربية : فهذه الكتب النفيسة التي ذكرنا بعض عناوينها عمّت فوائدها على عدد من الدول العربية» فقد أودعت اللجنة قدراً منه في المكتبات» مثل المكتبة العصرية ببغداد» بالوكالة العامة بالعراق: وتطلب من محمد حلمي. وفي فلسطين وشرق الأردن» كانت هذه الكتب تطلب من الوكالة العامة للجنة التأليف والترجمة والنشر. ولم تفتصر خدمات أعضاء اللجنة على لجنتهم» وإنما امتدت إلى مجلة «الرسالة» لتعينها وتعزز موقفهاء ويقول أحمد حسن الزيات في «الرسالة» (أول سبتمبر/ أيلول ؟18١):‏ «كان يظاهرني على تفاؤلي "© الأولون من لجنة التأليف والترجمة والنشر» وكانوا بهذه المظاهرة نقطة الارتكاز ومبعث المدذدةا. و الثقافة : ومن أهم أعمال اللجنة وإصداراتها مجلة «الثقافة» الأسبوعية التي نافست مجلة «الرسالة» أربع عشرة سئةء وظهر عددها الأول في " من يناير/ كانون الأول .١978‏ وصاحب امتيازها أحمد أمين. أما رئيس تحريرهاء فهو محمد عبد الواحد خلافء ولا شك أن أحمد أمين هو المهيمن عليهاء وهو الذي كتب افتتاحية عددها الأول قائلاً: «في الشرق كنوز لا يفنيها الإنفاق. . . جار عليها الزمن فدفن بعضهاء فهي في حاجة إلى أيد عاملة. . . وفي الغرب علم زاخر. . . حالت بيننا وبينه حوائل؛ فهو مكتوب بلغة غير لغتنا... هذه الكنوز الشرقية التي وصفناء وهذه الثروة الغربية التي ذكرناء لا يقوم بحقها... كل المجلات العربية. . . وقد أحسسنا المقدرة على أن نشارك في هذا العمل الجليل. . . فتقدمنا نعمل مع العاملين... لا نشعر نحو إخوتنا أصحاب المجلات إلا شعور الفِرّق المختلفة في الجيش الواحدء لا نريد حرباً إلا حرب الآراء. . .». وهو بيان يكشف عن خطة المجلة في تناولها للموضوعات الشرقية والغربية» العلمية والأدبية؛ وهو ما نهضت به في سنوات صدورها. وكانت المجلة معرضاً لآراء وأفكار توفيق الحكيمء. ومحمود تيمورء وزكي نجيب محمودء وأحمد عبد السلام الكرداني» وأحمد زكي وغيرهم. وعلى صفحاتها نقرأ لأحمد أمين سلسلة مقالات عنوانها «جناية الأدب الجاهلي على الأدب العربي» سنة (1978)؛ والتي رد عليها زكي مبارك بسلسلة مقالات في نفس العام بمجلة «الرسالة» تحت عنوان «جناية أحمد أمين على الادب العربي»» واتهمه بأنه يقول ذلك لجذب ألوف حكن القراءء وكتب طه حسين بضع مقالات عن الأدباء المعاصرين مثل توفيق الحكيمء وقوت القلوب الدمرداشية؛ وحسين فوزي؛؟ كما كتب بعض فصول «على هامش السيرة» ولم يتمهاء وكتب محمد مندور مقاللات نقدية؛ وأثار قضية الهمس في الأدبء ودار بينه وبين العقاد سجال وجدال حول الهمس أثناء ضجيج الحرب العالمية الثانية» وكتب علي أدهم مقالات في الفكر السياسي والفلسفة والتاريخ؛ وكان شوقي ضيف يها بقضية النقد الأدبي. باحثاً عن نظرياته. أما محمد فريد أبو حديدء فقد نشر قصصاً عربية قديمة» مثل (عنترةة. وهناك أسماء كثيرة» وهذه الإشارات الصغيرة لا ني عن دراسات مطولة عنهاء وقد تولى تحريرها زكي نجيب محمود فترة؛ ومحمد فريد أبو حديد فترة أخرى. وتَوَاصَلَ عطاؤها إلى أن صدر آخر أعدادها في “7 من فبراير/ شباط عام 1467» ولكن اللجنة استمرّت في نشر الكتب المؤلفة والمترجمة. كر نُشرت بجريدة القاهرة في 5١1١/11/7١‏ عات موات مات مات مات عات صنق فى ني عات مات م نوم ني ف تيص توي ني © تنح محمود كامل المحامي حياته وأعماله المسرحية الرع ندر رح انيه ناح تمرح انيه )010( عندما أشار علي الأستاذ صلاح عيسى بالكتاية عن محمود كامل المحامي؛ سعليا من قامته. لم أكن أدري أنه دفعني إلى بحر 55-86 أمواجه مئات القصص.ء ومدّه آلاف الأعداد من أربع مجلات. وجَزْره يخلّف وراءه نحو عشر مسرحيات» وقاعه العميق فيه كثير من كتب السياحة والتاريخ والوطنية» وقد أكون غير مناسب لهذه المهمة؛. لأن هذا البحر المهتاج يحتاج إلى سندباد أو غواص ماهر ليستخرج من أعماقه الجواهر والنفائس. ولقد غالبت الموج» واستولى على العناد؛ ثم تعقلت وعملت بنصيحة المتنبي: «من يزحم البحر يغرق»» وخرجت إلى الشاطىء» حاملاً بعض الدرر والصدف. تاركاً بقيتها لمن هو أمهر في السبح والغوص مني. مصدر الصعوبة في الكتابة عن محمود كامل المخامي؟ أن الكتابات عنه قليلة جداًء ولم يذكر هو في كتابه «يوميات محام مصري؟ شيئاً عن نشأته الأولى» وأغفل تاريخ ومحل ميلاده. ولد محمود كامل المحامي في الثامن من يوليه/ تموز 21105 وقد سمّى مجموعة قصصية له باسم : 89 يوليه»؛ وفي مقدمة الطبعة الثانية من قصة «حياة الظلام» التي ظهرت سنة 1977 يبيّن أنه يحتفل ببلوغه الثلاثين. 4 ولا أدري أين ولدء ولكن نشأته الأولى» وحصوله على البكالوريا عام 1947#. كانت في الزقازيق» وكان هذا مفاجأة لى» ولكن هذا هو الصحيحء وبيان ذلك أنه عندما أخذت الصحف تتهجم على مسرحية «الوحوش» التي ألّفهاء كتب مصطفى إسماعيل القشاشي في جريدة «الصباح؟ بتاريخ 7/56؟١97357/1١‏ يقول: «محمود كامل يعرفه قراء هذه الجريدة» وقراء جريدتنا أبو الهول منذ كان طالباً ثانوياً : في الزقازيق. وكنا ننشر له من الآراء والأبحاث في المشاكل الاجتماعية والأمراض الأخلاقية ما يدفم الكثير إلى شكره وإعلام الإعجاب به لدقة أبحاثه وصائب ارائه». وقد رجعت إلى جريدة «أبو الهول» لأتبيّن مصداق ذلك». فوجدت مقالة عنوانها «رجل يرقص في عماد الدين» مذيلة بتوقيع محمود كاملء بتاريخ ١475 ١/6‏ جاء في مستهلها: «تضايقت من الزقازيق في الأسبوع الماضي»ء 55 الملل من مناظرها القروية المتشابهة يتزايد في نفسي إلى درجة دفعتني إلى مغادرتها كيما أمضي ليلة أو ليلتين في القاهرة». وذهب إلى مسرح في عماد الدين» وقص ها شاهده. ووجدت مقالاً آخر عنوانه «الوطن في خطر فأنقذوه أيها النواب» ‏ (أبو الهول 1974/88). ولم أواصل البحث في «أبو الهول» بعد أن تأكد لي أنه كان يقيم في الزقازيق» وفي قصته «رسائل غرامي الأول» يجعل الكلام على لسان بطلها الذي يظهر أنه تلقى تعليمه الابتدائي بالزقازيق. (الجامعة 0)١971//0 /٠١‏ وفي قصته «سوط الفضيحة» ‏ وسيأتي الكلام عليها - يصف مدينة الزقازيق وصف عليم بها . كانت مقالة محمود كامل في «أبو الهول» تشغل عموداً بطول صفحة الجريدة وربع العمودء وأسلوبها جيد. وأفكار الكاتب واضحة. ولا بد أن تكون كذلك لكي يجيز المحرر نشرهاء وحسب شهادة كن «القشاشي» كان محمود كامل يكتب وهو في الثانوية في جريدتي «أبو الهول» و«الصباح»»؛ وأضيف إلى شهادة القشاشي., أنه كان يكتب أيقا في «المقطم». فقد نشر بتاريخ 1974/5/1 مقالة عنوانها «التمثيل في مصر ‏ حول مسرح يوسف وهبي»: وكان يوسف وهبي قد نشر مقالاً ذهب فيه إلى أنه سيغلق مسرحه ويسافر إلى أمريكا ليمثل هناك؛ لأن الجرائد تهاجمه»ء والحكومة لا تساعده. فكتب ينتصر ليوسف وهبي» وكتب مقالة أخرى ب«المقطم؛ في 1474/77/75 عنوانها «إعانة المسارح المصرية بين الأوبرا ومسرح الحديقة»؛ وينادي فيها بتقديم المساعدة لمسرح الحديقة؛ والتقليل من الاعتماد المالي الضخم الذي يقدم للأوبرا؛ لأنه لا يتفرج على التمثيل فيها إلا الأجانب أو سراة المجتمعء وهو يناصر المسارح التي يعضدها الشعب. وربما تكون هناك جرائد أخرى كان ينشر فيها محمود كامل» وهو في الثامنة عشرة من عمره. والملاحظ في هذه الكتابات اهتمامه بالمسرح. ولم تكن هذه الكتابات عام ١975‏ تمثل ميلاده الأدبي» ففي عام 7 ترجم أشعار «روين هود» عن الإنجليزية. وهي الأشعار التي سجلت القصة التاريخية المشهورة»ء وبعد حصوله على البكالوريا عام ».)١974(‏ انتقل إلى القاهرة والتحق بمدرسة الحقوقء» ويمكن أن يقال: «إن نشأته الثانية بدأت منذ هذا التاريخ في شارع خيرت بحي السيدة زيلب مع أبيه » وكان من زملائه في الحقرق أحمد عبد المجيد (الشاعر السفير)؛ ومن أساتذته أحمد أمين ‏ غير أحمد أمين الكاتب والأديب -. وكان أبوه محامياً ويدير مطبعة «الترقي» التي طبعت كتاب «تحرير المرأة» لقاسم أمين. يقول محمود كامل في كتابه #يوميات محام مصري»: ١كتاب‏ تحرير المرأة» تولت نشره دار الترقي للطبع والنشرء التي كان يديرها أبي. 9١ الذي أخبرني أن عدد نسخ الطبعة الأولى لم يزد على ألف». ظلت في السوق عدة أعوام قبل أن تنفد». ويقول عن أبيه: «أبي الذي تولى نشر ذلك الكتاب من رجال القانون. وقد التهم مشروع دار الترقي... كل ما ورثه عن أبيه. . . فلم يجد بعد أن خابت آماله فيه إلا المحاماة تفتح له صدرها». ما أرمي إليه أن أباه كان يقيم في القاهرة لإدارة مشروعهء وهو يعيش في الزقازيق في الغالب مع أمهء فلماذا أبوه في القاهرة وهو في الزقازيق؟ ليس بين أيديئنا ما يفسر ذلك. وهذا يفتح باب الظن والتخمين . م قصة ومسرحية : حينما كان فى السنة الأولى بمدرسة الحقوق أعلنت مجلة «المقتطف» عن مسابقة في القصصء فاشترك فيها بقصة؛ ولم يفزء فأرسل نسخة أخرى لجريدة «السياسة»» وانتظرء وفي 1976/4/7 وجد قصته التي أطلق عليها عنوان «الفاجعة» منشورة في ستة أنهر؛ أي: في صفحة كاملة. وهذه هي القصة الأولى... وبعد شهرين عمل في جريدة السياسة كمحرر فني يشهد التمثيل المسرحي ويئتقده» ومن هنا عرف الأجواء المسرحية» واختلط بالممئلين والمؤلفين والمترجمين المسرحيين بطبيعة الحال. وكان من زملائه في الحقوق «إحسان العقاد؛ الثري الوسيم الفاتن» وكانت الممثلة ريلنب صدفي فل عشقته») وتزوجته؛ ولأن محمود كامل لم يحيا حياة ناعمة رخية» فقد كان في نفسه أشياء ضد طبقة الأرستقراط الأثرياء»ء وتطلعت نفسه إلى كتابة مسرحية يثأر فيها لنفسه من هذه الطبقة سمّاها «الوحوش»»2 وأسرع بها إلى يوسف وهبي الذي قبل تمثيلها «ودفع لي ثمنها فوراً أربعين جنيهاً مصرياًء كانت مبلغاً لا بأس به بالنسبة لطالب 01١ في السنة الدراسية الثانية بمدرسة الحقوق عام اولان وأشار على يوسف وهبي بأن تكون زينب صدقي بطلتهاء وكانت قد انفصلت عن زوجهاء وهذا ما جرى. في عام ١478‏ تخرج في مدرسة الحقوق؛ وبعد شهور أدرج اسمه في جدول المحامين» والتحق بمكتب محام كان زميلاً لأبيه في مدرسة الحقوق للتمرين؛ ولأن المحاماة لم تدر عليه شيئاً يرضي طموحه فقد عمل معاون إدارة في خريف ١959‏ بكفر الزيات ليحقق في قضايا الجنح» وفي نفس العام انتّدب ليرأس نقطة بوليس «القضابة» ولم يكن مستريحاً لهذا العمل. ولا للمنطقة بأسرهاء فقدَّم استقالته في مارس/آذار ٠‏ ؛ وعاد إلى القاهرةء فألحقته الوزارة بمركز الصف بالجيزة» ومكث بها ثلاثة أشهرء ووجد أن الوظيفة لم تنئاسبه فاستقال ليعمل بالمحاماة والصحافة» وقد استلهم قصته «صوت زينب» أثناء عمله بكفر الزيات . محمود كامل قارىء نهم للمسرحيات الفرنسية والإنجليزية؛ وما يترجم إلى هاتين اللغتين» أخذ يلخص مسرحيات أوروبية كثيرة» ويعرّف بها وبكتابهاء وينشر ملخصاته في مجلة «كل شيء؛؛ وفي الوقت نفسه كان ينشر قصصه في مجلة «الهلال»» مثل (الجنين» و«الشك الهائل» و«القاتلة» و«هحالة جنون» و«أب وابن؛ وغير ذلك. سنة 195٠(‏ و١97١).‏ يعد عام ١غ‏ عام تحول في حياة كامل المحامي». ففى هذا )ع0( يوميات محام مصري ٠‏ الجامعة 00010 يحض التاريخ أصدر أول مجموعة فصصية هي "«المتمردون» ونشر كتابه «المسرح الجديد». وأصدر مجلتين أسبوعيتين هما ١الجامعة»‏ و«القضاء المصري». أما «الجامعة» .4)١158 ١97(‏ فقد كانت مسرحاً لقصصه وبعض مسرحياته ومقالاته» وكانت مجلة أدبية فنية» ولم تخل من الأحاديث السياسيةء وقد كتب فيها العقاد ومحمود تيمور والشيخ مصطفى عبد الرازق» وإبراهيم رمزي ومحجوب ثابت وغيرهمء وشعر فيها أحمد عبد المجيد فريد وعمر الطوانسي (شاعر رقيق له خمسة دواوين). ويوسف يدروس كما نشرت الشعر المنثور» واعتنت بالقصص المؤلفة والمترجمةء وقد استطاعت «الجامعة» أن تصمد ستة عشر عاماً أسبوعية أمام «الرسالة» و«الرواية» والثقافة؛ و«مجلتي»»2 وأعتقد أن سبب رواجها يرجع إلى قصص «محمود كامل» فيهاء وفي أواخر عهدها تعثرت. واضطرب صدورها وصارت تُعنى بالموضوعات القانونية» كما أن محررها اتشغل بأمور أخرىء فحجبها. أما مجلة «القضاء المصري» (1977 - 2)١957‏ فقّد كانت تصدر كل سبتء وتنشر الأبحاث والدراسات التي كتبها كبار القانونيين» وتذيع آراء رؤساء المحاكم والنيابات في تفسير القوانين» وتبحث في الموضوعات الدولية والاقتصادية» وتأتي في صفحاتها بأحكام محكمة مصر الابتدائية ومحكمة النقضء وكانت تصدر أعناداً خاصة» وقد عززتها وزارتا الخارجية والمعارف بالاشتراك فيهاء ثم توقفت. وقد شجع رواج «الجامعة» محمود كامل على إصدار مجلة ثالثة دعاها ال ٠١9‏ قصص» عام 1915؛ وراجت رواجاً كبيراً؛ وطمح في تطويرهاء فأوقفها مؤقتاً وأدمجها في «الجامعة»؛ وصارت الجامعة تصدر بعنوان #الجامعة وال ٠١‏ قصص» وفي سبتمبر/ أيلول عام ١977/‏ أصدر مجلة ١ال ١١‏ قصة» نصف شهرية. هله هي مجلات كامل المحامي التي نض أفسحت المجال لعدد كبير من الكتاب لينشروا فيها قصصهمء ويتعرف القَراء عليهم من نخلالها . الكل للوطن هذا الفوز الذي حققه المترجم. جعله حديث الناس في البيت والشارع. ودفع الجرائد الكبرى مثل «الجهاد؟ و«البلاغ» إلى إجراء التحقيقات الصحفية معهء ولا بد أن «الأنا» عنده تضخمتء فترامت أمانيه بعيداًء وطمح في أن يكون أحد رجالات السياسةء فدعا عام على صفحات الجامعة إلى تكوين حزب «الكل للوطن» ليحتشد فيه كل المصريين وصارت افتتاحيات «(الجامعة» التي يكتبها هوء تطالب». بلهجة حماسية ثورية» بالإصلاح القضائي والإداري والاقتصادي. وتشدد في لهجتهء فاندفع ضد الإنجليزهء وندد برؤساء الوزارات المصرية «الطاعنين في السن» الذين تلقوا دراساتهم في عهد الاحتلال؛ وسرت في شرايينهم رهبة الرؤساء والإنجليز مما نتج عنه إهمال برامج الإصلاح؟ - (الجامعةء فبراير/ شباط 19178). أخذ المحامي في بث برامج الحزب وقالء وكرر القول» بأنه من الضروري «أن ينص القانون المدني على تحريم تملك الأجانب العقارات في مصرء وإصدار قانون ينظم الهجرة إلى مصر وبيمنح المهاجرين العمال وأصحاب الحرف من الأجانب حماية للعمال المصريين» وتوزيع أراضي الحكومة الزراعية البور القابلة للإصلاح الزراعي» وتبلغ مساحتها نحو مليون ونصف المليون فدان على صغار الملاك الزراعيين الذين يملكون أفقل من فدان واحد؛ه ووضع يد الدولة على شركات الاحتكار التي تتولى عملاً من أعمال الخدمة العامة؛ وعدم انتظار انتهاء عقود الامتياز؛ لأن تلك العقود حررت في وقت كانت تتولى حكم مصر فيه وزارات جاهلة؛ "م ويتحتم أن تكون مكاتبات الشركات والبنوك التي تعمل في مصر باللغة العربية»: وطالب بالتأمين الإجباري لصالح العمال الزراعيين ضد إصابات العمل» والأمراض المتوطنة؛ وضد تعطل العامل الزراعي عن عمله. وذكر بنوداً كثيرة» ولا شك في أنه كان اشتراكي النزعة» إذ جاءت دعوته فى صالح الفلاحين والعمال» وطالب بالتأميم والتأمين» وخشي على مبادئه من الضياع فألف منها كتابه «مصر الغد تحت حكم الشباب» عام :)١9479(‏ وأعاد طباعته بعنوان «مصر الغد ‏ بعث دولة وإحياء مجل؟ وفيه تنقيح وزيادات. ولمن يريد التوسع فعليه ب «الجامعة» ١9748‏ و1918, وهذين الكتابين. ولكن هذا الحزب لم يتكون» وقد يكون بسبب أنه شاب صغيرء وليس له في تاريخ الجهاد الوطني باع» وليست عنده صحيفة يومية» ولأنه من كتاب القصص الغرامية والمسرحيات» وهذه ليست من مؤهلاات الحكم والزعامة. الدعاية لمصر لم يقتصر دور المترجم على مجلات يصدرها وكتب يؤلقهاء وإنما طاف يأوروبا وأمريكا ممثلاً لهيئات مصرية عديدة» وكان يقوم بأعمال الدعاية لمصر والعرب بعد الحرب العالمية الثانية» ففي عام )١9545(‏ ذهب إلى فرنسا وسويسراء وتحدث إلى أعضاء نادي «الروتاري» الدولي في باريس ولوزان وجنيفء وفي عام 1447 سافر إلى أمريكا ممثلاً لمجلس نقابة المحامين لدى «رابطة محامي الأمم المتحدة» بواشئطن» ونقابة المحامين الدولية بنيويورك؛ وفي عام ١١958‏ رحل إلى إنجلترا ممثلاً لجريدة «المصري»؛ وفي نفس العام ذهب إلى باريس ممثلاً لوزارة الشؤون الاجتماعية في وفد مصر لدى هيئة الأمم المتحدة» وفي عام 68 سافر إلى الولايات المتحدة ممثلاً لجامعة الدول العربية لدى الأمم المتحدة» وفي عام ١46١‏ حضر مؤتمر نوادي «الروتاري» الدولية 1م بالخرطوم ثم ذهب إلى «الكونغو» ومنابع النيل» وفي نفس العام سافر إلى سسا دول أوروبية . كان يقوم في هذه الرحلات بمهام قومية» وبأعمال الدعاية لمصرء لتغيير النظر إلينا وتقديم معارف ومعلومات لأبناء هذه الشعوب». فمي مساء ١90١/15/4‏ ألقى محاضرة بالفرنسية عن «حياة النيل» في دار الجمعية الجغرافية الإيطالية» ورأس الاجتماع رئيس الجمعية» وفي /١١(‏ 5 في «فلورنسا» عن العلاقات التاريخية التي تربط مصر وإيطالياء وبنفس الطريقة ألقى محاضرات في «فينيسيا» و«الوزان» واستوكهولم» و«كوبنهاجن» والندن؛. وفي كل مرة يتحدث عن العلائق بين مصر والدول التايعة لها هذه المدن قينا أن التعارف بين الشعوب وسيلة من وسائل إقرار السلمء وأن التزاور بين أفراد الشعوب يمهد للتفاهم بينها”"2. وهكذا كان المترجم سفيراً متنقلاً لمصر في دول العالم. بل إنه قام بأعمال وزارة للدعاية والإعلام قبل أن تنشأ في مصر وزارة الإعلام. بعد إغلاق مجلاته كان يكتب بين حين وآخر في جريدتي «المصري» و«الزمان»» ثم عمل في وزارة المالية والاقتصاد خبيراً للسياحة والدعاية»؛ ثم انتقل من ميدان السياحة المصرية إلى مجال السياحة العالمية. ويقول محمد شلبي في كتابه امع رواد الفن والفكر» عن محمود كامل: «جاب العالم كله كخبير عالمي في السياحةء تتلقف الأمم المتحدة تقاريره. فهو عضو الجمعية الدولية لخبراء السياحة العلميين ببرن» وعضو اللجنة الخاصة بميثاق الأمم المتحدة بجمعية القانون الدولي بلندن» ورئيس اللجنة القومية المصرية في مركز السلام )01( راجع كتاب مححمود كامل ء مصر في خارج مصسر 6 5, ك5 العالمي عن طريق القانون بجنيف؛ ومما يدل على شغفه بالعلم... أنه حصل على دكتوراه التخصّص في تاريخ المذاهب السياسية في كلية الحقوق والعلوم السياسية بجامعة االإكس إن بروفانس» بفرنسا... موضوعها العروبة أساس سياسي اجتماعي للوحدة في العلاقات الدولية العربية باللغة الفرنسية». لم يقدر لي أن أعرف هذا الرجل الكبيرء وسألت عنه أستاذنا وديع فلسطين» فقال: «لم أعرفه عن قربء. ولكن كنت أراه بمفرده خالسا في جر وبي » وكان أنيقاً في ملبسهء ويسير في الطريق منحني الظهرء وقد بحثت ونقبت كثيراً عن تاريخ وفاته ولم أوفق وسألت صديقي الباحث الأستاذ فتحي الحديدي» وبعد يومين قال لي: توفي عام 1997. في مجال المسرح : نظراً لقلة الكتايات عن محمود كامل» فقد طربت عندما نشرت جريدة القاهرة مقالاً للأستاذ فوزي سليمان بتاريخ ٠٠١9/94/19‏ والمقال طيب ومفيد» ولكنه نسب خطأ مسرحية «الذبائح» إلى محمود كامل؛ والصواب أنها «لأنطون يزبك»»: ومثلتها فرقة رمسيس ليلة ؟/ ١‏ وقام بتمثيلها يوسف وهبي وأمينة رزق وماري منصورء وقد كتب أنطون يزيك مسرحيات عديدة مثل «الغربان» و«صوت الدم» وغيرهماء وحصل على جائزة في التأليف المسرحي» وقال الأستاذ فوزي إن مجلة «التياترو؛ أصدرها محمد شكريء» والصواب أن الذي أصدرها هو (إدوارد كحيل؟ بين عامي 1974 1975. الصحيح أن مسر حية «االوحوش!ا من تأليف محمود كامل. وقد مثلها يوسف وهبي وزيدب صدقي» وأخرجها عزيز عيد على مسرح ارمسيس» ليلة 1487/17/5 والليالي التالية؛ ولم أوفق في الحصول 11 عليها؛ لأنها غير مطبوعة» وقد تناولتها صحف كثيرة بالنقد منها «١كوكب‏ الشرق». «المقطم» #الكشكول»., «الحسان»ء» «الصباح'. «النيل». وغيرهاء ولا نملك إلا ذكر خطوطها العريضة من خلال ما قالته الصحف عنهاء بطل المسرحية هو أمين بن ماهر بك؛ وهو طالب في مدرسة الحقوق ويقيم مع زوجته زينب في منزل أبيه» وقد طلّق عامر بك زوجته أم أمين» وتزوج نفيسة التي تنشأ بينها وبين الطبيب الذي يتردد على البيت لعلاج زوجها عامر بك١»‏ علاقة آثمة» ويحاول الطبيب الاعتداء على عفاف زيئب فيتشاجر معه أمين» وكان ماهر زميلاً لأمين في الحقوق وهو فاشل بسبب الخمر والنساء والكوكاكيين» فيحرضه الطبيب على دفع أمين إلى بؤر الفساد ويقوم ماهر بتعريفه «بأولجا؛ الساقطة» ويقدم له الكوكايين» ولكن أمين سرعان ما يتخلص من الجو الفاسد» ويحاول الطبيب مرة أخرى مع زينب فتصدّهء ثم إن أمين يعود إلى منزله» ويأتي الطبيب مرة ثالثة إلى زينب فيمسك أمين بخناق الطبيب ولا يتركه إلا ميتاً ويسدل الستار. و«الوحوش؟ كما يفهم من السياق هم: الطبيب الذي يوقع نفيسة في الخطيئة؛ ويحاول مع زينب» ونفيسة الخائنة» و«أولجا» الساقطة التي تسلب المال مقابل الزناء وماهر رفيق السوءء هذا إلى جانب التحريض على تعاطي الكوكاكيين. وقد أخذ ناقد «المقطم» الفني عدة مآخذ على المسرحية منها المبالغة في تصوير المواقف والشخصيات؛ ورأى أن قيمة المسرحية 2/4٠‏ ولو خلت من المبالغة فإن قيمتها تصل إلى :/17١‏ ولو سلسل أفكاره» وجعل مواقف إنزال الستار قوية في غير مبالغة لوصلت قيمتها إلى .""”/٠٠١‏ وهي نقاط ضعف ولكن يمكن تداركها فيما بعد. أما ناقد ١كوكب‏ )١(‏ المقطم الاء و1575/5/5#4. 14" الشرق» فقد رأى أن تأثيرها على النظارة غير عميق». وأن المؤلف عمد إلى حشو المسرحية بالجمل المؤثرة» «وهذه الطريقة وإن كان لها بعض التأثير في النفوس» إلا أن التصوير الكلامي لا يكون قوياً إلا إذا كانت الصور الأصلية مطبوعة في ذهن القارى”''2. وقد التمس ناقدا الجريدتين العذر للمؤلف لأنها المسرحية الأولى من تأليفه. أما القشاشي صاحب «الصباح» الذي كان ينشر مقالات محمود كامل الطالب الثانوي؛ فقد استهجن المسرحية وقال: «الفكرة الوحيدة التي خامرت المؤلف هي أن يكون (مؤلف وبس)”"'. ولكن صاحب الصباح عاد ونشر مقالة لحسن الأسيوطي المحامي قال: إن المؤلف «ألمَ بأكثر عيوبناء وساقها في قالب من النقد الشديدة واتهم نقاد المسرح بالحسد"". وتضاربت الأقوال. وأرى أن هذه المسرحية بتمثيلها وما كتب في مختلف الصحف عنهاء والإعلانات التي ألصقت في الشوارع والميادين» والإعلانات التي ظهرت في صحف عديدة. كل هذا في صالح محمود كامل إذ بات مشهوراً وهو في سنّ العشرين. 8 فاطمة ومن مسرحياته «فاطمة» دراما في أربعة فصولء وقد مثلتها فرقة فاطمة رشدي ليلة 1471/١١/78‏ على مسرح «الأزبكية» وطبعتها جريدة #الصباح» كملحق لهاء وأعاد محمود كامل نشرها بمجلة «الجامعة» ابتداءً من .١918"97//8/75‏ .1975/17/77 كوكب الشرق»؛‎ )١( ,19475/17/17 الصباح‎ )1( .1977/17/7١ الصباح‎ )5( 514 المسرحية تتكون من أحداث اختارها المؤلف بعناية لتناسب زمن العرضء وموضوعها يتناول أسرة باشا له بنتان فاطمة وإجلال ويعيش معهم فؤاد ابن أخي الباشاء وفؤاد هذا مات أبوه وكفله عمه وظل يرعاه إلى أن توظف. وقد تبادل الحب فؤاد وفاطمة» والمأمول أن يتزوجاء ولكن «إجلال» على وشك العنوسة» وإنقاذاً لها زوجها الباشا من فؤاد الذي قبل وفاءًٌ لما عليه من دين لعمهء وهذا هو الحدث الرئيسي» وبداية مأساة فاطمةء. فقد أدى هذا الزواج إلى صراع حاد بين الأختين» وتصاب فاطمة بمرض نفسي عصبي » وإذا تحدث فؤاد إلى فاطمة اشتدت غيرة إجلال على زوجها. وأدى ذلك إلى شجارء وبعد تكرار المشاجرات» ترى فاطمة أنه لا خلاص من هذه المشكلة إلا فراق واحدة من الاثنتين» فتتناول السم وتنتتحر ثم يسدل الستارء وهكذا تنتهى المسرحية الفاجعة مثل «الوحوش؟. قد يكون الموضوع عادياًء فقد نقرأ قصة أو نشهد في أرض الواقع شابين يصارع أحدهما الآخر على أنثى» ولكن الحوار الحي والحبك». والأقوال المتمايزة» وتصوير الحالات النفسية وبيخاصة الغيرة وشجن النفس لانقطاع الأمل في التواصل مع الحبيب». كل هذا يجعل للعمل الفني مذاقاًء وقد أجاد المترجم في تصوير الصراع بين الأختين والصراع النفسي الداخلي لفاطمة. وشخوص المسرحية واقعيون» فخديجة عمة البئتين مرة مع فاطمة وأخرى مع إجلال حسب حاجتهاء. والباشا أنفق على فؤاد وادخره لوقت الحاجةء وإجلال عندما أشرفت على العنوسة قبلت الزواج من فؤاد بالرغم من علمها أنه يحب فاطمة» وفاطمة حزينة لأنها خاسرة. فهي شخوص تتعامل مع الواقع حسب المصلحة والمنفعة» والمسرحية تراجيدية خالية من الفكاهة» وقد يكون انتحار فاطمة تعبيراً عن احتجاج المؤلف على زواج المصالح والمنافع . غضن لمحمود كامل مسرحيات أخرى مترجمة ومؤلفة ومقتبسة». ومن هذا مسرحية «حسن» التي ترجمها عن «جيمس فليشر» ومثلتها فرقة «التمثيل العربي". و«سافو؟» المترجمة عن «ألفونس دوديه». ومُثْلت على مسرح الأوبرا الملكية عام :)١970(‏ و«المنتقم» التى مثْلت على مسرح «برنتانيا» عام )١975(‏ وهي مقتبسة عن المؤلف الفرنسي «أميل فابر» ومسرحية :من الضباب» وقد نشرها في (الجامعة» عام .)١974(‏ وله مسرحيات من فصل واحد مثل «الأرض» و«جيجي» ونشرهما في العام نقصسسة . والاقتباس عند محمود كامل ليس نقلا أو ترجمة حرفيةء وإنما هو مسرح مصري مطعّم بأفكار أجنبية مثل مسرحية «الأفاعي» التي أعدتها للتمثيل «الفرقة القومية» عام »)١978(‏ وبهذه المناسبة أجرت جريدة «البلاغ» (1977//8/11) حديثاً صحفياً مع محمود كامل ذهب فيه إلى أن مشكلة الطلاق كانت محدودة في الطبقة العالية الثرية» ثم كثرت في الأعوام الأخيرة وشغلت بال المشرّع المصري» ومسرحية «البيت المتداعي» لأميل فابر تعالج نفس الموضوع ومن وجهة النظر الفرنسية» فراقني أن أعالج نفس الموضوع من وجهة النظر المصرية في مسرحية «الأفاعي»؛ وهذا يبين أن محمود كامل كان مستوعباً لمشكلات المجتمع المصري ومساهماً في علاجها بالفن. وجهود كامل المحاملي في المجال المسرحي متنوعةء وله كتابان هما «صيحات جديدة في النقد والفن والأدب» )١19٠(‏ و«المسرح الجديد» (19177)) ويضمان مسرحيات أوروبية ملخصة يقدم كل منها بمقدمة. يذلكر فيها المؤلف واتجاهه المسرحي وملابسات عرض مسرحيته في أوروبا وما قاله النقاد والصحف عنهاء والجديد الذي يعنيه في كتابه #المسرح الجديداء أن كتّاب المسرح بعد الحرب ام العالمية الأولى منهم من يعتمد تحليل أبطاله في ضوء علم النفس». ومنهم من يحلل فكرة فلسفية في إطار الفلسفة الحديثة؛ وقد نشر معظم هذه الملخصات في مجلة كل شيء؟ كما ذكرناء ثم جمعها في كتابيه»ء وتلخيص القصص والمسرحيات فكرة كانت معروفة منذ أواخر القرن التاسع عشرهء وإذا كان طه حسين في كتابيه «لحظات» و«قصص تمثيلية؛ اقتصر على تلخيص المسرحيات الفرنسية» فإن محمود كامل لخص مسرحيات فرنسية ونرويجية وألمانيا وإيطالية ومجرية وإنكليزية؛ وريما كان يبغي من وراء ذلك لفت أنظار . المترجمين وأصحاب الفرق المسرحية إلى هذه الألوان الجديدة دون التوقف عند المسرح الأوروبي القديم» إلى جانب تعويد الناس على مشاهدة مسرح هادىء يحلل النفوس ويفلسف المواقف بدلاً من المسرح الذي يعتمد على الصخب والشغبء. فهذه الملخصات القصن منها تجديد المسرح المصري وتطعيمه بالمسرح الجديد. وعلى هذا الطريق الداعي للتجديد ألقى محاضرة بجمعية «الشبان المسيحية» عن «هنريك إبسن؛ لأن الفرق المصرية لم تقدم له عملاً واحداً» وكان يرى أنه أحق من غيره في عرض مسرحياته» وأخذ يبين مكانة «إبسن» ومدى اهتمام الدول به وأثر مسرحه في النفوس”''. وكان كامل المحامي من المهتمين ب#إبسن» قبل غيرهء بل إنه لفت الأنظار إليه وكتب عنه وعن أهميته في كتابيه «صيحات جديدة» و«المسرح الجديد» وقال في الكتاب الأخير عن شخصيات (إبسن» أنهم «(أكثر حيوية من الأحياء أنفسهم». .)1970/٠١ (م. مصر الحديثة المصورة 9؟/‎ )١( فض‎ »)0 مجموعات قصصية قصص محمود كامل تصور العادات الحديثة؛. وأساليب التعامل العملي في مكان متحضرهء وزمن ظهر فيه التقدم» وتفسّر غموض الأفعال» والنزوات المنطلقة والمنغلقة» وتوضح طرق الناس في التفكيرء وتبين ما طرأ على المجتمع من تغيير في الشكل والمرضوع» وهو في كثير من قصصه يتناول السلوك الأدبي من ملايئة ومجاملة» وبعد أن ينبهر القارىء؛ يكشف له الطباع الحقيقية» ليستخلص أن الآداب البادية لا أساس لها في السجيّة الباطنة» إنه من هواة السير فى مجاهل القلب. كان محمود كامل في الثلاثينات والأربعينات من القرن العشرين من أشهر القصاص» وأغزرهم مادة» وقد أطلقت عليه صحيفة «الجهاد» لقب «أمير القصة المصرية» وقالت: إن له أريعماثة قصة (الجهاد ؟7١/48/‏ /87). ومع أن هذا الرقم مبالغ فيه حتى هذا التاريخ» فإن له مئات القصص على مدار العمرء وقد جمع منها أكثر من عشرين مجموعة قصصيةء تتضمن كل مجموعة عدداً من طوال وقصار القصصء غير ما تركه في الدوريات التي كان يحررها إلى جانب جريدة المصري وغيرها. وقصصه القصار طوال نسبياًء ومن هذه المجموعات: «المتمردون» .)1١975(‏ «في البيت والشارع؛ ,.)١97(‏ «بائع الأحلام» ,)١916(‏ «أول يناير» (8 يوليو/ اب 5 »؛» «الربيع الآئم؛ (2)1914 «زوبعة تحت الجمجمة» (١941١)؛‏ «أبار في الصحراء؛ ))١948(‏ «لوحات وظلال» ,.)١950(‏ و«اللهب المدفون» نحو عام )١9175(‏ وغيرها.. وغيرها. . وله بالإنجليزية (1285/اا عن )81‏ «الأجنحة الزرقاء» ‏ مجموعة قصص ترجمها إلى الإنجليزية «جيرالدين أكنبري»» وبالفرنسية (8نطه2) فففر (زهيرة» - مجموعة قصص مصرية نشرتها مجلة (56,131286 1.3 ملع 1) - «الأسبوع المصري» -. و«زهيرة» هذه بطلة قصة «حياة الظلام» ولعل هذه المجموعة القصصية هى مجموعة «8 يوليوا التي نشرت فيها «حياة الظلامة. ولمحمود كامل مترجمات قصصية منها «جريمة حب» لمؤلفها «فردريك دي ستراز؛ صدرت عام .)١197521(‏ ومما ساعد كامل المحامي على كتابة القصة» تطور المجتمع المصرى بعد ثورة النساء. وانتشار كثيرات منهن سافرات في الشارع. مما أدّى إلى نشوء علاقات ودية مع الرجال» وقد وسعت هذه العلاقة بين الجنسين من حدود موضوعات محمود كامل وغيره» ومن ناحية أخرى اتسعت دائرة طبقة في المجتمع نتيجة التعليم الجامعي في مصر وأوروبا؛ الأمر الذي كان السبب في ظهور أعداد كبيرة من الأطباء والمهندسين والمحامين وما شابه» وأدّى ذلك إلى لفت أنظار الأنثى إلى هذه الفئة» وكان ما كان بينهم مما هو معروف. وقد تناول المحامي هذه الطائفة في كثير من قصصه.؛ مما جعل د. سيد حامد النساج أن يقول عنه: (إنه كاتب الطيقة البورجوازية» وهؤلاء المتعلمون ليسوا برجوازيين وإنما هم أعلى الطبقة الوسطى؛ وفي حدود قراءاتي لمحمود كامل» فإنني أعرف جيداً أن في نفسه شيئاً من الطبقة السرية الثرية في المجتمع؛ وبالرغم من أنه صار من سراة الناس» فإنه لم يكن منهم بحسه وفكره». وقد تحدث عن شخوصه في مقدمة «حياة الظلام» قائلاً: «كل الجهود التي بذلت حتى اليوم في كتابة القصة انصرف معظمها إما إلى تصوير شخصيات ريفية بحتة» أو شخصيات أبئاء البلد» ونساء الحواري والأزقة» وهله الجهود لها فدرها الأدبي... ولكنني أردت بكتابة حياة الظلام أن أعطي صورة صادقة عن طبقة أخرى لا هي بالغنية ولا ف الفقيرة» وقد تكون أدنى إلى الفقر منها إلى الغنى»» وحتى إذا وجدنا بعض الشخصيات الثرية فى قصصء فإن هذا كان اختياراً وليس انتماء ولو افترضنا جدلاً أنه كان يعبر عن الطبقة البرجوازية» أليس من الواجب أن تمثل القصة المصرية جميع الطبقات؟! العقدة وقصته تبدأ من الجملة الأولى» ليشغل ذهن القارىء وتتسلل الأحداث في شيء من الهدوءء ثم يعقّدها أو يدخل عليها عقدة. ويجعلها تتأزم بمشكلة مفاجئة» وحينئدٍ يهلع القارىء وتشب مشاعره: ويمضي مسرعاً في القراءة ليتبين كيف تحل المشكلة؛ وبعض قصصه بهذا الشكلء وإذا كان الشخوص عاديين في أول القصة., وتبدو لنا أوصافهم الخارجية؛ فإنه منذ دخولهم في الأزمة» تظهر لنا أوصافهم الداخلية» والنفوس لا يظهر ما في أعماقها غالباً إلا عند «ورطة»» ومن ذلك أن سهير في قصة «رصاصة في غيط الذرة» ‏ مجموعة بائع الأحلام -» كانت تعيش مع زوجها في (منفلوط» سعيدة الحال» وتخفي عنه ماضيهاء وبغتة تفاجأ بحبيبها وخطيبها الأول» الذي كانت تتبادل معه القبللات في القاهرة» يدخل بيتها في «منفلوط؛ موّداً من والد زوجها الثري في مهمةه. ولك أن تتخيل ما ولده هذا الموقف المفاجىء من فزع واضطرابء. لا تستطيع معه ضبط مشاعرهاء فأحاديث هذا الضيف ونظراته تشكل خطراً عليهاء ويزداد الجو توتراً عندما يترك الزوج زوجه مع ضيفه؛ وحين يجدد الخطيب الحبيب الأول ذكرى الماضي» ويطالبها بالطلاق لتتزوجه. وبعد حكي مناسب يقتل الحبيب على يد مزارع. وهذه العقدة تعمل على تماسك القصة. وتذكر القارىء بما طالع. وتجعله يربط بين ما قرأه وما سيقرؤه؛ العقدة حيلة فئية تشاغل ذهن فش المتلقي؛ وتحمله على أن يتكهن بما سيحدث» ثم إن هذه العقدة تهز شحو ص القصة وتنميهاء أي لها أثرها النفسي والفني»ء والمؤ”لئف في هله الأول؛ استرجعت كل ما كان بينهماء حتى ولو لم يقل القاص ذلك. المفارقة: كذلك تظهر قصصه المفارقات في الحياة» ومن هذا قصة 2حياة الظلام» وبطلها اين علوي المحامي الشاعر الذي ظل يستلهم شعره من (زهيرة». وتساعده صديقته البغي «سوري6 الفرنسية على نشر شعره في مجلة فرنسية رائجة» وتترجم الصحف الأوروبية ثم المصرية هذا الشعر حتى حاز شهرة مدوية. ولأنه كان يحب زهيرة ويقيم معها في شقتها. فإنه أدرك في يوم من الأيام أنها عرفت غيره فهجرهاء وبينما كان المسرح المصري يعرض مسرحية «زهيرة؛ سبب شهرته» والنظارة يهللون وإفلاس لأنه سدد ديوت زهيرة بكل ما كان يملكه. وفي الوقت نفسه رأى «زهيرة» تلوذ بعشيقها القديم» والمفارقة هنا أنه أصيب بالخبل بسبب زهيرة. أما هيء فقد صارت لغيره. والمفارقة الثانية هي أنه ظل يجاهد ليكون شاعراً كبيراً يموع وعندما بلغ قمة المجد والشهرة أصيب بالخبل . ونتكرر هله المفارقات في أدبه القتصصي . وعلى ذكر القصة الطويلة «حياة الظلام؛» نبين أن أحمد بدرخان أخرجها سيئنمائياً عام :.)١40(‏ وقام بالأدوار محسن سرحان وميمي شكيب وأنور وجدي وغيرهم. وطبعت القصة عدة مراث. وتمثل نضجاً فنياً وهيى خطوة على درجة من الأهمية في تصوير مجتمع الطبقة المتوسطة المثقفة»: وما غحض يتعرض شبابها من اهتزازء» وبطل القصة أحمد علوي المحامى» فيه ملامح من حياة محمود كامل المحامي. فالأول لا يعير المحاماة اهتماماً كبيراً ويحقق مجداً أدبياً وكذلك الثاني» وقد أثنى على «حياة الظلام؛ بعض النقاد والفنانين. قال يوسف وهبي: «أو تعرف كيف أشبه حياة الظلام» إنها كقبلة طويلة تطبعها «جريتا جاربو؛ على فم #جيلبرت»: فتزمجر لها الصالة عن إعجاب وتمن» إذن دعني أنحني أمام خيالك». وحماة الظلام هي حياة عاهرة . َك الواقع والتصور: وهو يتلاعب بخيال القارىء» ويجعله يتصور شيئاً» ثم يفاجئه بما جرى في الواقع ليقضي على تصوره. ففي قصة «الرجال طوابع بريد نرق فتاة ١احكمت»‏ لا ترغب في الزواج برجل قادته إحدى قريباته إلى فتيات قبلهاء وإنما تريد فتى لم يتقدم إلى واحدة من قبل٠‏ وتحسب أن كل رجل هو بمنزلة طابع بريدء وكل فتاة ذهب إليها لخطبتها. ثم انصرف عنهاء تكون قد ختمته بخاتمها؛ أي تركت فيه أثراًء فإذا تقدم الفتى إلى فتاة أو أكثر. يكون تم مرة أو مرات. ولأن كل الرجال كذلك فإنهم طوابع بريد»» ودون إطالة فإن «حكمت» تزوجت بحمدي لاعتقادها أنه لم يتعرض لخاتم فتاة واحدة» وتمضي الحياة بينهما جميلة؛ ثم تفاجأ هذه الزوجة الممخدوعة». بأن زوجها حمدي كان متزوجا قبلها من راقصة زواجاً عرفياً وأنجب منها ولداً. وهذا هو الواقع الذي قضى على التصور مما أثار الدهشة والغرابة. وكثير مناء رجل أو امرأة؛ يخيل إليه أن الآخر كطيف الخيال لم يزر أحداً سواه ثم تتكشّف الحقائق المخيبة للاحلام» والتكنيك الفني في هذه القصة وأمثالها يتجلى في إطالة الأحداث والمواقف التي تجعل يفض المرأة سعيذة بيزوجهاء كما أن الزوج يضحّي كثيراً من أجل م حتى نتصور نحن - كقراء ‏ أنهما سعداءء قام كل واحد منهما بح بختم طابع الآخر دون غيرهء فإطالة الحكي في هذا الاتجاه هو الذي يعطي للقصة مذاقاء ويجعل الواقع يقضي على التصوّرء ثم إن القاص لا يجعل الزوج تقدم لخطبة فتاة قبل «حكمت»» وإنما يرمي به في أحضان زوجة ويتجب منها ولداً ليقوى التأئر في المتلقي . يي القصة الحوارية: والقصة عند محمود كامل ليست سردية على الطريقة المألوفة» المكونة من سرد كثير وحوار قليل على طول المدىء وإنما منها قصص حوارية خالصة لا سرد فيهاء أو أن سردها هو الحوار فحسب. مثل قصة «العالم في غرفة» (الجامعة .)19379//4/١‏ «قصة حب منطقي» (الجامعة 4 2؛»؛ وهي عبارة عن «هو وهي» رعدة الذكرى #مجموعة أرواح بين السحب؟ وغيرها كثير» وقد يكون الحوار عبر الهاتف ووجهاً لوجه مثل القصة الأخيرة هناء وفيها يلتقي شاب «بسيدي بشر» بامرأة كانا منذ سئوات متحابين» وبينهما ما بين الأحباب من أحاديث الهوى والعناق والرسائل» فلما التقيا تذكرا ما جرى» وحاول أن يحظى منها بقبلة» فرفضت لأنها كانت قد تزوجتء وتناولا ذكريات حسّاسة» وافترقا على ودادء ودون وعد بلقاء. وهذه القصةء وهناك أمثالهاء تنطبق عليها ضوابط القصة القصيرة. فأحداثها لم تتجاوز تذكر الماضيء وزمنها هو زمن اللقاء؛ والشخوص هو وهي. ولكن هناك من قصصه ما تكثر فيها الأحداثء ويتنوع فيها الشخوصء وتتعدد فيها الأماكن» ويطول فيها الزمن» وتتناول موضوعاً واسعاً. مما لا تنطبق عليه شرائط القصة القصيرةء وأظن هناك غيره يفعل للف نفس الشيء ويطلق على ما كتبه قصة قصيرة وهي طويلة» أو طويلة نا :وأعداتيا معفوطة: وهذا اللون من القصص الحوارية كثير عند محمود كامل» ويشكل ظاهرة» والقصة الحوارية يسرد فيها المتحاوران القصة بضمير المتكلم. وكلما كان القول الواحد قصيراً تتابعت الحركة مع السرعةء وهذا من مزاياهاء هي ليست كالقصص السردية التي تتنقل فيها الحركة بطيئة نسبياًء ويبدو أن المحامي مَسْرّحَ القصة بالحوار على سبيل التنويع. والراجح أن هذا جاءه من تعؤّده على كتابة المسرحيات التي تنهض على الحوار وحدهء وفي عديد من المسرحيات تكون هناك فصول أو مشاهد لا يتحاور فيها إلا شخصان. وقد نقل هذا إلى القصة. ونقل أيضاً الإرشادات المسرحية» ففي حديث أحد المتحاورين في القصة السابقة يفتح قوسين ويكتب «تهز رأسها في بطء؛ أو «مطرقة إلى الأرض». ويتواصل الكلامء وأن ما بين الأقواس هو تصوير حالة». وهذه الإرشادات من صميم المسرح. إن القصة الحوارية عند محمود كامل بمنزلة مسرحية من فصل واحد. 52 الرسائل: وهذا اللون من القصص القصير قد يأتي في رسالة واحدةء مثل «أنقاض امرأة». «امجموعة فتيات منسيات»)»2 وهي رسالة من امرأة مجهولة؛: بطلها حامد وناهدء ويصور فيها غيرة المرأة على الرجل؛ بالرغم من أنها لم تتزوجهء وتذكره دائماً وهي محطمةء وقصة «عندما اتفقنا أن نفترق» (الجامعة 2)١97//١١/78‏ و«الملعونة» (الجامعة 4/ 25) وغيرهاء وهذه الرسالة الواحدة هي قصة سردية عاديةء» وقد خف تأتيى القصة في رسائل متبادلة بين اثنين مثل قصة «عطر قديم»» امجموعة أرواح بين السحب»ء وهي قصة عاطفية نفسية» يتلون فيها الحب بلون وكلاهما يدقق النظر في كلام الآخرء ويدون ملاحظات ذكية كاشفة. وأهم ما في هذه الرسالة المتبادلة قوة التبليغ من طرف لآخر بالحالة التى هو عليهاء وكل رسالة تأتي بجديد في إطار تسلسل الأحداث والأفكار. ولا تخلو هذه الرسائل من التشويق. فإننا بعد أن نقف على مشكلة في رسالة نتابع ردود الطرف الآخر في الحل أو التصعيد. وكثيراً ما ترد الرسائل الأولى في هذه القصص غائمة للوثارة . أما الرسائل الأخيرة» فتسير بالقصة إلى غايتهاء وهذا الضرب من القصص يشبه إلى حد ما القصص الحوارية؛ فالرسائل المتادلة حوار بين انين . غير أنها أكثر اشنهانا وتفصيلا . وألين عبارة حتى لا تكون مقمرة جافة؛ لأن المجال فيها يحتمل التعبير والتفصيل. نظراً للفرصة المتاحة أمام المرسل» وهذا الشكل القصصي مطروق من قبل المحامي» ويعبر عن الطبقة المثقفة أو المتعلمة؛ لأن الأمّيين لا يكتبون رسائل . 5 اليوميات: ومن قصصه ما يأتي في شكل يوميات؛ أي تتكون القصة في فترة زهنية من خلال هله اليوميات» ويسجل في اليوم الواحد ما يمع فيه من أحداث» وهي حيلة فنية وليست حقيقية؛ لأن المرء الذي يدون يومياته يسجل في اليوم الواحد عدة أشياء أو أحداث ليس بينها رابط . أما اليوميات القصصية:ء فلا تُعئى إلا بالأحداث المتعلقة بالقصة» وتأتي منسقة. وحادثاتها متماسكة متسلسلة» وتواريخ يوميات قصص ١ فد‎ محمود كامل وغيره بمنزلة عناوين جانبية لمشاهد القصة أو فصولها. ولا نشعر بتنافر بينها أو تباعد. وعلى سبيل المثال. جاء في آخر يومية ١4(‏ يونيو/ حزيران) من (حيأة الظلام؛ قول راوي القصة بضمير المتكلم: (وتناولت مجموعة قصص مسرحية للمؤلف الفرنسي «رومان كولوس» ومن بينها قصة عنوانها «المعجزة في الحب:». . . وفي أول يومية (70 سبتمبر/ أيلول)» أي بعد إحد عشر يوماً من اليومية السابقة يقول: «إن رومان كولوس هذا كاتب مجنئون ولا شك...»؛ فهو يتحدث في يوميتين منفصلتين عن موضوع واحدء وكأن شاغلاً شغله في اليومية الأولى فعاد يكمله في يومية ثانية: وأدب اليوميات كثير في أدب كامل المحامي» مثل قصة «حنين)» (الهلال» ديسمير/ كانون الأول :»)١947٠‏ و«الجارة الراحلة» مجموعة «القافلة الضالة»»؛ و«نسيان» الجامعة ,)١8478/6/756(‏ كذلك فإن القصص السردية العادية المعقدة» والمتسلسلة بغير عقدة كثيرة. ف مضامين القصص : وتشتمل موضوعاته على قدر كبير من قصص الحب. وهذا اللون أكثر أنواع القصص رقة؛ وهو المناسب للعواصم والمدن الراقية» والحب ليس في حاجة إلى الفهم بقدر ما هو في حاجة إلى تحليل» وقد نهض محمود كامل بهذه المهمة؛ فتحدث عن الغيرة فى قصص كثيرة»: منها «أنقاض امرأة»» وعن الشك في قصة «الشك الهائل» (الهلال» يناير/ كانون الثاني »)١947١‏ وميّز بين من يحنو على امرأة» ومن يحبها. كما بِيّن أثر الحب في سقوط إنسان ودوره في ترقيته وصعودهء فأحمد علوي في حياة الظلام لكي يظفر بزهيرة بنت الباشاء ويجعلها تهفو إليه وتحبه؛ انتظر حتى يحصل على ليسانس الحقوقء ويدرج اسمه في جدول رين المحامين ليخاطبها باسم أحمد علوي المحامي» ثم ناضل وطاول ليكون شاعراً عالمياء وتحدث كامل المحامي عن العقد النفسية التي يسيبها الحب». وعن دور الحب في تنشيط ملكة التخيل»؛ وهكذا من يتتبع قصصه يقف على قدراته الذهنية في التحليل . وهو يسلط فكره على الطبقة المتوسطة؛. فإذا تناول الطبقة العالية أبرز معايبهاء ويقول د. سيد حامد النساج إنه كاتب الطبقة البرجوازية ويتساءل: «هل كشف عيوب هذه الطبقة وتناقضهاء ومساوئها وخطرها على المجتمع؟؛: ويجيب قائلاً: «ولا نحس في قراءتنا لقصصه القصيرة» أنه حاول نقد الأوضاع التي كانت عليها الطبقة البورجوازية”''. وستردٌ قصص محمود كامل عليهء ففى قصة «غرام ذات صيف؛ مجموعة «أرواح بين السحب»؛ يكذب المحامي صاحب العزبة النائية على محيوبته شمسء. فإذا سألته: أين كنت؟ قال لها: كنت أتناول الطعام في المطعمء بينما هو يحتسي الخمرء وينظر النساء حتى منتصف الليل» ونكتشف كذبه وخداعه؛ وفي قصة «خيبة دونجوان' يخدع شكري بسيوني» المعيد بكلية الهندسة امرأتينء ويظهر حبه لهماء وينتج عن ذلك تشاجرهماء والتفافف الناس حولهمان وينتقل المعيد إلى امرأة ثالثة» ورابعة... وصارت النسوة تعتركن من أجلهء ويطلقن الشائعات عليه؛ أما هو فقد فشل في إعداد البحث الذي كان مفروضاً أن يتقدم به لنيل الدرجة العلمية التي تؤهله للترقية؛ وعليّة في قصة (أرواح بين السحب» بنت مدير المديرية التي كانت إذا هبطت من عربة أبيها نزل الشاويش ليفتح لها باب العربة؛ تعشق شقيق صديقتهاء الذي يخرجها من عزلتها لتركب معه عربته ليختلي بها وراء )١(‏ د. سيد حامل النساج ‏ اتجاهات القصة المصرية القصيرة ‏ دار المعارف. 01 أكمة. هذا عدا الخيانات الزوجية» ومن هذه القصص كثير والتي تظهر فيها خيبة شبان هذه الطبقة». وخداعهمء ونفاقهمء» وسوء تربيتهم. أليس هذا من عيوب هذه الطبقة؟ وفي كثير من القصص يخضع أفراد من الطبقة العالية لأفراد من الطبقة الوسطىء أقرب إلى الفقرء ففي فصة «رصاصة في غيط الذرة» تتزوج سهير ابئة وكيل الجمعية الاستهلاكية براشد ابن الرجل الثري جدأء وتلهث فتاة ثريةء لها فيلا في الإسكندرية» وعائمة في الزمالك؛. وراء ابن رجل بسيط فقير ليتزوجهاء وذلك في قصة «الكلب يضحك أحياناً؛ (مجموعة بائع الأحلام)» بل تظهر زهيرة ابنة المرحوم إبراهيم باشا حلمي وكأنها بغي تتنقل من رجل إلى رجلء فأين تمجيد كامل المحامي للطبقة العالية أو البرجوازية؟ قلت وأكرر القول: إن محمود كامل فى نفسه أشياء من هذه الطبقة العالية الغنية. يقول د. سيد النساج: «الريف عنده هو فقط الطبيعة الجميلة. والهدوء والسكينة والوداعة»”''» وقصصه الريفية مليئة بالحركة والصخب» وتمثل أخلاق الفلاحين وتقاليدهم. ففي قصته «سوط الفضيحة» ‏ الجامعة 01 1988 تدور أحداثها في مدينة الزقازيق» وفيها فتاة اشريفة) تزور مع أمها صديقتها «روحية» التي تدعوها إلى نزهة في قارب في بحر امويس»». وعندما تذافع الماء ضد الزورق؛ وضعفت شريفة عن التجديف. نزل «عاصم» أخو «روحية» إلى الماء وركب القارب» وأنقذه من الهبوط في الماء؛ وعادوا إلى الشاطىء؛ ورأى بعض أهالي المديئة «عاصم» مع (شريفة ولاروحية» في الزورق. وأشاعوا الخبر في المديئة» وردّدوا القول إن «عاصم» كان مع شريفة في القارب, وهذه هي الفضيحة 6 المصدر السابق 1 فق الكخبرئ. التي أخذت تتحدث عنها المدينة» وبسبب هذا انتكست الأسرة وانقطعت زميلات شريفة عن زيارتها في دارهاء وتقول «شريفة»: إن الفضيحة كانت تعدو خلفي كسوط هائل مخيف,» تلهب ظهري ووجهي في قسوة أليمة» ولما جاء خالها من القاهرة» وعلم بالحكاية» أبدى استهانته بهذا الحادث» وعند عودته صحبته #شريفة»» لتبتعد عن جو الفضيحة؛ والتحقت بعمل ثم تزوجت. وبالرغم من مرور وقت طويل فقد ظلت الفضيحة تطاردهاء وقد تكون هذه الأحداث وقعت حقيقة فى «الزقازيق» زمن أن كان محمود كامل طالباً بهاء وفي قصة #صوت زينب؟ تقترف «زينب»؛ صاحبة الصوت «الجميل»» إثماً مع طالب الحقوق إبراهيم والأهالي يتصايحون: «يا زينب يا وش القملة. واش قالك تعملي دي العمله» وانحرفت واتهمت بضرب رجلء وقدّمت للمحاكمة» وكان «إبراهيم» مقترف الإثم معها في كرسي النيابة» وجرت الأحداث الأولى في القصة بقرية تابعة «لكفر الزيات»». فهل هاتان القصتان وغيرهما تمثلان الطبيعة الريفية الجميلة» والهدوء والسكينة؟ لقد عمل محمود كامل في الريف». ونشأ وهو صغير فيهء وانطبع في ذهنه وصوره بأغانيه ديا نخلتين في العلاليى ‏ قصة صوت زينب» وعاداته وأخلاق سكانهء وكل صورة لها طابعها المميز. ويميل محمود كامل المحامي إلى تناول الشخوص والحوادث تناولاً جدياًء والقدر الذي قرأته من قصصه يظهر عزوفه عن الفكاهة والمرح. وكانت قصصه في طورها الأول رومانتيكية/ واقعية؛ فصارت بعد ذلك وافعية/ رومانتيكية, إذ لا بد لموضوع الحب من جانب رومانتيكيء؛ ومع أن هذه القصص تمثل شباب مصر وأحوالها في ثلائينيات وأربعينيات القرن العشرين» فإنه من الصعب القول إنها عفت ودرست» وذهب أوانهاء فما زالت صالحة للقراءة والمناقشةء ويؤخذ اس عليه أن الكثير من قصصه يمكن اختصاره دون أن تهتزء كما أن الكثير من أبطاله ضعاف الإرادة» فإنهم بسبب الحب ينتحرون أو يصابون بالخبل» أو يفشلون» ويتحطمونء والمفروض أن الإنسان في هذه الحياة يغالب المحن؛ ويناهض صروف الزمن» ويصر على الفوز والنجاح. 0 مؤلفات أخرى وهو كاتب موسوعي. غزير الثقافة» متنوع العطاء. وعدا ما ذكرنا من كتب نضيف إليها كتابه (الدولة العربية الكبرى»». وهو كتاب عمدة في موضوعه» وقد استند فيه إلى مئات المراجع الفرنسية والإنجليزية والعربية» والأصل فيه دراسة كتبها عام ١456‏ عنوانها «مصر والأقطار العربية»؛ وضمنه كتابه العمل لمصر؛ء ثم استجدت أحداث» وتوسع فيه» ونشره عام ١4015‏ تحت عنوان «العرب تاريخهم بين الوحدة والفرقة»» ثم طرأت ظروف أخرى اتحدت فيها مصر وسورياء ونشأ اتحاد بين العراق والأردن» واستقلت بعض الدول العربية» فأضاف كل ما استجد مع التعمق في البحث؛ وطبعه في دار المعارف عام ١9468‏ تحت عنوان «الدولة العربية الكبرى» في أكثر من ستمائة وعشرين صفحة كبيرة. والكتاب تناول الفترات التي تحققت فيها الوحدة بين العرب منذ أقدم العصورء ويبحث في أسباب الفرقة والتفكك ويبين الصعاب التي تعوق الوحدة في الزمن الحاضرء والكتاب معطاء جزيل . ومن كتبه التاريخية "اليمن جنوبه وشماله»»؛ وقد تتبع فيه تاريخ اليمن وقبائله منل العصور الجاهلية الأولى إلى قيام جمهورية اليمن الشعبية؛ وسبب تأليفه لهذا الكتاب أن الأمم المتحدة أوفدته في مطلع عام 1455 إلى اليمن في مهمة.ء وانتهز المثقفون اليمنيون الفرصة.ء يران وطلبوا أن يواصل المستشرقون جهودهم لكشف الكتابات المنقوشة بخط المسند في الأماكن الأثريةء وقد أوصى بإنشاء أقسام في كليات الآداب اللغة العربية) وصدر هلا الكتاب في لبنان عام 4 1غ ويقع في ثلاثمائة صفحة كبيرة» وهذا الكتاب وسابقه يضعان محمود كامل كمؤرخ كبير بين كبار المؤرخين» والذي يجهل قصصه ومسرحه. ويطالع هذين الكتابين يعتقد أنه مؤرخ فحسب. وعندما كان يعمل في إدارة السياحة بوزارة المالية» ثم في الأمم المتحدة؛ وضع كتابين مهمين» أحدهما في السياحة الداخلية دعاه ادراسات سياحية» »)١9017(‏ وبين فيه الجهود التي بذلهاء والأفكار التي طرحها في هذا المجال» وتحدث عن أبي قير والإسكندرية والعلمين من منظور سياحي ١‏ وأوضح المراحل التي مر بهأ مشروع استغلال «حلوان» لأغراض الاستشفاءء والإفادة من مياهها الكبريتية». والكتاب الثاني في السياحة الدولية وعئوانه (السياحة الحديئة علماً وتطبيقاً» (ة/ا9١).‏ ويظهر في هذا الكتاب أن السياحة علم له قواعد. ويدرّس في المعاهد العلمية» وأيرز من بين أشياء أخرى كثيرة قيمة المناطق السياحية للانتفاع منها في تنمية اقتصاد الدول النامية» كما تناول تاريخ السياحة» وأنماطهاء وأشكالهاء والجغرافيا السياحية» والتكامل السياحي» وهو كتاب مهم في مجاله. ويقع في أكثر من ثلاثماثئة صفحة كبيرة. وتناول في كتابه «أشهر القضايا المصرية» )١91/4(‏ الثورة العرابية والرقيق الأسود ورواق الشام بالأزهرء وسرقة التلغرافات» وهي القضية التي سلم فيها #توفيق كيرلس» إلى علي يوسف التلغرافات المتعلقة بحملة (كتشنر» على السودان؛ وهي قضية مشهورةء كما تناول في كتابه هذا قضية ١دنشراي5.‏ وفصلاً عن الرقيق الأسودء وكان نخاسون قد جلبوا ماس عدة نساء أفريقيات وباعوهم إلى بعض الوجهاء سراًء ولما تكشف الأمر قدّموا للمحاكمةء نظراً لمنع التجارة في الرقيق. ولمحمود كامل ولع بالقانون؛ لأنه مجاله وتخصّصة: وقد وضع دراسات فيه؛ منها «السيادة المصرية وموقف مصر كعضو في أسرة الدول - بحث في معاهدة التحالف والصداقة بين مصر وإنجلترا»» كتبها على أثر توقيع معاهدة 21475 و«لائحة بيوت العاهرات والأوامر العسكرية المكملة لها بحث قانون مقارن في التشريعات الخاصة بالرقيق الأبيض»» وهالدين وأثره في تحديد اختصاص جهات الأحوال الشخصية في مصر ‏ بحث في القانون الدولي الخاص المصري». وأصدر من مجلة (الجامعة» (يونيه/ حزيران 7) علدا خاصاً هو كاتبه عن مجلس الأمن» وأصدر من الجامعة (نوفمبر/ تشرين الثاني 57) عدداً كاملاً عن «وحدة مصر والسودان في فقه القانون الدولي؟ كتبه هوء. وله أعمال أخرى لم تقع يدي عليهاء وهذه الكتابات المختلفة تحتاج إلى رجال متخصّصين» وهو على أي حال» من مفاخر مصر. ولا أدري كيف أمسكت الأقلام عن تناوله حتى في حدود المتاح . كه نُشرت في جريدة القاهرة, في فبراير/شباط ٠.٠١‏ مخض رز !لابن صورة غلاف ,الرييع الآثم,» لمحمود كامل ا ]لان )لان لمان الال انان !لان | أمان لبان لباك الماك الال الال 11ل الميان لمان حلمي مراد وكتابي 21 أي كلميال الماك الاك اناك لباك | أناك النانك الماك لناك الماك لساك 1 إنان] لمان الاك لبان 0) اقترن اسم حلمي مراد بهكتابي4» واقترن اكتابي» باسم حلمي مرادء فما أن يذكر أحدهما حتى يتبادر إلى الذهن اسم الآخرء وقد استطارت شهرتهما معاً واتسع تأثيرهماء وشمٌّ فكر حلمي مراد على القراء نحو عقدين من الزمن بعد منتصف القرن العشرين» وقد تبدت ثقافته في تشكيل مواد «كتابي» وجعله حافلاً بصنوف المعرفة الثرية المستمدة من الحياة والفلسفات والفنون» ومما زاد في قيمة موضوعاته أنه كان يعرضها في أمانة ونزاهة ليفهمها القارىء على وجهها الصحيح. ومن مألوف ذاكرتنا أن تنسىء ولكننا لم ننس «كتابي» وصاحبه؛ بالرغم من ندرة الكتابة عنهما. 53 نشأته: نبوغ مبكر: قد يكون من الغرائب أن بعض المصريين ذهبرا إلى الولايات المتحدة الأمريكية في مطالع القرن العشرين لتلقي العلم في جامعاتها. فقد كانت أوروبا على وجه العموم هي التي تستقبل البعثات التعليمية المصرية إليها منل عصر محمد علي . والحاصل أن أحد أبناء مديئة «قنا» بصعيد مصر ويدعى (ابتناغو؛ جندي سافر في أوائل القرن العشرين إلى ولاية «أوهايو؛ الأمريكية. ١ وحصل من «جامعة سنسناتي» على ليسانس القانون وعاد ليمارس القانون فى «قنا»ء وقد اقترن هذا المحامي بفتاة من مديئة الأقصر' عاصمة القراضين انوي بوسماوا معد إلى م وات نولي عام :161 رار ملئينة الإسكندرية ترافقه زوجهء وشاء الله أن تضع الزوجة مولوداً ولداً فرح به أبواه وأطلقا عليه اسم حلمي مراد ‏ اسم مركب -. وذلك في الثاني من أكتوبر/ تشرين الأول عام ١147ء‏ وبعد فترة الوضع والنفاس حملاه إلى دقنا»» ولكن الأب أدركته المنية عام 1977ء وابنه الوليد فى عامه الثانى . ولم يكن أمام الأم سوى أن تحمل طفلها وترحل إلى أهلها في الأقصر لتقيم مع أخويهاء وهما: الدكتور زكي ميخائيل بشارة عضو مجلس النواب ثم عضو مجلس الشيوخ» ونجيب ميخائيل بشارة عضو مجلس النواب». وفي فيلا «نفارتاري» تربى حلمي مراد بين أخواله وشهد في طفولته وصباه الباكر أقطاب الوفد مثل سعد زغلول ومصطفى النحاس ومكرم عبيد.. . وهم يتوافدون على فيلا انفرتاري» كلما زاروا صعيد مصر . وفي هذه الأجواء السياسية وما يدور فيها من مناقشات بدأ يتكون حلمي مرادء ومما ساعد في نضجه مشاهداته للآثار الفرعونية المثيرة للخيالء علاوة على تلقيه العلم في المدارس الابتدائية والثانوية. وفي عام 5 التحق بكلية الحقوق (جامعة فؤاد الأول القاهرة الآن) وتخرج فيها عام ١44٠‏ وهو في نحو العشرينء وأثناء دراسته القانونية أرسل مقالة إلى جريدة «الأهرام» فنشرتهاء وفي عام ١978‏ بعث بقصة للإذاعة المصرية فأذاعتهاء ولم يكن التحاقه بكلية الحقوق بناء على رغبتهء وإنما كان بناءًَ على رغبة العائلة لأنها الكلية التي يتخرج منها القدراء والوزراء والزعماءء أما هو فكانت ميوله أدبية. 846 وكانت قصة «الرد خالص» التي نشرتها مجلة «آخر ساعة» عدد )١1940/٠١/5- 3516(‏ هي أول قصة تنشر له واعتبرتها «آخر ساعة» قصة الأسبوع؛ إذ كانت تقدم في كل عدد قصة قصيرةء وقد وقعها باسم حلمي مراد المحامي. وفي القصة يلتقي فتى بفتاة في محطة كوبري الليمون.ء ويتحادثان ويتجاذيان ويركبان القطار ويزعم هو أنه مهندس في شركة بناء ويقطن في «المطرية»» وهي تزعم أنها من أسرة غنية وتسكن في فيلا #بعين شمس»». وينزل كل منهما في محطتهء وعندما عاد القطار كان هو فيه لينزل في الزيتون» وتنزل في كوبري القبة؛ ويتوارى كل منهما من الآخرء وفي أيام تالية يلتقي العاشقان في كازينو «المعادي» على شاطىء النيل»: وكأن القاص يريد أن يحقق ما كان عبد الوهاب يغنيه في ذلك الوقت (إمتى الزمان يسمح يا جميل» وأسهر معاك على شط النيل»؛ وتتكرر اللقاءات وتستكشف المعشوقة مصادفة أن عاشقها يعمل بمكتب استعلامات في شركة طيران وليس مهندساً» ويسكتشف العاشق مصادفة أن صاحبته تعمل في دكان روائح وليست من عائلة غنية؛ وبذلك يكون الرد خالصاًء ولكن هذا الكذب لم يؤثر في الحب ولم يحل دون إتمام الزواج . والأقصرصة تصور أكاذيب المحبين» ويمثل الرد الخالص مفاجأة في القصة وعنصراً بناءً فيهاء ويدرك القارىء أن الرد الخالص من تأليف القاص وإعداده. وليس قدراً ومصادفة» ولكن مهارة المؤلف تتجلى في تدبير المصادفة وكأنها طبيعية» وأسلوب القصة رائق ناعم بليغ» وعباراتها تعبر عن مواقفها من دون تطويل أو تقصيرء وكان حلمي مراد معتزاً بهذه الأقصوصة فلم يتركها في «آخر ساعة» لتذهب بها الأيام؛ وإنما جمعها مع غيرها في أول مجموعة قصصية تنشر له وهي «عندما تحب المرأة؛. كذلك أعاد نشرها في «كتابي» (عدد فبراير/ شباط .)١9814‏ م4١‎ كي في مكتب مكرم عبيد وصحيفته وفى عام )١1151(‏ قيّد اسمه في جدول المحامين» ولما كان مكرم عبيد باشا على صلة بخاليه السالف ذكرهماء فقد ألحقه بمكتب المحاماة الذي يخصه ليمضي سنتي التدريب» ثم تواصل عمل حلمي مراد بمكتب مكرم عبيدء ولكنه بعد ذلك انصرف إلى الصحافة والأدب» ولم يمارس المحاماة» ويصعب تصور حلمي مراد وهو يصدر مجلة دورية» وفي نمس الوقت يعمل بالمحاماة. وكان مكرم عبيد باشا من أقطاب الوفد وسكرتيره أو أمينه العام وكان يطلق عليه المجاهد الكبير وابن سعد زغلول البكرء وصديق النحاس باشا إلى آخرهء ولأسباب كثيرة لا تعنينا هنا انشق عن الحزب. خصوصاً بعد صدور «الكتاب الأسودا؛ وكوّن مع آخرين قلائل «حزب الكتلة»» أنشأ جريدة «الكتلة» لتكون لسان الحزبء ولما كان حلمي مراد قريباً من زعيم الحزب مكرم باشا وموضع ثقته. فقد علا نجمه. وصار محرراً سياسياً وأدبياً في صحيفة «الكتلة» منذ إنشائها عام 4 ؛ وكان أحمد قاسم جودة رئيساً لتحريرهاء وفي عام ١446‏ اختير حلمي مراد سكرتيراً للتحريرء وفي ١458/٠١/77‏ صار مديراً للتحرير والإدارة والمشرف على الصفحة الأدبية» وفي العاشر من نوفمبر/ تشرين ثاني 1954 رفع اسم أحمد قاسم جودة من صحيفة «الكتلة» ليحل محله الأديب والصحفي الكبير أحمد حافظ عوضء وظل حلمي مراد في وظيفته . ولكن حافظ عرض لم يبق طويلاًء فقد ترك الجريدة وظل مقعد رئيس التحرير شاغراً. وكان حلمي مراد يقوم بالعمل وإصدار الكتلة من دون أن يتولى الرياسة رسمياًء وظل الحال على ذلك إلى أن تولى عبد العزيز الشوربجي إدارة الكتلة. واعتباراً من ١948/١7/١1‏ رفع 1 ., 0” كانت «الكتلة» تمثل فترة زاهرة في حياته وساعدت على شهرته. ومن خلالها تعرف كثيرون على أدبه وفكرهء فقد تتابعت فيها كتاباته السياسية والأدبية» ومن مقالاته السياسية مقال «اختلافهم رحمة» (؟/ الذي هاجم فيه حزبي الوفد والأحرار الدستوريين» ويرى أن في اختلاف الحزبين انتصاراً للأمة؛ وفي تصادم مطامعهما رحمة. ومهما يكن رأيه. فإن هذا هو طابع الكتابات السياسية في ظل الأحزاب» فالكاتب يدافع ويهاجم من منطلق حزبي» ومن مقالاته السياسية الأخرى مقال «ألا ما هذا الركود؟» ‏ (78/ 4)١1958/٠١‏ ويتهم فيه الحكومة بالتقاعس والركود في مناهضة المحتلين ويطالب بجلائهم» وله مقالاات أخرى من هذه العينة. 5 كتابات أدبية: أما في مجال الأدبء فإن كتاباته في «الكتلة» حددت لنا ميادينه الأدبية» والطريقة التي سار عليها فيما بعدء وهي إبداع الأقاصيص وترجمة وتلخيص الكتبء ومنها الروايات والمسرحيات» ومن قصصه المبتدعة التي نشرها في الكتلة «صبيحة» و«إغفاءة ضمير» وةالشك». ومن القصص المترجمة والملخصة «الوطن أولاً» لسومرست مومء ويدور الصراع فيها بين عاطفتين نبيلتين هما الوطنية والأمومة» وقصة «تيودورا». وفيها تنتقل هله المرأة من راقصة إلى إمبراطورة» ومن التعاسة إلى السعادة.» وقصة «الجثة الشقراء» وهي بوليسية الطابع» وقصة «قلب الراعي؟ الملخصة عن ألفونس دوديهء وهو في هذه القصص المخترعة والمترجمة والملخصة يقدم ألواناً من القصص العاطفية والنفسية تكن والتاريخية والبوليسية إرضاءً لرغبات القراءء فضلاً عن أنها تحكي عن شخوص مختلفين في منازعهم . ولم يقتصر دوره في «الكتلة» أثناء إدارته لها على ما نشره فيها من موضوعات سياسية وأدبية» وإنما استعان بكنَّاب آخرين جدّد بهم الصفحة الأدبية» مثل نظمي لوقاء وأنور لوقاء وصوفي عبد الله» وصلاح حافظ وغيرهم. يي في صحف دار الهلال : وكان حلمي مراد منذ مطلع أربعينات القرن الماض قد اتصل بأكثر من دورية وحرر فيهاء فكان إلى جانب كتاباته في (الكتلة» يكتب في جرائد ومجلات أخرىء؛ مثل صحف «دار الهلال» منذ عام 219547 وكانت أعماله في مجلة «الهلال؛ مشابهة لأعماله في «الكتلة؛ وغيرهاء وهي إبداع الأقاصيص وتلخيص الكتب والروايات» ومن هذه القصص الملخصة قصة «رسالة من امرأة مجهولة» لستيفان زفايح» وهي مأساة فتاة عشقت مؤلفاً مشهوراً وأمضت معه ثلاث ليال غرامية أعقبت طفلاً ذهب به الموتء. والمؤلف الكبير لا يذكر الفتاة ولا طفلهاء وبعد وفاة الطفل أرسلت إلى المؤلف رسالة طويلة تضمنت حكايتها معه ولم تمهرها باسمهاء لذلك فهي رسالة من امرأة مجهولةء وتعكس القصة مدى العبث بين مراهقة ومؤلف مسؤولء ولو كان الآثم شخصاً عادياً لوجّهنا اللوم أكثر للفتاة» ولكن لأن الآثم مؤلف كبيرء والمؤلفون من طبقة رجال الحكمة والإرشاد» فإنه لا يستحق إلا اللوم» وقد مثل هذه القصة فريد الأطرش مع لبنى عبد العزيز. وجعل المخرج المؤلف موسيقياًء وأجرى بعض التعديلات الأخرى. ومن هذه القصص قصة «جريمة حب» لسومرست موم» وتعبر عن ك1 غيرة الأم من زوجة ابنهاء و«الشرف العسكري» لديماس وغير ذلك». وكانت مجلة «الهلال» في أربعينات القرن الماضي تخصص باباً تُطلق عليه كناب الشهر» وتعرضن فيه كتاباً شهيراً وتلخضه في .مساحة واسعة: وقد شارك حلمي مراد في هذا الباب بعرض بعض الكتبء ومنها رواية «غدر امرأة» وتجري أحداثها بين لندن وسنغافورا والملايوء وبطلتها امرأة رزينة جافية غادرة تخدع رجلاً وفيأء ورواية «القديس الحائر» لستيفان زفايج» وتتناول قديساً يتأمل الكون ويمعن في التأمل حتى يشرد ذهنه وينسى نفسه . مسابقة القصة الناقصة : ومن قصص حلمي مراد المؤلفة قصتا «رجل له ماض» و«الابن الضائع»: والأخيرة نشرها في عدد فبراير/ شباط 1947 من «الهلال». وجاءت ناقصة بالاتفاق مع محرر «الهلال»؛ الذي جعل تكملتها موضوع مسايقة يتبارى فيه القراء» وتدور القصة حول رجل يدعى إبراهيم يغتاظ من أخيه شلبي لثرائه» وعندما مات الأخير وفي أحشاء زوجته جنين دفع إبراهيم بمولّدة شريرة لزوجة أخيهء وأوصاها باستبدال المولود لو جاء ذكراً بأنثى حديثة الولادة ليرث من ثروة أخيهء وفعلت المولدة ذلك نظير أن يتزوجهاء وبعد عشرين سنة تم الانفصال بين الآثمين» فأفضت المرأة الحاقدة بالسرء وإلى هنا يتوقف حلمي عن القصء ويترك للقراء إكمالهاء وقد تقدم ١‏ من قراء الهلال بردودهم . وفازت السيدة «أ. فهمي» بالجائزة الأولى»؛ وقدرها ثلاثون جنيهاً. وبالثانية #قارىء من القدس» وقدرها عشرون علتها ونشرت (الهلال» ختام الأقصوصة كما تخيلته السيدة الفائزة» ويكشف ما كتبته عن موهبتها في القصة. وجمال تعبيرها وحسن تتخيلها؛ إذ جعلت الأم الحقيقية للولد حتضن تتعاطف مع الأم الحقيقية للبنت» بل قامتا بتزويجهماء ولأن المرأتين تحبان الولد والبنتء» فقد كان زواجهما سعيداًافتقر إلى عذاوة الحماوات. وهكذا كانت قصة حلمي مراد موضوع مسابقة وشغلت عدداً كبيراً من القراءء ونشطت مجلة «الهلال» التي كان شعارها في ذلك الوقت «إلى الأمام»» فقد زادت هذه القصة من عدد القراءء ومن الذين شاركوا في هذه المسابقة ولم يفوزوا: مختار الوكيل وفؤاد القصاص. ومن أنشطة حلمي مراد في الهلال ترجمته رواية «حذار من الشفقة؛ لستيفان زفايج ‏ المنشورة عام .١40١‏ الجريدة المسائية : وظل حلمي مراد يتنقل بين الجرائد والمجلات» ومن بينها «الجريدة المسائية؛ لصاحب امتيازها أحمد حمزة» ورئيس تحريرها الشاعر كامل الشناوي» وهذه الجريدة اليومية التي صدرت في /١7‏ ؟/ 4 سرعان ما توقفت بعد صدور عدد 2.١854 /85 /"٠‏ ويقول الأستاذ أئيس منصور: إن هذه الجريدة «أغلقتها الحكومة السعدية»» ويقول أيضاً: «وأذكر في أول اجتماع لكامل الشناوي رئيس تحرير الجريدة المسائية عن اقتراحاتنا... وماذا نريد لجريدتنا الجديدة؟ قال حلمي مراد: أرى أن تكون عندنا صفحة نقدم فيها الكتب الجديدة في كل اللغات التي نعرفهاء وسوف أستهل هذه الصفحة بعدد من الكتب قد لخصتها أنا بالفعل في السياسة والأدب والتاريخ» ‏ (الأهرام /١1/١1‏ 2٠١‏ ). والكلام المنسوب إلى حلمي مراد يوافق الدور الذي نهض بهء وهو أهم أدواره في حياته الأدبية والثقافية من بداياته إلى أن توقف عن م الكتابة»؛ ولما غلب عليه هذا اللون فإنه كان يبرره بقوله فى الجريذنة الأسبوعية. بتاريخ (/1؟/ 4/ :)١4959‏ (إِن بي نقطة ضعف 5 لا أقرأ أدباً أجنبياً وأتذوقه وأستعذبه حتى أجدني مدفوعاً بقوة لا تقاوم إلى تقديمه لقرائي واشتراكهم معي في متعتهاء. ولم يكن ما قدمه حلمي مراد ممتعا فحسب» وإنما كان مقيدا وتنويريا. ولم يكن نتاج حلمي مراد في «الجريدة المسائية» وافراً بسبب احتجابها السريع»؛ ومن أهم أعماله فيها تلخيص أسطورة قديمة في عدة حلقات دعاها «حرب العمالقة»» وهي حروب تدور بين أبناء وآباء ينتزع فيها الأبناء من آبائهم الحكمء ففي هذه الأسطورة يستولي #كرمنس» من أبيه الملك قهراً ويأخذ ابن #كرمنس» العرش من أبيه بالقوة. وهكذا وبالرغم من أنها أسطورة قديمةء فإنها حقيقة تاريخيةء فكم من الأبناء سلبوا أباءهم الحكم بالقوة أو بالحيلة في العصور الخالية والعصر الحديث». وذلك راجع إلى أن العرش أكثر الأشياء فتنة. ومن أعماله الأخرى في "«الجريدة المسائية» مقالة «غرام الشاعر». ويعني به «جوته» الذي أحب فتاة صغيرة في شيخوختهء وكان من قبل يحب أمهاء ولما لم يتوفق في هذا الغرام» فإنه بت لواعج قلبه في قصيدة ما زالت محفوظة؛ كذلك عرض لمسرحية «هرناني» التي وضعها 3 أول كتاب وأول ابن : وفي عام ١444‏ تزوج حلمي مراد؛ وأنجب ولدأً سمّاه رؤوف»: وبنتاً هي هدى. وكان حلمي مراد عبر تسع سئوات؛ ابتداءً من عام ٠‏ ينشر أقاصيص صغيرة في الصحف. فجمع منها أربع عشرة أقصوصة ونشرها في سلسلة «كتب للجميع»؛ تحت عنوان «عندما تحب خض المرأة»: وقد أعيد طبعها في دار المعارف عام 21917 ثم في مطبوعات «كتابى» مما يظهر جودتها واستحسان الجمهور لها. ومن هذه القصص دضلال قلب»» «الأرملة المرحة؛؛ «لمعة السراب»» «رجل له ماض». وواضح أنه استلهم هذه القصص من نساء كان يعرفهن» فأقصوصة أهداها إلى «س».2 وأخرى إلى »45٠١5«‏ وثالئة إلى #د.س» وهكذاء وقد أهدى مجموعته القصصية بكاملها إلى «اللواتي ألهمنني أحلامي» وأذكين طموحي؟. 00 ١‏ »؛ ويبدو أن الملل أدركه من كثرة التنقل بين «آخر ساعة» و(الكتلة» و«#الجريدة المسائية» و(النداء» و«الهلال» وغيرهاً. وأراد أن يصدر عملا ثقافياً كبيراً يغنيه عن الصحفء. فكان له ما أرادء فأصدر في مطالع عام 7 مجلة دورية شهريةء أو كتاباً دورياً شهرياً أطلق عليه «كتابي». كتابي ومطبوعاته ومختاراته : ولما نجح ١كتابي»‏ وصار سفيراً ثقافيًء ولاقى إقبالاً من القراء؛ أصدر حلمي مراد «مطبوعات كتابي» ثم «مختارات كتابي»» وسيأتي الحديث عنهماء وكانت هذه الإصدارات من أهم الأعمال الثقافية في مصر والعالم العربي. وبالرغم من أن كتابي ورفيقيه كفيلة لشغل الوقت والفكرء فإن حلمي مراد استطاع أن يزور كثيراً من الدول الشرقية والأوروبية. مثل الصين وتركيا وفرنسا والدنمارك والمجر واليابان وهونج كونج» ويقول في كتاب «وماذا بعد حرب أكتوبر؟»: #زرت نحو 0” دولة» واختلطت 4 بشعوبيها وأفرادها». ويستطيع القارىء أن يقف على مشاهداته وانطباعاته عن كثير من هذه الدول في أعداد مختلفة من «كتابي4»» التي كان ينشرها تحت عنوان «مشاهدات وتعليقات للمحرر». وكان هذا الباب يحفل بصور عديدة للأماكن التي زارهاء واللافت للنظر فيما دوّنه غزارة محصوله التاريخي عن الدول والمواقع التي رآهاء سواء أكانت متاحف أم مساجد أم كنائس إلى آخرهء وهذه المادة وما تزخر به من شغارف ها من أدب الرحلاتء وما كتبه في هذا المجال هو مزيج من الأدب والتاريخ والجغرافيا. وفي عام )١4460(‏ كان من بين أعضاء وفد ثقافي مصري رسمي » ذهب إلى الشرق الأقصى برئاسة د. السعيد مصطفى السعيد» مدير جامعة الإسكندرية وقتئذٍِء وعضوية أحمد نجيب هاشم وزير التربية والتعليم فيما بعدء وهذه الرحلات من تكوينه الثقافي» فليس كل ما كتبه نتيجة فراءات. ف أعماله الأخيرة: وفي سبعينات القرن العشرين أسندت إليه إدارة النشر بدار المعارف: وظل يمارس عمله فيها إلى أن قدّم استقالته منها عام /ا/191: وأثناء هذه الفترة أعاد نشر مجموعته القصصية الأولى «عندما تحب المرأة»» ولخص وبسط رواية «توم سوبر؛ لمارك توين عام "ا/91١ء‏ وترجم عن أوجين جراندييه رواية «ابن البخيل»» التي نشرتها دار الشعب عام 191/5: كما ترجم عن أجاتا كريستي رواية «أخناتون»» التي طبعت في سلسلة روايات «الهلال؟. وفي أثناء عمله بدار المعارف وقعت حرب أكتوبر/ تشرين الأول 537 . وفي الاحتفالات بمرور عام عليها صدر كتاب عن دار المعارف كن عنوانه «وماذا بعد حرب أكتوبر؛ء شارك في إعداده مصطفى أمين. وصالح جودت؛ ومحمد زكي عبد القادرء ويوسف السباعي وغيرهم. إلى جانب حلمي مراد الذي تحدث فيه عن «الجدية... سبيلنا إلى مستقبل أفضل»» وقد حمل في هذا الفصل على التراخي والإهمال وتبادل التكات والفوضى في المصالح الحكومية» ويقول: «لكم يحرّ في نفسي كلما دخلت موقعاً من مواقع العمل... أن أجد العاملين فيه يجتمعون حلقات لا همّ لهم غير المزاح والتريقة والسخرية من كل الأشياء والأشخاص حتى أنفسهم؛. ودعا علماء الاجتماع إلى بحث هذه الظاهرة. وفي عام 04 أصدر عن دار «روز اليوسف» كتاب «من الادب المصري الحديث»» وهو عبارة عن قصص لأعلام القصة المصرية. وقد شارك حلمي مراد في الحياة العامة؛ فكان عضواً في نقابتي المحامين والصحافيين؛: وعضو اتحاد الكتاب. ولجنتي القصة والنشر بالمجلس الأعلى للفنون والآداب» ثم المجلس الأعلى للثقافة. وكان كما وصفه لي ابنه الأستاذ رؤوف - الذي قدّم لى بعض المعلومات المهمة عنه ‏ طويلاً نحيلاً» ونراه فى صورته التي حملت ملامحهء واسع العينين» أنيق الملبس»؛ ممتلىء الوجه؛ شعر رأسه خفيف من الأمام. وكان جاداً في حياته مع ميل إلى الفكاهة التي لا تصل إلى حد الهزل. وكان كثيراً ما يختلي بنفسه وكتبه وأوراقه. ولديه مكتبة عامرة بآلاف الكتب التي يغلب عليها الطابع الأجنبي» نظراً لإتقانه اللغتين الإنجليزية والفرنسية» ويضيف ابنه أن أصدقاءه قلائل» مثل كمال نجيب الصحفي ب«الأهرام»؛ والقاص يوسف جوهرهء فلم يكن ينتمي إلى شلة أو تنتمي إليه «شلة" . وكان نتيجة العمل الموصول المضني طيلة نصف قرن أن أصيب كن بإرهاق ذهني»: وفاجأته جلطة نالت من تفكيره واشتد عليه مرض تصلب الشرايين في العقد الأخير من القرن العشرين»ء فتوقف نشاطه الأدبي والثقافي؛ وفي التاسع من ديسمبر/ كانون الأول ١١٠٠م‏ رحل عن عالم الفناء إلى عالم البقاء» فليرحمه الله . وأثناء مرضه في تسعينات القرن الماضي أصدرت مكتبة «مصر» له نحو عشرين كتابأ جديداًء نذكر منها «رسالة الغفران»» «الأمير»» «العقد الاجتماعي»» «موزار وأعلام آخرون»»؛ «جيوكندا». اإسكندر ديماس وأعلام آخرون»»؛ :مروحة الليدي وندرمير»؛؛ #مدرسة الأرامل»؛ :سالومي». وهذه الكتب تضم قدراً من الفصول التي سبق نشرها في «كتابي) ونسق بينها ليضم كل كتاب مجموعة من الكتب الملخصة المتقاربة في الموضوع أو الاتجاهء فكتاب «جيوكندا» مثلاً يضم مجموعة من المسرحيات الملخصة. مثل مسرحية «هرناني» لفكتور هيجوء ومسرحية «الأم» لمكسيم جوركي. أما «جيوكندا»» فهي مسرحية للكاتب الإيطالي دانو نزيوء وبطلها موزع القلب بين زوجته ونموذج الفاتنة جيوكنداء وزوجة الفنان تغار على زوجها من تمثال جيوكنداء أما الفنان ققد غلب حبه للفن على كل شيء» والكاتب الإيطالي يعالج مشكلة اجتماعية كانت وما زالت قائمةء وهي غيرة المرأة على زوجها لانصرافه عنها إلى التأليف الموسيقي والأدبي والفني. وكتاب رسالة الغفران يضم فصولاً ملخصة عن الرحلات الخيالية للعالم الآخرء مثل «رسالة الغفران» للمعري» و«رحلات دانتي إلى الجحيم»» و«المطهر»» و«الفردوس»؛ وكلها من نسق واحدء وإذا كان حلمي مراد قد لخص الكوميديا الإلهية «لدانتي»: فإنه استعان بينت الشاطىء لتلخص «رسالة الغفران» للمعري. وعلى هذا اللنسق تمضي هذه الكتب الممتعة والمفيدة. انان ولم تكن هذه الكتب التي لخصها حلمي مراد وغيره؛ وضمتها هذه الكتب ونشرها «كتابي» جديدة تثماما على القارىء العربي» وإنما بعضها كان مترجماً أو كُتبت عنه مقالات» ونذكر كتاباً أو كتابين على سبيل المثال لإيضاح ما نقول. فما قاله حلمي مراد وهو يقدم تلخيصه لكتاب «الأمير» لميكافللي: إنه يقدم «تلخيصاً أميناً وافياً للمرة الأولى في اللغة العربية فيما نعلم». وكتاب «الأمير» هذا ترجمه «رافائيل زحور» لمحمد علي باشا الكبير ليطلع على محتواهء وكانت ترجمة ضعيفة ركيكة ثم ترجمه محمد لطفي جمعة التي طيعتها دار المعارف عام (؟417١).‏ ونضرب مثلاً ثانيا بكتاب «جمهورية أفلاطون» ضمن كتاب حلمي مراد «رسالة الغفران»» وهو كتاب في السياسة». وقد ترجمه حنا خباز عام (0 »© وكانت توزعه مجلة «المقتطف» مجانا على المشتركين فيها. ويطبيعة الحال يكون النص المترجم خيراً من النص الملخخصء ولكن نقول إلى جانب ذلك أن حلمى مراد عندما لخص هذين الكتابين كانت الترجمتان العرييتان قد نفدتا من أسواق الكتبء لذلك كان تلخيصه مفيداً زمن نشره. المجحموعة القصصية الثانية : وطبعت له مكتبة مصر في التسعينات مجموعته القصصية الثانية «عندما تخون المرأة»» وهي شقيقة مجموعته القصصية الأولى «عندما تحب المرأة»؛ وفي المجموعتين يتعمق الأفئدة ويحلل الأحاسيس ويجعل تصرفات المرء تفصح عن عالمه الباطني» فالأفعال والأقوال في الأقاصيص تجعل القارىء لا يحتاج إلى إيضاحات. وموضوعات المجموعتين تدور حول العشق». ولكن شخوصها يختلف كل منهما عن الآخرء وهذا ما يجعل كل أقصوصة مختلفة عن كن سابقتهاء والقاص في هذا يبدو فاهماً للدقائق والفوارق بين الشخوص والأحوال؛ ونراه في كل هذا يجيد فى عرض الأحداث واختيار الكلمات التي تعبر عن كل خلجة وفكرة وموقف. ويرى حلمي مراد أن أدب القصة «لون من المعاناة في تصوير كل إحساس والتعبير عن كل معنى» وليس لوناً من الكتابة السهلة المرسلة التي ُكتب في سرعة؛ء وبغير تأنْ أو تدقيق كما يُكتب المقال». ولحلمي مراد أقاصيص أخرى لم تضمها المجموعتان» والظاهر أن المرض الذي عانى منه في العقد الأخير من حياته صرفه عن جمع آثاره القصصيةء ولكن من يقلب كتابي والصحف التي ذكرناها يجد كثيراً منها. وهي تحتاج إلى دراسة مستقلة ومتأنية يذكر فيها الدارس فنه القتصصي في تفصيل» ويتناول مشاعر المرأة وأحوالها وما يعتريها عندما تحب وعندما تخون . 65 نُشرت في جريدة القاهرة في 04/4/14 رذانا نان غلاف عنوان كتاب «جيو كونداء لحلمي مراد مجلة مطبومات كتابي التي يصدرها حلمي مراد وصورة أحد أغلفتها موت 012 الاك الاك 1 إن إن الاك لان لان 10 لبان لان لمان لان لان لان حلمي مراد بين «كتابي» و«مطبوعات كتابي» 010 «كتابي» لحلمي مرادء كتاب دوري شهري» وسيم أنيق المظهر. وعندما تقع ألحاظك على غلافه المشرق الخلاب» تشاغلك صورة جلواء الطلعة ‏ برّاقة» قد تكون لوحة فنية لمصور موهوب تدعوك إلى تأملها. أو صورة فوتوغرافية لفنان مشهور تسر خاطرك. أو رسماً لأحد موضوعاته يوحي لك بمضمون «كتابي؛؛ من قطع صغير يمكنك وضعه في جيبك. ولأنه بهذا الحجم يمكنك أن تطلق عليه «كتاباً»» فإذا تصفحته سريعاًء وألفيته يضم عدداً من الموضوعاتء. كل موضوع من واد؛ تستطيع أن تسميه مجلة شهرية» فهو يجمع بين شكل الكتاب» وموضوعات المجلة. وفي حين أن أسماء الصحف قد تتكرر. فإن اسم (كتابي» كان جديداً وغير مسبوق؛ ونتساءل هل اقتبس اسمه من «مجلتي؟ لأحمد الصاوي محمدء فإن الإصدارات إما جريدة أو مجلة أو كتاب. وهكتابي» ليس جريدة؛ وإنما هو أقرب إلى المجلة» ولما كان الصاوي قد سبق في تسمية مجلته «مجلتي؟: فإن حلمي مراد شابهه في إطلاق اسم «كتابي» على كتابه؛ على أن هذا التخيل يوحي لنا بأن الأستاذ أنئيس منصور استلهم اسم «كتابك» من «كتابي؟؛ وجعله عنواناً ثابتاً لسلسلته المشهورة التي أصدرها من دار المعارف. فحلمي مراد يقول على لسان القارىء هذا ١كتابي'»؛‏ وأنيس منصور يقول للقارىء: هذا «كتابك»»2 والاسمان من مادّة واحدة. لمان كي مجلة ثقافية جديدة : عندما صدر العدد الأول من ١كتابي6»‏ في شهر مارس/ أذار »١967‏ كانت مجلتا «الرسالة» و«(الثقافة» قد دخلتا الغسق. وتلفظ كل منهما أنفاسها الأخيرة» ولم يمض عام حتى احتجبتاء وكانت مجلة «روايات الجيب» الأسبوعية تعاني الهزال والشحوبء وسرعان ما توقفت؛ أكان يدرك حلمي مراد أن هذه المجلات الذائعة تُحتضر عندما شرع في إصدار كتابي؟ على أية حال» فإن ذهاب هذه الصحف القوية أفسح له المجال» ووسع أمام «كتابي» الطرق» فمضى في سبيله دون أن تنافسه مجلات كثيرة مستقرة؛ وكان ذلك أحد أسباب الرواج والنجاحء وكتابي كما عرّفه صاحبه «كتاب شهري لتلخيص الكتب العالمية» يصدر أول كل شهر؟. وجعل شعاره «مصباح الفكر عند الإغريق»» ويقع في نحو مائتي صفحة صغيرة» ومقر إدارته في عمارة الجندول بشارع 5١‏ يوليوء بالقاهرة. ومن يتتبع افتتاحيات «كتابي» يجد صاحبه دائم التخاطب مع القارىء» يستفتيه ده ويرد على رسائله» ويطلعه على ما سيفعله مستقبلاً» ويعمل على تحقيق مطالبه إذا أمكنه ذلك». ومن ثم كان يتواصل مع القارىء بصفة مستمرةء هذا إلى جانب دوام التحسين لمجلتهء فمرة يزودها بباب جديدء ومرة يقدم فهارس السئوات السابقة. ويعد بعمل فهارس كل ستة أشهرء وفي بعض الأحيان يخبر قارئه بأنه سيقدم له «كتابي؟ مقصوص الأطراف ليكون أكثر أناقة» وبهذا وغيره يتواصل مع القارىء. ويجعل «كتابي» أكثر فائدة وجذباًء وبهذه الطريقة واظب على الصدورء ونافس غيره» وفي هذا يقول حلمي مراد: «إن المجلة التي لا نسير في كل عدد خطوة إلى الأمام» لا تستطيع حتى أن تقف حيث هيء. وإنما يصير حتماً أن تدفعها عجلة المنافسة الرهيبة إلى الوراء» (كتابي» مارس/ آذار .)١961/‏ ا" وكما اهتم بالكلمة؛ اهتم بالصورة:, فزوّد «كتابي» في الشكل والمضمون بصور لوحات فنية بالألوان الطبيعية» مثل صورة «حنان الأم» لرومني» أو صورة "ماري لويز» زوج نابليون لجيرارء هذا إلى جانب صور كثيرة جداً تعبر عن الموضوعات,» ولهذه الصور دور في الإحساس بالموضوعات وفهمهاء بل إنها تحفز على مطالعتهاء. ومن خلال هذه الصور يتعرف القارىء على صور المؤلفين وغيرهم. وبذلك جعل كتابي قارئه يجمع بين الكلمة والصورة» فتتحقق المتعة والمنفعة. 2 إيقاع الأحداث: والمجلة الدورية من أبرز خصائصها إبراز الأحداث المعاصرة لهاء حتى لا تنفصل عن قارئهاء ولم تقصر مجلة «كتابي؛ في هذا الدورء ففي عام 1461 اشتدت الحملة العالمية ضد التفرقة العنصرية في المستعمرات الإفريقية» وانتهز «حلمي مراد؛ هذه المناسبة وقدّم عرضاً تفصيلياً لرواية «كوخ العم توم» للكاتبة الأميركية «هارييت بيتشرسنوكء التى حملت فيها على نظام الرقيق؛. وكانت لقصتها نتائج إيجابية إنسانية لصالح عبيد أمريكا . وعندما عرض في شهر مارس/ أذار ١9654‏ في مصر فيلم سيئمائي يصور غراميات الملكة إليزابيث ثيودور (ملكة إنجلترا في النصف الثاني من القرن السادس عشر) قبل أن تتولى العرش» سارع 5 الشهر التالي إلى عرض كتاب المؤرخة الإنجليزية «مارغريت أروين» عن غرام الأميرة «أليزابيث»؛ وذكر ألغاز حياتها ليعرف القارىء ملابسات حياتها الحقيقية» ويوازن بين ما شاهذه وما قرأه. وعندما فاز اباسترناك» بجائزة نوبل ورفضها لأسباب سياسية عام »2)١908(‏ تناولته مجلة «كتابي؛ في فصل مطول تحدثت فيه عن سيرته؛ وروايته المعروفة «د.زيفاجو؛ التي اقترن مه" اسمه بهاء كذلك كانت تهتم بترجمة الروايات الإنجليزية المقررة على طلبة المدارس الثانوية وتنشرها في عدة أعدادء مثل رواية «العالم المفقوده لسير كونن دويل» التي قررت في العام الدراسي /١908‏ 48 ,» والأمئلة وافرة» وهذا من عوامل جذب القارىء لها. ومحتويات «كتابي» ‏ كما أسلفنا ‏ هي محتويات مجلة» تتنوع موادها وأبوابهاء ومنها: الأقاصيص المصريةء والروايات والقصص والأعلام في الغابر والحاضرء والكتب العلمية. وفي معظم هذه المحتويات يعرض «كتابي» كتباً أجنبية إنجليزية أو فرنسية» أو كتباً أخرى مترجمة إليهاء ويقدم عنها خلاصة وافية أو شبه وافية» ويستطيع القارىء أن يلم بمئات الكتب القديمة والحديثة» ويخاصة الأعمال الشهيرة. مثل «الإلياذة؛ وةالأودسا» لهوميروس. و«الحمار الذهبي» للفيلسوف اليوناني «لوسيوس أبوليوس»» و«السياسة» لأرسطوء ودغرام الأخوين» لكاتب فرعوني قديم» و«غرام مشبوب» للشاعر الصيني القديم «يوان شين»؛ هذا إلى جانب الكتب الأوروبية والأمريكية الحديثة؛ وهذا يبيّن أن «كتابي» عمل ثقافي» القصد منه تثقيف القارىء العربي» وإحاطته بما لا يعرفه» وخاصة تلك الكتب المكتوبة بلغات أجنبية؛ هذا إلى جانب التعريف بالمؤلفين» وبموضوعات كتبهم» مع إثبات اسم الكتاب الأجنبي» وكتابة اسم مؤلفه باللغة التي صدر بها. نضيف إلى ذلك أن الملخص الذي يقدمه «كتابي» للقارىء عن كتاب من الكتب؛ في الغالب يكون كبيراًء وقد يصل في بعض الأحيان إلى ستين صفحة. وهذا يعين على تكوين فكرة عميقة عن الكتاب لياق المعروضء» على أن هذه الملخصات كان ينقصها تقويم أو تقيم أو تعليق تدوّن فيه الملاحظات» تتمة للفائدة. وإذا كانت بعض المجلات قد أهملت الكتب العربية» أو كادت. مغل «مجلتي»» فإن الثقافة العربية القديمة والحديثئة كانت أكثر حضوراً في «كتابي»؛ صحيح أنها لم تكن في حجم الكتب الأجنبية» ولكن ما قذمه حلمي مراد في مختلف الأعداد ليس قليلاً» وربما كان «كتابي» صائباً في ذلك؛ لأننا هنا في الوطن العربي نستطيع ‏ إذا رغبنا ‏ أن نلمٌ بتراثنا القديم أو الحديث المكتوب بلغتناء ولكن تعوزنا الثقافة الأجنبية الأدبية والعلمية» التي لا نقدر على الوصول إليها لجهل كثيرين منا بلغاتها الأوروبية: وإذا كان لا بد من الإشارة إلى بعض ما عرضه ١كتابي»‏ ملخصاً من الثقافة العربية والإسلامية» فإننا نشير إلى كتاب «رسالة الغفران» للمعري» و«الإفادة والاعتبار في الأمور المشاهدة والحوادث المعاينة؛ للمؤرخ عبد اللطيف البغدادي». و«حي بن يقظان؟ لابن طفيل» و«رباعيات الخيام» و«تخليص الإبريز في تلخيص باريز» للطهطاوي» و#محمد عبده رائد الفكر المصري» للدكتور عثمان أمين وغيرهاء وقد أبرز «كتابي» خير ما في هذه الكتب» لتسهل الإحاطة بأطرافهاء وهذا من مهام حلمي الذي قال في تقديمه لرسالة الغفران: «إن الرسالة التي أخذتها على عاتقي هي أن أجعل في متناولك كل ما تعذر عليك الاطلاع عليه من الأعمال الأدبية الضخمة التي يتألف منها تراث العالم الفكري» تعميماً للفائدة ومساهمة في نشر الثقافات العالمية» قديمها وحديثها». جيل من المترجمين : وقد قام حلمي مراد بتلخيص كتب كثيرة» ولكن قراءة سبعة أو ثمالية كتب كل شهرء وتلخيصها في نحو مائتي صفحة» عمل مرهق لذن ويحتاج إلى وقت طويل وجهد كبيرء ومن هنا لجأ إلى عدد غير قليل من عارفي اللغات الأوروبية» لكي يقرأوا الكتب المطلوبة ويلخصوهاء لذلك نشأ جيل جديد من المترجمين أخصبوا الحياة الثقافية بما قدّموه من ملخصات لكتب أجنبية أدبية علمية وتاريخية وسياسية؛ وقد راعى حلمي مراد في اختيار المترجمين الملخصين ميولهم وإمكاناتهم في الموضوعات التي سينهضون بها. ونذكر من هؤلاء المترجمين الملخصين محمد بن بدر الدين خليل» الذي كان مديراً لتحرير «كتابي» في فترة من فتراتهء والذي أسهم في تلخيص كتب كثيرة منها رواية «أحزان الشيطان» لماري كورللي» و«ليالي البلقان» لكيرا أكير أليناء و«على ضفاف البحيرة السوداء» للنرويجي بيودنستيرني بيودنسن وغيرها وغيرهاء ومحمد جلال الدين ملخص كتاب «الصحة والطب والتغذية في عالم الغد» للبروفسور «أ.م. لوا و«معجزات العصر الذري» لمؤلفه «أ. م. لو». وفوزي الشتوي ملخص «معجزات المستقبل القريب» لنورمان كارليل» و«نحو رجولة وشباب دائمين» لبول دي كرويف. وكليم أبو سيف ملخص حياة «كاثرين مانسفيلد» لهنري بوردو. وعبد المنعم محمد الزيادي ملخص «دنيا الحب والسعادة» لأميل لوردفيج. وفرج جبران ملخص «اليهودي التائه» لأوجين سوء و«زوجات الفنانين» لألفونس دوديه. وماهر مينا ملخص رحلة ريتشارد بيرتون للكاتبة لسلي بلانش» والأسماء كثيرة والملخصات وافرة» ويبدو من هذا العرض المحدود تنوّع الكتب التي عرضها «كتابي» على مدار سئوات صلوره. 3 الأقصوصة والرواية: وتمثل الأقاصيص والروايات مادة كبيرة في «كتابي» إن لم تكن أكبرهاء فمي كل عدد نجد رواية ملخصة. واحنيانا أكثر لروائي شهير . م ومع أن الملخص دون الرواية الأصلية» فإن القارىء لا يشعر بخلل ظاهر في الملخص؛ لأنه متماسك البئاء» مترابط الأجزاء» وقبل أن نطوي صفحته نكون قد أحطنا بموضوع الرواية وفهمنا مغزاهء ومن هذه الروايات والقصص الطويلة «النار الخالدة» لمؤلفها «ه. ج. ويلز؛. و«التلميذ» لبول بورجيهء و«آسيا» لترجنيف وغيرهاء ورواية «العدالة» لجالزورثي يحكي فيها عن سيدة لها أطفال. وتلقى عنتاً ونصبأ من زوجها فتفر منه» ويتعرف عليها شاب يعمل بمكتب محاماة» ويعطف عليها ويحبهاء ومن أجلها يختلس مالا من مقر عملهء ويقدَّم للمحاكمة. ويدافع عنه محاميه بأنه لم يسبق له السرقة» وأنه فعل ذلك بدافع الإنسانية ولإنقاذ أسرة» ومع ذلك حكم عليه بالسجن ثلاث سنوات» وعندما خرج من السجن طاردته الشرطة بسيب تافه فانتحرء وجالزورثي يرى أن الشفقة على جارم حاول إنقاذ أسرة من الدمار؛ خير من تطبيق القانون والعدالة؛ أي أنه يأخذ بمبدأ إصلاح المجرم لا بمبدأ عقابه» وهي رؤية إنسانية من أديب حساسء. ولكن العدالة لا تأخذ بها. كذلك نشر «كتابي» عدداً غير قليل من الأقاصيص الصغيرة المصرية مثل «كيدهن؟ و#صوت من العالم الآخر؛ لنجيب محفوظء و«مسألة ضمير؟ واراعية الأحلام» ليوسف جوهرء و«وداد» لسعيد عبده» و«عطش» للدكتور حسين مؤنسء وأقصوصة الأستاذ نجيب محفوظ «كيدهن» بطلها الشك. وتحكي عن رجل عرف النساء في شبابه. وتزوج وهو في الخامسة والأربعين من عمره بفتاة ناضرة في سن العشرين» وعندما تقاعد عن العمل وتهالك اكتشف أن ضابطاً شاباً في الشرطة يقطن في الفيلا المراجهة؛ وأن زوجه تطل عليه ويطل عليهاء وتذكر ماضيه مع النساءء ونغْص الشك حياته. وقرر ألا يفارق زوجته» وكان يسألها عن هذا الضابط بطريقة تظهر شكّهء فلا تجيبه إجابة ترد عنه هجمات الشك» فض وإنما تجيبه بهذوء وبطريقة تثيره وتصطنم الحيل لتكيد له وتبلبل خاطره: ولم يصرح المؤلف بخيانة الزوجةء ولكنه بين كيف تكيد لَه وهي قصه نهايتها مفتوحةء وينتقد فيها القاص فارق السن الكبير بين الزوجين الأمر الذي يوجب الشك في الزوجة الفاتنة» وبخاصة إذا كان الزوج قد تهالك؛ وغاض ماء وجهه؛. وأجاد نجيب محفوظ تحليل نفس الزوج الشاك. والزوجة الكائدة . ك5 قصص ممصّرة : ونشر «كتابي» عدداً من القصص الممصّرة لحلمي مرادء مثل: قصة «اليقظة من الحلم» و«قبلات مسروقة» وأصلها لجي دي موباسانء وجعل مراد أسماء أبطال القصتين» وأجواءهما مصرية خالصة. وقد عرفت آداينا التمصير منذ مصّر محمد عثمان جلال في القرن ١9‏ رواية #طرطوف» لموليير» وأسماها «الشيخ متلوف»»؛ وفصّل مشاهدها على الأجواء المصرية دون أن يجور على أصل المسرحية. ونشر حلمي مراد مجموعة من أقاصيصه مثل «قبض الريح»: #خبز الهوان»» وأعاد نشر «الرد خالص» وغيرهاء وفي أقصرصته «ضلال قلب» يثير قضية الزوجة التي يفضلها الرجل» وهل هي الجامعية المصرية العاملة قوية الشخصية التي تناوىء الزوج» وتناقشه مناقشة الند للندء أو هي الأنثى التي تلقت تعليماً متوسطاً. واحتفظت بأنوثتها وضعفهاء وفي الأقصوصة ينفر البطل من الجامعية» ويعود إلى حبيبته الأولى التي تلقت تعليما متوسطاً لأنه وجد فيها الخضوع والطاعة والإخلاص. نشر حلمي مراد هذه القصة في عدد (ديسمبر/ كانون الأول 40 » وطالب القراء بأن يكتبوا له برأيهم في هذه القضية؛ وحدد خمسة جنيهات يفوز بها صاحب أحسن رأي» وقد اشترك في هذه بخض المسابقة كثيرون من الأردن والعراق وسوريا وغزة ولبنان؛ ومن المصريين الذين دخلوا هذه المسابقة: غالي شكري من المنوفية؛ وصالح مرسي من الإسكندرية» ومحمد حافظ رجب من الإسكندريةء أما الفائز فكان طالباً في كلية الطب يدعى «عبد الوهاب محمد» وأرسل إليه شيك بقيمة الجائزة» وقد انحاز هذا الطالب إلى رأي حلمي مراد؛ء ورأى أننا لا نحتاج إلى عون المرأة المادي مثلما نحتاج إلى عونها الروحي والعاطفي. وما جاء في رد الطالب وحلمي مراد ربما كان يناسب الأوضاع في ذلك الزمن» لكن الحياة اشتدّت بعد ذلكء والأسعار ارتفعت؛ بحيث صار دخل المرأة وزوجها لا يكفي تكاليف الحياة؛ ومع ذلك فقصة حلمي مراد تعبّر عن الشباب في ذلك الوقت» ويخاصة بعد تخرج كثيرات في الجامعة. ومن هناء فإن هذه القصة مناسبة لزمنهاء والأقاصيص والروايات الملخصة التي عرضها «كتابي» يضيق عنها الخصر. المكتشف المصري: وكانت بعض المجلات مثل «الهلال» و«مجلتي» تخصّص باب للقضايا والمحاكمات الشهيرة. وقد جارت «كتابي» هذه المجلات» وكانت تلخص كتاباً تتناول محاكمات كبيرة شغلت الناس» مثل محاكمة «لويس 5١4ء‏ ومحاكمة «تيرل» ‏ (أمريكي)» الذي قتل عشيقتهء ودار التحقيق حول: هل كان نائماً أثناء قتله لها؟ ومحاكمة «دريفوس» المشهورة» ومحاكمة «سقراط»؛ ولكن يعئينا في هذا المجال محاكمة «مرجريت فهمي»» وهي امرأة فرنسية سبق لها الزواجء ثم تزوجها أحد بكوات مصر «علي فهمي كامل بك؛». وانتقلت معه إلى مصرء وحسب أقوالها؛ أساء معاملتهاء وحين صحبها إلى لندن في رحلة سياحية؛ أطلقت عليه الرصاص في أحد فنادق لندن» وقٌّتل يوم ١٠/1977/19ء‏ ١ وتم التحقيق معهاء وحكمت المحكمة ببراءتهاء وقد شغلت هذه القضية مصر لأنها موطن القتيل» وإنجلترا لأن الجريمة وقعت على أرضهاء وفرنسا لأن القاتلة فرنسية» وقد عرض «كتابي» هذه القضية من خلال كتابين أحدهما إنجليزي لاماريو يباناس»» والآخر فرنسي ل«ميشيل جورج». وتضمنا أقوال الجانية كما فاهت بهاء ولم يكن هناك من يرد عليهاء وفي الكتابين وصفت «مرجريت» حياتها في مصرء ورحلتها مع زوجها إلى وادي الملوك بالأقصرء وقد شهدت حفل افتتاح مقبرة توت عنخ آمون» وحسب كتاب ميشيل جورج قالت مرجريت: «وقد علمت أن مكارياء مؤجر الحميرء اسمه علي» هو الذي عثر على باب مقبرة توت عنخ أمون. فأرشد إليه مصوراً أجنبياً بسيطاء أنعم عليه فيما بعد بلقب لوردء وصار اسمه «لورد كارتره. أما المكاري» فقد كان كل ما خرج به هو مبلغ ثمانية جنيهات لا غير» ‏ (كتابي؛ سبتمبر .)١1905‏ وقد أشاد الناس بكارتر مستكشف قبر توت عنخ آمون» وكارنافون الممؤّل» ونظم فيها أمير الشعراء أحمد شوقي أجمل الأشعار. وعلى أية حال؛ فإن هذه المحاكمات وما يصحبها من تحقيقات تكشف عن خبايا النفوس» وحقائق الشخوص.ء والأحوال التي يتبدى فيها الضعف الإنساني» ويرتكب فيها المرء الجرم» وإذا كان «كتابي) ينزع إلى القصء فإن هذه القضايا قصص حقيقية» كما أن هذه المحاكمات كثيراً ما تصير مادة للروايات والمسرحيات» مثل مسرحية «الحب الآثم؟ التي استوحاها تولستوي من قضية حقيقية عرضت على حاكم مدينة «تولا»» ولخصها «كتابي» في أحد أعداده. 5 تراجم الأعلام : وكانت مجلة «كتابي» تلخص في معظم أعدادها كتاباً عن علم من يلون الأعلام المشهورين» وأحياناً تتوسع فتلخص كتاباً في عدة أعداد متتابعة عن شخصية من الشخصياتء» فقد لخصت كتاب اأندريه موروا») عن الكاتبة الفرنسية المعروفة «جورج صاند» في تسعة أعداد متواصلة. وكتاب «مأساة قلب» الذي يصور الحياة الخاصة لفكتور هوجو في ستة أعداد منتابعة» وهكذاء ولكن الغالب على «كتابي) تلخيص كتاب واحد في عدد واحدء مثل كتاب هنري توماس عن «شللي». وكتاب دانا توماس عن «سارة برنار»» وكتاب دانالي عن «شوبنهور». وكتاب دانالي عن «مدام كوري» وغيرهم» وهذه التراجم لا تلتزم منهجاً معيناء ولكن في معظمها تتبع الطريقة التاريخية التي تتسلسل فيها الأحداث وفقاً لتواريخ وقوعهاء أي من المولد إلى الممات» وأهم ما يعنى به الكتاب الأوروبيون هو الحياة الخاصة التي تظهر ميول القلب». ونزوات الجسد إلى جانب الحياة العلمية والفنية؛ ويعيداً عن المناهج التي يصعب وصفها في غيبة الكتب الأصيلة. يظفر القارىء من هذه الملخصات بالمعلومات التي تتعلق بالشخص وعصره.ء وتكوينه وآثاره. على أن كل الزوايا المعروضة ترجع إلى من لخصها أو اختارهاء وفقاً لما يراه» ويحاول «كتايى» قدر المستطاع أن تكون السيرة الملخصة متماسكة محبوكة سلسة أثناء القراءة: وبطبيعة الحال تختفي المراجع والمصادر. وعلى أية حال؛ فإن «كتابي» وهو يلخص سيرةء فإنه يشكلها من جديدء أو يعيد بناءها بأسلوبه وطريقتهء فيضفي ما يضفي»ء ويخفي ما يخفي. وقد قامت هذه الملخصات بواجبها في التئوير والتثقيف. وجعلت القراء يعرفون أشخاصاً لم تكن لهم معرفة بهم من قبل . الجنس وعلم النفس : وقد تناول «كتابي» طائفة كبيرة من كتب الجنس وعلم النفس كم والاجتماعء وأبرز خير ما فيها للتنبيه والتوعية» ومنها كتاب «أبواب الحب المغلقة» لوالتر وارين» الذي شرح فيه قصائد الحب من جمال جسدي» وشهامة ووفاء وغيرة وغش وخداع وعذاب روحي.» وفي كتاب آخر لهبرتراند رسل» عنوانه «غزو السعادة» يوضح فيه أن سعادة الإنسان مهدّدة بالحسد والغيرة» والشعور بالاضطهادء وتأنيب الضمير عند تذكر ذنب أو خطيئة» وبعد أن يحلل «رَسل» كل هذا يدعوك إلى الاستمتاع بما لديك؛: وإذا كان يطيب للرجل أن يقلل من حجم المرأة» فإن الكاتبة (نينا فيرويل» تضع كتاباً عنوانه «الجنس الآخره أو جنس الرجال الذي تصفه بالجنس الظالم أو الجنس غير اللطيف». وترشد في كتابها الأنثى إلى الطرق التي تمكنها من كسب المعركة مع الجنس الخشنء. ومن وصاياها للمرأة أن تغري الرجل» وتقابله» وتقاومه مقاومة سلبية بالتواضع والطيبة والحنان والسخاء والتبرج والغموض والرقة؛ إلى أن يتم النصر المؤزر بالزواج . وأقول لهذه الباحثة الذكية: إن الرجل لا يطلب من المرأة أكثر من ذلك لتكون زوجة لهء وعلى هذا النحو يعرض «كتابي» عدداً وافراً من الكتب الجيدة مثل «حب وجنس وخيانة»» و«السلوك الجنسي لدى الإنسان», الرجل والمرأةء والكتاب الأخير للدكتور ألفريد كينزي» ويناقش مناقشة علمية إحصائية قضايا مهمة وخطيرة مثل الزواج المبكر والبغاء والشذوذ الجنسي وغيرهاء وإنه من المفيد أن يكشف حلمي مراد للمثقف العربي خفايا الشعوب الأوروبية والأمريكية. وإذا كان حلمي مراد أو «كتابي» أفاض في ذكر الثقافة الأجنبية والأسماء الأجنبية؛: فقد حاول أن يضمن كتابه الثقافة العربية والأسماء العربية» فنشر بحثاً مستنداً إلى كتابات عربية وإسلامية عن رابعة العدوية» ومقالة لأنيس منصور عن كتاب «أبو نواس» للأستاذ العقاد؛ ومسرحية ينض عن أحمد عرابي لمحمد كمال هاشم إلى جانب نماذج من ديوان «الهوى والشباب» لبشارة الخوري» ومقال عن كتاب «هؤلاء علموني» للاستاذ سلا'مة موسى » وغير هذا. ف مطبوعات كتابي : كان نجاح ١كتابي»‏ وتقبل القراء له» وذيوعه في مصر والعالم العربي. داقعاً لحلمي مراد لإصدار مطبيوعة أخرى هي «مطبوعات كتابي»» وإذا كانت مهمة ١كتابي»‏ هي تلخيص الكتب العالمية» وتقديم زبدة ما فيها من علم وفن»ء فإن مهمة «#مطبوعات كتابي» هي ترجمة الأعمال الأدبية ترجمة وافية دقيقة» ويقول حلمي مراد في هذا الشأن: إن «مطبوعات كتابي» تقدم طبعات عربية دقيقة الترجمة لأعظم الكتب الطويلة بنصها الكاملء كيما تكون لنا ترجمة معتمدة لأمهات المؤلفات العالمية القصصية وغير القصصية» وانتقد حلمي مراد الترجمات الناقصة من الروايات والكتب الأجنبية» وقال: «إنه من العار أن توجد في جميع اللغات الحية ترجمة كاملة للاخوة كارامازوف أو الجريمة والعقاب مثلاء ولا تكون لقراء العربية إلا ترجمة شائهة مبتورة لا هي بالتلخيص الموجز المعترف بأنه تلخيصء ولا هي بالنص الكامل الرسمي» ‏ (كتابي» عدد فبراير/ شباط .)١9814‏ وقد شهد سلامة موسى بأن رواية «قلوب ضالة» لطاغورء هي من مطبوعات اكتابي» بأنها «تنقل كاملة» وهي شهادة مهمة» صدر أول كتاب من مطبرعات «كتابي؟» في شهر أكتوبر/ تشرين الأول 21١887“‏ أي بعل صدور اكتابي» بسنة ونصف.2 وكانت اقصة مدينئتين' لشارلز ديكنز هي باكورة هذه السلسلة من الكتب؛» وقد ذكر حلمي مراد على أغلفة هذه الكتب: «الترجمة الكاملة الأمينة لشوامخ الكتب العالمية»» وكانت للش مطبوعات كتابي تصدر في الغالب في منتصف الشهر. ومن إصدارات مطبوعات كتابي «قصص من روما» لألبرتو مورافياء وترجمة محمد بدر الدين خليل؛ و«الخاطئة» لسومرست مومء وترجمة محمد بدر الدين خليل» و#بوشكن؛ لمؤلفته ليديا لامبير وترجمة فرج جبران» وأحياناً تصدر مطبوعات «كتابي» رواية في جزءين مثل «مدام بوفاري» لجوستاف فلوبيرء أو في ثلاثة أجزاء مثل «جين أير» لشارلوت برونتي» وحسب اعتقادي أن أحسن ما قدمته هذه السلسلة من كتب هى ترجمة «اعترافات جان جاك روسو' في خمسة أجزاءء وترجمها بد بدر الدين خليل» ولم تكن تُرجمت من قبل» وكانت كتابات د. محمد حسين هيكل وسلامة موسى وعبد الرحمن صدقيء قد شوقت القراء إليهاء وهي فضلا عن أنها سيرة صريحةء فإنها كنز ثقافي؛ وتحمل ملامح من الثقافة الأوروبية والحياة الاجتماعية في القرن الثامن عشر. وقد أدى «كتابي» رسالته أو قدراً كبيراً منهاء ولكل شيء نهاية» فبعد حوالي عشرين سنة توقفت» ويقول أنيس منصور في الأهرام /١5(‏ ١‏ كنت أظن أنه لسبب ما أغلق مجلته الأنيقة» ولأنها كانت نيقة فقد كانت فادحة التكاليف. إنه اضطر لإغلاقها لأنه لم يعد قادراً على مزيد من الخسائر في عالم الأدب»» وما قاله أنيس منصور هو السبب في إغلاق كثير من الجرائد والمجلات» ولكن أضيف إلى ذلك أنه ظهرت كتب ومجلات منافسة ل«كتابي» وقادرة على التحدي» فقد كانت وزارة الثقافة المصرية تصدر كتبأ قيمة رخيصة الثمن» مثل «أعلام العرب» ‏ (خمسة قروش».» «المكتبة الثقافية» ‏ (قرشان). «روائع المسرح العالمي» ‏ (خمسة قروش)» بيئما كان «كتابي» بعشرة قروش». هذا إلى جانب إصدارات دار المعارف مثل سلسلة «نوابغ الفكر العربي»» «نوابغ الفكر الغربي»؛ وظهرت مجلة «العربي؟ الكويتية وغيرها من سلاسل م الكتب والمجلات» فضلاً عن الكتب المترجمة التي نشطت وكثرت» ولا بد أن يكون كل هذا له تأثيره على كتابي ومطبوعاته. ومهما كان من أمرء فإن مجلة (كتابي» وربيبتها أذَّيا دوراً مهمأ في التوعية والتثقيف» ولم يكن ينقصها كمجلة سوى مقالات الرأي. 65 نُشرت في جريدة القاهرة في ٠٠04/0/١‏ مض لان !لان نان ان ] لات 1 إان لباك أجل الماك لإمان اياك لساك ميان الال 11ب عبد الرحمن صدفى هوامش من حياته وأدبه الح اص نص نح نانس نص لع نص نم نح نح المع ع 2 ظل صدقي يلقي في الساحة الأدبية الأشعار الغنائية» والمقالات الطريفة» والكتب المؤلفة والمترجمة في الأنواع الأدبية منذ العقد الثاني إلى مطالع العقد الثامن من القرن العشرين» وأنه مما يثير الشجن أن يسقط اسم صدقي من الذاكرة الأدبية» فلا يستطير اسمه ولا يشيع ذكره على ألسنة أدباء هذه الأيام. وكأنه الم يسمر بمكة سامرة؛ وهو الأديب الذي أثنى عليه في زمنه العقاد والمازني وطه حسين وتوفيق الحكيم وعزيز أباظة وغيرهم من شداة الأدب. وما زلت أذكر في آخر عام ١477‏ أول مرة رأيت فيها رجلا طويلاًء عريضاء وجيهاًء بهي الطلعة» واسع العينين» عريض الجبهة. وهو يقف عند باب الغرفة التي كان يعقد فيها الأستاذ العقاد ندوتهء ويقول له وهو متهلل الأسارير في صوت فخم غليظ: هل سمعت يا أستاذ آخر نكتة؟ فيرد العقاد قائلاً: لاء ويأخذ هذا الرجل في رواية نكتته فيضحك الحاضرون.؛ أما العقاد فينظر إليه مبتسماً ويقول له: قديمة؛ ثم لا يلبث أن يقول: أنا أخبرك بآخر نكتةء ويلقي العقاد نكتتهء فيضج الجالسون بالضحك. ويقهقه هذا الرجل الوجيه قهقهة لها دوي وقعقعة تخترق ضحك الحاضرين . هذا الرجل الذي كان يتدلل على صديقه وأستاذه العقاد.» هو عبد الرحمن بن محمد عثمان صدقيء الذي ولد بالمنصورة في 55/؟١/‏ بام 5 ؛ لا لأنه من هذه المدينة» وإنما لأن أباه الموظف ثُقل إليها. أما أصوله فهي تركية»؛ ولم يلبث هذا الأب أن عاد إلى القاهرة ليعمل في قسم الأموال المقررة بمحافظة مصر (القاهرة)» ويقطن في شارع الدرب الأحمر بين تكية الكلشني وباب زويلة؛ ولما كانت هذه المنطقة تضم أضرحة أولياء ومتصوفة» ويعتقد كثير من الناس فيها بالخوارق والمعجزات» فقد أضعفت حسه وجعلته #يحلق في الفضاء السماوي مثل الصبي الأسطوري نكا روي أدخل عبد الرحمن صدقي في مدرسة «الجمعية الخيرية الإسلامية) بدرب الجماميزء وهو في التاسعة من عمرهء ونال شهادتهاء ثم ألحق بالمدرسة الخديوية وكان من أساتذته فيها إبراهيم عبد القادر المازني (840١154-1١)ء‏ ومن زملائه علي أدهم (189819 - 2)١981‏ وقد قال لي علي أدهم: كتبنا أنا وصدقي مقالين في مجلة المدرسة الخديوية» كتبت أنا عن أبي العلاء المعريى وكتب هو عن الموت؛, وقلت لأدهم : لماذا يكتب غلام عن الموت في باكورة الحياة؟ ولم أتلقّ منه جوابا شافياً والحقيقة أن «صدقي؟ ترجم مقالاً عن الموت» ومهما يكن من أمر فإني لم أوفق إلى إجابة مقنعة» ثم وقفت على مقال لصدقي يذكر فيه أن أمه كانت تلد ولداً ثم بنتاً ويتكرر منها هذاء وفي كل مرة يعيش الذكر وتموت البنت ٠»‏ فتنوح أمه عليهاء ويعم البيت حزن” “2 وربما يكون هذا هو علة ترجمته مقالاً عن الموت في يفاعته» على أن المقال المترجم عن الموت لا ينبىء عن تفوق صدقي في الإنجليزية فحسب» وإنما يعرب عن ميله للكتابة» وتبرمه بالحياة» ومن يتابع كتاباته يلحظ ذلك» ففي نحو العشرين من عمره رثى نفسه قائلاً : .م١91٠١ مجلة الهلال» سبتمبر/ أيلول‎ )١( (9) الهلال». أكتربر/ تشرين أول 1516ام. فضا نعيت نفسي في نعي الأحباء فليس إلا تجاليدي وأشلائي7" ويترجم مقالين عن الكاتب الألماني المتشائم شوبنهور يدوران حول خطط الإنسان في الحياة» كما يتئاول فكرة المصريين القدماء عن الحياة الأخرى”. ومع ذلك تجذده في ديوانه «حواء والشاعر» ناشداً للحب شاذيا للهياة: على أن مرحلة الخديوية لم تقف عند هذا الحدء. فقد توطدت علاقته بالمازني الذي كان يتلقى عليه دروساً في الترجمة» ويعرض عليه نماذج من شعرهء وقد كتب صدقي أكثر من مقال عن المازني تقديراً له وهوّن من أمر سرقاتهء وفي فترة الخديوية تعرف بالعقاد عن طريق المازني» والعقاد )١1954 ١444(‏ فصل كبير في ثقافة صدقي». يقول عن أستاذيه: «يسرني أن أقرر أن أول من تأئرت بهم في شبابي كان الأستاذ عبد القادر المازني» ثم زاد على ذلك تأثير الأستاذ العقادء وإني أعتبر لقائي بالأستاذ العقاد خاصة... أكبر مؤثر على حياتي الأدبية من حيث توجيهه غير المباشر إلى نوع القراءات التي يجب أن تكون عليها القراءة» حيث التعمق في درس ما يقرؤه المطالع واستخلاص زبدته» والمقارنة بين ما خلفت إليه القراءات الحاضرة مع القراءات الماضية»”". ولم يكن هذا كل ما أفاده صدقي من أستاذيه» فقد قرْبه المازني من جريدة «عكاظ» التي نشر فيها شيئاً من شعر الصباء وأفسح له العقاد والمازني مكانا في كتابهما (الديوان» الذي صدر عام )١970(‏ ونشرا له فيه نشيداً قومياًء فصار صدقي من الديوانيين: وإلى جانب ذلك قدم 00( جريدة الثمرات» 15 مم. () مصلة المشكاة؛. ١6‏ يناير/ كانون الثاني ١6‏ فبراي ر/ شباط 117ام. و4 مجلة الإذاعة والتلفزيون» /ا/ ١٠155/1م.‏ يفف العقاد لديوانيه امن وحي المرأة» واحواء والشاعرا كما كتب عن موت زوجته وشعره فيها وغير ذلك مما أضفى عليه هالة من المجدء وقد استأئر العقاد بنصيب ظاهر في كتابات صدقي؛ إذ لو جمع ما كتبه عن العقاد لتكوّن منه كتاب متنوع الفصول. حصل عبد الرحمن صدقي على شهادة البكالوريا عام 1915, والتحق بمدرسة الحقوق الفرنسية ثم تركها قبل أن يحصل على شهادتها. ولكن لهذه الدراسة أثراً في تكوينه الثقافي. فقد أضاف لغة أجنبية ثانية إلى الإنجليزية» وقد ظهرت آثار الثقافة الفرنسية في نتاجه وذلك عندما ترجم عدة فصول من رواية «قصة شحرور أبيض» لألفرد دي موسيه. ونشرها في «المشكاة» عام 2١477‏ وفيما بعد كتب مقالات ودراسات كثيرة عن الأدب الفرنسي مثل ما كتبه عن ١يودلير»»‏ و«ألفرد دي فيني؟»؛ و«أندريه شينيه»» و«فرانسوا فيللون» وغيرهم» على أن صدقي كان يعرف الإيطالية إلى جانب الإنجليزية والفرنسية وبعد أن ترك صدقي الحقوق الفرنسية سارت حياته في مسارين» المسار الأدبي والمسار العملي في الحياة وتقلد الوظائف» فقي مساره الأدبي اتجه إلى دوريات تلك الفترة» فحرر في جريدة (الثمرات» عام 14 . وفي «السفور» عام .١97١‏ وفي «الرجاء» عام 2١947”‏ وفي «المشكاة» عام 19477. وفي «روز اليوسف» عام .١947”6‏ وتواصل عطاؤه: واختار له عنوانا يكتب تحته موضوعاتهء هو «في الهواء الطلق؟ وما كتبه في هذه الدوريات يجمع بين التأليف والترجمة والنظم والتراجم . أما مساره العملي» فقد عمل في وزارة المعارف مع المسيو ريموند مراقب الفنون الجميلة؛ ثم عمل في الأوبرا فترة طويلة كان فيها سكرتيراً ثم وكيلاً ثم مديراًء وقد فتحت الأوبرا أمامه العالم الخارجيء فكان با يسافر إلى إيطاليا وفرنسا وإنجلترا وإسبانيا وأمريكا للاتفاق مع الفرق المسرحية وفرق الباليه... لتقدم عروضها في مصرء وقد أجدت هذه الرحلات عليه في مجالي السياحة والثقافة» ومكنته من الفئون الجميلة الرفيعة مثل المرستي والمسرح والفن التشكيلي وفن العمارة» وبعد الاطلاع على كل هذا بيّن أن الفنون تعمل على تهذيب الذوق ولا تتنافى مع الأخلاق. وربما كان عمله في الأوبرا دافعاً له إلى تحرير مقالاات عن الأويرات» مثل مقاله عن «أوبرا باريس»» ومقاله «من روائع الأويرات العالمية»» بل ربما تكون الأوبرا وراء استبحاره في المسرح وكتابته عشرات المقالات عن المسرح الكلاسيكي والرومانتيكي والرمزي وعن المسرح في مصرء علاوة على كتاب نشره عام )١14374(‏ عن «المسرح في العصور الوسطى»» وتجاوز الأمر الكتابة إلى تدريس المسرح في معهد الفنون المسرحية؛ كذلك عمل صدقي مراقباً عاماً لمصلحة الفنون. ومديراً لمصلحة الفنون بوزارة الثقافة والإرشادء وفي الستينيات من القرن العشرين عمل مستشاراً للتلفزيون» ومن أعماله في التلفزيون اهتمامه بفرقة الباليه وجعلها تناسب الشرقيين والغربيين بإضافة رقصات شرقية إليها. كذلك كان صاحبنا عضواً بلجنة الشعر ولجنة المسرح بالمجلس الأعلى الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية» وعضواً مراسلاً لجماعة أسبوع الشعر العالمي بواشنطن؛. وعضواً بجمعية الشعراء. كان صدقي يريد ا وهو شاعر مئذ طفولته وصباهء وأول ما نشره في الدوريات هو الشعرء وثبتت قدمه فيه منذ تعرف على المازني والعقادء وقد ارتضى مزاجه الغني مذهبهما في القريض» ولم يكن معجباً بشعر المناسبات في دواوين التقليديين: لذلك نزع إلى التجديد الذي قوامه أن لا يشعر الشاعر إلا فيما يحسه ويثير خاطرهء هيام وقصائد صدقي لا تضطرب بالتنقل الفجائي من موضوع إلى موضوع؛ ولا تنفرط بالاستطراد في جانب على حساب جانب آخرء وإنما القصيدة مترابطة الأجزاء» موصولة الأقسام يترتب فيها الكلام في إطار وحدة الموضوع» ومن هنا يكون القارىء أكثر قدرة على الإحاطة بمضمونها المعنوي». وأخيلتها وصورها الفنية. وعبارته مع جزالتها سائغة» وقد تداخلها كلمات صعبة تجلبها الضرورة؛ إذ تكون أصلح للمعنى من غيرهاء ولكن هذه الكلمات غير شائعةء ومنذ بواكير عمره كان يميز بين اللغة التي تخاطب الأفهام واللغة التي تخاطب المشاعرء واللغة الأخيرة يجب أن تكون «غير مطموسة الرموز بل تتراءى معانيها خلف نقاب من الشف. لا هو يسترها إلى حد أن يخطثها العيان» ولا هو يبديها إلى حد لا يعود معها لخيال القارىء عمل:'''. ولصدقي ديوانان من الشعرء هما: «من وحي المرأة؛ 1948ء و«حواء والشاعر» 21477 وقد صرّح بعض من كتبوا عنه بأنه قال الشعر عندما قضت زوجته «ماري» الإيطالية الأصلء والتي اقترن بها نحو عام ٠‏ » أي أنه لم يقل الشعر قبل ذلك». وهناك من رجح أن له قصائد وطواهاء والحقيقة أنه قال الشعر قبل موت زوجهء فقد وقّعتٌ في «عكاظ» على قصيدة غزلية في مطلع عام 2١14١4‏ وفي عامي ١41١8‏ و1419 نشر في «الثمرات» قصيدة عن ديوان العقاد وأخرى عنوانها ادمعة غريب6» وثالثة «يا قمرء» كما ترجم شعراً ونثراً قصائد لبعض الأوروبيين مثل «شلر؟ و«كولردج»» وفي عامي ١476‏ و951١‏ نشر قصائد تحت عنوان #محراب الحب» وهميراث الكون» وغيرهماء والقصيدة الأخيرة ضمها إلى ديوانه #حواء والشاعر»؛ والظاهر أنه انقطع عن نشر الشعر قبل )١(‏ مجلة الرجاءء ؟1477//7م. اسم موت زوجهء ومن هنا تسرب وهم إلى بعض الكتاب بأن رحيل قرينته فجر ملكته الشعرية. وفي ديوان «من وحي المرأة» تنسال الأنغام الشاجية بعد أن غشى الشاعر الألمء وأظلم نهاره» ولرَّن الحزن أوقاته بلون واحدء وتواردت عليه الخواطر السودء فهتف يقول: أسائل نفسيء. فيم أحيا؟ وأنثني أحيل عليها بالملام وأنكر أيتكص بي أن أعجل الموت ناكص2 فأحيا كأني في الحياة مسخر فما لي لا أقضي؟ أسني صغيرة؟ أما مت يا زوجي وسنك أصغر؟ ومرائيه لا نستبين فيها الكرب والوجد فحسبء وإنما تتضمن أيضاً تأملات في الحياة والموتء. يقول بعد أن دفن زوجه: توليت كالمجئون أعول منكراً إلى أي حد راح بالقدر البغض وللشاعر الثاكل أن يتهم القدر بالبغض والغدر لما حل به من ذهول وجنونء ولكن الموت قد يكون هو عدالة القدر أو لون من ألوان عدالته؛ء وفي قصيدة الخواطر السود يقول ونفسه ثائرة: وعلمي وعلم الناس أن ليس كالردىي مجاز إلى بر الأمان ومعبر وهذا يعني أن الموت ليس بغضاً من القدرء وإنما رحمة» وما قاله صدقي وغيره ليس إلا خواطر وسبحات في المطلقء ونحن نشعر بالحياة ونتأمل الموت» ولكن من العسير فهم المعميات المحيطة بهماء لذلك تكثر تساؤلاتنا مثل قول شاعرنا في مناجاة زوجه: «أسَّيّان عند الكون عيشك والردى؟»... وهو تساؤل مهم. ومع ذلك يظل العيش والردى مبهمين؛ ويخلص في قصيدة أخرى إلى القول : بنا تسخر الأقدار: موت وأدمع وثمة أنوار وزهر خمائل وهذا قول شاعر يتناول الواقع؛. وهو أن الحياة والموت متلاحمان» يفف والنور والظلمة متجاوران» هنا موت وحزنء وهناك أنوار وحياة؛ والظاهر أن الحياة والموت يتبادلان المواقف. فلا نشعر بالحياة إلا من خلال الموت؛» ولا نقف على الموت إلا من خلال الحياة» وإذا كانت الحياة تتوعدنا وننجو أحياناًء فإنه علينا تهيئة أنفسنا إلى اليوم الذي تنفذ فيه الحياة وعيدها. وفي أواخر الجزء الثالث من ديوان «من وحي المرأة» يقول صدفي : وبعدل فضاء فترة من الحزن والرثاء تستعيد عواطفه صماءها.ء وتقبل على الحباة رفافة حساسة بالفتنة» رقاصة حوّامة على حواء. ففي ديوانه (حواء والشاعر» يقول: عهدت قلبي فيما عشت من عمري2 موزع الحب بين البيض والسمر وتبدأ صفحة جديدة في حياته يتولع فيها بالجمال» ويستمتع بنظرات حواء اللاذة. وإن عاودته بين حين وحين ذكرى الماضي مع زوجه «ماري؟2. وفي ديوانه لاحواء والشاعرا يجتلي مشاهد الحسن في صواحبه»؛ ويحلل عراطفهن وهو يجيد التركيز على الملامح الظاهرة والباطئة في المرأة؛. وشاعرنا جرّاب آفاق وكثير أسفارء وبخاصة إلى أوروباء مما أتاح له التعرف على بعض النسوةء ومما أذكره أنه في لقَاء معه في الميلا الخاصة به (4 ش منيس ‏ الكوربة ‏ مصر الجديدة) والتي كان يمتلكها ع زوجه الثانية الإيطالية. حدلني غن صواحب له بيئه وبيئهن رسائل ولديه منهن صورء وقال: إن كل هذا سينشر بعد وفاتي» ولم يخض في التنفاصيل . م1 وقال لى محمد حمدان شقيق جمال حمدان» وهو من تلاميذه: كان يحب امرأة إنجليزية تقطن في الهند. وبينهما رسائل». وقالت عايدة الشريف». وكانت من عارفيه: «ذكر لي حبائبه الواحدة بعد الواخنة* 35 وكتبت عنه «ديناريان» مقالاً عنوانه «الشاعر الذي مات من الحب0", وقصدي من هذا التتبع أن أشعاره الغزلية ليست تقليدية. وإنما هي تجارب شاعر مع السمراء والبيضاء والشقراء» وهذا وفر له الصدق. وشعر صدقي في عمومه لا يخلو من الفكر. ولكنه الفكر المفنن الذي جاد عليه الإحساس ورعاه الشعور. وقبل أن نترك الشعر أنبّه إلى أن صدقي له غير هذين الديوانين قصائد غير قليلة لم يجمعها في ديوان. وهي منشورة في عدد من الدوريات. وعبد الرحمن صدقي من كتّاب التراجم الأدبية» وله في هذا المجال عذة ككيئ هي «(أبو نواس» .)١1855(‏ والشاعر «الرجيم بودليرة (1857١)ء‏ و«ألحان ألحان» (/2)1941 وهو كتاب ضخم عن خمريات الى نواس» وكتاب عن (اجوته) جاء تحت عنوان (الشرق والإسلام في أدب جوته؛ .)١197395(‏ وهو في هذه الكتب يتبع منهج السيرة الذي يراعي فيه كاتب الترجمة التسلسل الزمني؛ إذ تبدأ السيرة بمولد المترجم وتنتهي بموته. وما كتبه صدقي عن أبي نواس وابودلير» إلى حد ما من السيرة القصصية التي تأتي فصولها مترابطة متماسكة سلسة» يوطىء بعضها لبعض» ولا تضطرب صعوداً وهبوطاً» وإنما تتوافد فيها الأحداث مرتبة منسّقة وفقاً )١(‏ مجلة الدوحة». نوفمبر/ نشرين الثاني 'موام. (؟) الأخبارء ” يناير/ كانون الثاني 191/6 م. ,بانس لزمن حدوثهاء وتدخل عليها الشخوص الثانوية في الأوقات والأماكن التي لقيت فيها صاحب السيرة» وكاتب الترجمة يتناولهم حسب أدوارهم وتأثيرهم في صاحب السيرة وأدبه. وكتابا «أبو نواس» و«ألحان ألحان» أوفى سيرة للنواسي حتى زمن صدورهماء وربما حتى الآن» وكانت من قبل أخباراً متناثرة تتضارب فيها بعض الروايات» ولا أعني أن صاحبنا جمع كل هذه الأخبار من «الأغاني) و«وفيات الأعيان؟ و«أخبار أبي نواس»» ونسقها في كتابيه فحسبء وإنما استند إلى أشعار النواسي ليملأ بها هرّات في حياته. هذا إلى جانب التحليل والتفسير» وقد راجع صدقي روايات في الكتب القديمة وأثبت بطلانهاء ووازن بين أقوال وأقوال» وفضل بعضها على بعض مما يظهر أنه تحرى الدقة قدر الإمكانء والموازنة والمراجعة من علائم البحث الحديث» ولأنه يكتب سيرة تشبه القصة فقد دوّن الموازنات في الهوامش حتى لا يقطع المؤلف على القارىء متعة المتابعة. ولكن يؤخذ على الكاتب فيما كتبه عن أبي نواس أنه لم يبسط رأيه النقدي في شعرهء ولم يمعن النظر في أخيلته وصوره وصياغته» الأمر الذي يظهر وعي الكاتب وأسلوبه النقدي. ويلجأ صدقي إلى علم النفس في تفسير سلوك أدبائه» والتعرف على دخائل نفوسهمء وبخاصة إذا كانوا يتحدُون الفضيلة في رقاعة ووقاحةء ولأن أبا نواس وهبودلير» شخصيتان غير سويّتين؛ إذ الأول لوطي والآخر زناء من مدمني الخمورء فقد رأى أن شخصية «بودلير؛ مركبة يلتقي فيها الجد بالهزل والخير بالشرء وذهب إلى أن «شهواته ذهنية أكثر منها جسدية»؛ وأنه «رجل من أهل المعاني مغرق في هوة المادة». أما أبو نواس» فيرى أن مجاهرته بالمعاصي «واللذات من علامات مركب النقص».؛ ويذهب إلى أنه يعترف على نفسه بأكثر مما يقترف». وأن ان فجوره كان بالقوة أكثر منه بالفعل» وصدقي لا ينكر مجون أبي نواس بير لود اا 0 وقد فسر العقاد مجون أبى ص بالئرجسية في كتابه «الحسن بن هانىء؟. أما علي أدهم . فقد 8 . شاعر أبيقوري المزاج. وعلى هذا تتنوع تفسيرات سلوك النواسي؛ وكأنه ظاهرة تحتاج إلى تفسير . أما الكتاب الثالث «الشرق والإسلام في أدب جوته»» فإنه يختلف عن سالفيهء ففي ترجمته لأبي نواس تناول حياته من جوانبها المتعددة وفى سيرته عن «بودلير» تناول عدة جوانب فيه. أما ١جوته».‏ فقد عرض منه ناحية واحدة هي امتزاج الشرق والإسلام ببعض أدابه» وتأثره بقصص في العهد القديم وبآيات من القرآن الكريم» وسيرة الرسول الأمين كَل وتعليقاته على المعلقات الجاهليةء ولما كان تأثر «جوته» بالشرق والإسلام على مراحل؛ فإن صاحبنا عرض في كل مرحلة لحياة جوته بما كانت عليه حتى تكوّنت له صورة على نحو ما. وهذه الصورة عن جوته وأدبه ثمرة قراءات وفيرة» فليس أشق من مطالعة العديد من مؤّلقاته واقتطاف ما تأثر به» ثم وضع هذه المقتطفات قرين ما يشابهها من النصوص الشرقية والإسلامية”'. وقد حاز هذا الكتاب جائزة الدولة التشجيعية عام 21١9457‏ وجاء في تقرير لجنة الفحص: «أخرج الأستاذ الشاعر عبد الرحمن صدقي في كتابه الشرق والإسلام صورة لشاعر ألمانيا الأكبر من زاوية الشرق والإسلام ممتازة من نواح عدة...4»» وبعد أن تذكر هذه النواحي تقول اللجنة الفاحصة: «إن هله الصور للشاعر جوته مستحقة للجائزة التي خصصت هذا العام للصور والتراجم' .م١9477 مجلة المجلة؛ يناير/ كانون الثاني‎ )١( 4م‎ ولعبد الرحمن صدقي عدة قصص من إبداعه نذكر منها «بلقيس ملكة سبأاء «المرأة والتابع المجهول». اك طلب الشأراء ولكنه استهر بالمجموعة القصصية «ألوان من الحب» التي ظهرت طبعتها الأولى عام 14 »؛ وكتب لها مقدمة ألم فيها بأنواع الحب ورد هذه الألوان إلى الطبائع والأمزجة وأنماط الأفراد وظروف الحماة؛ وخصائص الأجناس البشرية» وتضم هذه المجموعة طائمة من القصص الروسي والفرنسي والإسباني بعضها مترجمء وبعضها ملخص من التاريخ والأساطير. وهذه القصص تتباين اتجاهاتها وتتلون بأفكار مبدعيها وبيئاتهم. كما أنها لا تنبع من نبع واحد وليست لها غاية مدحلدة » وإنما هي ألوان من الحب تتلاقى فيها الخسة والنبل. والحياة والموت. والعنف والعطف. فهذا الحب ألوان من السعادة والشقاء. وقل انتقد «(دريني خشية ةا هله المجموعة. قاعلا - «اختار لنا في هذه الحب... ويدفعنا الفضول إلى سؤال الأستاذ عما أدى به إلى إغفال القصاصين الإيطاليين والإنجليزء فلم يضمّن مجموعته شيئاً من روائييهمء فهل هو فاعل في الأجزاء التالية إن شاء الله؟ وكم كنا نؤثر لو أنه تناول بالشرح هل! الفيض الكثير من الكلمات النثرية في ذيل الصحقة. . . ولا غَرُو أن كل من يقرأ «ألواناً من الحب» سوف ينتفع بهاء سواء أكان قارثاً عادياً أو شاباً أو أديباً فتى أو فتاة... إنها دروس في تطهير القلب 0 وإرهاف الحس وتقويم الخلق» فلا تبذل فيها ولا إسفاف'''. وإشارة ادريني خشبة» إلى شرح الكلمات المستوعرة في موضعها؛ ومما يجدر ذكره أن لدى صدفي ثروة لفظية كبيرة استوعبتها ذاكرته من .م١19544‎ /7/5 الرسالة»‎ )١( دان‎ كثرة القراءة في التراث؛ هذا إلى جانب ميله أحياناً إلى السجع وإلى كتابة عبارة جزلة» مع رغبة عنده في تنويع ألفاظهء لذلك تتساقط في أسلوبه كلمات صعبة بقصد أو بدون قصد. وقد توفر صدقي على الثقافة العربية والثقافات الأجنبية؛: قديمها وحديثهاء واستمكنت منه الثقافات الفئية والاجتماعية وتجذرت فيه؛ لأنها تتجاوب مع روحه وميوله وطبيعة عمله. أما الجوانب الفكرية العميقة واسعة المدى» كالفلسفة.ء فإنه طاف بها دون أن يستغرق في نظرياتها ومذاهبهاء ومن هنا كانت تسند إليه الكتب الأجنبية أو الفنية والتاريخية ليترجمهاء مثل كتاب «مصر القومية» لهانز كوهن. أو يراجعها مثل كتاب «ليونارد دافنشي» من تأليف إميلي هان وترجمة محمد سيد محمدء أو يقدم لها مثل مسرحية «الغربان» من تأليف هنري بيك وترجمة محمد القصاص . وصدقي كثيراً ما كان يتجاوز الوجدان أو دور الفنان إلى النواحي الإنسانية والحياة العامة» على نحو ما نقرأ في مقالاته التي تعد بالمئات عن «فكرة الروح عند الإنسان البدائي؟؛ «التفسير الجنسي للتاريخ». «فلسفة اللعب". «عبادة الحرية»؛ «رسالة في القدر»ء «ملتقى الشرق والغرب».: «الأحلام توجه الإنسان»» فهو في هذه المقالات وفي غيرها غير مقيد بذاته أو بالفئون» وإنما ينطلق إلى العالم الخارجي في ضوء الحقائق ويحلل تحت رقابة العقل . ولم يكن صدقي شاكي السلاح نقّادة يكر كالعقادء أو يكر ويفر كظه حسين؛ وإنما كان بحّحاثة نقّادة يزن الموضوعات التي يُعنى بها في تؤدة وعدوء:» :دوت عذال أو لدد أو عراكء فهو يؤكد ذاته بطرح آرائه وعرض نتائج بحوثه . وقد عاش صدقي الفترة الأخيرة من حياته في هدوء يراجع نفسه نلن وأيامه» وكان يود أن ينجب ابئا يرث مكتبته التى يقدر عدد كتبها بنحو ثلاثين ألف كتابء وقد رأيتهاء ولكن هذا لم يحدثء. كذلك كان يرغب في جمع مقالاته المشرّدة في «الهلال»؛ و«المجلة»ء و«الرجاء» و«الجمهورية» و«الرسالة» و«الثقافة» واالمقتطف» و«الكتاس» وغيرها. وهذا لم يحدث أنضا : وفي أحد أيام عام ١977‏ رأيته في شارع الأهرام بمصر الجديدة؛ وقد مال بصدره إلى الأمام. فصافحته وقال بصوت فيه ضعف: «ما حدش بيشوفك؛» فقلت: «تحت النظر يا أستاذة» ومضى ومضيت؛» وأدركت أنه على شفا النهاية» ولم يلبث طويلاً حتى نعاه الناعي بعد أن تحررت روحه من قيود المادة في العشرين من يثاير/ كانون الثاني “الما ينه . لقع 28 عرس مرق تالأة المى والموت 3-5 عود على ددء الرحلة إلى إيطاليا غاعة صورة غلاف كتاب «من وحي المرأة؛ لعبد الرحمن صدقي يكنا ان نل الل ل انا ار ار ا 2 كا م 1 2 )الل ا )للد ا ني ياك ؛/اساكك كباله الما ته الساكلد ما ال د بد لخو لعصسا لد تاي تال ناليد ساتليه لسشاالد ان كان أحمد الصاوي محمد في صباه يحلم بالمجد الأدبي والشهرة. وقد جاهد بكل الوسائل حتى وصل إلى قمم كبريات الصحف وأصدر المجلات والكتب وذاع صيته في حياتهء أما بعد موته فلم يتوفر عليه أحد ويضع فيه رسالة مطولةء وما كتب عنه قليل متفرق حتى غشيته الظلمةء وإذا اقتربت منه فإنك تجد سيرته تتقطع ولا تطرد في انتظام» وتتراوح بين الظهور والخفاءء وكل ما ذكر عنه هو الخطوط العريضة في حياته؛. مثل رئاسته لتحرير «الأهرام» و«الأخبار» وإصدار «مجلتي». وتخرجه في معهد الصحافة» وكتابته عموده المشهرر ما قل ودل»ء وهذا هو الصاوي الذي مات بالأامس القريب. تقول «الأهرام» و«الأخبار» غداة وفاتهء وهما الجريدتان اللتان رأس الصاوي تحريرهماء إنه ولد عام )١407(‏ وتحدد الأخبار يوم مولده قائلة: «ولد في 24١907/١/7‏ والمفروض أن الصحيفتين الكبيرتين مصدر ثقة وربما يكن هذا هو الذي تم تسجيله في أوراقه الرسمية؛. ولكن البحث يفيد أنه ولد قبل ذلك.. ففي آخر فبراير/ شباط ١918‏ أثار كاتب يدعى حامد الصعيدي؛. في جريدة «السفور» قضية ترجمة المنفلوطي لرواية «مجدولين»؛ وذهب إلى أن المنفلوطي بدّل في شخصيات الرواية وتعسف في التصرف, وينتهي إلى أن الرواية من موضوعات المنفلوطي لا من معرّباته, وقد أبدى أحمد الصاوي محمد. ومحمود كامل» ان وغيرهماء إعجابهم بالمنفلوطي وأسلوبهء وبينوا أن ذوقهم ارتقى بأدبه: ولا يعنيني ما قيل في المنفلوطي بقدر ما يعنيني أن الصاوي شارك في هذا الحوار وفي السادسة عشرة من عمرهء وأرى أنه لكي يشارك في هذه القضية الشائكة فلا بد أن يكون أكبر من ذلك» وتفيدنا مشاركته في هذا الجدل إنه مغرم بالقصص الأوروبي؛ ولا يأنف من التصرف في الترجمة» وهذا ما جرى عليه فى ملخصاته القصصية فيما بعد. قصصه العاطفية تكشف سه : ونعود إلى تاريخ مولده الذي حدده الصاوي بطريقة موارية» وذلك عندما أزاح الستار عن خوافي قلبهء ففي مجلتي مايو/ أيار 1416 كتب قصتين تحت عنوان «حياة قلب»؛ الأولى وقعت أحداثها عام ١4١6‏ وفيها عاشق عمره ستة عشر عاماً؛ أي ولد هذا العاشق عام ١444‏ يحب فتاة في الحادية والعشرين ولا يتوج الحب بالزواج في النهايةء والثانية تقع أحداثها عام ١9714‏ وفيها يتعرف العاشق نفسه بفتاة من ذوي قرباه. ويتقدم لخطبتها ولكن أباها يرفض. أما صفات العاشق وأحواله فقد كان عام ١416‏ قد حصل على الشهادة الابتدائية» ويتأهب لدخول المدرسة الثانوية ويقرأ كتب الأدب وقصص الخيال؛» وبدأ يتعلم الفرنسية وأخذ يترجم «إميل» لجان جاك روسوء وبعد حصوله على الشهادة الثانوية توسط له قريب يشغل منصبا كبيراً في وزارة الداخلية ليعمل بهاء وكانت وظيفته كاتب سجن في «شربين؟»» وبعد فترة قصيرة قدم استقالته لأن هذا العمل لا يناسبه. والتحق في القاهرة بعمل آخر. وأوصاف العاشق هذه تنطبق على الصاوي؛ فهو يعرف الفرنسية إلى جانب الإنجليزية وأخل يترجم عن الفرنسية منذ وقت مبكرء وأول ترجمة م أتمها هي رواية «تاييس» لأناتول فرانس» وقد عرضها عام ١977‏ وهي مخطوطة على لطفي جمعة ليقوّمها له وهو محب للقصص . أما عمله في الداخلية كما جاء في القصة فهو حقيقة: إذ جاء فيما كتب عنه أنه عمل بوزارة الداخلية عام » والقصة الأولى تفيد أنه ولد عام ١898‏ وتفيدنا القصتان أنه وهو في الصبا كان ميسور الحال إلى حد ماء فد كانت تنفق عليه جدته لأبيه؛ لأن أباه مات وهو في الشهور الأولى من حياتهء وبعد موت جدته تولت أمه أمرهء ولما كانت أمه تريد أن يتزوج من قريبته» فقد باعت لأجل ذلك فداناً من الأرض مما يوحي بأنه لم يكن من أسرة معدمةء ولا يدانيني شك في أن القصتين من واقع حياته. وقد أعاد نشرهما في كتابه «حياة قلب»» وكتب في مقدمته: (هذا الكتاب هو حلقة من عمري؛ عاق : من عمر الصاوي - بلا زيادة ولا نقصان» ليس فيها أثر للادعاء والخيال» صوّر فيها ذلك الدور العنيف من شبابه «المقيد في الشرق بقيود الحرمان ينطلق في الغرب بغير حساب». وقد اهتممت بهاتين القصتين؛ لأنهما تصوران شيئاً من صباهء أما غرامياته الأخرى التي حدثنا فيها عن سونيا وبان وغيرهما من اللاتي انطلق معهن بغير حساب» فيمكن للقارئ الرجوع إليها إذا شاءء وأنتهز هذه الفرصة لأنبه الأساتذة الباحثين إلى ضرورة توخي الحذر والدقة عند تناول تواريخ ميلاد المشهورين؛ الذين ولدوا في القرن التاسع عشر ومطالع القرن العشرين. 55 طفولة مجهولة: أما طفولة الصاوي فهي مجهولة؛ وقد قال مصطفى أمين إنه ولد في أسوان» وقيل : إنه ولد بقرية مس فرى الصعيد دون تحذديدذ» ويبدو أنه أمضى فترة قصيرة من طفولته في الصعيد ثم انتقل مع أسرته إلى القاهرة. 44" فقد حصل على الشهادة الابتدائية من القاهرة ثم أدخل المدرسة السعيدية الواقعة في سراي جناكليس - الجامعة الأمريكية الآن. . ويعد تركه العمل كاتب سجن بوزارة الداخلية». التحق بمصلحة المناجم والمحاجر عام ١917١‏ وظل بها فترة» وتفيدنا رسائله إلى لطفي جمعة في سنتي 191717 - 19717 والمنشورة في كتاب «حوار المفكرين؟؛ أن نفسه عليلة حزينة حائرة ويائسة من الحياة. وفي عام ١975‏ يدأ يتصل «بالأهرام» يقول في «مجلتي؟: كتبت أول كلمة من كلمات ما قل ودل» فرأيتها في اليوم التالى فى صدر الجريدة «الأهرام»... ولكنه لم يستمر لما كان مغرماً بقراءة الروايات والتمثيليات» فقد لخص عدداً منها ونشرها في مجلة الفجر التي كان يصدرها أحمد خيري سعيد ثم أعاد نشرها في «مجلتي». وفي مطلع عام ١9177‏ سافر إلى فرنسا ليتلقى العلم في السربون» على نفقة هدى هانم شعراويء ومن هنا كان يرسل مقالات إلى جريدة السياسة يذكر فيها انطباعاته» وكان يبعث برسائل إلى عارفيه» ومتها رسالة إلى لطفي جمعة يقول فيها: «وقد التحقت بمدرسة العلوم الاجتماعية» وأحضر في السربون وفي الكوليج دي فرانس. ..»»: ويظهر أن مستوى الدراسة في الكلية الأخيرة الذي لا يعطي أي دبلوم هو أرقى من تلك العلوم المقيدة بالدبلومات بكثير. . وفي رسالة أخرى يقول: «وأحسن ما أعجبني هنا التياترو فهو يكاد يكون بالغاً حد الكمال».. وقد أفاد من مشاهداته للمسرح الفرنسي في تلخيص مسرحيات كثيرة نشرها فيما بعده هذا إلى جانب حصوله على دبلوم في الصحافة وآخر في العلوم الاجتماعية» أما علاقاته العاطفية مع الباريسيات فإنه ملا بها كتابه (حياة قلب©. وواظب على الدراسة في باريس إلى أن وصله خطاب من جبرائيل 1 تقلا صاحب الأهرام عام ١947٠‏ يقول فيه: «إذا لزمت الدبلومات الطبيب والمحامي والمهندس لمعالجة مهنته بصفة قانونية» فإن الدبلومات هي آخر ما يلزم في الصحافة حيث لا تفوز إلا الموهبة والكفاية والمقدرة» ثم التقاه في باريس» وحدد له مرتباً كبيراً فسافر إلى مصر واستلم عمله في «الأهرام» من أول سبتمبر/ أيلول 2197٠‏ وظهر مقاله اليومي «ما قل ودل»» ولم يكتف بالكتابة في «الأهرام»؛ وإنما ترامى طموحه إلى إنشاء مجلة أدبية فكانت «مجلتي» التي صدرت عام 1975. وي طلاق قبل الزفاف : وفي عام 1476 أعلن عن مسابقة ملكات جمال العالم وكانت درية شفيق ١990 ١408‏ ممن تقدمنّ إلى المسابقة وحققت فوزا وشهرة؛ وعلى إثر ذلك تقدم أحمد الصاوي لخطبتهاء وحسب كتاب «امرأة مختلفة ‏ درية شفيق» ل«سينثيا نلسون» الذي ترجمته نهاد أحمد سالم. قالت درية عن الصاوي: «كان شديد الدمامة شديد الجاذبية؟؛ وتم حفل عقد القران في قصر هدى شعراوي ويمباركتهاء ونشرت صورة العروسين في صدر جريدة «الأهرام) ولم يدم الصفاء بين العروسين. فتم الطلاق قبل ليلة الزفاف. وتنقل سينثيا نلسون عن مصطفى أمين «أن الصاوي كان صعيدياً في غلاف أوروبي...»» كان متحرراً فيما يكتب متزمتاً في بيتهء أما درية فكانت متحررةء وهذا ما أذى إلى الانفصالء» ومما تقوله درية في مذكراتها: إن سبب الطلاق هو محاولة الصاوي لابتزازها”''. نعود إلى عام (95) لنذكر أن داوده بركات رئيس تحرير «الأهرام» توفي في )1١91"4 /١١/54(‏ وهو الذي كان يكن تقديراً للصاوي. 0 راجع كتاب : امرأة ممختلفة , وحل أنطون الجميل محله. وبالرغم من أن الصاوي كان يسترضي رئيسه الجديد ويذكره في «مجلتي» وينشر صورته»؛ فقد وقعت خلافات شديدة بين الرجلين انتهت بترك الصاوي «للأهرام».. ولجوئه إلى جريدة «المصري». ثم كتب في «أخبار اليوم» وبعد وفاة أنطون الجميل عام 4 عاد إلى «الأهرام»: وفي عام ١907‏ تولى رئاسة تحريرها. وكانت «الأهرام» مستعمرة لبنانية لا يتولى رئاسة تحريرها إلا لبناني ؛ فكسر الصاوي هذه القاعدة وكان أول مصري يتولى تحريرهاء وظل في هذه الوظيفة إلى عام »)١9801(‏ ثم انتقل بعد فترة إلى الأخبار ليرأس تحريرهاء ثم أسندت إليه مجلة «آخر ساعة» ليتولى أمرهاء وعندما تولى علي أمين رئاسة تحرير مجلة «الهلال» عام )١9457(‏ شارك الصاوي بمقالاته وقصصه الملخصة فيها إلى جانب عمله في «الأخبار» التي تواصل معها إلى آخر حياته . مؤلفاته : ولأحمد الصاوي أكثر من أربعين كتاباً أصدرها على مذار حياته منها القصصء والمسرحيات الملخصة والمترجمة» والتراجم والقصص القليلة المؤلفة» ويوميات «ما قل ودل»» وغالبية هذه الكتب تناسب الشباب من الجنسين» لأنها قصص تدور حول الحب والبغض» والمرح والشجوء والبهجة والغيرة» والانتقام والحقيقةء وخداع الأوهامء ومن هذه الكتب: «غانيات»» «رجال ونساء؛. «زوجات»». «بنات»» «زواج الشباب»: «العاصية». «العقل والهوى؛. في الحياة والحب». وبعض القصص كان ينشرها في أكثر من كتاب مثل «العاصية» التي نشرها في مجموعة «العاصية» وفي مجموعة «في الحياة والحب»»ء وقصة «عائدة» التي نشرها في مجموعة في الحياة والحب» ومجموعة «حياة قلب». "35 م تلخيص القصص : وطريقة تلخيص القصص والمسرحيات التي كانت تمثل الجهد الأساسي في حياته الأدبية كانت معروفة وملحوظةء ففي أواخر القرن (0) كانت بعض المجلات تقدم هذا اللون من القصص. وعلى سبيل المثال كانت مجلة «الضياء» لليازجي تنشر فى كل عدد قصة ملخصة. وكان يقوم بتلخيص أكثر القصص نسيب المشعلاني ولبيبة هاشم؛ وفي مجلة «فتاة الشرق» التى صدرت عام (4:7١)؛‏ ١كانت‏ لبيبة هاشم تقدم في كل عدد قصةء ولما سافرت إلى أمريكا اللاتينية عام ١147؛‏ كانت أليس داغر هي التي تترجم أو تلخص قصة في كل عدد من أعداد «فتاة الشرق»ء وكان طه حسين من الذين اجتهدوا في هذا المجالء» وله كتاب (اقصص تمثيلية؛ صدر عام (1955). وفي عشرينيات القرن العشرين؛ نشر طه حسين طائفة كثيرة من التمثيليات الملخصة في جريدة «السياسة» وغيرهاء ثم جمعها في كتاب «لحظات» و«صوت باريس»: واتسعت خطوات طه حسين في هذا المجال» وله كتب أخرىء ويبدو أنه استحلى هذه الطريقة فداوم على طَرْقهاء وقد حذا الصاوي حذو هؤلاء وانتظم في صمّهمء وأََمّ بطه حسين خاصة؛ فكان يكتب مقدمة للقصة يذكر فيها المؤلف ونبذة عن القصة. وهذه القصص الملخصة فيها دروس وعبرء وتئقل إلينا تجارب الأمم. وتحيط غير العارفين باللغات الأجنبية علماً بما يجري عند الغربيين» وتصور آدابهم وتوفر الوقت لمن ليس عنده وقت لقراءة عشرات الروايات والتمثيليات في نصوصها الأصلية» وكان لها دور في تنشئة جيل جديد من كتاب القصص.ء ولكن التلخيص أسهل من الترجمة الحرفية؛ لأن كاتب التلخيص يطالع التمثيلية الأصلية ويطرحها جانباً ثم يلخصها من ذهنه؛ أي: أنه يقرؤها ويدفع بها إليك ملخصة مبسطة» ومن عيوبها : فض أن من يلخص يعرض المواقف أو الحوادث التي يراها مهمة من وجهة نظرهء فيتحكم بهذا : في المؤلف والقارئ ويؤثر على حكم القراء؛؟ لأنه يفم لهم مهما ولمن انعا جامد هذا إلى جانب أن هذه الملشخصات لا تضيف شيئا إلى من لخخصها؛ لأنه ليس صاحب الأفكارء وعندما أراد خليل مطران أن يثني على الصاوي كتب في مقدمة مجموعة «في الحياة والحب:: أنه أحسن الاختيار وبرع في التلخيصء وامتدح الأسلوب. وهذا أقصى ما يمتدح به كاتب الملخصاتء» وقد أطرى طه حسين الصاوي وذهب إلى أنه أنشأ ١‏ «مجلتي» ليشارك في تمصير الأدب والعقافة("" . وهو إطراء في غير موضعهء ذلك أن الصاوي لم يمصر شيئاًء وإنما كان يلخص تمثيلية ترد فيها الأسماء الأجتبية والأجواء الأوروبية: والتمصير هو أن تكون القصص الملخصة أو المترجمة بأسمائنا المصرية» وتكيف الأحداث حسب أجوائنا؛ وكأنها قصص أو تمئيليات مصرية وهو ما لم يفعله الصاوي. ولأحمد الصاوي عدة كتب في تراجم الأوروبيين مثل: شلي وبيرون وهاينيء ويلزاكء. والمغني المجنون. وهو كاروزو المغني الإيطالي. وقد راعى في هذه التراجم طريقة السيرة التي تعتمد التسلسل الزمني» وفي ترجمتيه لشلي وبلزاك وغيرهماء سار على الطريقة القصصية الفنية؛ أي: يحكي سيرته وكأنه يقص علينا قصة بما فيها من سرد وحوار. وهي الطريقة التي جرى عليها «أندريه موروا»» وفي أدبنا العربي سبقه إليها ميخائيل نعيمة؛ عندما ترجم لجبران خليل جبران» واتبعتها أمينة السعيد عندما ترجمت لبايرون. .18178 مجلتي يناير‎ )١( يلض وهذه الطريقة وإن كانت لطيفة مسلية فإنها غير علمية؛ وليس فيها ما يدعو إلى الثقة بها؛ فالمؤلف يتفنن. ويتخيل» ويكتب ما يعن له فتأتي السيرة فضفاضة غير محكمة. وذلك راجع إلى تداخل الخيالات في الحقائق» والسيرة الصحيحة هي التي تأتي معالم صاحبها مقترنة بالشواهد المبنيّة على الوثائق المدونة» مع أهمية ذكر ذلك والإشارة إلى مواضعه أو مصادره لتكون ترجمة علمية يعتد بهاء. ولا بأس من قراءة هذا اللون من السير على أنه قصة فنية مسليةء وقد آثر الصاوي هذه الطريقة لأنه يريد أن يتحول كل شيء إلى فن وقص . أما ترجمات الصاوي فإنه يغلب عليهاالفن. فقد ترجم «طرطوف»., وه«عدو المجتمع» عن موليير بطلب من وزارة المعارف. وقررتهما الوزارة على طلبتها وترجم «تاييس» و«الزنبقة الحمراء» عن أناتول فرانس» وترجم «أفروديت القديمة وأفروديت الحديثة» عن بيير لويس وغير ذلك؛ ولا تخلو هذه الترجمات من ترجمات علمية مثل ترجمته لكتاب «إيف كوري» الذي وضعته عن أمها «مدام كوري». ومن أكثر كتابات الصاوي شهرة يوميات «ما قل ودل»)» ويصعب حصر الموضوعات التي كتبت فيهاء وقد جمع عام )١975(‏ كتاباً منها؛ يقع في جزأين اشتمل على موضوعات وجدانية وقومية واجتماعية وأهذاه لأمه. وللصاوي كتب أخرى يضيق المقام عن التعريف بها. ولعل أكبر إصدارات الصاوي وأكثرها ذيوعاً وشهرة هي مجلة «مجلتي». التي صدر عددها الأول في (غرة ديسمبر/ كانون الأول 1975) نصف شهريةء واجتهد في أن بجعلها مقروءة ورائجة فخاطب القراء بأنها تشتمل على خلاصة أدب العالم وقصصه ومسرحياته وروائع الأدب أن المصريء وكان بين الحين والآخر يقرل للمشتركين في مجلته: (إنك معنا تكسب داثماً». بل يحمّس القراء ويطمئنهم ويقول: ؛لن تتفوق على مجلتي إلا مجلتي».. وكانت تطبع على ورق جرائد إلا أنها حسنة الإخراج والتنسيق» وبعد صدور عدة أعداد صار يرفدها بلوحات فنية ملونة لفنانين أوروبيين مشهورين. فكانت تزيد طلعتها حسناً وتنمى الذوق الفني» كذلك كان يزوّدها بصور أخرى للأهرامات ونهر النيل وأحدث الأزياء للفت الأنظارء وهذا على سبيل المثال. 2 حِيل الصاوي : ولأن «مجلتي» عاصرت عدة مجلات أدبية قوية مثل «الجامعة وال١٠‏ قصص» لمحمود كاملء و«الرسالة» و«الرواية» للزيات» و«روايات الجيب» لعمر عبد العزيز أمين» و«الثقافة» التابعة للجنة التأليف والترجمة والنشر وغيرها من الدوريات المهمة؛ فإن الصاوي كان يتفنّن فى جذب القارئ إلى مجلته وتوفير المال اللازم لهاء فمرة يتواصل مع المشتركين بتقديم هدايا لهم عبارة عن كتب من مؤلفاته مثل: ما قل ودل» أو ببعض مؤلفات توفيق الحكيم مثل: «شهرزاد؛» «أهل الكهف». «عودة الروح»؛ ومرة بتلخيص بعض المسرحيات المقررة على الطلبة؛ ففى عام )١985(‏ لخص مسرحية «تمسكنت فتمكّنت» لأوليفر جولد سمثء. وكانت مقررة على طلبة كلية التجارة قسم الدبلوم؛ والمسرحية كما يقول الصاوي ظلت تمثل من عام (١ا17)‏ إلى الزمن الذي لخصها فيه»؛ أي: أكثر من قرن رنصف القرن؛ ذهبت فيه أجيال وجاء غيرها. ومما لجأ إليه الصاوي لمداومة الاتصال بالقارئ وتوفير المال لمجلته إعلائه أكثر من مرة عن جلدة «مجلتي»» فكان يحث القراء على م تجليد مجموعة من الكتب مما لديهم مقابل اثنتي عشر قرشاً خالصة أجرة البريدء وكثيرة هي الحيل التي كان الصاوي يراها توطد علاقة القراء بالمجلة» ورفدها بالمال الذي يساعد على صدورهاء وقد حفلت مجلتي بكتابات كثيرة لكتّاب كبار ومتوسطين» مثل: طه حسين الذي أطلق عليه الصاوي لقب عميد الأدب العربي» وتوفيق الحكيم» ومحمود تيمور. والمازني» وحسين فوزي». وسهير القلماوي» وحسن الشريف» وإبراهيم رمري ». ومصطفى عبد الرازق» وإسماعيل مظهرء وعلي مصطفى مشرفة. وبعض الشعراء مثل خليل مطران وإبراهيم ناجي وغيرهم. وقد راجت «مجلتي» ورفعت رأسها بين المجلات المنافسة لها. والدليل على ذلك إصدار الصاوي مجلة أخرى. خرجت من بين أعطاف «مجلتي». دعاها ١كليوباترا»‏ وهي مجلة نسوية مصوّرة بيد أنها لم تصمد فتوقفت في عام صدورها (1974). وظلت «مجلتى» تواصل الصدور نصف شهرية منذ (ديسمير/ كانون الأول 195) إلى (مايو/أيار 19174) تحت إشراف الصاويء وكان قطعها )7١5(‏ وموضوعاتها أدبية في الغالب. تأتي في شكل قصص ومقالات أو مسرحيات مع بعض القصائدء وكان مقرها في ١14‏ شارع الخديو إسماعيل» قرب ميدان التحرير. وفي شهر (مايو/ أيار 1878) اتسعت مساحة صفحتها طولاً وعرضاً وانتقل مقرها إلى (عمارة الصباح 4؛ شارع الداخلية) بجوار ضريح سعد زغلول» وصارت أسبوعية» وأطلق عليها «مجلتي للمحاضرة والمناظرة»؛ وتغير طابعها العام من مجلة أدبية إلى مجلة تعنى بالمناظرات وتنشر المحاضرات العلمية المطولة. وقد نبّه الصاوي في طورها الجديد هذا كن على تغيير طابعهاء وقال في عدد )١1978/6/١60(‏ في هذا الطور: «اثرنا أن يكون هذا الدور للمحاضرة والمناظرة في جميع أنحاء المعمورة. بعدما قضينا الشهور في الدراسة والاتصال والمباحث حتى تم لنا الآن التعاون الفكري مع أعظم جامعات العالم» فقد كنا ننوي إصدارها مجلة مستقلة عن «مجلتي» لولا أن الظروف الحاضرة لا تسمح بهذا الاستقلال»؟. وهكذا تتخصّص «مجلتي» في نشر أرقى المحاضرات فى جميع العلوم والآداب والفنون في مصر وجميع أنحاء المعمورة» ولا يخفى أن المحاضرة هي أرقى من المقالة؛ لأن صاحبها يعكف على درسها واستجماع الوثائق لها أضعاف ما يفعل كاتب المقالة عادة. ونوّه بالجامعة الأمريكية وبقسمها الخاص بالمحاضرات» ومن المناظرات التي نشرتها «مجلتي» واحدة عن تحرير المرأة بين محام ومحامية فرنسيين» الأول في موقف المعارضة والثانية في موقف الموافقة» والمناظرة جرت في جامعة باريسء ومحاضرة مترجمة عن عظمة العصر ومعجزات العلم ألقاها المسيو هريو رئيس مجلس نواب فرنسا في باريس» ومن المحاضرين المصريين: د. محمد فتحي أستاذ علم النفس الجنائي» الذي ألقى محاضرة عن علم النفس الجنائي» وفؤاد أباظة الذي ألقى محاضرة عن الثورة الزراعية» ود. مصطفى مشرفة الذي ألقى محاضرة عن واجبنا العلمي. وبين أهمية نشر الكتب العلمية التي وضعها المصريون والعرب مثل: ابن الهيثم والخوارزمي وغيرهماء وهناك محاضرات عن واجبنا نحو الفلاح وأثر الراديو في المجتمع المصري والمسرح الفرعوني وغير ذلك . وهي محاضرات وافية تبرز في طياتها الموضوعات الجليلة» وتزخر بالمعلومات المفيدة» وتنمي الملكات بالمعارف المتنوعة» فتتقد عقول 4م المستمعين من أفكار المحاضرين. ومع هذه الفوائد الجمة فإنها تخاطب أصحاب المستويات العلمية والأساتذة المتخصصين وأهل الفكر العالي؛ ومثل هذه الموضوعات قراؤها قلائل وجمهرة القراء تميل إلى الموضوعات الشائعة والقصص الجاذبة والأشعار الغزلية الرقيقة» وهات وخذ بين القارئ والكاتبء. لذلك استمرت «مجلني» في المناظرة والمحاضرة فترة عانت فيها العزلة بسبب تخصّصها وعادت إلى سيرتها الأولى» تنشر المقال والنقد والقصة لتجد لها جمهوراً يبتاعها ويساعدها على التواصل والعطاء. والملاحظ أن الصاوي اختفى أو كاد من «مجلتي؛ للمناظرة والمحاضرةء وكأنه لا يملكها فلا تجد له شيئاً كثيراً فيها. وعندما عادت «مجلتي» إلى سيرتها الأولى كانت الحرب العالمية الثانية قد اشتعلت. وسقطت باريس في يد النازيء فقلت صفحاتها وانُشحت كلماتها بالسواد حزناً على باريس» وفي (يونيه/ حزيران عام ) جعل الصاوي محمد نجيب ذهني مديراً لهاء وكانت المراسلات والشيكات والإعلانات تتم معه أو باسمه؛ مما يعني أنه المتصرف في شؤونهاء ولكن الصاوي كان حاضراً فيها بمقالاته» وفي فترة إدارة ذهني جاءت مقالات وقصص ومواد ثقافية أخرى بتوقيعات مستعارة أو بالأحرف الأولى من الأسماءء ومنذ عام ١457‏ ازداد حضور الصاوي فيهاء ويكاد يحررها وحله أو بمشاركة محدودة من بعض الكتّاب. وانخفض عدد صفحاتها إلى اثنتي عشرة صفحة. وفي عام ١4847”‏ كانت أبرز موضوعاتها مقالات عن باريس بأقلام مصريين وفرنسيين» وفي عدد ١914/4/١6‏ رفع من مجلتي اسم محمد نجيب ذهني وانتقلت إلى 7١‏ شارع عدلي؛ وفي هذا العام ١445‏ وكانت كفة الحلفاء قد رجحت فظهرت فيها مقاللات عن الاتحاد السوفييتي مثل : كن «إنجلترا وروسيا»ء كما نشرت بعض القصص الروسية» ثم أخذت المجلة تجنح نحو المغيب ويظهر فيها الإهمال وصار العدد يتكون من ثماني صفحات لا يستفيد القارئ منها إلا بنحو أربع صفحات. أما مواد العدد فهى عبارة عن قصة واحدة ملخصة وقصة ومقالة وبعض الإعلانات» ومن مظاهر الإهمال ألا تكتمل الجملة الأخيرة إذا جاءت في آخر الصفحة. وإنما تترك ناقصة حتى لا تشغل حيزاً في صفحة أخرى مخصّصة لموضوع جديد» ومن مظاهر عدم الاهتمام أن المحرّر كان يعيد في فترتها الأخيرة مقالات سبق نشرهاء مثل مقالة «من كان طرطوف؟». فقد نشرها في يوليه/ تموز ١915‏ ثم أعاد نشرها في سبتمبر/ أيلول 1155»: وعلى هذا النحو دب الإعياء فيها وأخذت تحتضر إلى أن لفظت آخر أنفاسها في 5/ ١956/5‏ وبعد أن أصدرت 817 عدداً. وظلت «مجلتي» تتابع الأحداث الثقافية في الشرق والغرب. وتكتب عن أهم الكتب الصادرة هنا وهناك؛ وتعرّف الناس بهاء كما أنها كتبت تراجم عن الأدباء العرب والأوروبيين وبخاصة في المناسبات المهمة. أو عند وفياتهم. ومن هؤلاء: فولتيرء والمتنبي بمناسبة مرور ألف عام على وفاته. والزهاوي عند موته عام 1975., وفرانز ميل الأديب الفتلندي بمناسبة فوزه بجائزة نوبل عام 219:74 كما ترجمت لإسماعيل أدهم عند انتحاره عام >4٠‏ وممن رثتهم أمين الريحاني والكاتب الفرنسي هلري لافدان» وغيرهم ممن تراجعت عنهم الحياة. وهي مادة وفيرة تهم الباحثين. ومما يمت إلى التراجم بصلة تلك الأحاديث الصحفية التي كان يجريها أحمد الصاوي محمد مع أعلام كبار مثل: أحمد لطفي السيدء وطه حسين؛ وسليم حسن»؛ وطلعت حرب,ء وأنطون الجميّل؛ وجبرائيل تقلا وغيرهم ‏ فإننا نتعرف من خلال هذه الأحاديث على أطراف من حيواتهم. م وقد شغل أحمد الصاوي بالكتابة في الصحف السياسية بعد إغلاق «مجلتي»» وتواصلت مقالاته وكتبه حتى بلغ التسعين من عمرهء وعانى من أمراض الشيخوخة وتصلب الشرايين» وكان يوم (؟1؟989/5/1١)‏ هو يومه الأخير - يولس . 6 نشرت بجريدة القاهرة في 5٠7/11/17‏ 5٠و‎ صورة غلاف «مجلتي. الأحمد الصاوي 1١١ 1ن 1 إيان لمان الماك م إمال ١‏ أمبكن ك1 إمان ا لمجان ]ران بان لباك لمان لمان !ناك الماك لباك لمان انان لبان الال الاك إن 011 0 أحمد الصاوي محمد صاحب «مجلني» 0112-1 1ئ 0 1أاك الاك الان ‏ إاك الراك الماك ليان لمان ا 1ك ا 101 كانت «مجلتي» مجلة عصرية» فتحت أبوابها لكل ما هو حديث من الفنون» وأمالت رأسها للآداب الأوروبية» وأدارت ظهرها للآداب العربية الترائية» إلا فى صفحات قليلة هزيلة» وكان أكثر ما يراه الصاوي فى داخله فَن آذات الغرب هو القصص والمسرحيات التي ألقى تراية عندهاء فقد كانت عواطفه تجيش بهاء وتدفعه إليهاء فانكبٌ عليهاء ورأى أنها الجنس الأدبي الأرقى» ومن هنا قدّمها إلينا مترجمة وملخصة»ء وراح ينشرها في «مجلتي» وغيرهاء هاشَّاً مستبشراًء ويذيع ما انطوت عليه من خواطر وأفكار بصياغة عذبة» وديباجة لها رونق وبهاء. وفي افتتاحية العدد الأول من «مجلتي» كتب يقول: «رسالة مجلتي هي اللحاق بالأدب الغربي الذي يحلق بالطيارة» بينما أدبنا يسير كالسلحفاة» وأكبر عماد للأدب الغربي هو القصة. فإن أعظم كتاب العالم الآن يعبرون عن أفكارهم بالقصص. لذلك ستكون القصص عماد مجلتي...». وهو ما حدثء» فقد نشرت القصص من مختلف الأنواع والاتجاهات. 58 فشل العولمة: من الأدب الحكائي الذي له الصاوي «سافو» لأالفونس دوديه؛ و«السلطان» لشارل هئري هيرشء و«دون جوان» لهنري لافران» حك و«أوندين» لجان جيرودو وغيرها. ونقف عند قصَّتئ «العاصية» و«اسيااء والأولى للكاتب المسرحي «فرونديه»» والثانية لمؤلفها ه. و«لونورمان؟» وفي «العاصية» يتزوج عربي مغربي من فرنسية» هو يغار عليهاء وهي مستهترة» وتتنقل فصول المسرحية بين فرنسا والمغرب» وتنتهي بقتل الزوج لامرأته العاصية بالسم. وفي «أسيا» يتزوج فرنسي من هندية؛ هي تتعصب للشرق» وهو يتعصب للغرب؛ ولا تنتهي بينهما المشاحنات» فكل منهما يكن لآخر العداء» وهما قصتان تظهران فشل فكرة العولمة. وما لم تتغير النفوس والطقوس من الداخل فلا عولمة. كذلك تبين القصتان شكلاً من أشكال الصراع بين الشرق والغرب» والزواج المختلط ينطوي على صعاب ومتاعب كثيرة نتيجة اختلاف الطباع والتقاليدء وريما يكون الدافع إلى تلخيص هاتين المسرحيتين» هو ما جرى بين مصري وفرنسية؛ ففي عام ١477‏ أطلقت السيدة «مرجريت» الفرنسية النار على زوجها على بك كامل فهمي في أحد فنادق لندن»؛ وقبض عليهاء وحوكمت محاكمة صورية» ويرأتها المحكمة؛ وعقب هذا الحادث تحدثت الصحافة المصرية عن الزواج المختلط» وانقسمت الآراء حوله. والزواج بالأجنبيات قضية اجتماعية» قبل أن يكون موضوعاً قصصياً. وقد كان الصاوي من الرافضين للزواج بالأجنبيات» وعندما حرّم وزير المعارف على أعضاء البعئات العلمية الزواج في الخارج أثنى عليه الصاوي في عموده (ما قل ودلي وفال: «ولم أشهد تشيطا في الزواج بالأجنبيات مثل تخبط الطلبة المصريين في أوروباء فإن الطلبة يتزوجون فالباً بنساء لسن في العير ولا في النفير» بل هن نفاية النساء». وكان صذّيق شيبوب ينتهج نهج الصاوي في تلخيص القصص الفرنسية لتضلعه في لغتها. ومما لخصه روايات «التلميل» لبول بورجيه) و(غريزة السعادة» لأندريه موروا واموت العاطفة» لنيقو لا سيجور» وصديق شيبوب ٠‏ ع له كتابات كثيرة في «مجلتي» بعضها ممهور باسمه الصريحء وبعضها )١1176 1894(‏ الآخر موقم عليه بالأحرف الأولى من اسمه «ص . ش». وكان كثير من هذه القصص الملخصة يحظى بمقدمات تتضمن تعليقات على القصةء وتشير إلى بعض الملامح الشخصية لمؤلفهاء وأحياناً تورد بعض ما قيل عنهاء ولكن ليس في هذه المقدمات والتعليقات دروس في تقنية القصصء فقد كانت المجلة ‏ بصفة عامة - تهتم بالموضوع دون النقدء وكيف تنشىء جيلاً من القصاص من غير أن تعلمهم فنَّ القصة. فلا يكفي أن تسرد لهم الحكايات. 2 القفص المصري : وإلى جانب القصص الأوروبية نجد مجموعة غير قليلة من القتصص المصرية المؤلفة لعديد من القصّاصء مثل «الحب اليائس»»: «نفوس متعبة» لطه حسين., وهما من نمط قصص «المعذبون في الأرض»» وازوزوكء و«المطاردة» للمازني. و#النظرة المختلسة». واصديقي» لطاهر حقيء و«صديقتي»» و«الفراشة والصنبور» لسهير القلماويء «هذيان» لإسماعيل مظهرء وهتبت يدا أبي لهب وتب»؟ ليوسف السباعيء ولعلها أول قصة له أو من أوائل قصصه. لأنه نشرها في عدد .1976/94/١16‏ وهذه القصص تفتحت على الواقع» واستفاضت في أنحائها المشكلات الاجتماعية» وأظهرت الآفات الضارة في المجتمع. أما القٌُصاصء فقد استطاعوا بالرغم من حداثتهم في فن القصة القصيرة أن يشكلوا من الحياة المحسوسة موضوعات فنية واقعية» وقد تنقصها أشياءء ولكنها تنمو وتتدرج إلى العلاء. 595 القراء... كتاب قصة: وإلى جانب هؤلاء القصاص المشهورين والمترسطي الشهرة ؛ رأى 1 الصاوي أن يرفد الحياة الأدبية بجيل جديد من القراء الذين يميلون إلى قراءة القصص وكتابتهاء ويجعلهم قصاصاً ناشئين» مستفيداً من تطلع بعضهم إلى التأليف والنشر والظهورء ومن أجل أن يحمّسهم وينشط قرائحهم؛ أعلن في (مارس/آذار 19175) عن جائزة قدرها خمسون جنيهاً لمن يكتب قصة رائعة واقعية: ويفاخر بهذا قائلاً: «لأول مرة في تاريخ الصحافة المصرية تقوم مجلة ناشئة في أول ظهورها بهذه التضحية الكبيرة خدمة للأدب المصري العصري» وأخذاً بيد كل رجل أى اسدة يتشيد الحقيقة لذاتها والفن للفن» وعملاً على نهضة القصة المصرية حتى تتبين لنا الاتجاهات الحديثة» ومبلغ القدرة على الوصف. وحصر الموضوعء ودقة الوقائع . والتحليل السيكولوجي... ومن هو الذي ليست لديه قصة يرويهاء لهذا قررت «مجلتي» أن تمنح خمسين جنيهاً مصرياً للفائز'. ويمضي الصاوي في حث القراء على كتابة القصصء ويقول لهم: «ليس من الضروري أن تكون كاتباً لتكتب وتكسبء بل تكفي الوقائع العادية بلا طبل ولا زمر ولا مفاجات مسرحية»ء ثم يطمئن القارىء القاص بأن قصته إن لم تربح الجوائزء فإنها ستّنشرء والنشر جائزة أدبية» ولكنه يتعسّف ويملي شروطاً لا حاجة للقاص بهاء منها أن تكون وقائع القصة حقيقية وصحيحةء وأن تكتب بصيغة المتكلم للتدليل على أنها من الحقائق أو الحوادث التي وقعت له أو لأحد من أقاربه ومعارفه» ثم يذكر أن لجنة المحلفين مكوّنة من طه حسينء وأنطون الجميل» سان عبد الرازق» وخليل مطرانء وتوفيق الحكيم» ومحمود تيمور. وإذا كانت جوائز الصاوي من شأنها جذب القراء»ء فإئها ساعدت على خلق جيل جديد من القصاص الواقعيين» وبالفعل نشرت «مجلتي؛ قصصا كثيرة أرسلها القراء لتدخل المسابقة: منها قصة «من الجامعة إلى الوظيفة» لشهدي عطية الشافعي. و«إحدى اللواتي ينتظرن' لمحمد فتحي أبو 20 الفضل» واغيرة» لحسن فتحي خليل وغيرهاء بيد أن أحداً لم يفز بجائزة الخمسين جنيهاًء ولا حتى بجنيه واحدء مما يعني أنها دعاية. وعلى أية حال وسّعت «مجلتي» من أفق كتّاب القصة المصريين» وأطلعتهم على كثير من الموضوعات الإنسانية» والقضايا الاجتماعية التي تصلح أن تكون مجالاً للقص. 5 أمينة السعيد ممثلة: واهتمت «مجلتي» بالأدب المسرحي إبداعاً ونقداً» ونشرت عدة مسرحيات لإبراهيم رمزي» مثل «بنت الإخشيد»» «أبطال المنصورة؛»ء «صرخة طفل؟»؛ ويجدر أن نشير إلى مسرحيتين مصريتين كتبتا باللغة الفرنسية» الأولى «أمام شباك التذاكر» لتوفيق الحكيمء وقام الصاوي بترجمتهاء والثانية انتحار توت عنخ أمون؟ لحَسّن مظهر مدير مكتب وزير الداخلية وقتئذء وترجمها سليمان نجيب مدير مكتب وزير العدل. وعلى ذكر توفيق الحكيمء نذكر أنه نشر مسرحية «رصاصة في القلب»» ومسرحية «ابنات بلادي4»: وإذا كان القراء قد أحاطوا بفيلم «رصاصة في القلب». فإننا نعرض لمسرحيته الثانية؛ وهي من فصل رحف اتا عدة بنات من الطبقة الراقية على 5 الاتحاد النسائي في شهر (أبريل/ نيسان :)١1978‏ وكان من بين الممثلات أمينة السعيد. التي مثلت دور الصحفيةء. وهو نفس دورها في الحياة» ومثل فيها سليمان نجيب دور مصطفىء وهو الرجل الوحيد في المسرحية» التي تظهر دور المرأة الجديدة في المجتمع المصري؛ فمن شخصيات المسرحية طيارة ومحامية وصحفية؛ وهي من بين الوظائف الجديدة التي تولتها المرأة بعد فترة طويلة من العزلة. أما مصطفى زوج الطيارة؛ فلم يكن من المتحمسين للنسوة اللاتي 6 نهضن بهذه الأدوار في المجتمع. وفي حين أن زوجته الطيارة جريئة تطير بالطائرة وتعرف كيف تهبط بالباراشوت من الأجواء العالية» فإنه كان يخشى من الركوب فيهاء وبإيجاز تعبر المسرحية عن أحد مظاهر المرأة الجديدة التي سوًّاها العلم وأوسع لها سبل الحياة» ولم تعد المرأة منكسرة النفس» وإنما صارت قوية الإرادة؛ وتتلاءم شخصيات المسرحية مع اتجاهها الحضاريء. وتتوافق مع روح العصر الذي يطوّع الرجل للقبول بالحياة العصرية» ومصطفى شخص مهم في المسرحية» فهو الذي يورم الموقف» وينمي الصراع فيهاء فالنساء الثلاث في جانب» ومصطفى فى جانب آخرء وينتهي الصراع بينهم بنجاح النسوة في إقناعه يركوب الطائرة وتحريره من الخوف. 5 طرطوف الحقيقي : ومن أطرف ما قدَّمته «مجلتي» في مجال المسرحء مقالة طويلة عن الشخص الحقيقي الذي صوّره «موليير» في مسرحية «طرطوف». وهذا المقال ملخص كتاب ظهر في فرنسا عئوانه «طرطوف حياته وبيئته وقصة موليير؛ من تأليف «بول إيمار» الذي رجع إلى مؤلفات كثيرة في عصر «موليير» (القرن السابع عشر)ء ليثبت أن «#شاربي سانت كروا» هو الشخص الحقيقي الذي صوّره موليير في رواية «طرطوف». وحكاية «شاربي؟ طويلة نوجزها في أن «مدام دانس» رئيسة جمعية للإحسان وجدت شاربي هذا في كئيسة كنزين يكثر من الصلاة» ويظهر التقرى. ويبحث عن مأوىء فضمته إلى أعضاء الجمعية في منزلهاء فعشق سيدة من الأعضاءء وصارت خليلته» ولما افتضح أمرهما طردتهما المدام #دانس»». وأقاما في شارع اتوما دي لوفره بباريسء ولما تمادى في إظهار الدجل الديني سجنء وعندما أفرج عنه لاذ بفتاة لعوب» ثم دسّت له سماً لا يظهر أثره في الجسم وماته وبيّن كاتب المقال صدّيق /ا4 شيبوب وجوه الشبه بين «طرطوف» وا«شاربي»» وقال: (كان «شاربي؛ يصلي في الكنيسة ويظهر الخشوع والتقوى حين لقيته «مدام دانس». وهكذا كان يفعل «طرطوف» حين لقيه «أورجون»» ويرى بعضهم تقارباً في الأخلاق بين «مدام دانس» ووالدة «أورجون»» وانتقل شاربي إلى منزل السيدة كما انتقل طرطوف إلى منزل السيد أورجون»»؛ وأغوى «شاربي» إحدى سيدات المئزل كما حاول طرطوف ذلك مع زوج مضيفه؛ وكان شاربي يظهر في المجتمعات مقتعاً دلالة على التقوى. وهكذا فعل «طرطوف». ولما سكن فيما بعد «موليير؛ شارع «توما دي لوفر»» الذي كانت تقيم فيه عشيقة الدجال سمع من الجيران بحكاية #شاربي؟). ومسرحية «طرطوف» هذه مصّرها الشيخ محمد عثمان جلال؛. ونظمها بالزجل العامّي وسمَّاها «الشيخ متلوف»» وترجمها الصاوي باللغة الفصحىء. ونقلها دار الكتاب اللبناني إلى العربية مؤخراء ولا يأخذنا العجب في هذاء فهناك شخصيات حقيقية دخلت الأدب الحكائي بأسماء أخرى. مثل «دولفين ديلامار» التي ظهرت ياسم «مدام بوفاري» لغوستاف فلوبيرء و«ألفونسين بليسي» التي عرفت باسم «غادة الكاميليا» لإسكندر ديماس الابن» والدكتور زيفاجو هو باسترناك نفسه» وجرسلو بطل رواية «التلميذ» الخالدة لبول بورجيه هو في الحقيقة شامبيج فيما يقول بعض الفرنسبين» والأمثلة وافرة في هذا المجال. وفي مجال الدراسات المسرحية ألقى سليمان نجيب محاضرة عن المسرح المصري في فترة ما بين الحربين العالميتين» نقلتها «مجلتي' إلى القراءء كما ألقى زكي طليمات محاضرة عن المسرح الفرعوني. وذهب فيها إلى أنه «لم يكشف البحث والتنقيب في العاديات المصرية القديمة عما يخول لنا الجزم بأن الرواية التمثيلية نضجتء» وازدهرت واستكملت سائر مقومات مبناها ومعناها في مصر الفرعونية»» وينقل عن هيرودت أن 104 المراعين عرفوا المسرحية الدينية. وهو قول يساير الحضارة الفرعونية التي تدل مقابرها ومعابدها وتمائيل آلهتها على دولة دينية. َك الفصحى تفسد المسرح: وناقشت «مجلتي» القضايا التي تعوق المسرح. وأهمها قضية اللغة العربية التي رأى كاتب المقال (لم يذكر اسمه) أن الصور الفنية تفقد قيمتها إذا صيغت بالفصحىء وذهب إلى أن اللغة وسيلة لا غاية؛ وبناء على ذلك يختار الفنان الوسيلة المناسبة لإظهار عمله الفني» وهي قضية شائكة كثر فيها الكلام» وإذا كنت أميل للفصحىء فإنني لا أرغب في حرمان أناس لا يتحدثون الفصحى في حياتهم اليومية وغير مثقفين من الاستمتاع والإفادة من الفن المسرحي. ولكن على قدر ما نستطيع يجب أن نسهل من اللغة الفصحى المستخدمة في المسرح. وفي مجال النقد المسرحي كتب ظه حسين نقداً شديداً عن مسرحية «السكرتير الفني» الممصرة عن «توباز» الكاتب الفرنسي» وحمل على الكاتب المصري لأنه شوهها ومسخها وغيّر معالمهاء واستحسن فكرة التمصير بشرط أن يكون مثبتاً للشخصية المصرية على أنها شخصية قوية تنتج وتبتكر أكثر مما تحاكي وتقلد. إن نقل العمل الفني الأجنبي إلى الروح المصرية والأسماء المصرية لا يبيح لكاتب أن يعبث بجوهر النص الأصلي. أو يغير من طبيعة الشخوصء وإلا صار التمصير تأليفاً وانتحالاً وهو رأي خائبء وعلى هذا النحو جرت أقلام كثيرة على صحائف «مجلتي» وسجلت ما تراءى لها من شؤون المسرح. 95 الأطلال : ولم يكن يكتمل هيكل «مجلتي» الأدبي إلا بالشعر» لتتمثل فيها الفنون الأدبية» وإذا كان الشعر لم يأت فيها بحجم القصص والمسرح. 404 فإنه لا ينكر وجودهء فقد جاءت على صفحاتها القصائد التي استهلمها عدد من الشعراء من تجاربهم في الحياة والحب ومناظر الطبيعة» وكان أكثر الشعراء حضوراً فيها إبراهيم ناجي. الذي نشر فيها أطايب شعرهء مثل «الأطلال» المنشورة عام /197. في ثلاثة أعدادء إلى جانب قصيدة «عاصفة روح - زورق يتحطم»» وقصيدة «الرسائل المحترقة» وغيرها. وكلها مجموعة في ديوانه الأول «ليالي القاهرة»؛ وهي قصائد تسري فيها نغمة شجية» يرتفع فيها الهتاف والعويل؛: وسرعان ما ينخفض الإيقاع والرنين» مما يكشف عن أسى مكنون في حنايا الشاعر. ومن الشعراء الآخرين الذين نشروا شعرهم في «مجلتي' خليل مطران؛ ومحمود أبو الوفاء ومحمود حسن إسماعيل» والأخير نشرت له «مجلتي» قصيدة «عاهل الشرق»» وكان قد ألقاها بين يدي الملك فاروق في الحفلة الساهرة التي أقيمت في قصر عابدين: مساء يوم 7 يناير/ كانون الثاني +١98‏ ونذكر منها : فاروق حبك أية ععلوية نزلت من الأرواح أقدس منزل الله ألهمها لشعبك شرعة كالوحي يُلْهّم للنبي المرسل وهي قصيدة طويلة. ولعلها ضمن ديوانه #الملك؛ الذي اشتمل على مدائح الشاعر في مليكه؛ وكان في ذلك الزمن صغيراً» ولعله وجد في تقريبه من قصر عابدين تمجيداً لموهبتهء واعترافاً بنبوغه. ومن بين شعراء «مجلتي» علي محمود طهء المهندس الذي نشر عدداً من قصائده فيهاء منها قصيدتان ضمّهما ديوانه «ليالي الملاح التائه؛ هما: «إلى راقصة» و«خيال». وعلى ذكر على محمود طه نذكر أنه قامت معركة أدبية حول ديوانه «ليالي الملاح التائه» بين شخص أطلق على نفسه (أديب ناقد) وآخر مهر مقاله بتوفيع مستعار هو (أبو الفدا)ء وذلك في شهر يونيه/ حزيران .195٠‏ ١ وقد أخذ الأديب الناقد على الشاعر على محمود ظه أشياء كثيرة: ومنها سرقة معانيه من القدماءء بالرغم من أنه يدعي التجديد» ومن هذا قول المهندس : فَعنّ به الأجيال واهتف بآية ‏ ترنم شاه أو تراتيل منشد أخذه من قول المعري: غير مجد في ملتي واعتقادي ‏ نوح باك أو ترنم شاد ثم يبين تلاقي المهندس مع شوقي... ومن ذلك قول المهندس : #وكيف طوى خصرها ساعداك»؛ وعند شوقي: «حتى ترفق ساعدي فطواك»»: وقول المهندس: «لعب الطفل بالأكر؛ وقول شوقي يصف يد الشاب الناشىء: فول ملعت إل اتلس بالأكرة. وقال بسانط إبراهيم : «صبية خفت إلى لعب الأكر». ثم بيّن «الأديب الناقد» تأثر على محمود طه في قصيدته «مهرجان الزفاف» بقصيدة شوقي «النيل»: والتوافق الكثير في أواخر القصيدتين» يقول المهندس: «ولكل قلبٍ صبوة وتشوق؟؛ وعند شوقي : اهوى وتشوف»2. ويقول المهندس: «... حان مطرق»»ء وعند شوقي: عاب مطرق». وقول المهندس: «أحق وأخلق»؛ وعند شوقي: «أحرى وأخلق». وقول المهندس: «ما يحب ويعشق»». وعند شوقي في رثائه لفوزي الغزي: «ما يحب ويعشق». وقول المهندس: «يا صاحب الغدوات والروحات»؛ وعند شوقي: «يا طاهر الغدوات والروحات»؛ ووصف المهندس فينسيا بأنها «عروس البحر»؛؛ وصف شوقي الإسكندرية بأنها «عروس الماء»ء ثم يذكر #الأديب الناقد» أن طه يبتذل في أقواله. أي يكرر الصيغ القديمة التي صارت مبتذلة مثل: «بنت الكروم؟ء «السحاب العابر؛ء «السراب الخادع». «النجوم الزواهراء (الجيش العرمرم» . ١ ويواصل الأديب الناقد الكر على المهندس ويظهر سرقاته من شعراء المهجرء فقول المهندس: «خذي الأزهار في كفيك. فالأشواك في نفسي» أخذه من إيليا أبي ماضي: «لم تملأ دربي الأشواكء إن الأشواك لفي قلبي؟. بل يتهمه بأنه أخذ فكرة الديوان نفسهاء وهي ضلال السفينة بملاحها من إيليا أبي ماضي الذي يقول: أو كالسفينة في الضباب طريقها ضلّت وغابت أنجم تهديها «قد شاء بحرك أن تضل سفينتي؟»: ولا فارق كبير بين السفينة الضالة بملاحهاء والسفينة التائهة ببحارهاء ويتهمه بالإغارة على أبي ماضي وعلى «فوزي المعلوف» ومهيار الديلمي والبحتري وعمر الخيام وغيرهم» ويأخذ عليه أخطاء لغوية وعروضية» ويظهر أنه ليس له نظرة مستقلة في الحياة» فهو في قسم من ديوانه ينشد اللذات» وفي قسم آخر يتشاءمء ويرجع هذا إلى أنه يأخذ شعره من شعراء عديدين؛ ومقال «الأديب الناقد» طويلء وبه انتقادات وافرة» وهو درس مؤلم للشاعر علي محمود طه المهندس: إذ يصعب الدفاع عن كل هذاء على أن ناقداً آخر سمّى نفسه «أبو الفداء» دافع عن المهندس دفاعاً يثبت عليه الاتهام ولا ينفيه: ومن أمثلة دفاعه أن شوقي أخذ قوله في قصيدة النيل : «والفرع في حرم السماء محلق» من «أيدمر المحيوي» القائل: «وكأنما هو فى السماء محلق»؛» وضرب عدة أمثلة تظهر اتفاق قوافي شوقي مع قوافي «(أيدمر المحيوي» ليبرر ما اقتبسه المهندس من شوقي ثم يقول: «لم يقل أحد أن شوقي كانت تنقصه مادة اللغة وتعوزه قافية لقصيدة» ثم يستمدها من أيدمر المحيوي»» وهو دفاع غريب وضعيف يدل على مسألة الرأي» فلا يحق لشوقي أن يأخل من المحيوي ولا يحق للمهندس أن يأخذ من شوقي؛ إذ لا بد للشاعر أن يكون له إبداع مستقل». وهي معركة مفيدة تجعلنا نعيد النظر في شعر علي محمود طه المهندس . 11 وفي عام )١15١1(‏ اختلف المازني مع أحمد صبري حول شعر محمود أبي الوفاء إذ رأى الأول أنه شعر يعبر عن نفس حزينة تميل إلى الكابة» أما الثاني» فإنه ينفي عنه الحزن» ويرى أنه يتدلل بشعره على الحماةء» ولا أدري أي تدلل هذا والشاعر محظم يحيا حيا بائسة») على أن الإنسان بطبعه يسعى للسلام والابتسام. فإذا فاز من الحياة بشيء من هذا طرب وعبّر عن الارتياح» وهذا ما نراه في شعر أبي الوفا الذي لا يخلو من الطرب والأسى . وفى مجال التعريف «بمجلتي» يصعب تجاوز «حسن الشريف» الذي تخصّص في سرد مآسي التاريخ الأوروبي؛ فقد كتب فصولا تاريخية طويلة منها: #صديقة الإمبراطور'ء انهاية الإمبراطورة أوجيني»: «الجمعيات السرية في ألمانيا الحديثة»» «نهاية الملك لويس ,»2©١5‏ لاعصر لويس .»24١5‏ «هلاك الرزَعماء الجيرونديين؛» وهو في هذه الفصول لا يسرد الواقعات فحسبء وإنما يربط بينهاء ويجتهد في أن يراها وهي تشكل المواقف السياسية أو الوطنئية أو الشخصية؛ وهو يخضع المعلومات التاريخية التي استقاها من مصادر مختلفة للأسلوب العلمي» ويكرّن منها عملاً يشبه القصةء ولا أقول إن ما كتبه قصص تاريخية» فالقصص التاريخية تختلط فيها الحقائق بالخيالات» وإنما أعني أن كل ما في قصصه حقائق وواقعات. أما الفن فيها فلا يتجاوز التسلسل الزمني وتنسيق الحقائق؛ ويستطيع القارئ أن يستشعر هذا في الفصل الذي كتبه تحت عنوان «صفحة سوداء من تاريخ نابليون ‏ مقئل دون أنجان؛ الذي أرسل إليه نابليون من يختطفه؛ ويحاكمه محاكمة صوريةء ويقتله لأنه من أنصار الملكية. 2 على أن بعض فصول حسن الشريف وتراجمه كانت تساير روح العصر في مصرء فمنذ ثورة ١418‏ والقلاقل والهزائز تهدأ وتثورء ويخيل إلى أن ما كتبه عن «جريفت» و«كوينز» وهما من زعماء الثورة الإيرلندية يشبه ما كان يجري في مصرهء وكانت إنجلترا تحتل إيرلنداء وقد رفع «جريفت» راية الجهادء. فاعتقل وأفرج عنه عام 2)١919(‏ وخرج ليناضل» وظل في مناهضة الإنجليز إلى أن وفع معاهدة صلح معهم حسب شروطه سنة 2.١87١‏ فلم تكن بعض فصوله التاريخية مجرد حكايات» وإنما هي دعم للحركة الوطنية المصرية. 5 جرب طروادة : وننتقل إلى تاريخ أكثر قِدَماً يتعلق بحرب طروادة» فقد كتب د .محمد عوض محمد مقالا في (الهلال» حدد فيه المكان الذي كانت تقع فيه طروادة» فرد طه حسين عليه في «مجلتي» ليبدي الشك في ملحمة طروادة التاريخية من الناحية العلمية البحتة» ويقول: «أتفق مع الأستاذ الصديق على أن أقبل تفسيره العلمي لحرب طروادة يوم تنهض به أدلة العلم التي لا تقبل الشك» وعلى أن يقبل هو قصة هيلانة الأدبية كما تصورها الأدباء وأصحاب الفن»: وقد يخيل إليّ أن الأدب أرحب صدراً من العلم؛ لأنه يحتمل كثيراً جداً من لعب الخيال. ..2. طه حسين يرى أن (الألياذة» و«الأوديسا» مجرد أدب وخيال» دون أن تصوّرا حقيقة تاريخية» ولكي يقتنع أن الحرب قد وقعت فإنه يطالب بأدلة مادية وحفريات» ولا أدري إلى أي مدى يثبت هذا الرأي أمام من يقولون بحقيقة حرب طروادة؛ ومما يقوله برتون راسكو: «يحق لنا أن نؤمن بأن الحرب الطروادية كانت حادثاً حقيقياً» ‏ (كتاب عمالقة الأدب ترجمة دريني خشبة)» وقال غيره مثل هذاء وقد يكون الخيال الإنساني 1.24 قد نفخ في هذه الحرب وأضيفت إليها روايات جانبية» ولكن يصعب تصور أن كل هذا مختلق. 5 للنساء مساحة : وقد أولت «مجلتي» عنايتها بالمرأة؛ وأتاحت لها الفرصة لتعبر عن دخيلتهاء مثل سهير القلماوي القاصة والمترجمة» وتوحيدة كمال التى عروث مات التدبير العكز له وعلية كنبال العن المعميت بازياء القيياء: وسيزا نبراوي التي تناولت رسل النهضة النسائية» وبهية فرج المترجمة. إلى جانب كريمة السعيد ووداد سكاكيني وغيرهن. وفي عام )1١91717(‏ أجرت «مجلتي» أحاديث مع عدد من الممثلات مثل بهيجة حافظ وراقية براهيم وأميثة رزق وكوكاء كما أجرت حديثاً مع القاصة قوت القلوب الدمرداشية» وعلى هذا النحو اهتمت «مجلتي» بإبراز مَلّكات النسوة» وفتحت لهن أبوابها ليتعرف الجمهور على عطائهن. كم نشرت في جريدة القاهرة في اللفبنتينرن دع ان عا عات عن ع انيم عات عا عن م تح تاجح ترح ترح لوج ناح رع وديع فلسطبين.. نافد الأدب 00 إان اجا ليان لساك 01 الال أستاذنا وديع فلسطين . عرفته عام (1856١)ء‏ وما زال الوداد بيننا. وقد أخذت من علمهء وأفدت من كتبه الشيء الكثيرء ولم أكن متميزاً عن غيري في ذلكء. فقد أزر كثيرين» ويكفي أنه يعرفك ويقف على الموضوع الذي تدرسه؛ ليسعفك بقصاصات وفيرة اقتطعها من الجرائد والمجلات العديدة التي يطالعها يوميأء والتي تتصل بموضوعك. بل إنه يوافيك أينما كنت» في مصر أو خارجهاء بما يكتب عنك؛ أو يمقاللات أو كتابات يرد اسمك فيهاء وهكذا هو صادق الود مع الذين أوقف عليهم مودته وهم كثر. ونظراً لصداقاته القوية مع عشرات الأدباء في مصر والعالم العربي والمهجرء فإنني كنت أستمتع بحكايا كثيرة عنهم تستحق الإصغاءء وتستهوي المشغوف بمعرفة أخبار الشخوص والتي لا وجود لها في كتب أر صحف؛ لأنه اكتسبها من علاقاته بهمء وهي حكايات مفيدة في معرفة نفوسهم وآدابهمء ولو كنت سجلت هذه الأقوال والمذكرات لكوّنت منها كتابا نفيسا . 595 أعلام عصره . وكتابه اوديع ُ فلسطين يتحدث عن أعلام عصره؟ة الصادر في دمشق :٠٠*‏ ويقع في جزءين كبيرين هو من قبيل الأحاديث المستطردة التي 4,5 رواها أو كتبها عمن عرفهم من الأدباء الذين سبقوه أو عاصروهء وهذا الكتاب تمتزج فيه الذكريات بالواقعات إلى جانب التعقيبات الشارحة» وبعض التفصيلات البائحة بالمكنون الخفيء» وليس هناك ما يمنع من أن يورد حادئة ويشبعها شرحا وتعليقا مع تبيين أثرها في حياة المترجم وأدبه» والمشاهد التي أبرزها في حياة كل مترجم ليست بالضرورة توضح المراحل المختلفة في حياة الشخص من حدثان نشأته. إلى ختام رحلته. ولكنها تكشف عن مواقف وصور لفها الخفاء» وإذا كانت هذه المشاهد أو بعضهاء لا تنتهي إلى نتيجة حاسمة»ء فإنها تعين على تكوين رأي وإصدار حكم. وثمة ملاحظة مهمة يقف عللها القارئ,. وهي كتابة هذه التراجم بطريقة القص التي أهم مقوماتها ترابط الصور والمواقف» وتسلسلهاء وتسجيل مضامينهاء وأحياناً يدوّن ما دار من حوار وكلام» وكل هذا يجعل القارئ يطالع فى شوق لاهف. والكتاب رد فعل لعلاقاته بأعلام زمنه مثل : طه -حسسين © وعلي أدهم. ومححمودث تيمور» ومحمدل صبري السربوني» ومصطفى الشهابي؛ وعشرات غيرهمء وفى كل ترجمة تقرأ عن صاحيها وكاتبها. 98 الناقد: والحاسة الناقدة عند صاحبنا قوية وصائبة» وتتجلى في كثير من أعماله. ونمثل لذلك بكتابين من كتبه هما: «قضايا الفكر في الأدب المعاصر» وامختارات من الشعر العربي المعاصر وكلام في الشعر». والكتاب الأول فصول في النقد الأدبي يجئح فيه بعد مناقشات حارة إلى المثال والجمال؛ ففي أحد فصوله يهاجم الواقعية؛ ويتهمها بالقصور عندما تتناول الجانب المشين المعتم في الواقع؛ وتعرض د لحالات فردية شاذة» وتنأى عن الجوانب الصحيحة المضيئة في الحياة. مع أن هذا وذاك يمثلان الواقع» وينقم على هذه الواقعية التي تنقل الواقع الفج كما هو بقبحهء وعبارته السوقية التي تؤلم النفس» ويستنكر ما يأتي فيها من إثارة مقصودة «وهوس حول النزعات والغرائز»؛ وتصوير للنفوس على طبيعتها؛ وحسب أهوائهاء دون تصويب خطأء أو ملء ثغرة» ولا يؤخذ من هذا أنه ينكر هذه الواقعية» وإنما ينتقد تجاوزاتها ومبالغاتهاء ويجب أن يكون مفهومها أن مشاكل الحياة شيءء وتناولها الفني شيء مختلف» فالفن يرفع مستوى الواقع دون تزييف. وفي فصل آخر يتناول قضية «الإبانة والرمز» ونراه ينتصر للقول الذي فيه إفصاح وإعراب» وينتقد العياص والإبهام وكل ما استتر وخفي معناهء وهذا يستلزم أن تكون الفكرة محددة؛ والرأي واضحاًء والقول صريحاًء وقد يلجأ الكاتب إلى الاستتار وراء رموز إذا كان مضطراً إلى ذلك مثل ابن المقفع في «كليلة ودمنة» مع أن الرمز فيها لائح. فإذا كان الأديب غير مضطر إلى الرمز» فلماذا يأتي تعبيره مستغلقاً لا يفصح عن شيء يقول: «صرنا نقرأ عن مخدات الربيع أو عن ابتسامة الجدار أو عن برج الضباب الغارق في وحل العبث» وكل هذا كلام مرصوص تقرؤه في سياقهء ثم تقرؤه منفصلاً عن سياقه فلا تفهم منه شيئاً؛ اللهم إلا أن يكون فهمك رجماً بالغيب»؛ وهذه الأمثلة كثيرة في كتابه جئنا ببعضهاء والعاقل الرشيد لا يجد مبرراً لهذا الكلام الغريب المعمى. وما أكثر القضايا الحية التي أثارها في هذا الكتاب مثل قضية «الالتزام في الادب» التي نفر منهاء ورأى أن الأديب حر فيما يعالجه من مشكلات». ويتناوله من موضوعات؛ وفي فصل آخر ينتقد أسلوب الإثارة وما يشتمل عليه من مبالغات ومغالطات». ويدعو إلى المنهج العلمي الذي يخاطب العقل ويقنع بالحجج والبراهين» وفي فصل آخر ينبذ النقد 41 المنحرف عن الصواب والذي يتعطل فيه العقل السليم» وينتج عنه الوبال والسقوطه. إلى آخر ما جاء فى كتاب «قضايا الفكر. .» والخلاصة أنه يتمل على استتقاة الآدي .من الحزالق والفرضى والتجدك السلبي» وتوسيه النقد إلى وجهته السليمة ووسائله: الأسلوب العلمي؛ والنقد الموضوعي على قدر الإمكان» والذوق المثقف. 5 كلام في الشعر: أما الكتاب الثاني «مختارات من الشعر العربي المعاصر. .» الصادر عن الأهرام عام 21١966‏ فيتضمن تنظيراً وتطبيقاً على نطاق واسع» وهذه المشتارات الشعرية أوردها من أشعار خمسة وثلاثين شاعراً غربيا من جميع الأقطار العربية» واللافت للنظر أنه ضمتها شعراء من الصومال وموريتانياء وهما قطران عربيان لا يشعر القارئ بتواصلهما الثقافي والأدبى معهء وكل هذه الأشعار من الشعر العمودي الحر الأصيل» يننا نص واحد من الكلام التفعيلي؛ لأن سليقته لا تتجاوب إلا مع الشعر الجاري على سنن موسيقى التراث الشعري. ومختاراتنا من الآداب في الغالب تناسب منازعناء وتتجاوب معها أرواحناء وتتوافق مع نظراتنا لأشياءء وتتلائم مع أمزجتناء وأعتقد أن مختارات وديع فلسطين من الشعراء خضعت لمنازعة» وأظهرت اتجاهات ذهنه» وكشفت عن ميله إلى الشعر الغزلي» وما فيه من عواطف ومشاعرء والشعر التأملي الذي يتطلع إلى المجهول» ويطيل النظر في الوجود وشعر الحماسة والوطنية» وغير ذلك» وهو اختيار موفق» يظهر حسه الفني ويبرز درايته الواسعة بالشعر. والقصائد التي اختارها وديع فلسطين وتزيد عن مائة» عرف بقائليهاء وذكر ملامحهاء مع تقدير أخيلتهاء وتأمل صورهاء ووقف على 1. المشاعر والإحساسات الباطنة التي شكلت تعبير الشعراء فيهاء ومع أن أخيلة الشعراء وأقوالهم تنساب في اتجاهات عديدة داخل القصائدء فإن ناقدنا كان عارفاً بمواضعات كل قصيدة قادراً على أن يجعل لها حدوداً واضحةء بتحديد معانيهاء والتبصير بأغراضهاء وتعيين خصائصهاء وهو عمل يحتاج إلى صبر وطول بال. ولأستاذنا الفاضل كتب أخرى يضيق المقام عن تناولها باستفاضة» لكثرة ما تشتمل عليه من رؤى وتحليلات دقيقة واستقراء» مثل كتبه عن مي زيادة؛ وإبراهيم ناجي؛. وعبد الرحمن شكريء وهي وإن كانت تراجم غيريةء فإنها تشتمل على مادة نقدية وافرة. في ترجمته : ولد وديع في مدينة «أخميم» من أعمال «سوهاج» في أول أكتوبر/ تشرين أول ١47‏ لعائلة تنتمي إلى بلدة نقادة/ قناء وكان أبوه فلسطيني حبشي موظفاً لدى الحكومة السودانية» ويقيم مع زوجته في «عطبرة»» ولما حان موعد ولادته رحلت الزوجة إلى أهلها 0 «أخميم؟ ليتعهدوها بعنايتهمء وهكذا كان مولده. ثم عادت الزوجة مع وليدها إلى «عطبرة» وفى نحو عام ١9175‏ أحيل أبوه إلى التقاعد. فبرح «عطبرة» إلى «الجيزة» خف كانث: نشاتة: الثانة: أدخل وديع مدرسة ابتدائية في «الجيزة»» ثم مدرسة ثانوية في «منيل الروضة» ثم التحق بالجامعة الأمريكية «بالقاهرة»: وفي عام ١447‏ حاز منها شهادة بكالوريوس الآداب قسم الصحافة . ولم تطل عطلته بعد تخرجهء فسرعان ما عمل في إدارة جريدة «الأهرام» قسم التوزيع عدة سئوات,. ثم انتقل للعمل بإدارة مجلة «المقتطف؟ وجريدة «المقطم». وأخل يحرر فيهماء وكان يكتب كثيراً من افتتاحيات «المقطم». ورئيساً لقسمها الخارجي» وعضواً في مجلس 1 إدارتهاء وأثناء عمله بهاتين الدوريتين لم يكن بعيداً عن الأدب وأعلامه وأجوائه؛ء فقد كتب فصولا أدبية ونقدية فيهماء وفي مجلة عن ودصوت العرب» و«مئنير الشرق» وغيرهاء وكان من أوائل الذين كتبوا عن نجيب محفوظ». ويحيى حقي» في زمن لم يكونا فيه مشهورين. ومن أبرز أعماله في تلك الفترة المبكرة من عمره تدريس علوم الصحافة في الجامعة الأمريكية بالقاهرة» وكان «بادوا» مدير الجامعة الأمريكية ‏ صار سفيراً لأمريكا في مصر فيما بعد قد عرض عليه تدريس مادة الصحافة» فاعتذر لصغر سنهء وفي زمن تالٍ عرض عليه «مكلئن» ‏ رئيس قسم الصحافة » تدريس علوم الصحافة فقبل» وظل يدرس هذا العلم من عام ١458‏ إلى 14601»؛ وكان من تلامذته: لويس جريس الصحفي المعروفء. وليلى رستم المذيعة» وليلى الحلو التي عملت بجريدة الأخبار»؛ ومعين بسيسو الشاعر الفلسطيني وغيرهم . وام ا ا «مكتبة مصر» قد أنشأ «لجنة النشر للجامعيين»؛: وكانت تنشر أعمالاً أدبية للجامعيين مثل: نجيب محفوظ. وعبد الحميد جودة السحارء وعادل كامل»: وعلي باكثير.. وقد انضم إليهم وديع فلسطين وحضر مجالسهم. ونشر مسرحية «الأب» التي ترجمها عن الأديب ابيرق «أوجست سترندبرج» وعلى ما أعتقد كان هذا أول كتاب له. وفي عام 4١455‏ أي: وهو في الثانية والعشرين من عمره أنشأ مع إبراهيم ناجي الشاعر رابطة الأدباء» وكان هو نائباً لرئيسهاء وتوالى انتخابه نائباً للرئيس حتى توقفت عام 21467 وهله الرابطة التي ضعت كثيرين» امتداد لرابطة الأدب الجديد التي أنشأها أحمد زكي أبو شادي. ثم نهضت مرة أخرى تحت اسم «رابطة الأدب الحديث» ووديع فلسطين أحد أعضائها المؤسسين 5١ العضو بالمجامع اللغوية : وال ساد وديع منحاز بكليته إلى لغة الضادء فهو مع الفصحى في الكتابة» وليس مع العامية الدارجةء ويميل إلى ترجمة المصطلحات العلمية الأجنبية إلى العربية» أو تعريبهاء أو استحياء مصطلح عربي قديم إذا كان موافقاً للمصطلح العلمي الأجنبي» ولكنه ليس مع بقاء المصطلح اللاتيني لاتينياً» وتابع من قالوا بكتابة العربية بالحروف العربية» وليس بالحروف اللاتينية كما اقترح عبد العزيز فهمي باشا رئيس مجمع اللغة» وهو لا يترخص في اللغة والنحوء ويتمسك بصحتهما في الكتابة ويقول: «من لا يعرف لغته فخير له أن يثنى قلمه عن الكتابة». وله مواقف أخرى تناصر العربية الفصحى» لذلك انتخب عضواً مراسلاً لمجمع اللغة العربية بدمشقء» وانتخب عضواً مؤازراً في مجمع اللغة العربية الأردني» وهذا يطمئن القارئ إلى أن ما يطالعه من كتاباته صحيح من الناحية اللغوية ويمكن أن يؤخدذ بهء وأستاذنا وديع مترجم» وهو يجيد اللغتين العربية والإنجليزية إجادة تمكّنه من الترجمة عن الإنجليزية وإليهاء وقد اكتسب خبرة واسعة في هذا المجالء» لذلك له صفة استشارية لدى مركز جريدة «الأهرام» للترجمة العلمية والنشرء ومن مترجماته: «فلسطين في ضوء الحق والعدل» عن هنري كتن» و«استقاء الأنباء فن: صحافة الخير» عن جوليان هارمس» و«#مقدمة إلى وسائل الاتصال» عن إدوارد واكين. و«على درب الحرية». و«ترجمة ذاتية للزعيم الزنجي مارتن لوثر كنج». 55 جوائز ونياشين : وفد فاز الأستاذ وديع بعدد من الجوائز والنياشين نتيجة لجهوده في الصحافة والأدب والترجمةء مثل فوزه بجائزة فاروق الأول للصحافة الشرقية؛ ونيشان الاستحقاق المدني الإسباني من طبقة كوماندر. والحديث يطول بئا لو تتبعنا مترجماته» ومؤلفاتهء والصحف التي كان قد رئيساً لتحريرها مثل مجلة «الاقتصاد والمحاسبة»» أو التي كان مراسلاً لها مثل «قافلة الزيت»» أو التي كتب فيها مئات المقاللات؛ ويطول حصرهاء ولا أرى أستاذي بعين الرضاء وإنما بالعدل والحقء وهو ينتمي لجيل العظماء الذين مضواء وإن كان يعيش بيننا أطال الله بقاءه. © نشرت في ججريدة القاهرة 0 رفف ضاي لماي والأدت الحاصضير صورة غلاف كتاب «قضايا الفكر في الأدب المعاصرء لوديع فلسطين 255 كل ليهستلو يد ارا رات الخد مائو ااه لاله 2 بف املع الى الى ترام الع تبر الله يلي الع ىلل اللو ماله 0 طاهر الطناحي» كانت نشأته ودراسته أدبية» ثم استهوته الصحافة» وأدخلته في بلاطهاء فلا جرم أن جمع بين الصحافة والأدب طيلة حياته الثقافية» وإذا كان الأدب يتأنى لأن غايته الإمتاع» ويتعامل مع فئات قليلة فى المجتمع» والصحافة سريعة الإيقاع» وتتناول الأحوال السائرة والأخبار العارضةء وتخاطب جمهرة كبيرة من الناس. فإن الطناحى كان مستوعا لهذا التفاوتء ولم يغب عن ذهنه أن لكل منهما سننه 55 ومن هنا فإنه لم يكن صعباً عليه مسايرة طبيعة الفن في الوقت الذي يلبي فيه مطالب الصحافة» وقد سهل عليه ذلك بلوعٌ الفوز حسيما قذرته له إمكاناته . هذ نشأته : ولد طاهر أحمد الطناحي بمدينة دمياط في »1407/8/١١‏ ونشأ بهاء ويقول في كتابه «شوقي وحافظ» إنه تلقى تعليمه في مدرسة علي العزبي الابتدائية» والعزبي شاعر وكاتب وصحفي أنشأ جريدة «دمياط؛. وكانت تربطه علائق قوية بشعراء عصره ومفكريه» وعئد موته عام ١457‏ كتب عنه لطفي جمعة ثلاث عشرة مقالة متتابعة في «منبر الشرق». وقد حاكى الطناحي أستاذه في اتجاهاته. ثم التحق بالمعهد الديئني بدمياط حيث حفظ القرآن الكريمء وتثقف عي بثقافة إسلامية واسعة» وبخاصة عندما أنهى المرحلة الابتدائية وانتقل إلى القاهرة ليلتحق بمدرسة القضاء الشرعي» وكان لهذه الثقافة الدينية أثرها في كتاباته.» ومنها الكتب التي قدم لها بمقدمات ودراسات مثل: «دروس من القرآن الكريم» و«الإسلام دين العلم والمدنية» و«رسالة التوحيد؛ وجميعها للشيخ محمد عبده. الليالي : وفي عام ١474‏ أدخل مدرسة دار العلوم» وتواصل درسه فيهاء وتوسع في قراءة الكتب القصصية؛ وتطلعت نفسه إلى التأليف والشهرة. ولماذا لا يكون له كتاب من ثمرات فكره؟ فأقدم على إنشاء أريع قصص صغيرة أطلق عليها اسم «الليالي»؛ وجعل كل قصة منها في كتيب صغيرء وجاءت الأولى تحت اسم: «الليلة الحزينة» والثانية هيى: «فى ضوء القمر؛ وطبعهما عام 1971» والثالثة #مدرسة سقراط» وتتضمن دعابة وفكاهةء والرابعة «جميل بثينة» وتتناول قصة العشق الشهيرة» وصدرتا عام 1971. وينتقد في هذه القصص زخرفة الأساليب وتنميقهاء ورأى أن تكون القصة مرتبطة بالحياة وروح العصرء وأحداثها واضحةء ومتسلسلةء ويمهد كل جزء منها لما يليه»؛ وتصور حالة الشخوصء. وعلائقهم بالحياة» وحديثه عن البناء القصصيء. والاهتمام بالشخوص» وتجلية الحوادث من العناصر الفنية للقصةء وهذا جاء في زمن شح فيه النقد القصصي . وهله «الليالي» وبخاصة الأولى والثانية رومانتيكية الطابع: خيالية النزعة» عاطفية المنحىء تصور الآلام المتكاثفة» والنفوس الكابية القلقة الحزينةء وخيبة الآمالء ومع ذلك لا نعدم حركة الواقع فيهاء إذ ينتقد 45 أوضاع المرأة العصرية؛ وبعض العادات والتقاليد الاجتماعية. وسماع الطناحي للقصص من الأقارب؛ ومطالعتها في الكتب والصحائف من مكوناته الثقافية» ومن العوامل التى وجهت ذهنه إلى كتابة مزيد من القصصء يقول في مقدمة الليلة الحزيئة: «نشأت وللخيال في نفسي أثر لا يفارقها منذ كنت أجلس إلى قريباتي لسماع ما يروينه من الأساطير حتى شببت محباً للقصص على اختلافهاء فطالعت ما شاء الله أن أطلعء فكان ذلك في تكوين ملكتي الإنشائية». نضاء مطلق : ما زلنا في مرحلة دار العلوم؛ وقد كتب هذه القصص وهو طالب بالقسم العالي فيهاء ونهاية هذه الفترة تتنافر الأقوال فيهاء فيقول علي بركات في كتابه «مفكرون وأدباء من بورسعيد» وكان من مخالطيه: «وواصل دراسته وتخرج في مدرسة دار العلوم» وقال ذلك غيره. ويقول نقيض هذا الدكتور محمد رجب البيومي في (مجلة الهلال سبتمبر/ أيلول 8) وكان من عارفيه وخلصائه. ونص عبارته: «ولأمر ما ترك دار العلوم قبل أن يظفر بشهادتها العلمية؛ لأن عمله ب«الأهرام» فدار «الهلال» قد اتجه به إلى الفضاء المطلق» ما دام يملك الموهبة المسعفة والقلم المبين»» وهذه القضية لا يؤخذ فيها بالكثرة أو بالأغلبية» وإنما بقول رسمي يصدر من دار العلوم»» وعلى أية حال فإن النجاح والتفوق في الحياة الأدبية والفكرية والفئية ليس موقوفاً على الشهادات. 3 في دار الهلال: ويستنتج من كلام د. رجب البيومي وسياق الأحداث أنه بدأ العمل بالصحافة في جريدة «الأهرام»؛ ولما لم يطب له العمل بها بحث عن صحيفة أخرىء ويقول الأستاذ مؤمن حسين: إنه التحق بدار الهلال 1 بتوصية من أحمد حسئين باشاء وقد يكون كل هذا صحيحاًء ومهما يكن من أمر فإنه عمل في دار «الهلال» منذ عام ١19717‏ وكتب المقالات» وأجرى التحقيقات الصحفية في مجلاتها الأسبوعية مثل: «المصور؛. «كل شيء'ء «الدنيا» وفي عام ١447‏ تولى تحرير مجلة «الهلال» وبعد عدة سنوات صار رئيسا لتحرير سلسلتي «كتاب الهلال» و«روايات الهلال»: وبذلك يكون حقّق شيئاً من طموحه الشخصيء بعد أن لانت له صعاب المهنةء ولكن يؤخذ عليه إغفال أسماء كثيرة من المترجمين في روايات الهلال المترجمة. ولم تقتصر الفائدة على ما ذكرنا وإنما مكنت له المهنة» أثناء ممارسته لها من التعرف على وجهاء مصر والعالم العربي مثل: النقراشي؛ والنحاس» وأحمد ماهر»ء وعمر طوسون» ومحمد علي بن توفيق» ورياض الصلح.ء والأمير مجيد أرسلان وغيرهمء ولا شك أن الحياة ارتفع شأنها في نظره بمعرفة هؤلاء وأمثالهم . وفي عام ١9175‏ وضع كتاب «فاروق الأول» وعند صدوره كان الملك تحت مجلس الوصاية لصغر سنه (تولى الملك فاروق سلطاته الدستورية في ١1977//17/74‏ عندما أتم ١4‏ سنة)؛ أي : أنه غير مسؤول عن شيءء والكتاب بمنزلة تهنثئة من دار «الهلال» للملك بمناسب توليه العرش» وتقديم التهنئات بأشكالها المتنوعة للملوك والرؤساء تقليد ما زال قائماًء وكتاب «فاروق الأول» عمل صحفي أكثر منه أي شيء آخرء وقد تم تزويده بصور كثيرة لأسرة محمد علي» ويتضمن فصلاً عن ملوك مصر من الشباب منذ العصور الموغلة في القدم. 8 مذكرات وذكريات: وقد استطاع بلطفه» وحسن تلبيره أن يهيئ الجو الملائم لأحمد 14 لطفي السيد باشاء وعبد العزيز فهمي باشاء ويحملهما على تدوين سيرتيهما من خلال أحاديئهما معه, أو بإملائهما عليه ما كان من أمورهماء ولا بد أن نتصور أنه خلال هذه الأحاديث والإملاءات كان يستفسر عن شيء؛ أو يطلب إيضاح أمرء فلم يكن مسجلاً فحسب, ثم كان بعد ذلك يقوم بتنسيق هذه المادةء وترتيبهاء وتبويبها وإعدادها للنشر. ففي فبراير/ شباط 1457 نشر في سلسلة كتاب الهلال #قصة حياتي» لا عبد لطفي السيدء وكان على قيد الحياة (توفي عام .)١957‏ وفي أيريل/ نيسان ١977‏ نشر في سلسلة كتاب الهلال «هذه حياتي» لعبد العزيز فهميء وكان قد توفي. وهما علمان مهمان لا يغمفل أدوارهما من يؤرخ لمصر الحديثة» ويهذه الطريقة جعلهما يبوحان بأسرار دفينة» ويجودان بمعلومات مستورة. ولم يكتفي بالتدوين والتبويب والنشرء بل كتب لكل كتاب مقدمة طويلة شارحة لكيفية إتمام هذين العملين» وما هو غير مفهوم أنه عند إعادة طبع هذين الكتابين تحذف مقدمتا الطناحي مع أنهما توضحان كيف كتب الكتابان»ء وأعتقد أن هذين العملين من أهم أعماله الصحفية إذا نظرنا إليهما على أنهما حديثئان صحفيان طويلان. ولا يتصور القارئ أن صاحبنا صحفي فحسب. أو غلبت عليه الصحافة. فإنه مبتكر للقصصء. وكاتب للتراجم. وناظم للشعرء وناقد للأدب» فقد كان ذهنه يجد في كل هذه الميادين أرضاً براح يجول فيها. ويعبر ويبدع الطرائف . ومن هذاء قصصه التي استوحاها من التاريخ الإسلامي . والتاريخ الحديث. وكان الطناحي كثير التردد على كتب التاريخ . ويسختار منها فترة ١‏ اشتد فيها الصراع. وتكائرت فيها الأحداث» وانتفض فيها الأشخاص وتباينت فيها الرؤى والاتجاهات ثم يصورها في شكل قصصي؛ لأن كل هذه الأوصاف عندما تتمثل في قصة تشحذ الذهن». وتجعل القارئ شديد الاهتمام. ومن هذا قصة «شروق وغروب» ضمن مجموعة «على ضفاف دجلة والفرات» التي أعاد طباعتها عام ١4604‏ تحت عنوان «معارك السيف والقلم»؛ وقد صور في هذه القصة الصراع الدموي الذي جرى بين الدولة الأموية الغاربة والدولة العباسية الناشئة» وأظهر وقع الهزائم المتلاحقة على الأمويين الذين ثابروا لاستبقاء عرشهم حتى قتل آخر خلفائهم مروان بن محمد. ومصرع دولتهم» وبين دور الجيش العباسي المرهوب في استخلاص الخلافة لأبي العباس السفاح أول خلفاء بني العباس. وتصوير المنحنيات التاريخية من أفول دولة وشروق أخرى لا يحتاج إلى معارف وحسبء. وإنما تلزمها طرافة فنية» ورهافة حسء واستقراء لنفوس الرجال التاريخيين» وتحليل فترة الصراع. فالقصص التي من هذا النوع لا بد أن تأخذ حقها من التاريخ. وحظها من الفن» وهذا ما نهض به الطناحي . وقصته التاريخية «أمير قصر الذهب» التي نشرها في كتاب طبع عام 4 من القصص التي تدور أحداثها في جو الصراعء الذي دار بين الخليفة المأمون وإبراهيم بن المهدي أخي هارون الرشيد. وقصر الذهب هو القصر الذي شيده الخليفة أبو جعفر المنصور وسكنه إبراهيم بن المهدي. وقد اشتهر إبراهيم في كتب الأدب والتاريخ بالغناء والموسيقى؛ وعلا على معاصريه في هذين الفئين» وقد قاد ابن المهدي انقلاباً مع أنصاره الكثيرين ضد المأمون وخلعوه. وقد صوّر الطناحي أجواء هله الفترة» وعرض في قصته لجانبين مهمين: جانب الغناء الذي 34 يبهج» وجانب التمرد الذي يزعج؛ وهما الجانبان المتعلقان بأمير قصر الذهب . وقد كتب القاص مقدمة لقصته عن الغناء والموسيقىء ومكانتهما في النفوس والدول» واستطرد في ذلك» وهذه المقدمة وإن كانت ملائمة لقصتهء فإن ما جاء فيها كان يمكن تضمينه في السرد؛ لأنه أجدى في القص» أضف إلى ذلك أن القصص الحديثة؛ في الغالب» تخلصت من مثل هذه المقدمات. ويبدو أن الطناحي قد راقته الصراعات المذهبية» أو فترات الهزاهز والنزاعات على الحكم ليحوك منها قصصاً حيّة. ففي قصته «هنده ضمن مجموعة «نشيد الكروان' المطبوعة عام 14717» يتناول العراك الدموي والصِدَام الهائل الذي دار بين الحجاج بن يوسف الثقفي قائد الجيش الأموي. وعبد الله بن الزبير الذي كاد يفوز بالخلافة. وفي قصته «أوجيني الإمبراطورة اللعوب التي ضيّعت العرش» ضمن نفس المجموعة 20 المسفيية المهلكة التي دارت رحاها بين الألمان والفرنسيين» واندحرت فيها فرنسا وخسرت مقاطعتين من أراضيها. والصراع بين الشخوص والطوائف والدول» يشكل أحداث التاريخ ويوجههاء وربما هذا ما يفسر لنا سبب اهتمام المؤرخين بتصادم الدول» وتصارع الأبطال» والطناحي في هذا القصص التاريخي ليس مؤرخاء وإنما هو يهيئ بيئة أدبية ملائمة أو مسرحاً تتلاعب عليه الشخوص والدول. وتؤدي أدوارها التي أدتها وفق رؤيته وتقديره. 55 التراجم : والطناحي ميال لكتابة التراجم. نرّاع إلى تصوير الشخوص ١»‏ وبخاصة أولئك الذين عاصرهم وخالطهم؛ ومن عرف طائفة متباينة من ١‏ الشخصيات» تكون نفسه مهيئة لترجمتهم؛ لأن عناصر الترجمة حاضرة في ذهنه , ومن طرائق الترجمة ما يعنى بتقديم صور للشخوص. كل واحدة منها منحى من مناحي المترجم دون تركيب أو استطراد»ء وكتابه #حديقة الأدباء» عبارة عن تراجم صغيرة لعدد من كتابنا وشعرائنا وفنانيناء مثل : العقاد» وطه حسين» وميخائيل نعيمة» وسليمان نجيبء وأم كلثوم. وكل ترجمة منها عبارة عن صورة مكونة من خطوط قليلة» في مساحة صغيرة» مع تحليل محدود» وتقدير للعمل الفني» وهذه الصورة البسيطة لا تجلّي في الغالب كل الجوانب الغامضة في الشخصية. ولا تمنحنا إلا انطبياعات محدودة عن المترجم . ومع أنه لا يعطينا ترجمة تامة عبر المكان. وتتابع الزمان. لنلمح أطوار الشخصية» فإننا نقف فيها على العطاء الفني للشخصية» وتطورها الإبداعي» مثل ترجمته لعزيز أباظة التي يبين فيها أنه ظل صامتاء وعندما رحلت زوجته نطق بالشعر ورثاها بديوان «أنات حائرة»» ثم نظم بعد ذلك مسرحياته الشعرية» ثم قصائده التي تناول فيها الأحداث المعاصرة» وهو تدرج فني أكثر منه تدرج في العمر والنشأة. وقد تميزت هذه التراجم القصيرة بما رمز به لكل شخصية منها بطائر أو حيوان يناسبهء ويلائم ما اشتهر به» فرمز لأحمد لطفي السيد بصورة النسرء ولعائشة عبد الرحمن بصورة البطة المائية» ولإبراهيم ناجي بالسنجاب,. ولعبد الرحمن صددقي بالبطريق» وبهذه الصياغة التخييلية الموحيةء جعل للرمز دوراً في تخيل الشخصية» مما قوى من تصور المتلقي للمترجم» وإذا كان الرمز بطبيعته لوناً من الإبهام. فإنه هنا في «حديقة الحيوان» يؤدي إلى التفسير والإيضاحء فلا أحد يجهل النسر والكروان وغيرهماء ومما هو جدير بالذكر أن المؤلف جعل كل بفية مترجم في لوحة تصويرية وهو في صورة الطائر أو الحيوان التي خصه بها. وللطناحي سيرة وافية مطولة عن «حياة خليل مطران» صدرت عام 51 » بسط فيها حياته من مولده في أول يوليو/تموز 1١4177‏ إلى وفاته في "٠‏ من يونيه/ حزيران 14594١ء‏ وبيِّن فيها أطوار الشخصيةء وتجاربه الإنسانية» وملابسات بيئته وعصرهء والوسط الذي عايشه. وعلائقه بأعلام عصرهء مع الاستئناس بأقوال وآراء الآخرين» والاتجاه بالسيرة نحو شعر مطران الذي يرتكز عليه عمله وإبداعه؛ وعليه مدار الحديث» إضافة إلى شروح وتحليلات وكلمات نقدية مبينة» ويذلك تفتحت سيرة مطران» وصارت صالحة لإفادة القراء» فما أحوجنا إلى مطالعة كتب التراجم والسير للتعرف على خصائص الأدباء والأبطال والفنانين . وقد دار حديثه في هذا الكتاب على آداب مطران» وبخاصة الشعرء ومهما قلنا في نظراته النقدية المستندة إلى المنطق والعقل؛ والبحث والعلم. فإنه كان مثل كثيرين من نقاد جيله يعتمد على الذوق في تقدير الفنون. فقد كان يتأمل النصء ويستلهم الذوق» ويستغرق في النظر قبل إبداء الرأي» وإصدار الحكم على العمل الفني» والنصوص التي قدمها إلينا من شعر مطران وحاورهاء تفيد إعجابه بهاء واستمتاعه بصياغتها وموضوعهاء ومدى تأثيرها في شعوره» ومن هنا ظهرت فيه الصور الجميلة؛ والأنغام المتسقة» والمشاهد المؤثرة» فهي رد فعل للمتعة والجمال؛ ولأن خليل مطران من رواد التجديد في الشعر فقد أوضح الطناحي أن «التجديد الفني هو التحسين والتجويدء والتقدم بالفن خطوات إلى الأمام مع المحافظة على همزاياه؛ ودعائم وجوده»» ورفض التجديد الذي يحطم قراعد الشعر الأصيل» وعدّه فوضى. إففقة 5 على فراش الموت: ومن كتب التراجم الأخرى للطناحي كتاب «على فراش الموت». صدر عام ١914‏ بمقدمة للدكتور مصطفى فهمي سرورء وأعاد نشره سنة 0١‏ تحت عنوان «ألحان الغروب» بمقدمة لمحمد كامل سليم» وهناك طبعة ثالئة ظهرت عام ١477‏ عنوانها «الساعات الأخيرة» بمقدمة للأستاذ العفّادء وهكذا نشر هذا الكتاب ثلاث مرات. بثلاث مقدمات» والحقيقة أن جميع العناوين التي اختارها المؤلف ملائمة لموضوعه. وهذه الكتب أو هذا الكتاب تتسع فيه مساحة الموت. ويتلوّن بلون قابض» وتطرد فيه نغمة شجية مبكية» وتتصايح فيه ألحان جنائزية» ففي كل ترجمة يتناول المؤلف الزمن الأخير من حياة المترجّم». أو قل زمن رقاده على فراش الموتء. ويذكر آخر ما قاله من كلمات وهو يجود بنفسهء والأحاديث المتبادلة بينه وبين زوارهء وإنه لتأخذنا الدهشة من توقعهم للرحيل؛ قبل الرحيل بقليل» فمنهم من أبدى فرحه لأن مهزلة الحياة انتهت مثل «بيتهوفن»؛ ومن قال بانتهاء معركة الليل والنهار مثل #فيكتور هوجو؛ء» ومن أعلن عدم خوفه من الموت مثل مي زيادة»:) ومن كان يرى العالم الآخر حلواً مثل «خليل مطران»» وبعد زمن يسير يهلكون حقاً. إنهم يعزفون ألحان الغروب على فراش الموت في ساعاتهم الأخيرة: وهذه الكلمات وغيرهاء تلخيص لأفكارهم, وتحليل لعواطفهم عندما يستشعرون النهاية. والكتاب ليس فيه حكايات الموت فحسبء. وإنما فيه صور من كفاح مصطفى كاملء وأدب المنفلوطي؛ ومحن «بوشكن». واضطراب نفسية مي وتوفيق البكري وغيرها من تراجم الراحلين في هذا الكتاب. ولأن الباعث الأول للمؤلف في كتابه هو الموت» والموت بطبيعة الحال يدعو إلى التأمل والتفكيرء فقد استهل كتابه بالحديث عن فكرة أن الموت عند بعض الشعوب.». وخوف الإنسان من الموت». وبقاء الروح والحياة الأخرى. وموضوعات أخرى تستتبع الموت. ومثل هذه الموضوعات يخوض فيها العالم والجاهل لعله يظفر بجواب مريح. والطناحي يترجم للأعلام من خلال فكرة تشمل تراجمه جخجنها : فمى «#(حليقة الأدباء» جعل لهم زهوزاً من الطيور والحيوانات» وفي «الساعات الأخيرةا ترجم الأعلامه من خلال فكرة الموت. وصور أحوالهم في الساعة الأخيرة» وما قالوه فيها؛ أي : أنه يمنهج تراجمه؛ وقد عرفنا من قبل كتباً يضم الواحد منها عدة تراجمء لا تشملها فكرة معينة أو اتجاه محدد. وقدك ترجم الطناحى لغيره » ولم ينس نفسه تعافاء فكان بين كتاب وآخر يذكر أشياء عن نفسه» ويتخذ منها موضوعات الكتابة. ولعل في إشارتنا إلى عمله الصحفى فائدة» فقد تعرّف على العقادء» ومحمد فريد وَحَدِي. ومصطفى صادق الرافعي وغيرهم» وسجل ذكرياته عنهم في كتايه «ساعات من حياتي» وفي كتابه «أطياف من حياة مي» كتب عن علاقته بمي زيادة» ودون ما تناولاه من شعرء وأعطانا صورة واضحة عما كان يدور بينهما من نقاش» وهذا التفاعل بينه وبين غيره في مجتمعه وعصره عنصر من عناصر ترجمته الشخصية. وكانت تربطه بشوقي وحافظ علافة ودية» وبحكم ما دار بينهم من أحاديث عرف عنهما أشياء كثيرة سظّرها في كتابه «صور وظلال من حياة شوقي وحافظ» أورد فيه أقوالاً عن نفسه وتعليمه وغير ذلك. وقد يفيد قارئه من تصويره للحياة المعاصرة؛ ونظراته إلى المجتمع؛ وميوله الدينية ونقده للتقاليد أشياءً تجدي في ترجمته. مع ذلك فإن كل هذه الأشياء ل نكوّن سيرة ذاتية متماسكة الأطراف» ولا تقدم لنا معارف وفيرة» وقد يأتي باحث آخر ويستنتج من هله المعلرمات الطفيفة شيئاً مهما . حارف ع مع العقاد : وهناك علاقة حافلة بالودء أجدت على الأدب والفكر بين الطناحي والعقاد طيلة أربعة عقود من الزمان» بدأت عندما ثار الطناحي على الزي الديني وهو طالب بدار العلوم؛ وكتب في «البلاغ»» وناصره العقاد. وعندما تولى الطناحي إدارة مجلة «الهلال»؛ كانت مقالات العقاد المنتظمة تتصدر معظم أعداد المجلة؛ ولما رأس تحرير سلسلة «كتاب الهلال» كانت كتب العقاد لها النصيب الأكبرء حتى إنه يمكن القول إن عدد كتب العقاد في هذه السلسلة أكثر من نصيب أي كاتب آخر مهما كان اسمه ومكانته. ومردٌ هذا ليس إلى الود والمحاباة» وإنما إلى إعجاب الطناحي بالعقّاد وعبقريته» وإلى إقبال الجمهور على كتب العقاد. فلم يكن يقبل إميل زيدان صاحب دار «الهلال» أن يطبع الطناحي كل هذا الكم من كتب العقاد ويكدسها في المخازن» وقد عبر الطناحي عن إعجابه بالعقاد بالشعر والتثر والمقال» ومن هذا قوله في مجلة الهلال (يوليه/ تموز :)١109‏ «أحد العباقرة القلائل الذين تفخر بهم الأمم والشعوب. وقد ارتفع بعبقريته فوق الماديات» وفوق التقدير المحلي في هذا الجيل إلى التقدير العقلي الخالد على مر الأجيال»», وفي كتابه «حديقة الأدياء» جعل العقاد عُقاباً مها : وقال عئه: ١مجمع‏ عيقريات وروح عظيم». وخلاصة هذا أن العقاد عبقري يستحق التقدير. للطناحي دور في لفت نظر العقاد إلى موضوعات كتبها. وفي «الهلال» اقترح عليه أن يكتب عن نشأته وحياته» وهي الفصول التي جمعها الطناحي بعد وفاة العقاد ١954‏ ونشرها في كتابين هما: «أنا؛ واحياة قلم»» كتب لهما مقدمتين طويلتين. أما العقاد فكان بارًاً بصديقهء إذ كتب له مقدمتين لكتابيه #حديقة الأدباء»» و«الساعات الأخيرة»» وكان مستجيباً لمقترحات المترجم فيما يود تزويد «الهلال» به. فيد وكان الطناحي شاعراًء وله قصائد صاغها من بحور الخليل. وكان ينبذ ما عداهاء ويعد أي شعر آخر نثراً. يقول في قصيدته «أشجان وألحان»: ليس شعراً ما كان كالنثر يُلقَى في جمود كساكن اللحد بارد إنما الشعر من حرارة قلب عبقري الجمال حلو المقاصد يتحلّى بما تحلّى به الفن من الوزن اتباع القواعد وقد أمضى الرجل في دار الهلال أربعة عقود يكتب فيها المقالات ويترجمهاء ويعرض ما استجد من كتب. وينشر نتاجه الأدبي إلى أن وافته المنيّة في ١5‏ من إبريل/ نيسان ١45737‏ أنه . كم نشرت في جريدة القاهرة في 7٠١/0‏ ١٠01؟‏ فغرة 12 ن! لرا 0 !لمان ] لان ] لبان لمان لمان لبان لمان !لان :ناك الاك الما ]ليان المان لان لم0 لان الات الا الحوار الأدبي حول النثر الفني ايك ناك اأياك اميا ] ليان 1 أمال اأنيان الماك ) إبباك ] أمياك اياك يكل لباك باك اأمياك انان لباك ال لبان 01 كتاب «النثر الفني في القرن الرابع الهجري» من الكتب البارزة الشهيرة في القرن العشرين» وهو غني بالتصورات الكثيرة لقضايا عديدة؛ وليس بالضرورة أن تكون هذه التصورات صحيحة ناهضة على حقائق ثابتة» ومن هنا فهو مثير للأفكارء دافع إلى الجدل والنقاش . وهو فى مراميه البعيدة وافاقه العالية يصور اتجاهات التفكير في فصيرةة. تقد السم للف الوقت بإعادة النظرافي المعظيات العديية: والمقولات المستقرة»؛ وإعمال الفكر في مناهج البحث» وطرائق النظم التي كانت سائدة؛ وتجديد كل ذلك بأراء جديدة ونظريات حديثة بعضها مجلوب من الغرب. كذلك فإن مؤلف الكتاب الدكتور زكي مبارك )١1965 - 1١891(‏ كان من هؤلاء الذين يعبّرون عن أنفسهمء ويدافعون عن أفكارهم بالحجة حيناً؛ والمصارعة حيئاً آخرء بل قد يجمح ويتمادى حتى والكتاب يشعرنا بأن مؤلفه استنفر قواه» وشحذ عقله» حتى أنجز هذا العمل الضخم؛ وقد تقبل آراء زكي مبارك أو ترفضها عن طيب خاطر. ولكنك في النهاية تشهد له بأنه أوضح عناصر كثيرة في الئثر الفني» وفصّل قضاباه تفصيلاًء وذكر خصائصه ومن بيئها التورية والمطابقة والجناس والسجع؛ وتئاول أوعية النثر وأجئاسه من رسالة 24 ومقامة وخطابة. . هذا إلى جانب استظهاره لكتّاب منسيين واستكشافه لكتاباتهم. وتعريفنا بهم. وتصويبه لأخطاء تكررت؛» ورده على أساتذة لهم قدرهمء. وتناوله لنصوص مهمة.ء وأخرى لها روئق وتأثير في النفوس» وفوق كل ذلك سار في بعض بحوث الكتاب على نهج علمي فيه موازنة واستقراء وانتقاد وإثبات للمراجعء لذلك كان صاحبه يعتز به ويرى أنه سِفر متفرد أكسبه مكانة رفيعة في دنيا الأدب» ولا يجد غضاضة في قوله: «إن هذا الكتاب أول كتاب من نوعه في اللغة العربية» أو هو على الأقل أول كتاب صنئْف عن النثر الفني في القرن الرابع» فهو بذلك أول منارة أقيمت لهداية السّارين في غيابات ذلك العهد السحيق». وظل فترة يشيد بكتابه» ويثني على جهده فيه» ويعلي من مكانته قيقول في البلاغ : «إن أعظم منصب في الجامعة لا ينيلني من المجد ما أنالني كتاب التثر الفنيى» وستبيد أحجار الجامعة المصرية وتبيد ذكريات» ثم يبقى ذلك الكتاب على مر الزمان». ولا يعني هذا أنه الكتاب الكامل» والسفر الشامل» الذي يسمو على أي نقدء وأن كل الأدباء والمفكرين هلّلوا تهليلاً موصولاً له فقد انقسم الناس حولهء وهناك من أشاد بهء وهناك من أظهر نقائصهء ونبدأ بمن أدُوا التحيات» وأقاموا الاحتفالات؛ وعزفوا الموسيقىء. وهزجوا بالأناشيد. فعندما ظهر الكتاب في مطالع عام 1814م: اجتمعت لجنة تحضيرية لتكريم زكي مبارك في عيادة د. محمد عزام» بشر فارسء أحمد الصاوي محمدء محمد الهراوي؛ الماحي. الصيرفي» إسماعيل مظهرء أحمد الشايب؛ محمد محبي الدين» وفي 1974/54/54م أقيم الاحتفال الكبير في مسرح «الهمبرا»» وعزفت الفرقة الموسيقية لجماعة اتحاد الموسيقيين النشيد المصري» وأتبعته بمقطوعات أخرى مطربة» ثم 3 افتتح الحفل خليل مطران )١958 - ١4177(‏ وألقى خطبة أشاد فيها بزكي مبارك وكتابه» ثم ألقى قصيدة منها: أماالذي دبّجته مرسلاً من الطراز الواضح الرونق في نثرك الفني وهو الذي لا يلحق القوم ولم يسبق بكل معنى بارع باهر وكل لفظ ناصع مشرق تجلو خبايا العلم فى حقبة ‏ سبيلها شقت فلم تطرق مستكشفاً مستنبطاً آخذاً في الريب بالأثيت والأوثق ثم تلاه محمد الهراوي وألقى قصيدة منها: أنت أيدعت أي بحث وسفر2 عرف الناس متهما مقدارك لك التهنئات من كل قلب ولك الشكريا زكي مبارك وألقى إبراهيم ناجي قصيدة )١19617 ١8948(‏ منها : أزكي هذا مهرجانك فاغتبط فرحا وهذايومك المشهود جاؤوا يؤدون النبوغ حقوقه حدياً عليه والزمان كنود وفي نهاية الحفل حيًا زكي مبارك المجتمعين والمحتفلين» كما أقيمت حفلة تكريم أخرى له في الإسكندرية ذكرتها «البلاغ» في /4/١1‏ ؛ وخطب فيها الخطباء ومنهم شخص يدعى علي حافظ» والقصائد التي ألقيت تعرب عما في نفوس قائليهاء فقد رأوا أن «النثر الفني» كتاب مبتكرء وسيظل جديداً أبد الدهرء وأنه بحث غير مسبوق ولا يلحق به كتاب آخر. أما مؤلفه فقد جِلَّى بآرائه المنطقيةء» ويمواده الموئثوق بهاء ما شق على الآخرين» وهي آراء تليق بالكتاب ولكن فيها مغالاة» ولا يعزب عنا أن قائليها شعراء وأنهم من حزبه ومناصريه. ولكن الكتاب تعض لهجمات وانتقادات» وإذا كان زكي مبارك أصدر كتابه عام ١975‏ كما أسلفنا القول» فإنه منذ عام ١917١‏ وهو يمهد 3172 لبعض آرائه الواردة فى الكتابء. وأهمها أن للعرب الجاهليين نثراً فنياًء وقد ضاعء وأن النفر الجاهلي المسطور في الكتب المتداولة منحرل وزائف» وذهب إلى «أن 3 يعطي صورة صحيحة من النثر الفني لعهد الجاهلية»» وهذا ما أثار حفيظة النقاد ضدهء فقد رأوا أن عرب الجاهلية ليس لهم نثر فني » وحتى إذا كان لهم نثر فإنه لا يرقى إلى مستوى القرآن الكريم . وكان من آراء المستشرق الفرنسى «مارسيه» أن عرب الجاهلية فطريون» وبالتالي ليس لهم نثر فني؛ لأن النثر الفني ثمرة لقرائح الأمم الناضجة»ء ولم يلق هذا الرأي قبولاً عند زكي مبارك فهاجمه وقيّد كلاماً ضده في رسالته للدكتوراه «النثر الفني في القرن الرابع» التي حصل عليها من «السريون»» وأخذ ينتقد أفكار (مرسيه» وطه حسين في «البلاغ؛. وتمسّك بقوله إن القرآن صورة من النثر الفني الجاهليء وإزاء هذا التمسّك انبرى له فريق من النقاد وفئّدوا كلامه؛ منهم: محمد لطفي جمعة» ومحمد فريد وجديء. ومحمد عبد المطلبء وعبد المتعال الصعيدي» وكان تفنيدهم مزيجاً من الدين والأدب. وقد أفاض لطفي جمعة )١1161 -1١8485(‏ في الرد على زكي مبارك: وأقام حسّجته النافية للنثر الفني في الجاهلية على أن العرب رخالة لا يقر لهم قرارء وبالتالي ليسوا في حاجة إلى نثر فني» وليست لديهم أوراق يدوّنون عليهاء وربط النثر الفني بالحياة المنظمة وهو طابع الأمم المتحضرة» وهذا ما كان يفتقده عرب الجاهلية. وبأن النثر الفني ثمرة الحياة العقلية التي تكون عليها الأمم. ونفى أن يكون النثر الفني هو كتب دينية أو أدبية مثل التوراة والإنجيل»: وأعمال الرسل» وكتب الهنود والفرس المقدسة (البلاغ 19171/8/755). ويخلص لطفي جمعة في رده إلى أن أدباء العرب كانوا موجودين 545١ أثناء نزول القرآن»ء وتحداهم القرآن أن يأتوا بمثلهء أو بمثل آية واحدة فعجزواء فلو كان القرآن صورة من النثر الجاهلي لاستطاعوا أن يأتوا بمثله. ولكنهم لم يستطيعوا وهذا دليل إعجازه» وبرهان على أنه ليس من شاكلة ما كانوا يقولون» ويمضي جمعة في الاستنباط إلى القول بأنه لو كان القرآن صورة من النثر الجاهلي لما أخذ بألبابهم وأثر فيهمء وحوّل حياتهم وهدم مجتمعهم القبلي والوثني» ويتساءل: «أين في الأدب الجاهلي أو غير الجاهلي نثر كالذي جاء في سورة الأعراف وسورة النحل. . بل أين تشريع البقرة والنساء.. في أي كتاب ديني أو أدبي في الشرق والغرب» فى الجاهلية أو غير الجاهلية». واستشهد جمعة بأقوال و ال وو الجاهلية» وواصل جمعة حديئه في هذا الاتجاهء وتنوعت حججهء وكثرت أدلته . ورد زكي مبارك على جمعة في «البلاغ» (4, ,.)191/9/١١‏ ولكن رده جاء ساخراً خاليا من الأدلّة الدامغة» والأفكار الناضجة» مثل قوله: #قد جدت بكم الحرب فجدواء أنا عائد إليه وماض في مقارعته ليعلم أنني أصلب عوداً من أولعئك الرجال الذين استّلائهم في نقده وجال؛ وألف على حسابهم الأسفار الطوال. .4 وهو يشير بهذا الكلام إلى معركة جمعة مع طه حسين وكتابه «الشهاب الراصد». ومثل هذا الكلام لا يحسم قضيةء ولا يرجم فكرة؛ ولا يصحح مقولة. أما الكاتب الإسلامي محمد فريد وجدي )١14165 ١416(‏ فقد ذهب إلى أن «استدلال د. زكي مبارك على وجود ذلك النثر الفني عند العرب بالقرآن» لا نزال نراه معلولاً ولا يصح الإصرار عليه» فإنه إن كان القرآن وحياً سماوياً أو فيضاً وجدانياً من 0 طريق روحانية» فلا يجوز الاستدلال به على ما يظهر أن لدى الجاهليين من نثر؛ لانقطاع 114 الصلة بين ما هو إلهي وما هو بشريء وإن كان ليس بنثر ولا بفيض وجداني من طريق روحانية تميزه فلا يجوز الاستدلال به أيضا في هذا الموطن؛ لأن هذا الكتاب اعتبره أمة بأسرها كتاباً إلهياً معجزاً للانس والجن مجتمعين»).. .2.١‏ بَيْدَ أن زكي مبارك لا يرى ما يراه فريد وجديء. وإنما على حد قوله: «ارتضينا لأنفسنا أن نخرج الدين من هذه الهيجاء لنظل في حدود البحث العلمي الدقيق» الذي يفرض علينا غض النظر عن الأديان والتقاليد؛» وهو كلام لا يقنع على طول المدى. وأرى أنه لا يمكن أن نقول بالبديهة في أمر مبتوت الصلة يماضيه. ويخاصة إذا أنكرنا هذا الماضي برمتهء ففي هذه الحالة تأتي النتائح من مقدمات متخيلة». ولا شك أن المعطيات تساعد على التصوره وتمكن العقل من ملء هوات وتنظيم أوضاعء والدراسة الأدبية المستندة إلى البحث العلمي تمر بمراحل كثيرة وتصل إلى أوجها بعدة أشياء منها : المعطيات القَبّلية» والتصورات ونواحي قوتهاء والاسترشاد بآراء الآخرين إذا لاح فيها صواب . والدكتور زكي مبارك في نظرته إلى النثر الفني الجاهلي لم يستند إلى شيء» ولم يتكئ على نص» فقد رفض النصوص المنسوية للعصر الجاهلي» وقال بانتحالهاء وبعد لأي استخلص أن القرآن الكريم يعطي صورة لنثر الجاهليين» وهي مقولة مرفوضة علمياً لأنه ليس أمامه نصوص يقيس عليهاء ومرفوضة ديئياً لأن القرآن الكريم إعجاز إلهيء وهو كذلك دون تعصب ديني. فحتى بعد ظهور الإسلام إلى اليوم لا يوجد نص نثري فني أو غير فني يمائل القرآن؛ فما بالك بالوضع قبل البعثة النبوية» ثم إن ثقافة العصر الجاهلي لا تنتج أبداً نصاً ممائلاً للقرآن أو قريباً منه. وهل ضاع كل النثر الجاهلي» ولم يبق منه أي قدر يثبت صحة مقولة زكي 14 مباركء إن ما قاله د. زكي مبارك لا يعدو أن يكون افتراضاًء والفرض علمياً لا ينبني عليه شيء» وإنما يظل فرضاً إلى أن يثبت صلابه من إن مقولة زكي مبارك تفتقر إلى الأدلة اليقينية» وتركن إلى البديهية وتخيلاتهاء ولم يستطع أن يصل إلى الملابسات الصحيحة والحيثيات الدقيقة» والحاجات والمطالب التي تقضي بوجود هذا النثر الفني وضرورته في عالم البداوة» وفكرة الدكتور زكي عن النثر الفني الجاهلي المفقود فكرة مجردةء وليدة التصورء والغريب أنه نقلها إلى عالم المثال أي القرآن دون أن يكون في يديه وسيلة نقل» ومن ثم تعد نوعاً من الترف الفكري القائم على البديهية الخالصة» الخيال المحض» فقد قاس التثر الجاهلي المفقود على القرآن. وهو فى هذا كمن قاس العدم على الوجود أو قاس الوجود على العدم . وعندما صدر كتاب (النثر الفنى» أهمله طه حسين )١917/7* - ١888(‏ واستخف بهء وقال عنه: كتاب من الكتبء أخرجه كاتب من الكتّاب»» وقول طه حسين صحيح في عمومه. ولكن هل هذا ما يعنيه فعلاً؟ إنه سخرية وتهكم وزراية» وهذا ما نص زكي مبارك» فكتب معلقاً يقول: «قمن هو الكاتب؟ وما اسم ذلك الكتاب؟ لعلكم فهمتم أن الرجل طوى اسميء. وطوى اسم كتابي» فاستطاع بذلك أن يمحوني» وأن يجر على كتابي ذيل النسيان» ولم لا يفعل ذلك وهو يتوهم أنه يرفع أقواماً ويخفض آخرين؟ . وقد أفاض د. زكي مبارك في مقاله «كتاب النثر الفني وما أصابني في سبيله /#٠‏ 8/ 141"4 - البلاغ؟ في عتاب طه حسين,ء والزراية به وتذكيره بوقوفه إلى جانبه أيام محنته. وهذا المقال له سراديب معتمة. ومسارب تتكاثر فيها الآلام» وكلما غصت في المقال أو في العقل 445 الباطن لزكي مبارك كلما وقفت على أحزانه الدفينة» وشعرت بمزاجه القلق المضطرب. وفد كثرت كتابات زكي مبارك عن طه حسين وهي كتابات وانتقادات: في معظمها شخصية أكثر منها أدبية أو نقدية» وفقاً ويخاصة عندما فصله من الجامعة. لذلك كان يمدح فيه ) ويكيل له النقد. ويذكر مثالبه دون مللء ويشتجر معه دون حذر. ويمتحم ساحاته وينهال عليه من غير تردُّدء ولعل ما قاله زكي مبارك في صاحبه يؤكد ما ذهب إليه من أن ما بينهما كان عراكاً شخصياً. يقول زكي مبارك (البلاغ 1975/1١/71‏ ): «من أخبار العصر الحديث أن رجلاً اسمه زكي مبارك كان يهجم على رجل اسمه طه حسينء وكان طه حسين يسكت فلا يجيبء فكان الناس يظنون أن طه حسين يترفع عن ملاحاة زكي مبارك» ثم مضت أيام وأصبح زكي مبارك» نوفا في المتكرعة البعبرية» ورآى .تله اجنين آنا الرقيقة بعرم عن صاحبها ألواناً من الخصوماتء فانطلق كالسهم يأكل لحم زكي مبارك في غير تعفف ولا إشفاق» وكذلك عرف الناس أن طه حسين لم يكن يترفع عن ملاحاة زكي مبارك» ولكنه كان يخافء, فلما رأى زكي مبارك في قيود الوظيفة آمن واطمأنء واندفع يناوشه ويلاحيه بلسان شجاع وقلب جبان. .». وإذا كان هذا الكلام يكشف عن خلق طه حسين فإن كثيرا مما قاله زكي مبارك لا صلة له بالأدب والئقد. على أن تجنب طه حسين التعريف بكتاب «النثر الفني» وقوله عنه: «كتاب من الكتب أخرجه كاتب من الكتاب»»؛ كان له أثره في نفوس بعض الأدباءء فقد رأى المازني )١19494 - ١895(‏ أن يعلن طه حسين عن رأيه في «النثر الفني» وفاء للعلم وإخلاصاً له. وبعد أن تهكم المازني على طه حسين وأشبعه لوماً أخذ يوازن بين كتابي «في الأدب الجاهلي» 16 لطه حسين «والنثر الفني» لزكي مباركء وانتهى إلى القول (8/ ١975/5‏ البلاغ): «والدكتور طه بلا شك أسبق إلى البحث في الأدب الجاهلي وما يتصل به من الدكتور زكي مبارك؛ ومن آراء الدكتور طه التي شرحها في كتابه «الأدب الجاهلي؟ أن مراآة الحياة الجاهلية يجب أن تلتمس في القرآن لا في الأدب الجاهلي» وهذا أساس كتابه..»» ثم يورد فقرات من كتاب «الأدب الجاهلي؛: وفقرات أخرى من كتاب «النثر الفني» ليبين أن أساس فكرة كتاب 5 أساس فكرة كتاب مباركء ويقول المازني: «وواضح من الفقرات التي اقتبسناها من كتابي الدكتورين طه حسين وزكي مبارك أن الفكرة واحدة في جوهرها وأن الاتجاه فيها لا يختلف. وقد كان د. طه أسبق إليها.. وكان ينبغي أن يشير الدكتور زكي مبارك إلى هذا السيق». ١‏ ْ ولا يداخل القارئ شك. في نزاهة المازني وأمانته» فحسب ما هو مدوّن في الكتابين انتصر لطه حسين. ولكن الحوار الأدبي بين المازني ومبارك لم يتم» فسرعان ما أدلى زكي مبارك بأقوال ظهر منها أنه أسبق من طه حسين في القول بأن الحياة الجاهلية تلتمس في القرآن وليس في الأدب الجاهلي: وذكر زكي مبارك /1١7(‏ 1975/85 - البلاغ) أنه في عام 4 ألقى محاضرة في الجامعة المصرية تحت إشراف د. أحمد ضيف موضوعها «خطب وفود العرب عند كسرى» ورأى أن هذه الخطب منحولة دوأن النصوص الموثوق بصحتها من الأدب الجاهلي هي نصوص القرآن» وقد زجره د. ضيفا. ثم ذكر أنه في عام ١477‏ رأى أن يقدم رسالة الدكتوراه عن «العقلية العربية كما يمثلها القرآن». ولكن د. منصور فهمي لم يوافقه. وفي سنة ١9177‏ توجه إلى السربون وعرض موضوع «العقلية العربية كما يمثلها القرآنء فعارضه المسيو فييتء وعرض هذه الفكرة على أستاذه طه حسين فقال له: ١هذا‏ كفر موبق»» واستشهد على كل 5ك محاولة وقول بشهود ذكر أسماءهمء ثم يبين أنه هو الذي دل طه حسين على عبد الحميد بن يحيى بعد أن كان يقول عنه أنه شخصية خرافية مثل امرئ القيس. وذهب إلى أن طه حسين اقتبس منه أفكاراً كثيرة ولم ينسبها إليه» وهذا المقال مهم في الحكم على الرجلين طه ومبارك» إذ يبين تطور العلاقة بين الأستاذ طه حسين والتلميذ زكي مباركء فقد كانت العلاقة بينهما متوارية» ولما رأى زكي مبارك أن ما يقوله يفيد منه طه حسين وينشره في كتبه أعلن ذلك على الملأء» ومن هنا غضب الأستاذ على تلميذه الجريء المتمرد» وتصاعدت الأمور بينهماء ففصل طه حسين تلميذه زكي مبارك من الجامعة أو امتنع عن تجديد عقدهء فهال التلميذ التراب على أستاذه وقال له: «إن أطفالي لو جاعوا لشويت طه حسين وأطعمتهم لحمه. . . ؟. ولا أرغب في الاستطرادء فإنه يعنيني أن المازني بعد أن قرأ رد زكي مبارك عليه صار في جانب الئثثر الفني» وكتب مقالاً (19/ 5/ ١4175‏ - البلاغ) استعرض فيه عدداً من أبوابه وأثنى عليهاء وأظهر الجديد فيها وقال: الجديد في كتاب «النثر الفني» جديد بأدق معاني اللفظ. ومهما بلغ من علم القارئ وسعة اطلاعه. فإنه واجد في هذا الكتاب مسائل لم يكن يعرفهاء والكاتب يعرضها عرضاً حسناًء ويسوقها سوقاً مقنعاً. .». إلى أن يقول: إنك لا تستطيع أن تخالفه في الحقائق التي اهتدى إليهاء وكشف عنهاء وأثبتها بالدليل الناهض والبرهان اللائحء إلا إذا كان علمك فوق علمه:؛ وبحثك أدق من بحثهء وما أدري والله كيف يكون ذلك؟ وإني لأشهد على نفسي أن كتابه راعني» وإني أعده كنزاء وأراه مفخرة كافية لأي عالم محقق» وباحث مدقق». والسؤال الذي يفرض نفسه: أين طه حسين من اتهام زكي مبارك له بسرقة خطراته وفكراته وسبقه له في آرائه الكبيرة؟ بل أين هو من ثناء 5/ المازني العريض على «النثر الفني؟ بعد أن انتصر له ضد زكي مبارك؟ لقد التزم عميد الأدب العربي الصمت. أما أحمد أمين )١1904 ١8485(‏ فقد تلقى «النثر الفني» وأحسن التعامل معه. وأرسل فيه كلمة معتدلة نشرتها مجلة الرسالة (؟/ 5/ )١975‏ نأى فيها عن المداهنة في القول أو المبالغة فى المدح. وأثنى على ما راقه» وانتقد ما راه يستحق النقد» فامتدح الطريقة العلمية في البحث التي اتبعها «مبارك» وييّن أنه يعرض آراء قيمة وأفكاراً عُني بدرسهاء وأظهر أن قارئ الكتاب يقف فيه على أشياء كانت دفينة» وآراء نظمت وكانت شتيتة» وشهد بأن الكتاب كان «نتيجة مجهود صادق وبحث طويل شاق» أتى فيه بمقدمة في الموزانة بين الشعر والنثرء ثم تطور النثر من عصر النبوة إلى القرن الرابعء وتكلم في نشأة النثر الفني. . .2. وأخذ عليه جملة أشياء منها استفاضته في الحديث عن نفسه ومجهوده. ورأى أن ذلك غير مستحسن في نظر الناس» وانتقد تطرفه في نقد العلماءء واضطراب هندسة الكتاب» فياب صغير وباب كبيرء كما انتقد إيجاز الكلام في إخوان الصفاء ولكن انتقادات أحمد أمين لا تمنعنا من القول إن ما كتبه كان في صالح «النثر الفني». ومهما يكن من أمر النقاد فإن للكتاب أهمية كبيرة» تكمن في أنه سد فراغاً واسعاً في دراسة النثر الفني العربي زمن ظهورهء فقد كانت الكتابات قليلة إلى حدٌّ كبير عن النثر والمترسلين» إذ انصرف معظم الكتاب إلى الشعر والشعراء؛ فكتب طه حسين عن أبي العلاء» وقدم المازني والعقاد دراسات عن ابن الرومي» أما المتنبي فقد كان قاسماً شتركاً بين عدد وافر من الأدباء. بينئما قصرت الجهود في دراسة النثر القديم مع الأخذ في الاعتبار دراسات جرجي زيدان في تاريخ آداب اللغة العربية»ء ومصطفى صادق الرافعي» وروحي الخالدي» بالإضافة إلى 31 ما نطالعه بين حين وآخر عن نثر الجاحظ والتوحيدي ورسائل الصابي. . ولكن دراسة علمية منظمة ومنهجية مثل "النثر الفني» لم تكن موجودة؛ فجاء هذا الكتاب ليلفت الأنظار إلى أهمية الدراسات للنثر بترتيب محدد» ونهج معين» مع إلقاء الأضواء الكاشفة» والتعليقات الهادية. 25 نشرت في مجلة الثقافة الجديد» عند أغسطس/أب ونين 23 اناما م ات عات مات كات عات جات نت ات عات عات اح انيح ني ناح اتيج تيع عمدة المحققبين عبد السلام هارون في مجال ذكر أعلام الفكر الرُّؤوس»؛ وأعيان الباحثين عن كل جوهر نفيس» نقف طويلاً عند رائد رفيع القامة» أفدنا منه بإقناع ونقلنا عنه في ثقةء ومضينا في طريق هو معبّدهاء وأطلعنا على كتب حققها وسواها. ذلك هو عبد السلام هارون. حقق عبد السلام هارون الكتب العمدء. والأسفار الرئيسة في مكتبة العرب. ومضى في ميدانه بعزيمة ماضية» وعقل صارم ممحص جائد بالعلم. فيسّر المشكل». واستدنى البعيدء واستظهر الدفين» وتؤكد أعماله أنه من النادرين الممتازين» الذين يلقون مستوعر الأمور بقلوب صابرة مثابرةء وإذا كنا نذكره اليوم بعد رحيله فليس بغرض صوغ عبارات الثناء والتمجيد لهء: فإن أجره عند بارئه» ولكن بغرض الاسترشاد بجهوده. والتعرف على أشياء مما أودعه كتاباته وتحقيقاته . 3 جولة في مؤلفاته : لم يشتهر عبد السلام هارون بالتأليف الأدبي قدر اشتهاره بتحقيق التراث والأصول القديمة. فميدانه الأزهر هو التحقيق» وحتى كتبه المؤلفة - على قلتها - مأخوذة من التراث» ومردودة إليهء مُنظرة أو ميسّرة له. فكتابه «الأساليب الإنشائية في النحو العربي» الصادر عام ١9468‏ والذي أعيد نشره عام 4 بزيادات وتنقيحات,. ما هو إلا رد فعل 46٠ للتراث العربي النحوي» وخدمة لهء وإن ابتكر فيه أشياء لها أهميتها في مجال فهم قضايا النحو وأسبالمة: وكتابه اتحقيق النصوص ونشرها» الصادر عام ١905‏ عمل تنظيري يمنهج فيه تحقيق التراث ويهدي إلى الطرق السديدة فيه» ويحذر من المزالق الخطيرة التي قد يقع فيها وكتابه «التراث العربي» يكشف فيه عن إيمانه العميق بالتراث. وكيف لا يؤمن بالتراث العربي وقد أنفق عمره كله فيه!! فليس غريباً أن يقوم بتقويم التراث» ويعدد فنونه»ء ويحصي شيئاً من مجالاته. ويناقش الأسباب التي أدت إلى صعوبة اللغة» ثم يدافع عن التراث وأصالته ومدى نقفعه» ويرد على سلامة موسى وأمثاله الذي نعتوا تراث العربية بأنه أدب سطحي أو أدب استجداءء فيذبٌ عن أديناء ويدفع عنه غوائل المتبججحين» ويحدثنا عن عبقرية التأليف العربي» ويعرض نماذج دالّة على ما يذهب إليه؛ ثم يخصّص الجزء الأخير من كتابه عن كيفية إحياء التراثء عارضاً لرحلة النصوص العربية عبر النسخ الخطيء والطبع الآليء والتحقيق الاستشراقي» والجهود العربية الأولى في مجال إخراج النص إخراجاً صحيحاً أو أقرب ما يكون إلى الصحة» واقفاً عند أصحاب دور النشر في مجال تحقيق كتب التراث وطبعها وتيسيرها؛ لتؤدي دورها في النهضة والإصلاح. ومما يتصل بالتراث كتابه «الميسر والأزلام» الصادر عام 2»19817 ومع أنه يعد في باب العلوم الاجتماعية إلا أن روح التحقيق. وجو التراث يسيطران عليه. فجاء في بعض جوالئبه بحثاً لغوياً يعرض التفاسير القاموسية لكلمات تتعلق بالميسر والأزلام والقرعة» مثل الجزرء والقداح (بكسر القاف) والقمارء وقداح الحظء والخحرضة (بضم الحاء وهو الضارب الذي يقلب السهام في الخريطة)ء والرقيبء» والخريطة. . . إلى 6١ آخرهء فقد قام المؤلف بشرح هذه المسمّيات شرحا أدبياً لغوياً تاريخيا . وقد تناول الكاتب موضوعات ثلاثة: الميسر والأزلام والقرعة في ثلاثة فصول. ومن الصور اللطيفة للمَيّسر التي ذكرها المؤلف أن بعض الرابحين لا يأخذون ما يربحونهء وإنما يتنازلون عنه للفقراء والمساكين. ويفخرون بهذاء ونخلص من دراسته للمَيْسرٍ أن الإسلام قد قضى عليه ومحا معالمه. وعند حديثه عن الأزلام يوضح كيف كان العرب يقدسونها ويستقسمون بهاء ويفيض المؤلف في ذكر مكانة الأزلام ة في التاريخ الديني القديم. أما التّرعة بضم القاف فقد تناولها تناو لغويا واجتماعياًء ورأى أنها من القرع أي الضرب. وسّميت بذلك لأنها شيء كأنه يضربء وبيّن طرائقها وتاريخهاء والأحاديث النبوية التى وردت فيهاء وأبرز مكانتها عند الإسرائيليين: حيث كانوا يعدونها بمنزلة استدعاء للأمر الإلهي في القضايا التي تعرض لهم. أما المناسية التي وضع فيها عبد السلام هارون كتابه هذا؛ فهي إقدام الحكومة على سَنْ قانون يحظر لعب الميسر على الموظفين؛ فرأى أن يضع كتاباً يبين فيه أضرار الميسر والأزلام مساهمة منه في الدفع إلى الإصلاح. 98 حول ديوان البحتري: أما كتابه لاحول ديوان البحتري» الصادر عام 14 فهو نقد وإصلاح لكتاب تراثي محقق هو «ديوان البحتري». كان الجزء الأول من هذا الديوان قد ظهر عام ١977‏ بتحقيق «حسن كامل الصيرفي». ومع أن الجهد المبذول في تحقيق الديوان ظاهرء إلا أن أخطاء كثيرة وقتعت من المحقق في التفسير وفي متن الديوان» فانبرى له عبد السلام هارون في مجلة «المجلة» التي كان يشرف عليها يحيى حقي» وراح يسرد الأغلاط 67 في خمس مقالات سرد عليم بصير بخفايا الكلام: مظهراً براعته في علم التحقيق» ولم يلبث أن جمع هذه المقالات الخمسء وأضاف إليها سادسة لم تنشر من قبل وطبعها في كتاب. ويجدر بنا أن نعرض نموذجا أو أكثر من انتقادات هارون للجزء الأول من ديوان البحتري المحمّق. فمن هذا قول البحتري برواية الصيرفي : فإذا ما رياح جودك هبّت صا رر قول العذّال فيها هباء والصواب ‏ كما رأى هارون - أن ينتهي الشطر الأول من البيت بكلمة «هَبَت» وتكون «صار» كلها من الشطر الثاني. وقد كان الصيرفي أولى من هارون بكتابة البيت كتابة عروضية سليمة؛ لأنه شاعر وله عدة دواوين» ولكن الواقع أثبت تفوق محقق لم يشتهر بالنظم على شاعر متمرس بالقريض. ومن هذا قول البحتري مادحاً : وإن وسيلتي وأجل مثي إليك يحق أصحاب الإساء والمشكل في «مني» بالميم والنون المشددة. فقد ذكرها الصيرفي «منى»ء أما هارون فرأى أن الكلمة محرفة والصواب «متي» بالميم والتاء المشددةء من قولهم مت إليه بحق القرابة أي توسل إليه بهء» وفي القاموس في تفسير «المت» أنه التوسل لقرابة. والصحيح ما ذكره هارونء وقد أفاد الصيرفي من هذا التصحيح فأصلح الخطأ في الطبعة الثانية من ديوان البحتري الصادرة عام 1 ونبّه على أن كلمة مني وردت هكذا في المخطوطة التي نقل منها . وهذا المثل يطلعنا على مدى دقة «هارون» في قراءة التصوص»ء ليتبين ما أخطأ فيه النساخ؛ لأن التحقيق هو إظهار صورة النص كما وضعها المؤلف أو أقرب ما يكون إلى هذا. فهو يقرأ اللفظ ويدير معناه 17 في الذهن رابطأً بينه وبين بقية الكلام. فإن استقام المعنى مع مدلول اللفظ المنسوخ فنعمء وإذا لم يستقم فإنه يبحث عن مصدر الخلل. واضعاً في الاعتبار ما يمكن أن يقع من النساخ من تحريف وتصحيف. وكثيرا ما صحح كلمات ممائلة في تحقيقاته. وقد حذر صاحبنا في كتابه «اتحقيق النصوص ونشرها» من تشابه صور الخط تصحيفاً وتحريفاء وما يمكن ان يلتبس في نقط الحروف المتشابهة» ومما رواه هارون في هذا المجال ما ذكره الجاحظ في «البيان والتبيّن»» قال يونس بن حبيب: «ما جاءنا من أحد من روائع الكلم ما جاءنا عن رسول الله كَيِ؛. فجاء في حاشية قديمة تعليق على ذلك : «هذا مما صحّفه الجاحظ وأخطأ فيه؛ لأن يونس إنما قال: «عن البتّى (بالباء والتاء) وهو عثمان البتّي؛ فلما لم يذكر عثمان. التبس البنَّى فصححفه الجاحظ بالنبي»؛ ثم جعل مكان النبي الرسولء وكان البمَّي من الفصحاء؟». وهكذا يؤدي التحريف والتصحيف إلى أخطاء جسيمة قد تنقل المعنى إلى غير المراد. والقراءة الخاطئة تنتج فهماً خاطتاً . ومن أخطاء الصيرفي تفسيره «الثجير» في قول البحتري: «وكم لطخ الأحبة من تجير. .»» فقد فسّر الصيرفي «الثجير» بأنه مكان التراب المختلط بالسبخ» ويصوّب هارون الخطأ قائلاً: إن «الثجير» ما بقي من عصارة العنب أو هو ثفل كل شيء يعصر. وقد صححمح الصيرفي خطأه في الطيعة الثانية وذكر في معنى «الشجير؛ عين ما قاله هارون. ومن الأغلاط الأخرى قول البحتري في تعرية أبي نهشل: ١وتغشى‏ مهلهل الذل. .2 فقد فسّر الصيرفي أن مهلهل بن ربيعة زوج إحدى بناته لمعاوية بن عمر. أما هارون فيقول: «ابن عمرو» كما في «جمهرة الأنساب» لابن حزم. وقد أقرّه الصيرفي بالخطأ وصوّبهء وجدير بالذكر 1.6 أن «هارون» سيق له تحقيق كتاب «جمهرة الأنساب» عام )١477(‏ وأفاد منه فى تصويبه لخطأ الصيرفي. فهو يصحح التراث بشيء من التراث: والعلم يغذي بعضه بعضا. وتحت يدي كتاب كامل وضعه «هارون» في عثرات الصيرفي» ممتلء بالأغلاط والتصويبات» وبالإشارات الدالة على أن للتحقيق رجاله» وقد أفاد الصيرفي من تلك الانتقادات» ووصف ناقده بأنه تمرّس بفن التحقيق قرابة أربعين عاماء ونعته بأنه «محقق عالم حجة»ء ولم يفت الصيرفي الرد على ناقده في بعض النقاط. ومع ذلك فإن كتاب عيد السلام هارون «حول ديوان البحتري؟ يعد إلى حد ما تحقيقا آخر للجزء الأول من ديوان البحتري. كي رحلته مع التراث والتحقيق : لا ندري على وجه التحديد كيف نشأت فكرة تحقيق كتب التراث عند صاحبناء ولكن هناك إشارات نقع عليها في كتاباته ومراحل حياته تنبهنا إلى هذا. ققد ولد عبد السلام محمد هارون في العقد الأول من القرن العشرين. ثم درس في الأزهر الذي يغلب على نشاطه الفكري والتعليمي كتب الدين وعلوم اللغة. ولا بد أنه قرأ كثيراً من الأسفار القديمة الميسّرة. وكانت فكرة تحقيق الكتب قد لازمت بعث التراث وإحيائه. كان لظهور الطباعة ولس وانتشارها دور هائل في هذا المجال» وأخذت تظهر بعض كتب التراث مطبوعة ومحققه بعد ازدهار الحركة العلمية» وأنخحلذ البلاد العربية بسبل التمدن الحديث» وإنشاء بعض الكليات والجامعات» وظهور بعض المجلات التي تعنى بالتراث وتقدم عنه الدراسات والتحقيقات» بل إنه برز في مجال التراث وتحقيقه أمثال 56 أحمد نيمور » وأحمد زكي (شيخ العروبة). والأب أنستاس الكرملي. والشيخ الشنقيطي وغيرهم. ولا يعنينا في المراحل المبكرة مستوى التحقيق؛ ومدى مهارة المحقق وجهده. ولكن ما يعنينا أن الكتب صارت تطبع مشتملة على وفهارس في ذيل الكتاب . ولا يمكن إغفال دور المستشرقين في إخراج كثير من كتب التراث محققة ومفمهرسةء. نذكر منها المفضليات» وسيرة ابن هشام. وكتاب سسنيو يك 6 وهفي من الكتب التي أعاد عبد السلام هارون تحقيقهاء وأشباز إليها في كتبهء وأبدى إعجابه بها وبمحققيها. في هذا الجو. جو ظهور عديد من المكتبات وإخراج الكتب محققة» تلمس عبد السلام هارون طريقه إلى فن التحقيق» وبدأ يمارسه تحت إشراف محب الدين الخطيب صاحب المكتبة السلفية» حيث تتلمذ عليه وشاركه إخراج كتاب «أدب الكاتب» لابن قتيبة عام /14071م» وهو ما يزال طالباً في تجهيزية دار العلوم. تلك كانت تجربته الأولى» ومحب الخطيب أستاذه الأول» وفي هذه الفترة ‏ فترة طلبه العلم في دار العلوم ‏ أخرجت المكتبة السلفية قسماً كبيراً من كتاب ل خزانة الأدب» للبغدادي بتحقيق وتعليق أحمد تيمور وعبد العزيز الميمي الراجكوتي» وهوما يزال مع أستاذه معحب الخطيب يشارك أو يراقب الأعمال المحققة» ويستفيد من أساتيذ كبار» وقد أفاد هارون من قسم كتاب «خزانة الأدب» المحققء عندما أعاد تحقيق اخزانة الأدب» عام /1471م. على أن فوائد هارون من أستاذه محب الخطيب ومكتبته السلفية لم تقف عند هذا الحدء وإنما امتدت إلى كتب أخرىء مثل كتاب (الميسر والقداح» لابن فتيبة ) والذي حققه محب الدين الخطيب. فقدذ أفاد منه هارون في دراسته «الميسر والأزلام» التي أشرنا إليها . 2465 وفي فترة الصبا تعرف أيضاً على صاحب مكتبة الخانجي الذي اشتهر بحبه للتراث وتحقيقه وأخلص لهء على نحو ما يحدثنا وو كل كتابه (التراث العربي». ريما كانت هذه هي المؤثرات الأولى - أو بعضها ‏ التي أّرت فيهء وأمدته بالرحيق الذي ساعده على النماءء فتوجه ذهته إلى التحقيق» بل إلى موضوعات بعينها تجلّت وازدهرت فيما بعد. وتخرج عبد السلام هارون من دار العلوم فعمل مدرساً بآداب الوظائف الجامعية. وقد توئقت صلته بابن الخانجي الذي ورث عن أبيه حب التراث. وأنتجت هذه الصلة عدة كتب حققها هارون وصدرت عن مكسة الخانجي من بيتها (البيات والتبيّن» للجاحظء و«الاشتقاق» لابن دريدء و«رسائل الحجاحظة ونوادر المخطوطات» وتضم خمسة وعشرين كجاباً ورسالة. وعندما تألفت لجنة «التأليف والترجمة والنشر» التي رأسها أحمد أمين. ساهم عبد السلام هارون فيها بتحقيق «شرح الحماسة للمرزوقي؛ و#رسالة فى الرد على ايبن غرسيهة عام 4 وهى من الرسائل المجهولة المؤلف” . ١‏ وتسكثمر جهود الرجل في ميذانه» وتقابل كتبه بالثناء. وعندما وضعت دأآار المعارف خطة [إحياء التراث عام .)١49(‏ افترح هاروت وأحمد شاكر على الدار «أن تخصّص نشراً منظماً لعيون التراث العربي» فسرعان ما استجابت لهذا الاقتراح وقامت بتنظيم تنفيذه»» وأعدت )١(‏ تبيّن لاحقا أن مؤلفها هو: محمود بن مسعود بن طيب ابن أبي الخصالء رد فيها على ابن غورسيه الإسباني في ذمه للعرب؛ واسمها: «خطف البارق» وقلف المارق» في الرد على ابن غورسيه المارق». با6ء5 سلسلة أطلق عليها «ذخائر العرب» [انظر: التراث العربي لعبد السلام هارون]؛ وكان كتاب «مجالس ثعلب» بتحقيق صاحبنا أول كتاب في هذه السلسلةء وتتابع دار المعارف نشر تحقيقات هارون مثل «جمهرة أنساب العرب» لابن حزم؛ وكتاب «إصلاح المنطق» لابن السكيت بالاشتراك مع أحمد شاكرء وكتاب «المفضليات» و«الأصمعيات» بالاشتراك مع أحمد شاكر. ومن الكتب الدينية التي نشرتها دار المعارف بتحقيق وشرح عبد السلام هارون كتاب «الألف المختارة من صحيح البخاري» في عشرة أجزاء . وأخذت دور النشرء ومؤسسات الطباعة تتسابق في إصدار كتبه المحققة مثل: (المؤسسة العربية الحديثة»» ودار «الفكر العربي؟؛ و«دار الكتب6»؛ و#مؤسسة الحلبى».ء ودار الكاتب العربى»» و«المؤسسة المصرية العامة للتأليف». ١‏ ْ ومن الكتب الأخرى التي حققها: «معجم مقاييس اللغة» لابن فارسء وهتهذيب إحياء علوم الدين» للغزالي» و«تهذيب اللغة» للأزهري». و«شرح القصائد السبع الطوال» الجاهلية لابن الأنباري. وامعجم شواهد العربيةة» كذلك اشترك مع مصطفى السقا وآخرين في تحقيق بعض تراث المعري مثل «شروح سقط الزند» و«تعريف القدماء بأبي العلاء»» كما حقق معظم المكتبة الجاحظية» فأضاف إلى ما أسلفنا ذكره (العثمانية». «الحيوان» في سبعة مجلدات. واشترك مع الدكتور طه حسين وآخرين في أكثر من كتاب منها: «مقتطفات من كتب الأدب العربي» و١فصول‏ مختارة من كتب التاريخ»: وقد قُرْرَا على المدارس الثانوية. وغير ذلك كثير مما يشكل مكتبة شبه متكاملة. وهذه المجموعة الكثيرة من الكتب تظهر ثقافة عبد السلام هارون الواسعة؛. في مجالات عديدة من المعرفة الإنسانية والدينية واللغوية 1 والنحوية والأدبية» والتاريخية والجغرافية» والترجمة للأشخاص. ومما لا شك فيه أنها أعلت من قدرهء وأثبتت تفوقه. وأيرزت معالمه العلمية والفكرية. بل إنها توضح دوره في النهضة الحديثة. فكم هي الكتب والدراسات التي استندت إلى ذلك الكم الهائل من أعمال عبد السلام هارون المحققة والمؤلفة. ولما فاضت شهرته وبرز في علم التحقيق وصار رئيس فيه انتدبته حكومة الكويت ليساعد في مشروعاتها العلمية التراثية» وفي الكويت نشر كتابه المحقق «المصون في الأدب» للعشري. ومن نشاطه في مجمع الخالدين الذي تولى أمانتهء إشرافه على إعداد «المعجم الوسيط» الذي أعده إبراهيم مصطفى وآخرون عام ,4)١147(‏ وأخذ في تحقيق لسان العرب ونشر منه حلقات» وعديداً من المواد من مجلة «مجلة مجمع اللغة العربية»» كما ساهم بكلمات في تأبين بعض الراحلين من المجمعيين مثل محمد محبي الدين عبد الحميد. وقد حاز عبد السلام هارون في مسيرته العلمية عدة جوائز تعترف بفضله وسمو شأنهء كان أبرزها جائزة الملك فيصل العالمية. 3 قواعد علم التحقيق كما وضعها: لا ريب أن تحقيق كتب التراث بالشكل الحالي» ومقابلة النصوص على بعضهاء وفحخص المخطوطات» وتبيين أوجه القصور فيهاء. من الأمور الحديثة في عالم التأليف والكتابة. وما زالت صحة النص تتوقف على كفاية المحقق . ومدى اجتهادهء وتقديره لما تحت يذليه من النسخ المخطوطة, أو النسخ المطبوعة بغير تحقيق. فلم توضع الكتب التي تنظر لهذه الظاهرة. وتجعل منها علماً له إبعاد فنية . وقد أدرك عبد السلام هارون هذاء فوضع كتاباً هاما في هذا الشأن 164 أطلق عليه «تحقيق النصوص ونشرهااء ونبه على أنه أول كتاب عربي في هذا الفنء ويؤكد في الطبعة الثانية لكتابه أنه وضع علماً متكاملاً لم يسبق إليه؟ . وقبل أن نتئاول هذا الكتاب نذكر أنه رغم أهميته البالغة» يعرض رؤية صاحبه لهذا العلم وخبرته فيه» وملاحظاته على الأعمال المحققة. وما يراه واجباً لإقامة النص؛ أي أنه يعرض تجريته. ومهما تكن أهمية هذا الكتاب فإنه لا يعدو أن يكون وجهة نظر. لذلك نحن في حاجة كبيرة إلى وضع عديد من الكتب في هذا المجال تعرض وجهات نظر أخرى؛ وتحكي تجارب الآخرين» وما يراه المحققون لازماً لإخراج المتون صحيحة؛ ومن خلال كم كثير من الكتب المنظرة للتحقيق. ويعد مقابلتها على بعضهاء يتبلور هذا العلم ويمكن تدريسه بشكل منهجي موضوعي لا ينقصه تنظيم أو ترتيب» بل يمكن أن نقول إننا أضفنا إلى علومنا النظرية علماً جديداً راسخا. وحتى يتم ذلك فإن كتاب عبد السلام هارون #تحقيق النصوص ونشرها» هو أهم ما يرجع إليه في علم التحقيق . وقصة كتاب «هارون» كما أوضحها فى مقدمته. تتلخص فى أن أحمد الشايب اقترح عليه إلقاء محاضرات في كلية دار العاره فى قفن تحقيق كتب التراث» فنهض بالعبء واستجاب للأآمرء وشرع في إلقاء الدروس؛ ثم جمعها ونشرها في شكل كتاب صدر عام .)١19614(‏ وللأمانة التاريخية والعلمية ألمح الرجل إلى أن المستشرق «يرجستراسر) قد سبقه بمحاضرات ألقاها عن هذا الفن بالجامعة المصرية القديمة» ولكنه لم يتيسر له الاطلاع عليها. وقد تناول في ذلك الكتاب موضوع التحقيق بشكل مركّزء وإن لم تخل بعض فصوله من توسع مع ذكر المثال والدليل على ما يذهب إليه. 1 فوقف عند الوراقة والوراقين» والحالة التي وصل إليها الخط والضبط في المشرق والمغرب» وأظهر كيف كان بعض الوراقين يكذبون في تصانيفهم لمسايرة الخرافة التي كان يرغب فيها البعض أيام العباسيين. ولما كان المحققون يلقون مصاعب جمة أثناء التحقيق» فإنه عرّج على تلك المصاعب؛ وسرد منها أنواع الخطوط التي تتداخل فيها الكلمات وتضيع فيها الاستدارات» وطريقة النقطء فالفاء مثلاً فى الخط المغربي لا توضع فوقها النقطة» وإنما تكون في أسفلها. والقاف ليس فوقها نقطتان بل فوقها نقطة واحدة» كما أن بعض الأرقام مثل (؟2 5» 0) لها أشكال مختلفة عما نعرفه عنها اليوم. ومعنى كلامه أن يكون المحقق ملماً بأنواع الخطوط في المشرق والمغربء عارفاً بأشكال الأرقام التي كان يستخدمها الوراقون. وإلا ضل الطريق. ثم يعرض للنصوص الأصلية والفرعية» بل ينبه إلى أن بعض الكتب القديمة تشتمل على كتب أخرى منقولة؛ وقد ترد منقوصةء مثل كتاب «نهج البلاغة» لابن أبي الحديد» الذي تضمن عدة كتب منها كتاب «وقعة صفين» [من الكتب التي حققها هارون] الذي جاء ناقصاً. وكتاب «خزانة الأدب؛ للبغدادي الذي تضمن كتاب (افرحة الأديب لاني محمد الأسود الأعرابي»: فيحذر الرجل من الاعتماد على مثل هذه الكتب التي ترد في ثنايا الأصول. ووجه أهميتها ‏ كما يراها ‏ أنها يستعان بها في تحقيق النص. وينبه إلى أن بعض المؤلفين يضعون كتبهم أكثر من مرة» فتختلف النسخ مثل كتاب «البيان والتبين» للجاحظ الذي ألفه مرتين. وقد واجه هارون في تحقيقه للكتب مثل هذه المشاكل العويصة. ومن هذا أن الزجاجي له ثلاث أمالي: كبرى ووسطى» وصغرى. وعند تحقيقه لها ذكر أن هذا الاختلاف بين النسخ ناشئ من التلاميذ والرواة (انظر: ١ مقدمة أمالى الزجاجى). وفي مثل هذه الأحوال يكون الأمر اجتهادياً ما لم يعتمد المتواك الأصلى واحدة من النسخ وينص على ذلك صراحة. ومن ثم يرى محققنا ‏ عند حديثه عن منازل النسخ - أن نسخة المؤلف هي الأولىء ويليها النسخ المئقولة منها . ويحذر عبد السلام هارون من تزييف التواريخ التي ترد في المخطوطة» فقد تكون غير صحيحة» ومن ثم يجب على المحقق فحص النسخء والتحقق من عمرهاء ودرس المداد المكتوبة به. ونوع الخطء فإن لكل عصر نهجاً خاصاً في الخطء بل يجب على المحقق ‏ في مجال الفحص - أن يطمئن إلى أبواب الكتاب وفصوله وأجزاته والتعرف على اسم الناسخ وتاريخ النسخ وتسلسل النسخة إن وجدت. حتى يتم الاستيئاق من كمال النسخة المراد تحقيقها . هكذا يمضي هارون في وضع دعائم التحقيق» وينيه على المزالق التي قد يقع فيها المحقق» حتى يأتي النص سليماً من الأخطاء الشاذة التي تعتوره وتخلخل بناءه. فلا بد من معالجة النصوص»ء» وترجيح الروايات» والتنبه إلى الزيادات الواردة فى بعض النسخ والتي لا يجدي معها إلا الخبرة الطويلة للحكم بمدى صحتها ومطابقتها للسياق العام. تنبه عبد السلام هارون إلى هذا وغيره» الأمر الذي يدعونا إلى الاطمئنان للأعمال الضخام التي أخرجها محققة» ولم يكتف بذلك في إقامة النص على أسس علمية» بل نراه يهتم بالتعليق ويعوّل عليه في ربط أجزاء الكلام. ويعرّف بالأعلام» ويوضح الإشارات التاريخية والدينية والأدبية التي يتضمنها المتن. وفي الكتب التي حققها ترجم للمؤلفين» لذلك ظفرنا منه بجملة كبيرة من التراجم لقدامى الكتّاب من أمثال: ابن الأنباري» وسيبويه. وابن حزم وغيرهم. ومنهجه في هله التراجم القصيرة لا يعدو أن يكون 1 تعريفاً وافياً لهم يذكر فيه معالمهم الشخصية والفكرية» ويسرد إلى جانب ذلك المصادر القديمة التي وردت فيها تراجم لهمء مع ذكر مؤلفاتهم دون تفصيل» وأخيراً يركز على الكتاب المحقق ويحيط القارئ إحاطة دقيقة بقضاياه ويربط بينه وبين الكتب الأخرى التي تتصل بموضوعه؛ وله في ذلك إشارات جيدة» وملاحظات مفيدة» ثم تأت الى بيت القصيدء وهو المخطوطة نفسها التي ينكبٌ عليها ويقدم دراسة فاحصة لعدد من نسخها المختلفة مع التمثيل بنماذج مصورة لبعض صفحاتها . أما في نهايات كتبه المحققة فإننا نحظى بفهارس كثيرة؛ موضحةء ولا يمكن أن يتصور القارئ المشاق التي يعانيها محققنا في فهارسه العديدة» والتي تستغرق صفحات تبلغ أكثر من أربعمائة صفحة كما في «الكتاب» لسيبويهء وحوالي )١١7(‏ صفحة كما في «شرح القصائد السبع الطوال».. . وهكذا. وهذه الفهارس تضم واحداً للقرآن الكريم» وآخر للحديث؛ وثالعاً للأمثال؛ ورابعاً للأشعار وخامساً للأرجازء وسادساً للغة» وسابعاً للأعلام والقبائل والطوائف ونحوهاء وثامناً للبلدان والمواضع. . وأحياناً يذكر فهرساً لضبط الأعلام وهو هام للنطق الصحيح؛ وغير ذلك من الفهارس الدالة على مضمون الكتابء الأمر الذي يسهل الحصول على المعارف» وييسر الوصول إلى اللباب في زمن وقد صحح هارون أشياء كثيرة عبر رحلته الطويلة في ميدانه» ونبه على كتب تحمل أسماء مؤلفين لا صلة لهم بها ومن جملة هذا: أن حسن السندوبي اهتدى إلى عدة نصوص من كتاب «العثمانية للجاحظ» ونشرها مع الرد عليها لأبي جعفر الإسكافي» واعتمد في هذا على نهج البلاغة لابن أبي الحديد» أي أن السئدوبي جلب نصأ منقوصاً 1 تضمّنه كتاب آخرء أما هارون فقد بحث عن النسخة الكاملة للكتاب المخطوط وتبين ين أن ما فعله ابن أبي الحديد ١لا‏ يعدو أن يكن إبجازا هه لنص الجاحظ». (انظر: رسائل الجاحظ تحقيق السندوبي و«العثمانية» تحقيق هارون)»؛ وهذا إنجاز علمي يحسب لهارون. نبّه محققنا على كتاب «تنبيه الملوك والمكايد» للجاحظ الموجود في دار الكتب المصرية برقم (7156) أدب ولا صلة له بالجاحظء لآن من أبوابه «نكت من مكايد كافور الإخشيدي»» ومكايد أخرى تتعلق بالمتقي بالله. ولما نظر في الأمر وجد كافوراً كان يعيش بين سنتي (797 /اه”اه) والمتقي بالله يحيى بين سَّتَتَى 741/(‏ /81اه). أما الجاحظ فقد مات قيل هذه التواريخ. وهكذا يستعين هارون بالتاريخ في تأكيد مدى صحة نسب الكتاب إلى الاسم الموضوع عليه . هذا قليل جداً من كثير غزير أبان عنه وفصّلهء وقد يكون الرجل وقع في سهوء أو ند عنه شيء» إلا أن شأنه هو شأن الكبار الذين تعد معايبهم . وبعد فإني لأستحيي من قومي وأنا أقدم لهم هذا العالم الشامخ. فقد كان غيري من عارفي فضله وعلمه أولى مني بتقديمه والتعريف بطرائفه والإرشاد إلى فوائده. 65 نتشرت بمجلة القاهرة عند 8 يوليه/تموز خهذا 2 لأسا لساك الماك + أناك ساك الماك لاك لدان 1 إن 11 1211 272 العاح عاج نام تعس نح تع جع لح نح اتحح لع لح ترص ترح ترح ترص ترص تبح نيج ليم شيرج ترص تيع نيح شح اديه تدر تناولت الدكتورة عزة بدرء في مقال جيدء رواية لوكليزيو ١سمكة‏ من ذهب» المنشور في هلال يناير/ كانون الثاني عام .7١١9‏ وعرضت فيه لحياة «ليلي» بطلة الرواية وذكرت الأماكن التي تنقلت بينهاء ومنها حسب قولها بيت «الغانيات يبعن الهوى» وتتكرر كلمة «غانيات» في المقال بهذا المعنى» ولا يعنينا هنا لوكليزيو ولا ليلاه» وإنما تعنينا كلمة غانيات بالمعنى الذي ذكرته. أو النسوة اللاتي لا يتورعن عن إتيان المخزيات» ويجد عندهن طالب الهوى هواه. وقد التبس معنى غانية على كثيرين ومشهورين» ومنهم قصاص كبار طاب لهم تناول الخاطئات والبغايا في قصصهم. وأطلقوا عليهن الغانيات». ولتكرير هذا اللفظ بمعناه النازل إلى الحضيض. استقر في الأذهان» وشاع بين الناس أن الغانية هي البغي التي تبيع الهوى لمن هِ يشتريه . ومن هؤلاء الذين تحدّثوا عن الغانية بمعناه المرذول الروائي المشهور.ء محمود تيمور ١845(‏ - "/141)؛ ومن قصصه في هذا المجال اقلب غانية»». وهله الغانية جاء تعريفها على لسان أحد شخوص القصة: «السيدة في منتصف العمرء وهي تعاني أزمة مالية مستحكمة؛ على الرغم مما يحيط بها من بقايا ترف غابر.. يقولون إن هذه السيدة كانت غانية 1_3 لها مكانتها عند أهل الهوى.. وأن كثيراً من الأغنياء فقدوا او يدن تحت أقدامهاء والناس يكرهونهاء فطالما تم على يديها تشتيت أسرء وتخريب بيوت..».اه. فهذه الغائية» حسب كاتبنا الكبير» عضو مجمع اللغة العربية» من أهل الهوىء وامرأة مبتذلة. وللكاتب الكبير إبراهيم المصري )1914-196١٠(‏ مجموعة قصصية عنوائها «الغانية والعذراء؛: وهذه الغانية اسمها امتثال» تزوجت ومات زوجهاء واقترنت بغيره وتعذبت معهء واتصلت بثالث «وعدها بالزواج ثم غرّر بهاء فتنقلت من رجل إلى رجل حتى عرفت كهلاً عزبا وجيهاًء أعجب بها واشتهاهاء فاعتقدت أنه قد يتزوجهاء ولكنه سخر منهاء واتخذها خليلة»» فالغانية في عرف الكاتب هي الداعرة التي تنتقل من رجل إلى آخرء وتصير خليلة أحد الرجال. وفي أغسطس/اب عام ١907‏ نشرت سلسلة روايات «الهلال» رواية مترجمة عن تورجنيف تحت عنوان «الغانية اللعرب»» وهذه الغانية هي (إيرين بافلوفنا»» متزوجة وتخون زوجهاء وتتلاعب بالرجال ولها ضحاياء ومما جاء عنها في آخر الرواية: «شاع عنها أنها امرأة جامحة 0 هوائية النزوات» خالن باليلوت سب تسحقهاء ولا بالبيورت تقرّض أركانها في سبيل قضاء ثُباناتها العارضة التي لا تثبت على حال».. وفي هذه الرواية المرأة لعرب شهوانية لا تستغني رسيا والعهدة على المترجم الذي اختار كلمة غانية» وليست على المؤلف لأنه لم يكتب كلمة غانية في روايته. وهناك قصص قصيرة أخرى تحمل لفظ غانية مثل «هوى الغانيات» واغانية» لوبرا هيم المصري» واغانية وشيخ خ» لأمين يوسف غراب» واقلب غانية» لإبراهيم الورداني إلى آخره. وما ذكرناء مجرد أمثلة؛ ولكن يلاحظ أن القصاص يتعمدون ذكر «غانية» في عناوين قصصهم. «فقلب غانية» 5" لتيمور مجموعة قصصية تضم عدة قصص لها عناوين مختلفة» ولكنه اختار من بينها «قلب غانية» ليجعله عنوانا لمجموعته؛ وكذلك فعل إبراهيم المصري في «الغانية والعذراء»» أما رواية تورجنيف فاسمها الأصلي «دخان» ولكن مترجم الرواية المجهول الاسم كانت روايات الهلال في ذلك الوقت تترجم الروايات دون ذكر اسم المترجم ‏ اختار لها عنوان «الغانية اللعوب»؛ وواضح أن المبدعين والمترجمين يختارون لفظ غانية لتروج قصصهم بين القراء» إحساساً منهم أن هذا ما يهتم الناس بقراءته» وعلى أية حال شاع معنى غانية بأنه المرأة الساقطة أو الفاجرة. وقد يهولنا الأمر إذا عرفنا أن هذا المعنى القبيح لا ينطبق على الغانية» وإنما يوافق المرأة الهلوك الملتهبة؛ لأن الغانية هي المرأة التي راضت نفسها على العفاف,» والزوجة التي اكتفت بزوجها عن غيره: والأنثى الموفورة الجمال التي يغنيها جمالها الطبيعي عن الجمال المصنوع. وعلى هذا فإن الغانية هي العفيفة الجميلة الجليلة الشأن» وقد شردت هذه المعاني عن عند غير قليل من الكتاب. وطاب لهم أن يوردوا الغانية الشريفة موارد الفحش والفجور والزناء. وهذا الذي قلناه نصّت عليه معجمات اللغة» وجاء في شروح دواوين الشعره وردّده أدباؤنا القدامى وكثير من المحنثين العارفين بأسرار اللغة. العين؟ مادة «غنى؟؛ قال: «الغانية؛» الشابة المتزوجةء. يقال: «غنيت بروجهاء ويقال: غنيت بجمالها عن الزيئة» وجمعها: غوان»» ويقول الخليل عن الرجل: «غنى عنه فهو غان.. ويروى غانياًة.اه. فإذا كان 4 الرجل غانياًء فإن المرأة غانية حسب المعنى الذي ساقه الخليل. والخليل بن أحمد الفراهيدي هو عبقري العرب (ت14١‏ وقيل 78١ه)‏ ومعجم «العين» هو أول معجم عربي؛ وذكره للغانية يدل على قدم الكلمة. ويذهب أحمد بن الحسين بن فارس المتوفى عام 0ه في معجمه «مقاييس اللغة» مادة: «غنى» أن «الغانية: المرأةء قال قوم: معناه أنها استغنت بمنزل أبويها». وقال آخرون: «استغنت ببعلهاء ويقال: استغنت بجمالها عن لبس الحلي». وقال ابن منظور (ت١الاه)‏ في «لسان العرب» مادة: «غنا»: «الغانية من النساء التي غنيت بالزوج. . وغنيت المرأة بزوجها غنياناً» ؛ أي: استغنت» والغانية من النساء: «الشابة المتزوجة» وجمعها غوان. وأنشد ابن بري لنصيب: «أيام ليلى كعاب غير غانية». . » والغانية التي غنيت بحسنها عن الحلي» وقيل: هي التي تطلب ولا تطلب» وفيل: هي التي غنيت يبيت أبويها ولم يقع عليها سباءء قال ابن سيده: وهذه أغربها وهي عن ابن جني» وقيل: هي الشابة العفيفة كان لها زوج أو لم يكن. وقال أبو عبيدة: ذوات الأزواج» وقال ابن السكّيت: الغواني الشواب اللاتيى يعجبن الرجال ويعجبهن الشبان» وقال غيره الغانية الجارية الحسناء ذات زوج كانت أو غير ذات زوج» سميت غانية لأنها غنيت بحسنها عن الزينة».اه. وقول ابن بري: غير غانية؛ أي: غير متزوجة» وقول ابن السكيت عن الإعجاب المتبادل بين الفتيات والفتيان. لا يعني أكثر من الإعجاب. والإعجاب غير العهرء وبطبيعة الحال فإن الفتاة الناهد تسبي الشباب» وقول ابن جني إن الغانية هي التي “لم يقع عليها سباء»؛ يعني أنها حرة» وهذا يؤكد عفتهاء إذ لا ندري شيئاً عن فتاة وقعت في الأسر. 4 وردد قاضي القضاة الفيروزابادي (ت816ه) فى معجمه «القاموس المحيط» ما سلف ذكره في المعجمات التي ذكرناها. ولا حاجة بنا للتكرار. وخذ أي تعريف للغانية من التعريفات السالف ذكرهاء فلا تجد فيه دعارة» كذلك فإن لفظ غانية ليس من ألفاظ التضاد. والتضاد هو أن يحمل اللفظ الواحد معنى وضذهء مثل «بججون» تقوله عن الأبيض والأسودء و«زاهق» تقوله عن السمين والنحيل» وهناك من علماء اللغة من أبطل الأضدادء وهناك من قال بهاء وعلى أية حال فإن الألفاظ التي ذكرها من قالوا بالأضداد ليس من بينها غانية,» وعلى هذا لا تكون الغانية هي العقيقة والبغي» وإنما هي الشريفة فحسب. 5 في التراث الشعري ولفظ «غانية» قاله العرب الأقحاح منذ العصور القديمة» وحددوا المراد منه» واستخدموه في حياتهم وأدبهم. ومن ذلك قول الأعشى: وأرى الغواني حين شبتٌ هجرننى أن لا أكون لهن مثلي أمردا إن الغواني لا يواصلن أمرءً فقد الشباب وقد يصلن الأمردا والمعنى واضح وهو أن الحسان لا يواصلن من تقدم به العمرء وابيض شعره»ء وإنما يواصلن الشبان الصغار»ء وما يعنينا من هذا الشعر هو أن لفظ الغانية قديم أصيل في العربية» وكان الجاهليون يستخدمونه في معاشهم وآدابهم» ووجوده في شعر الأعشى الشاعر الجاهلي يؤكد ذلك. وقريب من المعنى الذي ساقه الأاعشى في بيتيه السابقين يقول عمر بن أبي ربيعة ((ات7ه): رأين الغواني الشيب لاح بعارضي2 فأعرضن عني بالخدود النواضر وكن إذا أبصرنني أو سمعنني سعين قَرَفَعْنَ الكوى بالمحاجر 14 و«العارض» جانب الخد من جهة الشعرء و«الكوى»: الخروق في الجدارء و«الغانية» أو الجميلة الشابة هي التي تنفر ممن غزا الشيب فُودّيه» أما «بائعة» الهرى فلا تنفر منه لأنها تبغي المال. ويقول أبو فراس الحمداني (تلاه”ام) : إن الغواني يوم منعرج اللوى شرّدن طيب النوم عن أجفاني والغوانى هئا هن الجميلاتء وهذا ما تتبينه فى البيت اللاحق للسابق : ْ ١‏ بيض كأمثال الدّمى فتخالها أقمار ليل في ذرى أغصان وأبو فراس أمير وفارس» ولا تطبر عاهرة النومٌ من عينيه. وفي قصيدة المتنبي (ت765ه)؛ التي مدح بها عضد الدولة (مغاني الشعب طيبا في المغاني».. يصف ما لقيه في الطريق إليه من شجر وماء ويقول : وأمواه يصلّ بها حصاها صليل الحلي في أيدي الغواني والمعنى «لها مياه بصوت حصاها من تحتها كصوت الحلي في أيدي الجواري6. ويفسر أبو البقاء العكبري شارح ديوان المتنبي الغواني بقوله: «والغواني جمع غانية وهي المرأة التي غنيت بحسنها وقيل بزوجها». وهكذا توشح الشعر باللغة؛ لأن الشعر هو لغة العرب. 3 في الشعر الحديث وقد ورث شعراء العصر الحديث المعنى الصحيح للغانية» ونم شعرهم على ذلك. بل إن بعضهم علا بها إلى درجة أعلى وأدخلوها في خيالاتهم. وشبّهوا بها في أشعارهم. وجعلوها أسمى الفنون. ومن هذا نونية حافظ إبراهيم 141١(‏ - 191"7) في تهنثئة الخديو عباس ١8174(‏ - 4 ) ومنها: 3574 اليوم أنشدهم شعراً يعيد لهم عهد النّواسي أو أيام حسّان أزف فيه إلى العباس غانية عفيفة الخدر من آيات عدنان والئواسى وحسان بن ثابت شاعران معروفان» والغانية هنا التي يذقها حانظ إلى الخديو هي هذه القصيدة الخريدة البكرء لقد انتقلت الغانة فها ع عقة وحمال إلى فن وكيا له وقول قارو ذيوان سنافظ (أحمد أمينء أحمد الزين» إبراهيم الأبياري): «شبّه حافظ قصيدته في حسنها وجمالها بالغانية» وهي الفتاة التي غنيت بجمالها عن الحلي. ويريد بقوله عقيفة الخدر. اختصاص مدحته بالخديو تخبيهاً ‏ لها بالغانية التي لم يطرق خدرها غير حليلها».اه. وإذا استنزلنا من شعر حافظ التشبيه: ألفيناه يحدد معنى الغانية بأنها العفيفة» والخدرء والتي تنتسب إلى أكرم نسب وهو عدنان. وفي هذا السياق الذي تنتقل فيه الغانية من عالم الإنسء إلى عالم الفنء يقول إيليا أبو ماضي )١967 - ١884(‏ في قصيدته «(امتنان» : بالغواني فديتهن. ‏ فأسمى الشعروالفنفي الحياةالغواني فالغانية هي أسمى فنون الحياة» لم تعد عفيفة وزوجة فحسب. وإنما هي زينة الدنياء أين هذا من قصص القصاص التي جعلتها شيئاً تافهأء وجسداً بلا روح» وآلة دفء واستمتاع. وفي جمع حافل من السيدات المصريات بمسرح الأزبكية» ألقيت قصيدة أمير الشعراء أحمد شوقي «مصر تجدد مجدها بنسائها المتجددات» وفي مطلعها يقول: قم حي هلي النيّرات حي اللحسان الخيرات واخفض جبينك هيبة للخشُرّدالمتحفّزات 3584 ثم يقول: ادع الرجال لينظروا ‏ كيف اتحادالغانيات واتحاد الغانيات هو الاتحاد النسائي». فهل هو اتحاد بائعات الهوى؟ إنه ليس إلا اتحاد فُضْلّيات النساء؛ لأنه من المستحيل أن يذهب شوقي أو غير شوقي إلى نسوة أعيان مصر ويقول لهن إنكن بائعات الهوى؛ وهن يدافعن عن المرأة؛ ويطالبن بإنهاضها وتعليمها وكافة حقوقهاء وقد أغدق شوقي على النساء الفاضلات الغانيات من فرط أدبه؛ وفيض عواطفه. التكرمة والإجلال» على أن لفظ غانيات في نص شوقي يساير وصفه لهن «بالتيرات»» و«الحسان الخيرات». «(الخرد المتحفزات». وأكثر معاني الغانية استخداماً في الشعر ما تعلق منها بالجمال؛ لأن الحسناء من ذخائر الشاعر الكريمة» ومصادر إلهامه. أما موقعها ففى أعلى أفاقهء يتصورها ويعمل فيها مخيلته. وديوان الغزل العربي» بما فيه من تشبيب ونسيب» شاهد على ذلك . وتحت يدي أقوال كثيرة» وأشعار وفيرة في هذا المجالء وكلها تنحو هذا المنحى» وقد اكتفيت بمثال واحد من كل شاعر ذكرته على سبيل التدليل والتمثيل» وراعيت أن تمثل هذه الأشعار والأقوال القليلة عدة عصور وبيئات . وهذه الأمثلة التي ضربناها ليس فيها أعراض الانحلال الخلقي. ولا شبهة التلذذ الجسديء ولا التهالك على المحرمات» وإئما نرى الشعراء عندما يذكرون لفظ غانية يهتفون للجمالء» ويتغنون بالعفاف. وهذا راجع إلى أن عاشق الغانية غير مُضْلُْلء ويشعر معها بالعطف واللطف. ويستمتع بأحاديثها المفعمة بأحاسيسهاء. في حين أن بائعة الهوى وحشية دنيوية» تجذب من تستغويه بمعداتها المغناطيسية؛ وتحرقه بسعيرها اللاهب» لأنها آلة إتلاف» وأداة هدم وتدمير. 38 ولا أدري كيف انتقلت كلمة غانية من الجمال إلى القبح» ومن الكمال إلى الفحشء. ومن الفضيلة إلى الرذيلة» والمشكل الآن هو أن هناك أدبا ترد فيه الغانية عفيفة جميلة. وآخر تأتي فيه الغانية عاهرة ساقطة» والأحرى أن نلتزم المعنى المعجمي لنفهم النصوص على م نشرت في مجلة الهلال عند إبريل/نيسان 4..؟ 89 2/1“ عات مان م نع مان م ان صات مات ح ان مات ص نم حم ف م توص لم م ل مات م لع فى نيح نح لم م تح نع ناح لمح لبح تح برهة بين القص والشعر إلعاس الع اص ناح انع اح تعاس توج انع م اتج نوج توص لوج نيج توج تقح نص نمه توص لوج ترج لوي ترح تبح تح تبح ترم ترح لم أسمع في حياتي كلها من طفولتي إلى شيخوختي كلمة «برهة» لا فى البيت» ولا في الشارع» لأنها ليست من كلمات عامة الناس» ولا في أذهانهمء» ولا يتبادلونها في معاشهمء ولكنها موجودة في أذهان المثقفين» تظهر في مخيلتهم عند الكتابة» وتتراءى لعيونهم عند القراءة. ولا تطرق الآذان أثناء الحديث» وحتى المثقف لا يتفوه بها في مجالسه الخاصة. إلا إذا كان يتلوها في نص وردت فيه» لذلك فهي كلمة مقروءة» وليست مسموعة. أو أنها كلمة تتكشف للعين» ولا تنساب إلى السمع . وقد تتبعت الكلمة فى معجمات اللغة؛ فوجدت أنها لا تطيل في شرح «برهة» وإن حددت معناها على نحو مُحُكم. ونظرت في عشرات الدواوين الشعرية القديمة والحديثةء فألفيت الشعراء يستعملونها بقلة إلى درجة تستدعي الانتباه؛ واستخدامهم لها في الغالب» يأتى صحيحاً وبخاصة الشعراء القدامى . وإذا كان هذا هو حال الشعر مع «برهة» فإنك إذا نظرت في قصص القصاص المحدثين» تجد أنها تتعاقب في العمل الواحد مرات كثيرة» وللاسف فإن استخدامهم لها يأني خاطئاً» بل إنهم يوردونها بضد معناهاء» ولا تستشن من هذا الخطأ لا كبير القصاصء ولا صغيرهم: ولم 354 يسلم منهم إلا من انصرف عنهاء ولم يذكرها لا فى سرد أو حوار. «برهة» في معجمات اللغة وتأتي «برهة» في القصص بمعنى الوقت القصير جداء أو الزمن السريع الخاطف,. كأن يكتب قاص عن شخص: «صمت برهة ثم قال...»؛ أي : صمت لحظة؛ أو صمت قليلاً وهذا خطأ جسيمء لأن «برهة») هي الزمان الطويل. جاء في السان العرب» لابن منظور مادة: (بره): «البّرهة والبرهة جميعاً: الحين الطويل من الدهرء كقولك: أقمت عنده سنة من الدهر. ابن السكيت: «أقمت عنده برهة وبرهة»؛ أي: مدة طويلة من الزمان ويقول الفيروزابادي في «القاموس المحيط». مادة: (بره) «البرهة؛ ويضم الزمان الطويل»» وفي معجم «الصحاح» للجوهري #ابره: أتت عليه برهة من الدهرء وبرهة؛ أي: مدة طويلة من الزمان». وعند الزمخشري في «أساس البلاغة» كذلك. هذه هي حصائد المعجمات في ابرهة؛ وليس من بين معانيها الزمن اليسيرء الذي نطالعه عند القصاص . برهة (في القصص) : فإذا نظرنا في رواية «رادوبيس» لنجيب محفوظ نجد أن رادوبيس طلبت من جارتها شيث قيثارة» «وغابت شيث برهة ثم عادت حاملة القيئارة؛ ص0١٠.‏ وعبارات أخرى مثل «فخفق قلبها ولبثت برهة لا تبدي حراكاً. .؛ ص .١١"‏ وهأمر الملك حاجباً بالذهاب إلى الشرفة ليرى ما هناك فغاب الرجل برهة ثم عاد مسرعاً؛ ص1968١.‏ و«قاوم المجرمون رجالي... وساد الهرج والاضطراب برهة» ص7١7؛‏ طلب الملك من الوزير شيئا فقال بخضوع: «ابعد برهة قصيرة يا مولاي» ص5 ١5.؛‏ وصمتت المرأة برهة كالذاهلة ثم قالت..») ص77”8. (طبعة مكتبة 4 مصر)ء ولا يكتفى نجيب محفوظ ب«برهة» وإنما يقول: «ابرهة قصيرة» وكأنه يفسر معناها بأنها أقل من لحظة أو ثانية» ونفس الشيء نجده عند يوسف إدريس» ففي «جمهورية فرحات» ‏ (ط. الكتاب الذهبي) نجد فوزية تطلب قدحاً من القهوة فيستجيب حمزة «وبعد برهة كان ينقل أقدامه بحرص وهو يحمل صينية عليها كرب القهوة..» ص الاء ولم يعجبه كلامه الأخير وتردد برهة بين أن يسكت ويواصل الاسترخاء وبين أن يرد» ص58 4.» وفي قصته القصيرة «الجرح» من مجموعة «قاع المدينة» يستتخدم برهه مرات كثيرة» منها ثلاث مرات في صفحة واحدة وهى: «ووقفنا برهة. . تلك اليرهة التي تسيق العمل الخطير»» وبعد عدة لور غرلة دووقفنا برهة.. وترددنا تلك هي اللحظة الحاسمة». وهو هنا يفسر البرهة باللحظة. فإذا انتقلنا إلى إحسان عبد القدوس نجد في مجموعته «آسف لم أعد أستطيع»: «وعادة تسكت برهة كأنها تفكر»ء :علقت شفتيها بشفتيه حتى تسكتهء. ولكنه جذب شفتيه بعد برهة سريعة وعاد يتكلم»: وفي عبارته هذه يحدد زمن برهة بأقل من لحظة» وهو ما يعد استهانة ببرهة وزمنهاء والتقليل من شأنها إلى أدنى حدء والقصاص الذين استخدموا «برهة» بمعناها المعكوس أكثر من أن نذكر أسماءهم» ونحن لاا نحصيء وإنما نمثل لما نقول. والملاحظ أن القاص يستعمل مرة «هنيهة»» وأخرى «لحظة»» وثالثة «قليلاً»» ورابعة #برهة»» وكلها عنده بمعنى واحدء وقد يكون مضطراً لاستخدام برهة لتنويع ألفاظهء ولاعتقاده أن معناها الزمن اليسيرء ويظل يكرر هله الألفاظ طيلة العمل القصصي بهذا الترتيب أو بترتيب آخرء وكلها ألفاظ بالنسبة لهء حاضرة على طرف اللسانء وعلى سن القلم. والظاهر أن جيل نجيب محفوظ ومن جاؤوا بعده لم يتحققوا من معنى هد الكلمة اللغوي في المعجمات أو في الأدب القديمء والراجح أنهم أخذوها بهذا المعنى من قصاص الجيل السابق عليهم مثل الدكتور محمد حسين هيكل» وإبراهيم عبد القادر المازني. فقد استعمل هذان الكاتبان الكبيران ١برهة»‏ بمعناها المغلوط. في رواية «زينب» الصادرة نحو عام )١411(‏ نجد الدكتور هيكل يقول: «ثم بعد برهة سكتا فيهاء قال حسن..»؟ ص "لاء واثم بعد برهة قال..» ص7الا» و«رمت برأسها على كتف صاحبها الذي أحس بعد برهة بشديد الخفقان الذي أصابها» ص7١٠2‏ وابعد برهة من سكوتهم سأل عمي خليل..' ص758 - (رواية زينب» ط. دار الهلال)» وفي رواية «إبراهيم الكاتب» التي ظهرت عام )١1971(‏ نرى الأستاذ المازني يقول فيها: «وسكتا برهة ثم عاد القروي يصل ما انقطع» صلاء و(١خرجت‏ بدون أن تجيبه وتخلف برهة ثم لحق بها ص257 و«وقف برهة يفكر في هذا التيهة ص00» وهيصمت برهة ثم يقول كأنما يحدث نفسه بصوت خافت..» ص١١١ ‏ (إبراهيم الكاتب». ط. الدار القومية للطباعة والنشر). كذلك نجد برهة عند آخرين في هذا الجيل مثل حافظ نجيب الذي ترجم روايات كثيرة» وفيها تتكرر كلمة «برهة» بمعناها الخاطئ. وقد كان هؤلاء وغيرهم من جيلهم في منزلة أساتذة لجيل نجيب محفوظ والأجيال التالية. ولا توجد لدي الرغبة في أن أحمّل جيل هيكل باشا والمازني مسئولية الخطأ في تناول برهة بالمعنى القصصي؛ لأن الجيل السابق عليهماء وأعني به جيل أحمد شوقي وخليل مطران له مشاركة في هذا الخطأء ففي رواية «عذراء الهند» لشوقيء الصادرة عام (/ا144) نجده يقول: «فأطرق المنحجم برهة ثم قال»: ويقول أيضاً: «فلبث الفتى برهة حليف الصموت». و«أطرقت الفتاة برهة..» وعبارات أخرىء. وقد انتقد يذ الشيخ إبرهيم اليازجي المتوفى عام )١905(‏ أحمد شوقي وقال في مجلته «البيان» (5١/؟7١//ا188١):‏ «إنما البرهة الزمن الطويل. واستعمالها للزمن القصير من أوهام العامة»» وقد استوعب شوقي درس اليازجي ونقده» وأصلح هذا الخطأ في شعره يقول في قصيدة المشروع ملئر». من يخلعالنير يعش برهة في أثرالنيروفي ندبه و«النير»؛ هو الخشبة التي توضع فوق عنقي الثورين بأداتها ويقصد به القيدء والندب: أثر الجرح» والمعنى أن من يخلع «النير؟؛ أو القيد لا بد أن يمضي عليه طويل وقت حتى تلتثم جراحه. أما خليل مطران فيقول في مقطعة شعرية دعاها مقطعة «الطفلة العايرة»: يا طفلة زارت كطيف عابر سحراً وكان فراقها متوقّعا ما أعجل الأقدار في استرداده بعد السماح. نفيسها المستودعًا روح من اللطف الخفي أقام في قلب كسير برهة وتنوعا كالطيب في قارورة مصدوعة ألفى سبيلاً للعلى فتضوّعا والمقطعة رثاء بليغ لطفلة ماتتث». ويذكر الشاعر أنها زارته ١كطيف‏ عابر»» وما أعجل الأقدار في استردادها»ء وأنها «كالطيب في قارورة مصدوعة» سرعان ما طار إلى «العلى وتضوعا»؛ كل هذا يجعل «برهة) الزمن القصير. ولقد صارت كلمة «ابرهة» فاشية بمعنى هئيهة» ويصعب على الباحث الوقرف على اسم أول من استخدم الكلمة بمعناها الخاطئ؛ لأنه مئل أواخر القرن التاسع عشر والروايات المؤلفة والمترجمة توالي الصدور إلى جانب السلاسل القصصية الكثيرة؛ مثل سلسلة #مسامرات 6/1 الشعب» لخليل صادق. و«#الروايات الشهرية» ليعقوب جمالء و«الروايات الجديدة» لنقولا رزق اللهء و«الروايات الشهيرة» وغيرها من السلاسل الروائية» ولعل هذه الروايات هي التي نقلت معنى الكلمة من مداها الزمني الطويل إلى زمنها المحدود. ويبدو أن لفظ «برهة» نفسه ساهم في الخطأ. فالكلمة رهيفة رقيقة. قليلة الحروف». خفيفة في النطق وعلى السمع. ولا توقع في النفس أنها الزمان أو جزء طويل منهء ومن ثم استهان بها من استخدمها وجعلها الشيء اليسير أو الزمن البسيط. د «برهة» في الشعر العربي : وهذا الخطأ الذي وقع فيه القصاصء لم يقع فيه الشعراءء وذلك لأنهم يدققون في اللغة» ويتخيرون الألفاظ بعناية» ومن الأمثلة الشعرية التي فيها «برهة» بمعناها اللغوي قول أبي نواس: كم موسر أعسربرهة ومعسر في مثلهأيسرا واليسر ضد العسرهء وكلاهما لا يأتى فى لحظة. وإنما الغنى يستغرق وقتاً طويلاً» وكذلك العسر. 0 وعندما قال أبو نواسء» في راثيته التي مدح بها ابن الخصيب» يخاطب امرأة قريبة له: ذريني أكثر حاسديك برحله إلى بلد فيه الخصيب أمير قبل إنه أخل المعنى من بشار بن برد حيث يقول: صحبته في ملكهبرهة فزادفي كثرة حسادي ولكي يزداد حساد بشار فلا بد أن يلازم الملك فترة غير قصيرةء ولو كان صحب الملكٌ لحظة أو نحوها ما حسله أحد. +3 ويقول أبو العلاء المعرَّي : والذكر يبقى للفتى برهة وإن توارت في التراب الرمم والمعنى واضحء وهو ذكر الإنسان بعد فنائه» وهناك من مات منذ آلاف السنين وما زال الناس يذكرونه. وجاء في كتاب «أخبار النساء» لابن القيم الجوزية» أن الحارث بن الشريد كان يعشق عفراء بنت أحمر» فلما عيل صبره كتب إليها : صبرت على كتمان حبك برهة وبي منك في الأحشاء أصدق شاهد هو الموت إن لم يأتني منك رقعة تقوم لقلبي في مقام العوائد والشاعر أو العاشق يتحدث في الشطر الأول عن الصبر الطويل؛ وكتمان الهوى الذي كاد يودي به. والبرهة هنا هي زمن الصير الطويل» فإنه لم يصبر لحظة. ويقول الشريف الرضي: يغر الفتى ما طال من حبل عمرهء وترخي المنايا برهة ثم تجذب والمعنى أن المنايا ترخي حبل العمر فترة طويلة فيغتر الإنسان» ولكن لأن الموت حتمي فإنه يعود ليقضي عليه . وهذه الأمثلة تظهر دقة الشعراء في استخدام اللفظ بمعناه القاموسي الصحيحء واستعماله في موضعه. وبطبيعة الحال ليس «برهة» زمن محددء ولكن الشعراء يعرفون على وجه التقريب الفترة التي يحاولون توقيتها بكلمة «برهة»؛ وفي جميع الأحوال ليست هي الزمن القليل؛ وإنما مداها الزمني حسب تقدير الشاعر. وإحساسه بالموضوع الذي يجعلها تعبر عنهء فإذا قال أبو العلاء المعري: تجاور هذا الجسم والروح برهة فما برحت تأذن بذاك وتصدأ فإن البرهة هنا يكون مداها الزمني قدر حياة الإنسان من المولد إلى الممات. لأن الجسم والروح يتلازمان طول العمرء ولا يفترقان إلا عند 31 الموتء وفي تقدير المدى الزمني لبرهة يقول محمود سامي البارودي في رئاء عبد الله فكري» ناظر المعارف الأسبق : وى برهة في الأرض حتى إذا قضى2 لبانته منها دعته سماؤه «ثوى» أي أقام. «ولبانته»: حاجته» والمعنى أن عبد الله فكري مكث فى الدنيا زمناء وعندما قضى حاجته منها مات. «وبرهة» هنا هي عمر عبد الله فكري منذ مولده عام )١84(‏ إلى وفاته عام (180) فكل هذه المترة برهة. وقد يزيد المدى الزمني على عمر شخص أو يقل» يقول ذو الرمّة: عدتني العوادي عنك يا مي برهة وقد يلتوى دون الحبيب فيهجر والمعنى أن شواغل شغلته فترة أو حقبة عن حبيبته مىّ» وظنت أنه نسيها فهجرتهء والمقدار الزمني ل«برهة» هنا هو المدة الطويلة التي تتغير فيها مشاعر المحبوبة فتسلو وتهجر. وقد ألمحنا إلى أن «برهة» قليلة في الشعرء وربما يرجع هذا إلى أن الشاعرء وقد عرف أنها الزمن الطويل» يستطيع أن يستخدم ألفاظ أخرى تحمل نفس المعنىء مثل: «حقبة» أمد» عصرهء حينء فترة. عهد...»: فكل هذه الألفاظ تحمل معنى الزمن الطويل» كذلك يستطيع الشاعر ان يصوغ عبارات تحمل معنى الزمن الطويل دون حاجة إلى «برهة»؛ مثل قول زهير بن أبي سلمة: سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ثمانين حولاً لا أبا لك يسأم فقول: «ثمانين حولاً» يعتبر برهة أو زمناً طويلاً» وإذا قال أحمد شوفي: «أبا الهول طال عليك العُصرة؛ فالعٌصر هنا برهة أو زمن طويل وهكذا. وعلى قدر مطالعاتي المتواضعة؛ لم أقف على كاتب مخص وتحرّى معنى برهة ونبّه على خطأ استعمالها سوى الشيخ إبراهيم 1.4 القتصصء. وهي الحرة المنطلقة في طول المدىء فهل أطلقناها من قيد لحظة » وذكرناها بمعئأه اللغري الصحيح؟ كهر نشرت بمجلة النضافهة الجديدة عدد ديسمبر/كانون أول 5٠05‏ امع 70(1ب+و1 “'<ز ]'160إ[*[<خ+2«+1+1| الفيلسوف.. المحتال 121111111111111 +11 ---2021 الكتابة عن حافظ نجيب لا تعني تمجيد الاحتيال والجارمين» وإنما تهدف إلى الكشف عن فصل طريف في الأدب» وعن رجل مزدوج الشخصية أو له وجهان: وجه فيلسوف أخلاقي صاحب مؤلفات» ووجه محتال أفاق. وهو ليس صورة مفردة في تاريخنا الأدبي أو الاجتماعي. بل له نظراء وأشباءء فصعاليك الجاهلية كانوا لصوصاً وشعراءً نوابغ. ومن الدارسين من اهتم بأمئال هؤلاء لما خلفوه من آثار أدبية: ومنهم من صرف عنايته إلى دراسة ظاهرة التلصّص والاحتيال من منظور اجتماعي. وبعض الكتّاب العرب وجه اهتمامه إلى هؤلاء وجمع نوادرهم وأفانينهم » فتجمعت لدينا عدة كتب تحكي أخيارهم وأسرارهم ورموزهم. منها كتاب «اللصوص» للجاحظء و«الفتوة» لابن المعمار. و«الفرج بعد الشدة» للتنوخي الذي تضمن جملة من أفانين اللصوصء وغيرها من كتب الأدب والتاريخ التي حوت حكايات الشظار والعيارين والمحتالين والعياف الذي يعوفون الطرق. وقد يظن بعضنا أن اللصوص والمحتالين جهلاء بالعلوم والآداب. ويعتمدون على ذكائهم الفطري فقط. والحقيقة أن منهم المثقف المتبحر في العلم. وقد نقل الشيخ عبد الغني النابلسي في «الرحلة الطرابلسية» عن الشيخ السبكي في طبقاته محاورة في صميم الفقه بين قاض ولصء رجحت فيها كفة اللص . 144 وحافظ نجيب كان مثقفاً شاعراً متفلسفاً فصيحاء نافذاً إلى النفوسء عارفاً بالأديان» ولديه القدرة على إرسال نظرات فاحصة في عديد من الموضوعات» وفي هذا المقال نصحس هذه الشخصية في أحوالها المستقلبة. في الأيام الأولى من عام ١41١7‏ تقدم رجل مسن نائباً عن سيدة تدذعى وسيلة محمدهء إلى نجيب متري صاحب دار المعارف.» وعرض عليه مسخطوطة كتاب ترجمته السيدة المذكورة عن «شارل وانير» يحمل عنوان «روح الاعتدال»» وطلب منه النظر في نشرهء ولم يمض طويل وقت حتى وقع صاحب دار المعارف مع وكيل السيدة وسيلة عقد نشر الكتاب لتعذر حضورها. وطبع الكتاب عام ؟1417م» ولاقى نجاحا كييراًء وأقبل عليه طلاب المدارس» وعلقت عليه الصحف والمجلات» ومما قالته جريدة المحروسة في 7/71 7/ 1911م: «بين الإفراط والتفريط درجة هي الاعتدال» والمثل يقول: خير الأمور الوسط... فلا غُرُو أن الاعتدال فضيلة وحسنة.. ولذلك ترى المجتمع الإنساني يتذمر من حاله؛ لأنه هذه الحسنة قليلة بين أفراد سواء في ذلك أهل الشرق والغرب. وقد رأى ذلك الكاتب الاجتماعى «شارل وانير»:. فألف كتاباً تكلم فيه عن روح الاعتدال». فأبدع واد وهدى وأفاد. فأرادت حضرة السيدة وسيلة محمد أن لا يحرم أبناء الشرق من جني ثمار الانتفاع من روض ذلك السفر النفيس. فأليسته من العربية ثوباً أنيقاً بسيطآء وزاهراً في وقت واحد. .». وقالت عنه مجلة «الملاجئ العباسية ومكارم الأخلاق الإسلامية» (عدد جمادى الثانية ٠"15١ه ‏ 5١151م):‏ كتاب «روح الاعتدال يبحث عن تأثير الاعتدال على الفكر والقول والمطالب. وعلى الحياة العائلية والتربية» وأثبت أخيراً أن لروح الاعتدال نفوذاً قوياً وسلطاناً فعالاً في 1 تقويم الأخلاق» وتلطيف الأمزجة الحادة» والطباع الغليظة» وفي إيجاد السلام بين الأنام» والكتاب يقع في نحو ١5١‏ صفحة متين الأسلوب عالي التعبير مما يدلنا على مقدار غزارة المادة عند حضرة المعربة». وقد اعتمدنا في وصف مضمونه على أقوال الصحف والمجلات لعدم وقوفنا عليه بدار الكتب . وقد شجع هذا نجيب متري على طبع الكتاب الثاني «غاية الإنسان؛ المنسوب إلى الفيلسوف جان فينوت وتعريب وسيلة محمد. وقد أمكنتي الحصول على هذا الكتاب المصئّف بدار الكتب تحت رقم )575(‏ فلسفة. والكتاب يدخل إلى نادي الفلسفة من باب الفلسفة الخلقية» إذ يتحدث عن الحق والواجب والحرية والأنانية والفضيلة والقيم؛ من خلال «غاية الإنسان» من الحياة في هذه الدنيا وهي السعادة. ويقرر المؤلف أن السعادة موجودة في الحياة وأن عدم إدراكها لا يعني عدم وجودهاء يقول: إن محو الرايطة بين الحال ومقتضاه محالء قد يوجد الحال ولا يتم مقتضاءء ولكن الرابطة بينهما موجودة بوجود الاقتضاء. وقد توجد الرغبة في السعادة ومقتضاها السعادة فيتحقق وجود الرغبة وتتعذر السعادةء فعدم نيلها مع وجود الرغبة فيهاء. ليبس دلملا على عدم وجودها وإنما على وجود السبب المانع من تحقيق الرغبة». وأدان الفلسفات التي تمعن في تشويه جمال الحياة وتخفض من قيمتهاء وينفي المقولات الذاهبة إلى أن إغفال الهناءة في الحياة الدنيوية يحقق السعادة في الدار الآخرة. وفي هذا يقول: «ولست أدري ما الذي يؤذي الإنسان إذا هو نال السعادة في الدارين» ولا الذي يضير الأديان إذا اغتبط المخلوق على الأرض وفي الدار الآخرة ما دام يحرص على مبادئ الفضيلة والإيمان». ويمضي في ترسيخ المبادئ الخلقية والحد من الشطط الإنساني 06 فيقول: الأساس الثابت لنيل السعادة هو تسلط العقل على العواطف». ويربط السعادة التي يتوق المرء إليها بمعرفة كل شخص لحدود حريته الشخصية وحقوقه من المنافع نحو نفسه ونحو الجماعة. وكل هذا وغيره يبين أن السعادة التى يتحدث عنها المؤلف وينشدها الإنسان لا يجب أن تتحقق على حساب الدين والمجتمع . وللمؤلف نظرات أخرى يفلسف فيها التاريخ منها قوله: امن يتصفح التاريخ بإمعان يجد أن الحياة ما هي إلا حركة انقلاب مستمر تبذل شكل الإنسان وأخلاقه من حال إلى أخرى؛ ويجد أن هذا الإبدال إنما هو سبب رقي العالم ووصوله إلى حاله الراهنة» ويجد أيضاً أن عدم حس الإنسان هذه الحركة ناشىئع من بطثئها ولطفها. .». وهذه الرؤية لحركة التاريخ وثيقة الصلة بأفكار المؤلف السابقة عن السعادة. فهو يؤمن بفكرة التقدم. وتدرج الحركة التاريخية إلى الأحسن» ويرى أن تقلبات الحياة أو انقلاباتها تتجه نحو الكمال والصلاح والسموء وهي من بين العناصر التي إذا توافرت في زمان ومكان عملت على سعادة الإنسان. وهذه الرؤية ناجمة عن تفاؤل المؤلف. وحسن ظنه بالبشر وإقباله على الحياة. وبالرغم من أن هذه الفلسفة التاريخية لا تخلو من وجاهةء فإنه ليس بالضرورة أن تجري دورات الحياة على هذا النحو بالتحديد» فما أكثر النظرات والرؤى في مجال فلسفة التاريخ . ويضيق المقام عن استعراض الكتاب والتعليق عليه. وحسبنا هذه الفقرات التي تمئله وتدل على رقي فكر صاحبه وبلاغة أسلوبه وسلامة لغتهء هذان الكتابان اللذان نسب الأول منهما إلى «شارل وائير؛ والثاني إلى «جان فيلوت؟. ولنسبت ترجمتهما إلى وسيلة محمدء كانا في الحقيقة لمؤلف اشتهر في ذلك الوقت بالنصب والاحتيال هو #حافظ نجيب». وقد أخفى اسمه لأنه مطارد من الشرطة. 1 والسؤال الذي لا أستطيع الإجابة عليه هو: هل اتخذ نجيب متري قرار طبع الكتابين بمفرده» أو أنه أشرك معه مواطنيه من اللبنانيين مثل : خليل مطران وأنطون الجميل. وشبلي شميل» وفرح أنطون» وطانيوس عبده» وغيرهم ممن يعرفون الآداب والفلسفات الفرنسية؟ ثم إنه كيف تقرّظ جريدة «المحروسة» كتاب «روح الاعتدال» وكان يتولاها حينئل إلياس زيادة ومعه ابنته مي زيادة؟ إنه حتى بعد تكشف الأمر لم يقل أحد إن أفكار الكتابين مسروقة أو مقتبسة. لقد استطاع حافظ نجيب أن يخدع الوسط الثقافي والصحافي كله. كان حافظ نجيب قد قام منذ نهاية القرن التاسع عشر أو مستهل القرن العشرين بأعمال نصب واحتيال على أفراد وهيئات منها «الفرنسسكان»» واستحوذ على أموال بطرائق غير مشروعة» وحررت ضده المحاضر والبلاغات في أقسام الشرطة» وقبض عليه مراراً وسجن؛ وفي كل مرة يعلن توبته»؛ وبعد خروجه من السجن يعود إلى الاحتيال. وقد أوتى قدرات عجيبة في تمويه شخصيتهء وإخفاء نفسه بوسائله الذكية. ل البارعة. ومن هذه الحيل أنه عمل خادماً عند أحد وكلاء النيابة: والشرطة جادة في البحث عنه» وكانت وزارة الداخلية تذكر أوصافه في نشراتها الإدارية ليساعدها الجمهور في القبض عليه. تقول إحدى هذه النشرات عنه: #امسلم؛ء مصري الجنسية؛ من رعايا الحكومة المحلية؛ وصناعته مدرس» وإقامته في عابدين» وعمره ”" سنة؛ متوسط القامة والجسمء قمحي اللون؛ أسود الشعرء مستطيل الوجه» متوسط الجبهة. مفتوح الحاجبين؛ عسلي العينين سليمهماء كبير الأنف. واسع الفمء» خفيف الشارب حليق اللحية. وفي وجهه آثار الجدزي»؛ ‏ (المحروسة في 4/ 04 )). 14 وما كان أيسر على حافظ نجيب من أن يغير من هذه الأوصاف». على أن الصحف انتقدت هذه النشرة وقالت: إن عمره أكثر من ذلك» وأنه تغير في كل شيء. وكان حافظ نجيب مادة صحفية خصبة» إذ تسابقت الصحف في تتبع أخياره وتسجيل حوادثه» وإجراء التحقيقات الصحفية معه عند القبض عليه» وعقد موازنات بينه وبين المحتالين العالميين مثل النصاب الباريسي «الماير» ‏ (المحروسة في 5١/14034/1م):‏ وهناك من طالب بتشديد عقوية المادة (141) من القانون لردع النصابين. وربما طوّل الصحقيون وهوّلوا ونسبوا إليه ما لم يفعلهء فما من حادثة نصب وقعت إلا وقرن بها اسم حافظ نجيبء. ووصل الأمر إلى حد أن الصحفي اللبناني جورج طنوس وضع عنه كتابأ أطلق عليه «نابغة المحتالين» صدر عام 1959م. وفي عام 1417م وهو عام نشر هذين الكتابين» كان يسكن بمصر القديمة» وكانت ترعاه سيدة اسمها «وسيلة محمد» أثناء مرضه» وتطور الأمر فتزوج منهاء وكان قد اشتهر في هذه الناحية بالتقى والورع. وأطلق لحيته وحمل اسم الشيخ عبد الله المنوفي. وهذه السيدة هي التي حملت اسمي كتابيه المشار إليهماء وكان هناك كتاب ثالث تحت الطبع عنوانه: «الناشئة» تعطل نشره. والسبب في ذلك أن أحد عارفيه وشى به عند الشرطةء فجاء الضابط ١كارتيه»‏ وتحدث إليه وعندما تحقق منه ألقى القبض عليه» وتمت مساءلته ومساءلة زوجته وتكشف أمر الكتب التي طبعت أو التي قيد الطبع» وعرف الناس الحقيقة. أما نجيب متري فقد أدلى بحديث صحفي لمجلة «المفتاح» عدد 6 ام شرح فيه ظروف وملابسات طباعة الكتابين» وذكر أنه بذل عدة محاولات ليلتقي بوسيلة محمد فلم 44 يستطع» وعند تسليم حقوق المؤلف أو المعرب حضرت إليه وسيلة محمد نفسها مدعية أنها من طرفها. وقد اعترف حافظ نجيب نفسه بتأليف هذه الكتب» وذلك أثناء -اسمعت أنك: أضدرت كتابين بأسم وسيلة محمد؟ - نعمء وفي المطبعة الآن كتاب ثالث. ما عنوانه؟ #الناشئة» . - وهل أنت الذي كتبت الكتابين الماضيين؟ - نعمء لأنني كتبت ما أعتقد"" . كذ اعترافاته تظهر لماذا لجأ إلى الاحتيال : ومع حافظ نجيب تنشأ أسئلة كثيرة في الذهن أهمهاء لماذا انحرف ومن أين كانت البداية؟ وما الثقافات التي حصّلها حتى تمكنه من التفلسف والتأليف؟ سؤالان مهمان.. وريما ساعدتنا سيرة حافظ نجيب واعترافاته على الإجابة عنهما ولو بقدر. في عام (19447م) كتب حافظ نجيب آخر كتبه «اعترافات حافظ نجيب - مغامرات جريئة مدهشة وفعت في نصف قرن»» وهذه الاعترافات تحكي حياته ومغامراته منذ ولادته (حوالي سئة ٠148م‏ وحتى نهاية 4 ). وكان في نيته أن يتمها إلا أن المنية أدركته في ١؟/١١/‏ , يذكر حافظ نجيب أنه من أسرة السداوي التي كانت تزاول )١(‏ المحروسة /1917/17م. ا التجارة. ولكن والده الذي تربى في بيت أحد أعيان الأتراك بمصر حمل اسم هذا الوجيه التركي فصار أسمه: «محمد نجيب». تعلم محمد نجيب على نفقة هذا التركي» وتخرج من المدرسة الحربية وألحق بحرس الخديو إسماعيل» وتزوج من ملك هانم ابنة هذا الوجيه فأنجب منها حافظ نجيب.. وماتت أمه محترقة بالئيران فكفلته جدته» وعندما رحلت هذه الجدة إلى الآستانة تسلمه والده منها . وتفيد مذكرات حافظ نجيب أنه كان ولدآ ذكياً شقياً متمرداً يميل إلى المغامرة والمخاطرة في طفولته» ومن ثم فشل في مراحل التعليم أكثر من مرة إلى أن حصل على الشهادة الابتدائية وأدخل عدة مدارس لم يوفق فيهاء وأخيراً التحق بالمدرسة الحربية بالاسكندرية التي تولى نظارتها أمير البحر إسماعيل سرهتك باشا . وأثناء تلقيه العلم في هذه المدرسة اشترك مع إنجليز وطليان في مياراة رماية وفاز عليهم» ونال الجائزة الأولى. وتولت سيدة أجنبية توزيع الجوائز على الفائزين؛ وراقتها طلعة حافظ وشبابه فطلبت لقاءهء وتجددت اللقاءات. أظهرت هذه السيدة وتدعى «البرنسيس فيزنسكي» - روسية ومتزوجة من ألماني ‏ عطفاً على حافظ وأقنعته بأن يتم دراسته العسكرية في اباريس» على نفقتهاء فسافر معها بعد نهاية دراسته بمصر. وصحبته معها إلى الآستانة والتحق بالجيش التركي. ثم عاد إلى فرنسا برفقتها وأقام في بيتهاء والتحق بالكلية الحربية في «باريس» حيث درس الهندسة العسكرية وفنون اللاستحكامات. وفي بيت الأميرة تولت سيدة تدعى (إيزابيلا» تدريبه على البروتوكول. كيف يتناول الطعام» ويشرب الشاي. . ويرتدي الملابس.. ويجلس في مقصورة التياترو. بعد ذلك صار يجالس الأميرة ويخالطها. وفي أوقات الفراغ كان يذهب إلى جامعة «باريس» ليستمع 4.4 إلى محاضرات في الآداب بناءً على أوامر البرنسيسة.. إنها كانت تعده لنفسها كما تشتهي . وقربته الأميرة من مخدعهاء وفي هذا المخدع عرف أن عطفها عليه لم يكن بريثاً . بعد انتهاء دراسته عمل ضابطأً بالجيش الفرنسي في «باريس6» ثم أرسل إلى الجزائر فى مدن وهران وغات وغدامس.. ولما كان وجوده في الجزائر لا يوافق مزاج الأميرة فقد سعت في نقله إلى باريس» فعمل بالمكتب الثاني وهو إدارة تجسس . . وتم تدريبه على حل الشفرة والكتاية بالحبر السري... وراح يتجسس ضد الألمان إلى أن قبض عليه ونجا بأعجوبة» ولكن أمره كان قد تكشف وشعرت فرنسا بحرج فتخلصت منه وجاء إلى الإسكندرية. ووصلت في أعقابه الأميرة «فيزنسكي» وساعدته في فتح مكتب تجاري» وأخذ يضارب في البورصة ويربح وينفق في بذخ» ولا ينسى أن يزور «فيزنسكي» مرة كل أسبوع. ولكن المال الكثير طوّح به في مهاوي الخطأ مع الراقصات وعاش حياة بوهيمية. وفي إحدى زياراته للأميرة #فيزنسكي» وجد عندها الأميرة «ألكسندرا أفرينوه» صاحبة مجلة «أنيس الجليس» فتعرف عليهاء وعزز علاقته معها بجمع ودفع اشتراكات لمجلتهاء ودامت العلائق بينهما أربع سنوات» وتبادلا الود والهداياء ووثقت «األكسندرا» في حافظء. وذات يوم أعطته أربعة نياشين لتنظيفها عند جواهرجي» فأخذت راقصة من صديقات حافظ واحداً منها. ولما عرفت الأميرة «فيزنسكي» بحياة اللهو والاستهتار التي يعيشها حافظ مع راقصة., أرادت الانتقام» فدفعت «ألكسندرا أفرينوه» إلى تقديم بلاغ ضده بتهمة التبديد فقبض عليه» وأودع سجن «الحضرة» ومكث فيه ستة أشهر مع الشغل. ويوم خروجه وجد الشرطة تقبض عليه بتهمة أخرى؛ وتوالت مكايد «البرنسيسة فيزنسكي؛ ضد 44١ حافظ. ووصل الأمر إلى حد التدبير لاغتياله بَيْدَ أن المحاولة فشلت. «فصار من المحتم علن أن أحمي حياتي من خصوميء والوسيلة المفردة للتمكن من الحماية هي عدم تنفيذ ما يصدر ضدي من أحكام؛ وهذه النظرية والوسائل التي لجأت إليها لتنفيذها هي التي خلقت شهرة حافظ نجيب». (اعترافات حافظ نجيب) . فاحتجب عن الأنظارء وانقطع رزقهء ولجأ إلى النصب والاحتيال» وكلما صدرت ضده أحكام بالسجن.ء غيّر من هيثته» وانتحل أسماء وهمية واختفى في أماكن لا تخطر على بال الشرطة» ومن هذا هروبه إلى دير «الإنبا بشوي» متنكراً في زي راهب يدعى غبريال إبراهيمء وأثناء وجوده بهذا الدير علم بوفاة مصطفى كامل فرثاه بقصيدة نشرتها جريدة «الوطن» تحت عنوان: «دمعة راهب» وترك دير الإنبا بشوي لأسباب مشروحة في اعترافاته واتجه إلى دير «المحرق» بأسيوطء تحت اسم غالي جرجسء» وأقام فيه زمناً. . وحيل حافظ كثيرة دونها هذا المقال. وإذا كان قد توقف في اعترافاته عند عام (454١م)»‏ فإن من يتتيع الصحف الصادرة يعد هذا التاريخ يحيط بأشياء كثيرة. والذي يُستخلص من سيرته واعترافاته التي تقلنا منها نبذاً وسطوراًء أنه مفطور منذ الصغر على التمرد والمغامرة والمخاطرة» وليس ميالاً للاستقرار والهدوءء وأن فترة وجوده في «باريس» مكنته من تلقي محاضرات في الآداب وقراءة كتب أجنبية» كما أن عمله في إدارة التجمّس كان تدريباً عملياً على الإخفاء والتمويه والتظاهر بغير ما تكنه الطواياء والوصول إلى الغرض بطرق ملتوية. يضاف إلى ذلك أسفاره إلى تركيا وفرنسا والجزائرء ومخالطته لأناس متنوعين؛ الأمر الذي جعله يعرف السلائق الإنسانية ويتمرس بالحياة» هذا علاوة على ذكائه وفطنته. وكل هذه العناصر عملت على 1447 تكوين حافظ نجيب الفيلسوف المحتال. وعند تصفية الحساب» يحسب لحافظ نجيب كتبه : روح الاعتدال»»: «غاية الإنسان»» «اعترافات حافظ نجيب»» وغيرها في الكتب الكثيرة» والكتاب الأخير لا يتضمن سيرته فقطء وإنما يشتمل على صور اجتماعية متنوعة عن المجتمع المصري في مطلع هذا القرن» ويحيطنا علماً بالسجون ونظم التعليم العسكري في تلك الفترةء» ويفيدنا عن أوضاع الجيش المصري بعد استرداد السودان» ويزودنا بأوصاف عن ممارسات الفرنسيين في الجزائرء ويعطينا صورة للأديرة التي عاش فيها كراهب» كذلك تتضمن الاعترافات تحليلات دقيقة لعواطف المرأة وغير ذلك. وتعد اعترافات حافظ نجيب أكثر كتب الاعترافات العربية جرأة وصراحةء وليس عندنا حتى الآن مثلهاء فإننا ما زلنا نستر عيوبتاء» وحينا لذواتنا يجعلنا نكتم أسرارانا . ويالرغم من المغامرات المدهشة التي اعترف بها حافظ» فإته يقول في مستهل اعترافاته: «وقد خلوت إلى نفسي وذاكرتي مرات.» وعرضت على العقل والضمير حياتي الماضية وما مر بي من الأحداث,» فاقتنعت بأنني بدّدت الحياة في سفهء وضيّعت ما يجب أن يكون لها من الثمرات» ومككنت الناس من هدر كرامتي» ومن المغالاة في القول علي حتى بنشر الخرافات عئي: فخلقوا بالكذب شخصية خيالية ثبتت في أذهان الناس». 65م نشرت إن مجلة الهلال» 47 صورة غلاف «اعترافات حافظ نجيب, 5 . صاحب الامتياز ورئس التحرير ٠‏ مَا ايت * مم ائل راق ١‏ التاهرة فى يوم التلا6» م ١‏ يولبوسئة 8"ذا | عرس 2 3 0 سأر 4 3 جحت ا يو 0 ا -- توه 711 2 356 مان --ه اأتقطمنا عاما عن الكتابة مكرهين » وقد كا نظن أن البطاله وللميد المترقين في نوع للييئ شيئا من الاذة» فل شمر يقير اارحئة لأتقطاعنا عن الاتصال بقراننا ؟ و يمير الا مة من سكون اللادة والخذول أكرهنا بوسائق غير شر بفة على رنف ظبود ( محلة المالمين ) وند كانت بمرف القراء» فلدا 'مندت يد الندرة الالىية نطبر ت الرجر د من البب الذي حدانا الامتناع عن اظبار الجلة عدنا الي عالم السخافة مرددين قوله تمالى: ( ان ربك بالزماد .) 0 بر لق امارج )برب ف زم نالور ( تصدر يوم الثلاناء منكل اسبوع ) رآ + ٠١‏ السنة الأول . ٠‏ رشبي الادارة الب اير كبب "١ 0022271 6 قرشاً عن سلة ١‏ 100 ذو اتلجة من 1015 أبحث فى دواد متمددة» وستنشر مانختاره من الصورالتي مجدمنها القاريءنليةأرةائدة»فيجدها مجة تقرأ في أيإم ثم نحفظ » لا وريفة يتصفحها القاري١‏ دقيقة ,ثم فطارح التحرير سينشر ما يصل اليه بك ا زسائل فى الابواب الآأية ققط: 2 الثمر الختار ؛ النكات » الفكاهاث ؛ الانمحاث الاجماعية ) المنفر قات ء النقد التزيه » الاختراءات المديثة » بثسرط ان نفكون للرسائل «وجزة . فالماري بتقدم لترا الروم مال ستحدد : مظاهرها وصررهاً بتكل يرمى لتعلين' و يسبج صدور الظر ناه » فلا يسمي عن المارى أد من الناس : الر جل رالمرأة » والشاب «النتاة في متلق لباق المبثة الاجماعية ٠‏ ي؟ 0 ش ٠‏ مايل صورة غلاف مجلة «الحاوي» التي كان صاحبها حافظ نجيب والصفحة الأولى 3 0 الصحضي.. والمسرحي.. والأديب (قلا4ا ‏ 1541ام) للسقوط الأخلاقي أثره الظاهر في المكانة الاجتماعية للكاتب» فإننا لا نكن احتراماً لأديب محتال وإن ابتنى قصوراً للثقافة» ولا نطرب له وإن شدا في دوحة الأدب. ذلك أن سلوكه الشائن أظهر في عيون الناس من كتاباته» ومن ثَّمّ إذا ذُكر اسمه ابتسمنا ساخرين» وإذا أطلعنا شخص على أدبه استخففنا به متندرين ‏ وقد كان حافظ نجيب وافر الملكات» متنوع المواهب». منسرح النظرة في الحياة» له أفكار واضحة متزنة» وأشعار تتجلى فيها شخصيته: وقصص يحلل فيها النفوس» والعواطف. وموضوعات اجتماعية يتعامل فيها مع الحقائق» وكل ذلك لم يرض الناس عنهء ولم ينهم انحرافاته. ونتج من هذا تضارب الأقوال فيهء والتهوين من شأنهء وتبديد آثاره. والتناول العابر لما بقى منها. ولو كانت آثاره لرجل آخر محمود السيرة لاحتل بيننا مكانة عالية» وتناولته دراسات جادة. وإذا كنا قد عرضنا لحافظ الفيلسوف المحتال» في مقال نشرته «الهلال»؛ ‏ (أغسطس/ آب 1145م).» فإنئا اليوم نستكمل مسيرته الأدبية والصحفية بعيداً عن كتاب «اعترافات حافظ نجيب؟ الذي توفر عليه من كتبوا عنه وقلما تجازروه» 8 الشاعر : 5 التجسس لصالح فرنسا وعودته إلى مصرء وفي نحو 108١م‏ انهم بالاحتيال: وألقي القبض عليهء ورج به في سجن الحضرة» ومن السجن أرسل بقصائد شعرية وبقصة طويلة إلى جورج طنوس. وقد نشر هذا الشعر أو قدر منه في مجلاتٍ وكتب. وعلّق خليل مطران في المجلة المصرية (فبراير/ شباط 1604م) على قصيدة من قصائد حافظء وجاء كلامه تحت عنوان: «مجرم شاعر»؛ قال: «تناقلت بعض الجرائد قصيدة لناظمها حافظ نجيب» وهو اسم فتى عرفه سكان القطر بغرائب حيله» ونوادر الوقائع التي سجن يسيبهاء قالها وهو معتقل في الحضرة منذ سنتين وهذه مختارات منها : تجرد رأسي يا زمان من الفكر2 وأصبحت محموماً أبيت على الجمر كذلك مات الحب في القلب يائساً 2 وزال بهما كان يحرقه فى الصدر ومنها : وأصرف وقتي بين هند وزينب2 أعاقرها راحاً إلى مطلع الفجر وتسلب مالي ذات خدٌ محمر وأصبحٌ محروق الفؤاد من الخمر ومنها : فيا ليت من يهوى يرى اليوم حالتي2 لينظر ما تأتي النساء من الغدر فما باعني للسجن إلا مليحة علقت بهايا قوم من أول الأمر ومن تصمّح هذه الأبيات المرسلة مع السليقة على ما فيها من ركاكة وَضَفْقٍ اتركيب» أستفقن خلالها فظرة لو عولجت: وتدوركت لسلعت للشعر والأدب» ولا يسوء بعض الأدعياء ممن يتصدون بمقال لكل مقام أنه لو كان للمنشآت قانون عقوبات لدخلوا السجن تأدبياًء ولم يجدوا بينهم حافظ نجيب. وليس لي أن أعقب على كلام الخليل» وهو في الشعر والنثر 1 والنقد؛ ولكن أريد أن أوضح نقطة مهمة وهي أن شعر حافظ نجيب هذا وغيره يعد من تعر الشخضية» وق د كان الأسكاة العقاد يعيب على شيغر شوقي» أو الغالبية العظمى منه؛ خلوه من شعر الشخصية» وكان يقول: «الشاعر الذي لا يعرف من شعره لا يستحق أن يعرف6. وشعر الشخصية هو الشعر الذى يعبر فيه الشاعر عن أحاسيسه» ويستظهر فيه أعماقه. ويستمده من حياته» ومن هنا يكون مطبوعاً وليمس متكلفاً. وشعر حافظ كان ينقل فيه أحاسيسهء ويضمّنه معالم نفسهء ويعبر فيه عن تجاربه وواقعاتهء ومنها قضاؤه الليل حتى الفجر مع راقصات في الأزيكية وغيرها مثل: شفيقة القبطية؛ وحميدة وغيرهما. ويوافق هذا من شعره السالف قوله: «وأصرف وقتي بين هند وزينئب. . .4»: ومنها تجربته الكبرى مع الأميرة الروسية «فيزنسكي» التي عشقته» وأعدته لنفسهاء ودفعتها الغيرة عليه من الراقصات اللاتي ينادمهن حتى الفجر إلى التحريض عليه وسجنهء فكرهها وقال فى الأبيات السالفة: «مات الحب في القلب يائساً. ». ثم قال: «فما ياعني للسجن إلا مليحة..»» ويقول في قصيدة أخرى يربط فيها بين السجن والحب» نشرتها مجلة «الأقلام» - (ديسمبر/ كانون أول 1455١م):‏ ولولا الهوى ما بت في القيد مثقلاً 2 ولا بتٌ في وادي الهموم كما ترى ولا تعجبوا إن بات لي السجن منزلاً فقدينزل الإبريز في منجم الثرى ويعرب عن ضيق نفسه وتبرمه بالحياة في قصيدة أرسلها إلى جورج طنوس من سجن «الحضرة»» ونشرت في كتاب «نابغة المحتالين» فيقول: يا صاح قد غدر الزمان ومن هوى أحرى به سم بكأس مفعم خير من السجن الطويل وضيقه فالسم أطيب من شراب العلقم ولقد سأمت من الحياة وذلها وغداالمماتأحب من لثم القم هكذا كان يعبر في شعره عن الحب والسجن» ويعرب عن رغبته 14 فى فض علاقته بالحياة» وقد يكون في صياغة شعر حافظ قليل من الفن» ولكن فيه كثير من الصدق. ولعل هذا ما قصد إليه خليل مطران عندما ذهب إلى أن شعر حافظ فيه ركاكة وفطرةء وقد كان العقاد يعرّف الشعر بقوله: «التعبير الجميل عن الشعور الصادق». وإذا كان شعر حافظ خلا من التعبير الجميل». فقد تمثل فيه الشعور الصادق. وعلى أية حال فإن مطران فضّله على غيرهء وذلك عندما أخرج حافظ نجيب من بين الأدياء الذين يدّعون الأدب. َي فترة غامضة : سجل حافظ نجيب ترجمته الذاتية منذ مولده حتى يناير/ كانون الغاني 1409م في كتاب «اعترافات حافظ نجيب» فأضاء تلك الفترة. وكشف عن العناصر التى كوّنته» والأفكار التى غلبت عليه» وكان فى نيته أن يكمل ترجمته الذاتية: ولكن المنية وافغة عام 144“5م. 58 هنا صارت الفترة من يناير/ كانون الثاني 904١م‏ إلى تاريخ وفاته يكتنفها الغموض الشديد؛. وبالرغم من البحث الدؤوب فإن المعلومات فيها شحيحة. والهوات فيها واسعةء ومع ذلك نذكر ما وقفنا عليه» فقد أصدر جورج طنوس عنه كتابين؛ أولهما كان في صيف 405١م‏ وعنوانه: #نايغة المحتالين أو حافظ نجيب»» ويشتمل على نوادره في الاحتيال» وعدد من القصائد. وقصة واقعيةء وقد تناولته مجلة ١المحيط»‏ (أكتوبر/ تشرين أول 159١م)»:‏ وقالت: إنه «كتاب جمع كثيراً من الحوادث الواقعية التي أتاها هذا النابغة في النصب والاحتيال» فجاء كرواية تلذ مطالعتها؛ لأن وقائعها لا تقل في الغرابة عن وقائع الروايات الخيالية». أما الكتاب الثاني فهو «الراهب المسلم» صدر عام ١٠9١م.‏ وفي سنة 1417م طبعت دار المعارف كتابين «لوسيلة محمد» الأول ذ؛, عنوانه «روح الاعتدال» مترجم عن شارل وانير؛ والثاني «غاية الإنسان) مترجم عن جان فينوت» ووسيلة محمد هي زوج حافظ نجيب ولا صلة لها بالكتابين» وقد قال حافظ مرة إنه ألفهماء ومرة أخرى أنه ترجمهماء وفي آخر عام 1417م قبض عليه وقدم للمحاكمة عام 1417م» وحكم عليه بالسجن. وفي عام 1416م طبعت له دار المعارف كتاب «الناشئة» ويدخل فى إطار العلوم الاجتماعيةء وفي عام 1910م تفيدنا جريدة «المحروسة» أن الشرطة كانت تبحث عنه»ء وتصدر نشرات بأوصافه ليتسنى لها القبض عليه؛ وهذا يعني : أنه ربما هرب من سجن طرة؛ أو أنه أمضى فترة العقوبة ثم ارتكب جرائم جديدة . ولم يتيسر لي أنه أعرف شيئاً عن حياته في الفترة من 1917م إلى ١197١م.‏ والظاهر لي أنه قضاها أو قضى معظمها في السجن, وأنهى جميع العقوبات» وصار حراًء ودليلنا أنه ظهر في المجتمع جهاراً بعد سنة 1979م» وأصدر المجلات؛ ومثّل المسرحيات» وأهم من كل ذلك إصداره القصص والروايات المترجمة والمؤلفة. 522 القاص : ومن رواياته المترجمة: ا[صبع الشيطانة ١1م‏ ااحذاء الميت؛ ١م‏ «زواج جونسون؛ ١947١م»‏ «قاضي التحقيق» ١197م؛.‏ «عفريت بيكار؛ ١197م,‏ «قاتل الليدي بلتهام» ”1477١م,‏ «القطار المفقود»؟ وفاء يلين؟ وجميعها من روايات جوتسون وتقع في سبعة مجلدات وعددها ١‏ جزءاً: عدا ثماني روايات ملتون توب» إضافة إلى «الغرفة الصقراء؛. «(الشيخ المخيف» 1970م؛ #سر المعري7 3 ومما يجدر ذكره أن هله الروايات كانت الغذاء الثقافي الأول لنجيب محفوظ اللي يقول: «اسنكلير وميلتون توب وغيرها ‏ من الروايات 000 فهارس دار الكتب ومجلة الحاري 48أامم. التي كان يترجمها حافظ نجيب بتصرف -. هذه الروايات هي كل قراءاتي الأولى»30 ., أما الروايات والقصص المؤلفة فتذكر منها: «موت حافظ نتجيب» ١0م‏ «ثورة العواطف» 1975١م.‏ «الحب والحيلة» /9719١م.‏ ويذكر حافظ نجيب في «الحاوي» أن له عشر روايات اسمها «روايات حافظ نجيب» ويبدو أنه أضاف إليهاء فإن صلاح عيسى يذكر أن في مكتبته واحدة منها بعنوان «كنوز السلطان عبد الحميد»”'' . وقد سارت قصص حافظ نجيب في خطين: الأول هو الخط البوليسي الذي يساير حياته» فعمله بالتجسس ثم مغامراته مع الشرطة. وإجادة الإخفاء والتمويه والتنكر جعلته يميل إلى ترجمة وتأليف القصص البوليسية» والثاني هو الخط الغرامي» وهذا ليس بعيداً عنه فقد عرف منذ الصبا الألفة والحب. وفي اعترافاته مادة وفيرة في هذا الجانب. هذا إلى جانب ثقافته في هذين المجالين فقد كان يهيم بقراءة الروايات» وكان يرى أن الأحداث الخيالية تشغل باله عن الهموم» ولأنه تنقل في يعض دول أوروباء فإن عدداً من قصصه المبتدعة تجد فيها البيئتين المصرية والأوروبية . وأول رواية كتبها تلك التي نشرها جورج طنوس في كتابه «نابغة المحتالين» وتقع في نحو مائة صفحة.ء وبطلها عزيز تقسو الحياة عليه. فيسخط عليهاء ويستخف بالقيم» ويتملكه الحقد والحنق على الناس ويضمر الانتقام من الدنيا فيؤذي البشرء وهي فكرة شريرة» وكان عليه أن يستعلي على الحياة ويزهد فيهاء أو يتعامل مع معطياتهاء ويحاول )ع0( كتاب نجيب محفوظ ‏ صناقة جيلين لمحمد جبريل ص90١غ. ١5‏ )0ن صدرت عام 7م (القاهرة 0011م )2 ةهء١‎ توجيهها إلى صالحه. ولكن آثر أن يحيا حياة بوهيمية شيطانية. ولعل حافظ كان يعيبر عن نفسهء وييرر سلوكه الشائن وهو نزيل سجن «الحضرة» عام 1955م. وقصته «ثورة العواطف» 1975م يعالج فيها غرام أديب أرمل في الأربعين بفتاة دون العشرين "ثريا» ابنة صديقه وجاره. ولكن «ثريا» كانت تحب شاباً يناسبهاء وترفض الزواج من الأديب» وتقترن بالشاب الذي يسيء إليها ويبدّد ثروتها فتندم على عدم الزواج من الأديب؛ أما إبراهيم فيموت كمداً وتنتحر ثريا حزناً عليه. وهذه القصة تذكرنا بعشق ١جوته»‏ وهو في السبعين من عمره ل«أولريكه»؟ وهي دون العشرين» ورفضها الزواج منه» وبعشق العقاد وهو فوق الخمسين لفتاة شابة ألهمته ديوان شعر «أعاصير مغرب»» وبعد أن أمضت معه وقتا هجرته. ونسيتٌ اسم حكيم قال ما معناه: إن الشاب عند المرأة أفضل من جميع حكماء العالم. وهذا صحيح لأن الأنثى في الصبا لا تطلب السلام مع كهل» ولا تنشد الهدوء مع شيخ.ء وإنما تتيقظ نفسها مع شاب يميل إلى المغامرة والمجازفة ويثب بها وثباً إلى حيث تكون سعادتها . صوّر حافظ عاطفة الأديب الرقيقة؛ وانفعالاته القوية» وحنانه وحياءه عندما يحبء وعند المؤلف أن الأديب أكثر رقة من الموسيقي والمصوّرء «المصور تغريه المناظر والأجسام والأوضاعء أما الكاتب فتكفيه التخيلات» والأماني والأحلام.. والموسيقي لا يتنبه شعوره إلا بالنغمات والأوزان؛ أما الكاتب فتقتله دمعة واحدة تترقرق بين الأجفان» ضغطة لطيفة من اليد تحدث في أعصاب الكاتب ما يحدثه قصف الرعد في الأذان.. ابتسامة حلوة هادئة للكاتب تثير في فؤاده عاصفة الحب الهرجاء. .2. ويرى حافظ أن غير الأدباء ماديون لا تتنبه عراطفهم للحب مثل ”*'؟+ه6 الأديب. وما قاله فيه نظر ولا يصدق دائماً. فهناك عاطفيون حسّاسون من غير الأدباء. كذلك قد يؤخذ عليه أنه جعل الأديب يموت كمداً وحزناً عندما تزوجت محبوبته» وليس بالضرورة أن يكون الأديب ضعيفاً خائراً يقتله حب امرأة» فقد يتحول الحزن في هذه الأحوال إلى قصة أدبية أو قصائد شعرية. والقصة نفسية يحلل فيها العواطفء». ويصور الأحوال ومنها حالة إبراهيم عندما شعر بالحب يتسلّل إليه ويمتلكهء وجعله يترك البيت ويسافر إلى جهات نائية حتى لا يلقى ثريا»» ظناً منه أن ذلك ينسيه محبوبته وكأننا أمام مشاهد من رواية «التلميذ» لبول بورجيه» حيث تركت «شارلوت» قصر أبيهاء وذهبت إلى مدن ويلدات بعيدة» ظنا منها أن الابتعاد يخلصها من حب (جرسلو» الذي أخذ يتملكها. مع أن هذا يزيد النار اشتعالاً» ومما بيّنه حافظ أن الحب الأول غير خالد» فقد يتعلة المرء بشخص آخر ويشغف به في ظروف مختلفة؛» وهي نظرة صحيحة في العراطف المتقلبة» وفيما بعد تحدث إحسان عبد القدوس عن أوهام الحب الأول في رواية «الوسادة الخالية»» كذلك بحث في العواطف الثائرة عما يثيرها؛ ومن ثم فهي قصة نفسية تحليلية. والقصة رقيقة العبارة» جميلة العرضء مهذبة الألفاظء ومن تقنياتها أن المؤلف جعل المشاهد والحوادث مناسبة إلى حد كبير لشخصياتها . 52 العالمين والحاوي : لا ريب في أن حافظ نجيب حقق شهرة واسعة من كثرة ما كتب عنه في الجرائد» ومما زاد في شهرته تلك الروايات الكثيرة التي ترجمها وألفها في عامي 3-0١‏ 1477م؛ وربما كان ذلك دافعاً له للاشتغال بالصحافة» فأصدر مجلة «العالمين» (أسبوعية أدبية علمية مصورة) في 8/ 6.1 00 م وقد خلت «ترويسة» المجلة من اسم حافظ نجيبء» ولكن في «فهرس الدوريات التي تقتنيها دار الكتب» تجد المجلة منسوبة إلى عبد القوي الحلبي وحافظ نجيبء وبالرغم من أن المجلة واصلت الصدور حتى ربيع 14م فلم أشهد منها إلا الأعداد التي صدرت من مايو/ أيار إلى أكتوبر/ تشرين الأول 1477م: وهي الأعداد الموجودة فى مجلد واحد بدار الكتب. في العدد السابع من «العالمين» /١7(‏ ١٠1977/9م)‏ أظهر صاحباها غرضهما من مجلتهماء؛ وهو تناول شخصية مصر وإبراز دورها في الحياة العصرية من خلال عطائهاء وعلاج عللهاء وأظهرا أن صحيفتهما ستكون «معرض صور مصريةء ومرأة تتراءى فيها نفسية هذه الأمة» وتنعكس فيها أخلاقها وتطورها ونظرها إلى الحياة. وإسهامها في حركة التقدم الإنساني». لذلك فقد وجهت انتقادات شديدة لبعض المسرحيات الهابطة» ونددت بالفوديل القذرء وبروح التبذل والسوقية في المسرحء كما انتقدت طلبة البعثات العلمية المصرية إلى أوروباء والذين عادوا بالألقاب الكبيرة ولم «يحدثوا انقلاباً في المواد العلمية لديناء أو غيروا وجهة الأدب عندناء أو أثاروا نهضة اجتماعية». وقد حفلت المجلة بمادة أدبية شعرية وزجلية» وقصصية»ء ونشرت محاضرة مهمة لطنطاوي جوهري أثبت فيها سبق المسلمين للأورويبين في المخترعات العلمية مثل الجاذبية ورقاص الساعة وغيرهما. وكان من كتابها يونس القاضي ومحمد السياعي وعباس حافظ» وقد توقفت «العالمين» نتيجة دسيسةء فقد رأينا حافظ يكتب في أول عدد من مجلة الحاوي»: «انقطعنا عن الكتابة مكرهين.. ولم نشعر بغير الوحشة لانقطاعنا عن الاتصال بقرائنا. . أكرهنا بوسائل غير شريفة على وقف ظهور مجلة العالمين». 6] وفي ١5‏ من يوليه/تموز 1476م أصدر حافظ نجيب مجلة «الحاوي» وهي «أدبية علمية مصورة»؛ والحاوي هو الشخص الذي يخرج من جرابه أشياء كثيرة متنوعة. وكانت المجلة أو حافظ كذلك. ففي أول غلاف لها نجد رسماً لرجل» هو الحاوي يخرج من جرابه أشياء مثل : أبحاث اجتماعيةء فكاهات. ألعاب رياضية. ألعاب بيتيةء فوائد منزلية» قصة الأسبوعء رواية مسلسلة» أسثئلة وأجوبة؛ المسرح النقديء. اكتشافات حديثةء الأدب المختار. وهي أبواب الحاوي. وقد قدمت المجلة قصصاً مترجمة عن «بوكاتشي» و«موليير» وغيرهماء ومؤلفة مثل «زهرة هانم»» وانتقدت منيرة المهدية» ومسرحيات كانت تمثل وقدمت نماذج مختارة من البلاغة العربية العالية» وكان من كتايها محمد عبد المجيد حلمي صاحب مجلة «المسرح»» وكامل كيلاني» وسيد إيراهيم (الخطاط). ومحمد أمين حسونة وغيرهمء وقد لاقت المجلة تشجيعاً وترحيباً من القراء فقال أحدهم فيها: أهلاً وسهلاً بالحاوي ‏ يارفاعي ملدلد يابو الجراب محشي فتاوى ‏ في كل عله تشرح وتمزح وتداوي ‏ وتلهيص ياولد يابو نجيب يحي االحاوي ‏ وتعيش في رغد ومن مواد هذه المجلة ما يكشف عن البون الشاسع بين حياة صاحبها وكتاباته. فإذا كان قد اشتهر بالاحتيال. فإنه في قصة «جنى على نفسهة هاجم فيها الدجالين والمحتالين» وإذا كنا نعرف من اعترافاته أن من أسباب شقائه عشقه للنساء الأوروبيات السافرات مثل فيز نسكي»4 ١‏ فإنه في «الحاوي» ينتصر للحجاب. وينتقد مئيرة ثابت التي تحض على السفور. يقول: «إذا كانت المرأة وهي محجبة على هذا الحال من الخلاعة» فكيف تكون إذا هدمت الحجاب» ومزقت الئقاب» وانفتح لها الباب». وحافظ الذي كان يتنقل بين الراقصات» ويستغرق في الملذات» وينفق الأموال إرضاء لمزاجه؛ يحارب في الحاوي «الإسراف في المطالب»» ويقول: «لو قارن كل فرد بمن هو دونه في الغنى والجاه. ونظر إليه كيف يرضى ويسر بالضروريات إن حصل عليهاء لاستطاع أن يردع النفس عن غيّهاء وقوي على كبح جماحهاء وأرضاها بما يرضي القنوع الراضي» . ويناقش حافظ نجيب عدداً من القضايا الاجتماعية في باب «أبحاث اجتماعية» الذي يطل منها على المجتمع؛ ويشخص عللهء ويتناول قضايا سلوكية وأخلاقية» فيحدثنا في مقال عن النظامء ويرى أنه ضروري للحاكم والمحكوم؛ ومن هنا لا يصح أن نتخلص من قيوده بدعوى حب الحرية» ولما تعددت الأحزاب السياسية من مصر في عشرينيات القرن العشرين» فقد عرض لمشكلة التحزب, وبيّن أن الحزبية تعمل على تجزئة المجتمع؛ وتصادم المبادئ» وتقضي على التضامن الاجتماعي» وتجعل المرء يرى فضائل غيره رذائل» وتحمل الشخص على البحث عن أخطاء الآخر لإسقاطه. ويتناول قضية «البدع» ويذهب إلى أنها تتسرب إلى العائلات في زي المدنية الحديثة» فيأخذ الشخص في تغيير كل قديم. ويبدأ بتبديل الأثاث» ويتبعه بالعادات» والفضائل» وعندما تنتقل الأسرة من بيئتها إلى وسط جديدء تتلاشى العادات القومية. وتنتشر المدنية الموهومة مراعاة لمقتضيات التمدن الحديث. وقد خاض حافظ في كثير من القضايا الاجتماعية الحية التي ما زالت تتحرك في النفوس» وتجد أنصاراً لها في المجتمع. وبالرغم من أن قارئ عشرينيات القرن العشرين كان أكثر إحساساً وتفهماً لبعض القضايا مثل فضية «التحزب» لوجود أحزاب سياسية قوية ومتنافرة في ذلك الوقتء فإنه لا يخلو مكان ولا زمان من التحزب والتعصب» 65 وما قاله حافظ ما زال صالحاً للقراءة. وهذه المقالات تطلعنا على مدى تفهمه للقضايا الاجتماعية» وإمكاناته في تناول المشكلات» ومتابعة التداعيات. أما علاجه للعيوب والعلل؛ فإنما يكون بذكر أضرار المشكلة ليتلافى الناس الوقوع في الضررء أو بالنصح؛ أو بما يناسب. 2 الحاوي تهاجم الملك: ومقالات الحاوي الصحفية والأدبية؛ يسيطر عليها العقل. وتتسم بالهدوء والاعتدال» وتناقش موضوعات أدبية وفنية» وتحاذر من السلطة» وتنأى عن السياسة. واستثن من ذلك مقالاً خاطبت به الملك فؤاد» باطنه الشدة.» وظاهره اللين» اله اتحية وضراعة» جاء فيه : #شعبك يا صاحب الم ال ا لام . من ضيق ومن قهرء يستغيث لا عن عجزء ولا عن مكرء ففي القرن العشرين» في عصر المدنية والنور يربط شعب على الخسف» ران على الضَيمء ويساق كالماشية أو يطرح في الشاوية». يا صاحب الجلالة.. . انتّزعت من الشعب إرادته» وسلخت منه حريته. وأحيط به بالحديدء وفي كل يوم إرهاق جديد. . سلاح شعبك يا مولاي الحق واللسان. وسلاح مرهقيه القوة والحديدء ولولا وداعة الشعب وحكمته. ولولا لطف الله ورحمته؛ لما صمدت القوة ولا استعصى الحديد». وتحذر الملك من الثورة وتقول: اطبيعة الشعب في كل زمان ومكان كطبيعة الحليم الوديع يصبر في استكانة؛ ويحتمل الضّيم والإهانة إلى حين» فإذا أحرجته المصائب» وإذا نفدت قوة الاحتمال» فهو البحر في هياجهء والعاصفة في ثورتهاء وشدة الالم تسوق إلى الجنئون؟ . 6./ ايا صاحب الجلالة. . . الشعب في كل مكان عاطفة لا عقل. ومن المستحيل أن تبيد أمّةَ ليحيا فردء الجميع يا مولاي من شعبك والكل يضرعون إلى جلالتك بضراعة ليست ظلماً وليست حماقة يطلبون الحرية.. والمساواة.. يطلبون العدلء والعدل أساس الملك..» ‏ (المحور): جاء هذا الخطاب في افتتاحية آخر عدد من أعداد #الحاوي» بدار الكتب في تاريخ 7١1574/8/1م‏ ولا أدري هل احتجبت «الحاوي» بعد هذا التاريخ بسبب هذا الخطاب, أو لأسباب أخرى لا أدريها. 5 المسرح : ريما كان أول عهد حافظ نجيب بالمسرحء هو مشاهدته للروايات التي كانت تمثل في باريس» فقد كانت الأميرة «فيزنسكي» تسمح له بالذهاب معها إلى المسرح, هذا إلى جانب مطالعاته في هذا الفنء فلا بد أن تكون له خلفية مسرحية. ومن سوء الحظ أنه ليس بين أيدينا نص واحد مما ألفه أو اقتبسه. وكثير من المسرحيات التي مثلت إبان نشأة المسرح يصعب جداً الحصول على نصوصها. وقد ذكر جورج طنوس في كتابه «نايغة المحتالين» أن محمد غندور (رئيس إحدى جمعيات التمثيل) اتفق مع حافظ نجيب حوالي سنة 190١م‏ على تمثيل مسرحيته «نكبات الهوى»» وقامت الجمعية بتمثيلها على مسرح (إسكندر فرح» بشارع عبد العزيزء وذكر أن إمام العبد عاب لغتها وأشعارهاء فثار حافظ ورد على ناقدهء وبين أن هذه الرواية التي يعيبها رجل مثل إمام العبد الذي يجهل الفرنسية. مأخوذة عن رواية تمثلها إلى الآن «سارة برنار» على المراسح الأدبية. وفى عدد 17/١1975/1م‏ فاجأتنا مجلة «الحاوي» بأن حافظ كوّن 4 فرقة مسرحيةء وأنه «يكتب الآن روايات تمثيلية من نوع «الفودقيل». . ويمثلها مع فرقته الجديدة في حفلتين كل شهرء وأعلنت المجلة عن مسرحيتي «بم بم» و١هوسه»‏ اللتين ستقوم الفرقة بتمثيلهما على مسرحي «يرنتانيا» و#سميراميس»؛ وعن ممثلي فرقته وهما: «هدى كوهين» و«فكتوريا كوهين»؛ وأفادتنا المجلة أن حافظا تولى تعليمها وإظهارهما على المسرح . و«الفودقيل» الذي اختاره حافظ لون من المسرح الكوميدي.ء يتخلله مجون ونكات» وهجاءء وسخريةء وهزل». وخروج عن الآداب العامة. وقد حملت الصحافة المصريةء أثناء الحرب العالمية الأولى على عزيز عيدء لأنه أخرج من «الفودفيل» مسرحيات مثل «يا بنت ما تمشيش كده عريانةء وتمثيليات أخرى خليعة: ولأن حافظ يعرف أن الجمهور ملم بفن «الفودقيل» فقد تبه إلى أن مسرحه به عظات» اق من التنكيت اللفظي . يقول عن روايته «الهوسه»: «رواية فودقيل حقيقية ولكنها تحتوي عظات كثيرة تستنتج من الوقائع» وبها مواقف مضحكة 5 بدون أن نجد بها أية نكتة لفظية. . لأن اعتماد المؤلف على نكتة لفظية مكشوفة دليل على ضعف المؤلف. ودليل ضمني على فساد ذوق الجمهور»»ء ولم أقع على صحيفة تقوم لنا فودقيل حافظ نجيب . وتتمة لسيرته الأدبية نذكر أن من مؤلفاته : «مناهج الحياة؛ 1911م» و#دعائم الأخلاق». و«الغرور»» وهي موضوعات اجتماعية ونفسية؛ أما في مجال التراجم فلا بد من ذكر «اعترافات حافظ نجيب» 1181م؛ وهي ترجمة ذاتية اتبع فيها منهج السيرة» أو طريقة التسلسل الزمني»: وكتبها بطريقة قصصية فجاءت مشوقة» وضمنها اعترافات خطيرة منها ضعف إيمانه» وارتكابه الخطيئة الجنسيةء والاحتيال على الناس» وغير ذلك». مما يجعلها كاعترافات الأوروبيين. 64 وكان حافظ ملماً بالتاريخ. انا ,الأذنا كان واعظا مها فى دير المحرق»؛ وواعظا إسلاميا في سجن «طرة»؛ ففي عام ١51١م‏ ألقى الواعظ الشيخ علي الجربي موعظة على المسجونين» «فلما انتهى من وعظه وإرشاده»؛ انبرى أحد المسجونين وأخذ يعظ ويرشد بلسان زلق» وفصاحة رائقةء وعظات حكيمة. ودام يتدفق في عظاته ساعتين والمسجونون مصغون. والأستاذ الجربي يعجب بتنصائحه وأقوالهء وتساءل عن هذا المرشد فإذا هو حافظ نجيب المشهور بشعره؛ والمشهور بنسكهء والمشهور بتأليفه.» والمشهور فوق ذلك كله بنصيه واحتياله». أما عن حياته بعد إغلاق الحاويء فالمعلومات عنها قليلة» وتفيدنا مؤلفاته بأنه أصدر روايتين عام 1977م» وذكر يوسف الشريف في مجلة «الدبلوماسي» (ديسمبر/ كانون الأول 149١م)‏ أنه كان يقطن في النيل في أواخر حياته» وأنه كان يحضر ندوة يعقدها أبوهء وأنه كان يشاهده وهو يسير في أبهة واضعاً قبعة على رأسه كأنه لورد أو بارون. © نشرت في مجلة الهلال عند يوليو/تموز "١٠٠1م‏ ه١‎ لتحت ست اح تناح تقح ان م في ص تت اح الاح انيح قح اتح انيح تراج ليا لقح اليس عمر عبد العزيز أمين صاحب روايات الجيب الخرع رع ترص ترح ترص نري تترع رع لم يتردد عمر عبد العزيز أمين. منذ صباهء في مجال الأدب»ء بين التأليف والترجمة» فقد اختار الأخيرة» ولم ير أنها تغض من شأنه؛ أو تضعف من إقبال القراء عليه. ولا شك أن الترجمة أسلوب من أساليب التثقيف والتنوير» ولون من ألوان التواصل والتعارف بين الشعوب؛. وهي نوع من أنواع التطعيم عقول تبدع. وعقول تتلقى» ثم إن من يقرأ الترجمات الروائية يرى فيها ما لا يراه في بيئته»ء وله أن يتجاوب معهاء أو ينفر منهاء وفي كل الأحوال يعرف ويتعرف» وإذا كان العرب قديماً ترجموا الطب والفلسفة» فإنهم ترجموا أيضاً حكايات كليلة ودمنة» وهي فصل كبير في الأدب العربي: لذلك لم يتردد صاحبنا في اتخاذ الترجمة وسيلة اتصال بينه وبين القراء . 55 المشاريع الأولى : يقول سعيد السحار في ترجمة قصيرة لعمر عيد العزيز أمين»؛ أنه ولد عام »)١404(‏ وقد تحصل عندي شك في هذا التاريخ؛ لأن البحث وصل إلى أن عمر عبد العزيز ترجم خمس روايات حتى عام (59؟91١)ء‏ أي : وهو في التاسعة عشرة أو دون ذلك. وقد يكون هذا التاريخ محتملاً» ولكن الاحتمال ضعيف؛ ويزداد الشك عندما نقرأ ما كتبه على اه غلاف رواية «آلام فرتر» التي ترجمت عام )١471(‏ «تعريب الروائي المعروف عمر عبد العزيز أمين». والكاتب «المعروف» لا يعرف إلا بعد إصدارات كثيرة» وانقضاء زمن وهو يواصل العطاءء ولا يعقل أن يكتب «الكاتب المعروف» على أول أو ثاني عمل» وإنما لا بد أن تكون له أعمال سابقة عرف بهاء فهل له ترجمات قبل عام (01971''؟ إذا كانت الإجابة بنعم وهذا ما أميل إليه» فإن الشك يزداد في تاريخ مولده. ولا يعقل أن كاتباً عرف اللغتين العربية والإنجليزية واستوفاهما وهو دون التاسعة عشرة» لذلك أرجح أنه ولد قبل هذا التاريخ . تلقى عمر تعليماً فنياً في إحدى مدارس الصنائع. ثم عمل موظفاً بمصلحة البريدء. ولأنه يعرف اللغة الإنجليزية» فقد استغرقته رواياتها والروايات المترجمة إليهاء ورغب في تعريب عدد منها وتقرييه إلى الجمهورء ولكن الإفلاس حاجز منيع» واهتدى إلى فكرة قوامها أن يتفق مع صاحب مطبعة؛ هو يترجم» والآخر يطبع» ويقتسمان الربح» وتم له ما سعى إليهء وربما كانت البداية هي رواية مقررة على طلبة المدارس» ليتشبجع صاحب المطبعة» ويضمن التوزيع والربح» وأخيراً اتفق مع #إبراهيم جللة صاحب مطبعة التقدم الحديثة بحارة أبو الشوارب بشارع محمد علي؟؛ واستطاع أن ينشر خمس روايات هي: «اثنان في واحدء أو قضية الدكتور جيكل والمستر هايد» تأليف روبرت لويس استيفنسن» ورواية «نسر البحار أو غريم نابليون» وهما مقررتان على طلبة البكالوريا )١(‏ أشارت مجلة «الممثل؟ في شهري نوفمبر/ات١»‏ وديسمبر/ك١‏ 1955 إلى تمثيليات ترجمها عمر عبد العزيز أمين هي «ابن الشيخ' وهغرام في الصحراء؛ و«#الشرق». ه١‎ عام »)١470(‏ ورواية «الام فرثر6 تأليف جوته. و١كريو‏ لانوس»6 لشكسس + و«اليهودي التائه»» هذا ما استطعت الوقوف عليه.؛ ودار الكتب لين فيها كل شيء؛ وليس بين أيدينا ترجمة وافية لعمر نرجع إليها بين حين وآخر. كذ روايات الجيب: ولم يكن عمر راضياً عن شراكته مع صاحب مطبعة التقدم» وبخاصة أن «جلله» كتب على غلاف رواية «حقوق طبع هذه الترجمة محفوظة للناشر»؛ وقيل عمر على مضضء وأضمر الانفصال عنه. والاستقلال بمشروعه حتى ينفرد بأرباح الروايات التي يعزيهاء وأخذ يفكر في إنشاء مطبعة لحسابه لتطبع سلسلة رواياته. وظلت أفكاره في رأسه إلى أن شرع عام 1975 في تتفيذهاء وكان قد توفر في يده بعض المال الذي ادْخره من تعريب الروايات ومن مصادر أخرى» واستأجر مكاناً 14 كنيسة الأرمن من شارع فاروق»» وقدم استقالته من عملهء وصدرت الروايات تحمل اسم «روايات الجيب» وصار هو رئيس تحريرهاء أما صاحبة الامتياز وناشرة الروايات فهي «م. عبد العزيز» ولعلها من أقاربه» وكان عمر يتولى رئاسة تحريرها فترة» ثم يتولاها محمد محيي الدين فرحات فترةء ثم يعود إليها عمر وهكذاء وكانت «روايات الجيب» أسبوعية تصدر كل يوم سبت» وكان قظعها صغيراً في حجم «سلسلة اقرأ»» ولكنها لم تحافظ على هذا الحجمء. فأحياناً كانت تصدر في حجم أكبرء ولم تحافظ أيضاً على يوم السبت فقد كانت تصدر في أيام أخرى . ومن مترجمات عمر عبد العزيز أمين فيها «آلام فرتر» لجوتهء واغادة الكاميليا» لإسكندر ديماس الابن» وهنانا» لإميل زولاء و#باردليس» لرفائيل ساباتيني» و«البؤساء» لفكتور هوجوء و«الخاطئة» اه لماري ويماء ولوجه من الماضي» لأجانا كريستيء وااجريمة غرامة لماري كوريللي. 1 وروايات أخرى كثيرة . وبطبيعة الحال ليس في مقدوره أن يترجم كل أسبوع رواية قد تتجاوز في بعض الأحيان مائتي صفحة؛ وكان عليه أن يستعين بمترجمين آخرين مثل محمود مسعود الذي ترجم رواية «المركيزة دي بمبادور») لريمون كاري؛ وكامل داود مترجم رواية «الأربعة العظام» لأجاثا كريستي» و«مدام سان جين» لجورج ليليتيه؛ وشفيق أسعد فريد مترجم رواية «عهد الإرهاب» لإسكندر ديماسء و«انتقام الذئب» لجوزيف فانس». وحسن محمد أحمد مترجم رواية «اقتيل الفندق»: وإسماعيل كامل مترجم رواية «الميت الحي»؛ لموريس لبلان» وهناك روايات كثيرة» ومترجمون كثيرون دونهم هذا المقال؛ ولا أعرف عدد روايات «الجيب» بالضبط. ولكن رواية «كنوز أرسين لوبين» تحمل رقم 248194 ورواية «الهاوية» تحمل رقم 2488٠‏ وحتى إذا وقفنا عند هذا الرقم. فإنه لا توجد سلسلة روائية أو غير روائية في مصر وصلت إلى هذا الرقم في أوائل خمسينيات القرن العشرين؛ ويكفي عمر عبد العزيز أمين مجداً أن يشرف بمفرده على هذا العدد من الروايات» ويعرب قدراً كبيراً منه. ومما يجدر ذكره أنه كانت تصدر في مصر سلاسل روائية مترجمة مثل #مسامرات الشعب» التي أصدرها خليل صادق عام 2.14٠4‏ ومن رواياتها المترجمة «الساحر الخالد» التي ترجمها لطفي جمعة -1١8485(‏ :.)١1467‏ وافسحة الأمل» التي ترجمها أحمد حافظ عوض (1874 - ؛» وسلسلة «الروايات الشهرية؛ التي أصدرها يعقوب جمال سنة وسنتها «عشر روايات»» ومن رواباتها: «هذا ما جناه أبي علي) لمؤلفها بول دي كمرمون: وفي سئة ١908‏ أصدر نقولا رزق الله ت ١91١5‏ سلسلة «الروايات الجديدة» وكان ينشر روايتين في الشهرء. اه وسنتها عشرون رواية» ومن روايتها: «السراي الحمراء؛. و«ابنت حواء؛ والأخيرة لبول بورجيهء ومن هذه السلاسل: سلسلة «الروايات الشهيرة»» ومن مترجماتها: «تاريخ فكتور هيجو» التي ترجمها أحمد رفعت عام 7 .؛ وهناك سلاسل أخرى. وهذه الروايات المترجمة على ما فيها من فوائد لم تسلم من العيوب» فقد تصدر الرواية دون أن يذكر فيها اسم المؤلف. أو تأتي غفلاً من اسم المترجمء وقد نبّه جرجي زيدان (14851 - )١1915‏ إلى ذلك في «الهلال». كذلك يؤخذ على بعض الروايات ما تضمنته من أشعار عربية مما يعني التدخل السافر في النص» وكان يقال في ذلك الوقت عن بعض الكتاب (إذا ألفوا ترجمواء وإذا ترجموا ألّفواء وقال جرجي زيدان عن روايات نقولا حداد: أنا لا أعرف إذا كانت مؤلفة أو مترجمة وإلى جانب ذلك نجد مترجماً مثل حافظ عوض - وهو عالم وأديب - يتوقف أثناء ترجمة رواية «الجزاء العادل» ويناقش أقوالاً وردت في الرواية على ألسنة شخوصهاء ثم يعود إلى السياق. ذكرت كل هذه العيوب لأبين أن #روايات الجيب» خلت منهاء ففي كل رواية ذكر لاسمي المؤلف والمترجم؛ هذا إلى جانب أن المترجم لا يقطع أحداث الرواية ليعلق ويناقشء» أما عن دقة ترجمة روايات الجيب فمما لا أستطيع الخوض فيه؛ ولكن يمكن القول إنها تتراوح بين الترجمة الحرفية» والترجمة التي فيها تصرف أو بعض التصرف» وقد أعلنت مجلة «مسامرات الجيب» ‏ (8١/؟7١/148١)‏ عن روايتين مقررتين على طلبة الثقافة العامة» وقالت: إنه ستصدر قريباً «الترجمة الحرفية» لهاتين الروايتين» وعبارة «الحرفية» لم ترد في روايات «الجيب» الأخرى, الأمر الذي يجعل القارئ يميل إلى أن الروايات المقررة على الطلبة تأتي «حرفية» وعداها ليس حرفياً . 6_6 وروايات «الجيب» ليس لها توجه سياسي تسير فيه»ء أو توجه اجتماعي تسعى إليه» وإنما تنشر الرواية لشهرتهاء أو لشهرة مؤلفهاء أو لغرابة موضوعها المثير للدهشة» وقد يؤخذ على بعضها ما جاء فيه من عنف وقتل وسرقة وجريمةء الأمر الذي قد يدفم أصحاب النفوس الطائشة إلى الشرء ومما يعلق بالأذهان من مطالعة قصص الخاطئات» سهولة الحب عند المرأة» وسرعة تنقلها بين رجل ورجل واستعذابها لهذه الحياةء فقد توحي هذه الأحوال إلى صاحبات العواطف الجائشة المهتاجة بتقليد نساء الروايات. ولكن من ناحية أخرى يصعب انتقاء رواية محافِظة من آلاف الروايات الأوروبية لتنشر كل أسبوع. هذا إلى جانب أن القارئ يميل في قرارة نفسه إلى الروايات المفعمة بالمفاجآت والمغامرات الغرامية. . وينفر من القصص التي تسدي التصائح والمواعظ . وقد يكون من آثار «روايات الجيب» تأثيرها في عدد من القصاص والروائيين الذين نشأوا أثناء صدورهاء وتغذوا على فنونهاء وأفادوا من خبرات مؤلفيها وتجاربهم في القصء وتقنياتهم في الحوار والسردء وطريقة العرضء» والجمع بين الفكر والفن» واستخدام بعض عناصر مأ يسمى بالقص الحديث من منولوج وحلم ومناجاة واسترجاع وغير ذلك» وهذه الروايات مفيدة لتنوع موضوعاتها واتجاهاتهاء فمئنها القص العاطفي الرومانسي. والطبيعي» والواقعي. والبوليسي. والنفسي» والتاريخي . وإذا كان المترجمون المصريون يركزون في الغالب على مشاهير الروائيين الأوروبيين» مثل: بلزاك» ومنباسان» وديكئزء وتولستوي... : فإن روايات «الجيب؟ قدمتء» أسماء كثيرة» ومن هنا تعرّف القارئ على ألوان من الأدب الأوروبي؛ وعيب روايات «الجيب» في هذا المجال هو تقديم النص فحسب. وكان يجب على المترجم أن يكتب مقدمة للرواية التي يترجمها في حجم صفحة يلم فيها بحياة المؤلف. وموضوع الرواية. 211 وعلى أية حال راجت «روايات الجيب» رواجاً ملحوظأًء وحقق عمر عبد العزيز أمين من ورائها شهرة وذنوعاء وربح نتيحجة انتشارها أموالاً وفيرة» ودفعه هذا إلى إصدار مجلاات أخرى عديدة؛ واتخدذ من العقار الذي يحمل رقم 55 شارع فاروق ‏ الجيش حالياً ‏ مقرأ لما سمي مؤسسة #دار الجيب» وصارت مطبوعاته تحمل عبارة «مطابع دار الجيب بالقاهرة»» وزودها بطباعة الريتوغرافور البهية الخطوط والألوان» ويذلك أخذ كلام العرافة يتحقق . وبينما كانت «روايات الجيب» توالي الصدورء أنشأ عمر عبد العزيز أمين مجلة «مسامرات الجيب» عام 21446 والحرب العالمية الثانية تكاد وامسامرات الجيب» مجلة «جامعة مصورة» سياسية الطايع تصدر كل يوم أحد من كل أسبوعء ورئيس تحريرها عبد المنعم رخا الذي تولى أمرها فترة» ثم تولاها عمر عبد العزيزء وعلى أغلفتها صور ممثلات أجنييات عاريات الصدورء وهو مما لا يناسب مجلة سياسية. كانت المجلة تتابع الأحداث السياسية العالمية والعربية والمصرية» ففي عام صدورها تحدثت عن الحرب العالمية والقنايل الذرية. . وغير ذلك. وفي عام ١945‏ تناول محادثئات صدقي - بيفن» والتكهنات التي صاحبتهاء وفي عام ١944‏ تتابعت فيها المقالات والصور عن الحرب العربية الإسرائيلية الأولى» والانتصارات العربية وخرق إسرائيل للهدنة . . . إلى آخره. ولأنها مجلة «جامعة» لم تكتف بالسياسة. وإنما اشتملت على مقاللات متنوعة؛) وضمت بين صفحاتها قصصاً وأشعاراً . /آاه وفى امسامرات الجيب» كتب عباس محمود العقاد عن الصحافة والأزمات الوزارية والمشكلات العالمية إلى جانب المقالات الأدبية» ولخص طه حسين تمثيليات فرنسية» ودبّج مقالات سياسية عن الحرب العالمية الثانية» ونشر المازني قصصا قصيرة» وكتب محمود تيمور من بين ما كتب عن المرأة الكاملة؛ وترجم د. يحيى الخشاب حكايات فارسية؛ وتناول سليم حسن الحب والجمال عند الفراعنة» ونشر إبراهيم ناجي شعراً ونثراء وعرف القراء يوسف السباعي من خلال أقاصيصه الأولى» مثل: «قربي شفتيك:. «عبد ربه الصرماتي». . . . كذلك يجد القارئ أسماء كتّاب آخرين مثل: د. أحمد فؤاد الأهواني». والشيخ محمود أبو العيون. ود. زكي مبارك. وعلى محمود طه. . . هذا إلى جانب أحاديث صحفية أجرتها المجلة مع أمثال: محمد حسين هيكل». وأحمد لطفي السيدء ومما يجدر ذكره أن ما كتبه العقاد وطه حسين والمازنيى في «مسامرات الجيب» خلت منه ببليوجرافيات الجامعة الأمريكية؛ التى أشرف عليها مرسدن جونز ود. حمدي السكوت. مما يظهر أن باحق البايوجوافات لم ذا هذه المجلة. الكبار واستكتبهم في مجلته؟ فمما لا شك فيه أنهم أعلوا من قدرها في نظر قرائهاء ونوعوا موضوعاتهاء. وواصلت المجلة الصدور». وكان آخر عدد قرأته في مجموعتها هو الصادر يوم الغلاثاء "/ 5/ .1561١‏ 595 الاستديو: بعد نجاح روايات الجيب ومسامرات الجيب» ظل عمر عبد العزيز أمين نشطأ يتوثئب ويتطلع إلى ميادين أخرى؛ وسما طموحه إلى إصدار مجلة فنية تعالج شؤون المسرح والسينماء فأصدر في فبراير ‏ شباط 614 17 مجلة «الاستديو» بمعاونة يوسف وهبي» وأسند رئاسة تحريرها إلى عبد المنعم رخاء ثم تولاها غيره مثل: عبد الفتاح القشاش». وعثمان العنتيلى؛ وعمر نفسه» وقد انفسحت صفحاتها وإعدادها لفنون غير المسرح والسينما مثل: الرقصء. والموسيقىء. والفئون التشكيلية. والقتصصء وهي مجلة مصورةء صورها نيرة بديعة التلوين» وكان الراسم «الحسين فوزي» يرسم الصور الملائمة لموضوعاتها وقصصها . ومن اللافت للنظر في موادها أن تحية كاريوكاء كانت تحرر فترة باباً عنوانه «مشكلتك هذا الأسبوع تحلها تحية كاريوكا»»: وكان هذا الباب يتضمن مشاكل الشباب في الحب والزواج. وكانت ردود الكاريوكا موجزة ومعقولة» وفي «الاستديو؛ أحاديث وتراجم قصيرة عن تحية كاريوكا وأم كلثوم وكاميليا التي صرعت في حادث طائرة» بل إن المجلة نشرت مذكراتهاء هذا إلى جانب مقالات عن زكي طليمات» وسلامة حجازيء» وعزيز عيد؛ وهنريك إبسن. وأحمد فهيم. ومن المقالات الأدبية الفنية التي أثارت ردود فعل» ما كتبه عزيز أباظة عن سبب تأخر المسرحء فقد رأى أن التخلف راجع إلى عدم تأليف المسرحيات الشعرية والأوبرا والأوبريت» وقد رد عليه صلاح ذهني قائلاً : «إن المسرحية الغنائية تقوم على الموسيقى أولاًء والأصوات ثانياء ويأتي في المكان الثالث الموضوع أو المقدمة الشعرية». وقال أيضاً : «إن المسرحية الشعرية لم تعد من ضرورات المسرح»؛ وقد اشترك آخرون في البحث عن أسباب ضعف المسرح» وقد تنهض المسرحية الشعرية بالمسرح إذا كان المتفرجون مزؤدين بثقافة أدبية رفيعة» أما إذا كانوا على خلاف ذلك؛: فكأن الشعر التمثيلي صرخة في وادء وقد مثلت فرقة فاطمة رشدي مسرحية «علي بك الكبير» لشوقي عام 01977 ويقول د. مندور إنها لم تنجح . 4ه وتناولت «الأستديو»؛ موضوعات سينمائية؛ وشاركت في الاحتفال باليوبيل الفضي للسيئما المصرية» وسجلت حياة السينما في ربع قرن في عدد ممتاز صدر في فبراير/ شباط 2١140١‏ واهتمت بالفئون التشكيلية وكتبت عن المثالين الكبار مثل: جمال السجيني» وإبراهيم جابرء وأحمد عثمان» ونشرت صور بعض تماثيلهمء كما أولت الرسم عنايتهاء وانتقد الأستاذ وديع فلسطين الرسم السريالي والتكعيبي» ورأى أن الرسم إذا سار في هذا الاتجاه سيصير أقرب إلى اللوغاريتمات الحسابية. وكان من كتات المجلة زكريا الحجاري. وإبراهيم الورداني» وعيد العزيز سلام ١‏ الذين وافوا المجلة بنتاجهم القصصي. واستكتبت المجلة» فريد الأطرش» ود. محمود الحفني في الموسيقى» ويوسف وهبي في ال 0 ٠‏ وظلت المجلة تنفذ من خلال كتابها ومحرريها إلى أغوار كل فنء وكانت في زمنها مجلة «دنيا الفن» التي صدرت عام حتى توقفت الأولى عام 2١954‏ بينما واصلت «الاستديو» الصدور إلى عام 805. أما آخر إصدارات #دار الجيب» فكانت مجلة ١اضحك»‏ الأسبوعية المصورة التي صدرت عام »١1458‏ وقد تلاعبتٌ نكاتها بالنفوس» ورسمت الابتسامات على الشفاه من مثل: «المعلم: اعرب كلمة ‏ اضحك ‏ التلميذ ‏ أضحك فعل أمر ‏ يسخسخ من الضحك» وعدا ذلك كثرت فيها الأزجال الفكاهيةء والحكايات اللطيفة المبهجةء والنوادر والدعابات» وغير ذلك مما يسَرَي ويسلي . ومع ذلك لم تعمر طويلاً فقد توقفت عام ١948‏ عئلما بدأ يهتز المركز المالي لعمر عبد العزيز أمين. ويظهر توقف المجلات فترة قصيرة ثم معاودة الصدور أن صاحب دار «الجيب؟ يعاني من أزمة مالية حادةء وحاول مغالبة الظروف الصعبة» 6٠ ولكنه لم يستطع فأغلق دورباته عام ١6١غ‏ وبذلك يكون الدور القوي والمشرق في حياته قد انتهى . فهل تحققت نبوءة العرافة؟ يي العرّافة الغحرية ونهاية المطاف: كان كازينو «تريومف» بمصر الجديدة ملتقى لعدد من مفكرينا وأدبائنا الكبار» صباح كل يوم جمعة في ستينيات القرن العشرين» وأذكر من هؤلاء: علي أدهم. ود. صبري السربوني» ود. عبد المجيد نافع. ود. عثمان أمينء. وعبد الرحمن صدقيء ود. أحمد فؤاد الأهواني وغيرهم. وكان عمر عبد العزيز أمين ينضم حيناً إلى هذه الكوكبة. وأحياناً يجلس بمفرده» وذات يوم جمعة ذهبت متأخراً إلى «تريومف», فلم أجد هؤلاء. فقفلت عائداًء وبينما أسير في فناء الكازينوء نادى علىٌ عمر عيد العزيز أمين» وقال: «هو إذا مشى علي أدهم أنت تمشي» اجلس معي»: فجلستء وأكرمني بكوب من الشايء» ورحنا في أحاديث شئّىء وصلت إلى التنجيم واستطلاع المجهول. سألته: هل تعتقد في هذه الأشياء؟ فقال: سأحكي لك حكاية وقعت لي» وأخذ يقلب في صحائف ذاكرته وقال: «كنت موظفاً بسيطاً في صدر شبابي بمصلحة البريد» وذات يوم غشيتٌ قهوة اعتدت الجلوس عليهاء وجلست على رصيفها الخارجي؛ وبينما أحتسي شاياًء وقفت أمامي امرأة طويلة عريضة سمراء من الئْوّر «الغجر» في وجهها أكثر من وشمء وطلبت مني أن ترى بختي» وعبثاً حاولت أن أصرفهاء وأخيراً استجبت» فاقتعدث الرصيف وبسطث قطعة من القماش بداخلها رمل وودعء وأعطتني واحداً من هذا الودع؛ وقالت: حدّثه بما في ضميرك» ففعلت. وأخذث تخطط في الرمل وتمسك بالودع وتلقيه» وأنا أنظر إليهاء ثم قالت وعينها تومض بالسرور: «رزقك واسعء طرق كثيرة 65 مفتوحة أمامك وستربح منها مالا وفيراً... ستكون من الأغنياء... قل إن شاء الله». فنظرت إليها ساخراً وقلت في نفسي: من أين سيأتي هذا المال الكثير؟ ثم أمشكت بالودع مرة أخرى وألقته على الرمل. وزمت شفتيهاء ثم أعادت إلقاءه» وقالت وقد شحب وجهها وغارت عيناها: «ولكن هذا المال بعد أن يتوفر في يدك لن يدومء فكما جاء سيذهب»»؛ قال: «ومع أن المال لم يأتِ ولم يذهب فقد تشاءمت من قولهاء وأعطيتها شيئاً ومضتء وقلت له: وماذا في هذه الحكاية؟ فقال: إن كل ما لقيته في حياتي كان مسطوراً على رمل العرافة» مكتوباً في ودعهاء وهذا ما حدث لي فعلاء فأدركتني الدهشة وقلت هاتفاً: أو جاء المال الكثير وذهب بذداً؟ فقال: بالضبطء وأضاف... لقد كان معي ما يقدر بماثة ألف جنيه ثم ضرب القدر ضرباته وأبدل بالعز بؤسا. ويبدو أن تذكره للمال الذي زال أضناه وأنهكه فاختلج صرته؛ وفاض بألم الجرحء ولم يدفعني الفضول إلى السؤال عن كيفية ضياع كل هذا المال» ولا هو رغب في جلاء هذا الأمر الغامض. وعرفت منه أنه بعد النبوءة بزمن غير طويل» أصدر روايات «الجيب؟ وسائر المجلات الأخرى. وهي التي جلبت له الشهرة والمال» ثم أفقلس وأنهى مشاريعه عام 2146١‏ ولكن لم يتوقف تماماً يعد هذا التاريخ: فقد أعاد إصدار روايات الجيب» ولكن على استحياء» ومن إصداراته عام ١964‏ رواية «بين امرأتين» من روايات أرسين لوبين» ورواية «الأباء والأبناء» لماري كوريللي. وفي نحو عام ١655‏ عمل بجريدة «الجمهورية» ويقول الاستاذ محمد مصطفى غنيم: «رأيته بعد أن زالت إمبراطوريته وهو يعمل في إحصاء مجهود عمال المطابع يجريدة (الجمهورية» ‏ (الأخبار 6/ 7/6 .)١1985‏ فد وعندما صدرت سلسلة «روايات عالمية» في أواخر خمسينيات القرن العشرين» كان عمر أحد المشرفين عليهاء ومن رواياته المترجمة التي نشرت فيها رواية «أحزان الشيطان» التي سبق نشرها في روايات الجيب عام 1444» وفي نحو عام 195٠0‏ وما بعدها نشر روايات مترجمة في «دار الكتاب الجديد» مثل «لوليتا» ل"«فلاديمير نابوكوف» و١جريمة‏ بلا عقاب» لأالفرد هيتشكوك. ولعمر عبد العزيز أمين بعض الكتابات القليلة المؤلفة» منها بضع مقالاتء وقصة قصيرة عنوانها: «عقد اللؤلؤ؛ وكتاب «الثورة الروسية» الذي صدر عام )١1158(‏ وكان يعدها أكبر حدث سياسي في التاريخ الحديث . هذه أطراف من حياة عمر عبد العزيز أمين» وجهاده الثقافيء ولقد عاش حياة هامدة ذابلة في سنيّه الأخيرة» تطالعه فيها صور مضيئة من أيام العز والمجدء فتهرّن من شجوه وأساهء وظل بلا عمل إلى أن غاله الموت وطواه في ستائره السوداء الأبدية أواخر عام (1945) كانه 6 فهرس الموضوعات © تقديم 0 مع أحمد شوقي ونقاده )١(‏ ادب 000000-01 0 00 0000 مع أحمد شوقي ونقاده (؟) 000 0 مع أحمد شوقي ونقاده (؟5) 0001010 0 مع أحمد شوقي ونقاده (84) 00 ا الشيخ أحمد ماضي ومجد الإسلام. . . المفقود ااا ا المجنون وشعره بين اليازجي وطه حسين [ [‏ 1 ا ا 0 الشيخ علي يوسف صعيدي في بلاط صاحبة الجلالة! 4 زينب فواز والدر المنثور في طبقات ريات الخدور 01111 0 ا جر جي زيدان رائد نقد الفن التشكي ااا 00 لبيية هاشم وفتاة الشرق ا 1 لبيبة هاشم القاصة الطليعية وأقاصيصها الفاجعة 0000 معركة بين لبيبة هاشم وفي زيادة حول الفن والعلم 0 سليم عنحوري والشتاء ا ا إدرارد فانديك مؤسس علم تاريخ الأدب 00 ااا 0 مسحمل هسعود الاو ونه اوت له ولس وج ارو ووم لوو ا الا ل ا او ا 111 الكسندرا أفرينوه بين إسماعيل صبري باشا والخديو عباس ا المجلة المصرية وتجديد الشعر از[ 0 الشيخ مصطفى عبد الرازق في آثاره الآدبية 0 0 6253-6 الموضوع عبد الرحمن شكري أبو الشعر الحديث )١(‏ اعترافاته مدخل لمهم أديه ونفسه أدب الاعتراف بين الرقض والقبول لظ حلمي مراد بين «كتابي» و«مطبوعات كتابي») وس سسا سرون الور اليه االو ل اي عيل الرحمن صدقي هوامش من حياته وأديه و ا )١(‏ أحمد الصاوي صاحب «مجلتي؟ 1101111#31111111111أ01201 (؟7) أحمد الصاوي محمد صاحب «مجلتي' ا 000 ظ*1ظك1! وديع فلسطين . . ناقد الأدب 1[ 00 طاهر الطناحي اا ااا 117111171010000 الحوار الأدبي حول الثثر الفني ل ل عمدة المحققين عبد السلام هارون 111[ 1 1 210111011101ك0 © جه م.م © 6ه« ومس وهس عم عادر و شاه عب هو وج بن اها و و اود هه م سءع وهس مه و قاو دده فاقهة وهم جوم مهملا امه سم ووو او ووم امم مه وهم وإروعيومه (؟) حافظ نجيب الصحفي. . والمسرحي . . والأديب (141/84 -1987م) .. عمر عبد العزيز أمين صاحب روايات الجيب ورائد الصحافة الأدبية والفئية .. الصفحة 53317 3غ 011 6 » ما هنالك ‏ من أسرار بلاط السلطان عبد الحميد ‏ (تحقيق ودراسة). المركز الحر للإعلام والنشر 0 ام. © فصول من الصحافة الأندية. دار الفرجاني 9/85١م.‏ © علي أدهم بدن الأدب والتاريخ . الهيئة العامة للكتاب ٠55١م.‏ ©» قبس من وحي التراث . دار الفرجائي ١1551١م.‏ الهلال ماثة عام من التحديث والتنوير . دار الهلال 1557١م.‏ ه جرجي زبدان ‏ سلسلة نقاد الأدب ‏ الهيئة المصرية العامة للكتاب 15557م. ه محمد لطفي جمعة في موكب الحداة والأدب. عالم الكتب 1557م. © مكمل صبري «السريوني». الهيثة العامة للكتاب 555أ١م.‏ ه لدلة باسمة في حياة مي. دار الفرجاني 19557١م.‏ © بيلدوجرافيا أعمال محمد صبري السريوني . المجلس الاعلى للثقافة ٠"‏ ١٠م.‏ .م٠٠١١٠ محمد لطفي جمعة دراسة بيوجرافية ببلدوجرافية.‎ ٠ © أفراح ملوك ورؤساء مصر (من محمد علي إلى محمد حسني مبارك). مكتبة جزيرة الورد ٠1‏ ١1م.‏ © سارة العقاد أو الدس داغر ‏ مكتبة جزيرة الورد 1١1‏ ١1م.‏ © رواد ومعاصرون - مكتبة ومركز فهد بن محمد بن نايف الدبوس للتشر الأدبي ؟١-م.‏ دراسات مطولة تصدرت بعض الكتب © تذكار الصبا ‏ لمحمد لطفي جمعة. عالم الكتب ١٠١٠٠ام.‏ » حوار المفكرين ‏ رسائل أعلام العصر إلى محمد لطفي جمعة. عالم الكتب ٠'آم,‏ » المروءة والوفاء - مسرحية شعرية لخليل اليازجي. الهيثة العامة لقصور الثقافة ١‏ ٠١١٠م.‏ » علي بك أو فيما هي دولة المماليك ‏ مسرحية شعرية ‏ الطبعة الأولى المفقودة. الهيئة العامة لقصور الثقافة /ا٠ ٠‏ م. ه ديوان «وطنيتي» لعلي الفاياتي . مكتبة جزيرة الورد ١٠١١٠م.‏ 617١ منشورات مكتبة ومركزر فهد بن محمد بن نايف الدبوس للتراث الأدبي 55 الكويت(١)‏ ١‏ احسن حسني باشا الطويراني», أديب موسوعي من القرن التاسع عشر'. تأليف وإعداد فهد محمد نايف الدبوس. 5 «الشيخ على الليثئي» شاعر الخديوي إسماعيل والخديوي توفيق»؛ إعداد فهد محمد تابف الذبؤسن:: 7 #شعراء من الأمس القريب (الكويت - لبئان ‏ ليبيا ‏ مصر)». إعداد فهد محمد نايفتك اوسن : «في الكتاب وأحواله». تأليف أحمد العلاونة (1575ه-١١501م).‏ ه «العلماء العرب المعاصرون ومآل مكتباتهم مع الوثائق». تأليف أحمد العلاونة (85١ه-١١١1م).‏ انشر الأزهار. فيما وجد مكتوباً على القبور من الحكم والأشعار». تالعقن عبد الرحمن يوسف الفرحان (14175ه-١1١١1م).‏ 0-0 «ذهبية العصر». تأليف شهاب الدين أبي العباس أحمد بن يحيى بن فضل الله العمريء تحقيق إبراهيم صالح (1475ه-١1١1م)‏ 4- «المجمع المفنن بالمعجم المعنون. تأليف العلّامة الشيخ عبد الياسط الملطي» بتحقيق: عبد الله محمد الكندري (1475ه- ١7011م).‏ 4- «من مقالات وديع فلسطين في الأدب والتراجم»؛ (1437ه؟7١1١5م).‏ ,)م1١11 «رَوَاد ومعاصرون؟؛ تأليف أحمد حسني الطماوي (5137 1ه‎ - ٠ سلسلة نوادر الرحلات ١‏ «رحلة الشيخ علي اللبثي ببلاد النمسا وألمانيا»» تأليف علي بن حسن الليثي؛ 1) من العدد (1) إلى (5) يطلب من المركز في الكويت لمن يريد ذلك. ومن العدد (4) فما بعله؛ يطلب من دار البشائر الإسلامية بيرووات.